سلوى الزرهوني: مستقبل الإسلام السياسي غامض.. والسلطوية تتغذى على دعم خارجي    الرباط.. إطلاق النسخة الأولى من "هاكاثون" القدس 2024 للمقاولات الناشئة في مجال الصحة الرقمية    توقيف مواطن فرنسي من أصول جزائرية يشكل موضوع أمر دولي بإلقاء القبض    السلطات الإسبانية تنشر آلاف الجنود الإضافيين في فالنسيا بعد الفيضانات    نهضة بركان يحتفظ بالصدارة ويعمق أزمة المغرب التطواني    مطار الناظور يستقبل أزيد من 815 ألف مسافر عند متم شتنبر    2 مليار لتأهيل أربعة أسواق أسبوعية بإقليم الحسيمة        التامك: عدد السجناء بلغ 105 ألف وقانون العقوبات البديلة سيُقلّص من أعداد الوافدين    الجديدة تحتضن الدورة الاولى لأيام التراث والبيئة    وزارة العدل تعزز اللاّمركزية بتأسيس مديريات إقليمية لتحديث الإدارة القضائية    ممارسات خطيرة في سوق المحروقات ... جامعة أرباب محطات البنزين تدق ناقوس الخطر    مقتل مغربيين في فيضانات إسبانيا    وسط منافسة كبار الأندية الأوروبية… باريس سان جيرمان يتحرك لتأمين بقاء حكيمي    إسبانيا تعلن المناطق الأكثر تضررا بالفيضانات بمناطق "منكوبة"    "أبحث عن أبي" عمل فني جديد لفرقة نادي الحسيمة للمسرح    فيضانات إسبانيا.. الحكومة تستعد لإعلان المناطق المتضررة بشدة "مناطق منكوبة"    مصرع شاب جراء انقلاب سيارته بضواحي الحسيمة    خلال أسبوع واحد.. تسجيل أزيد من 2700 حالة إصابة و34 وفاة بجدري القردة في إفريقيا    زنيبر يقدم التقرير الحقوقي الأممي    رويترز: قوات إسرائيلية تنزل في بلدة ساحلية لبنانية وتعتقل شخصا    رئيس منتدى تشويسول إفريقيا للأعمال: المغرب فاعل رئيسي في تطوير الاستثمارات بإفريقيا    المغرب يحبط 49 ألف محاولة للهجرة غير النظامية في ظرف 9 شهور    أسعار السردين ترتفع من جديد بالأسواق المغربية    تكريم بسيدي قاسم يُسعد نجاة الوافي        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    هيئة: 110 مظاهرة ب 56 مدينة مغربية في جمعة "طوفان الأقصى" ال 56    بسبب غرامات الضمان الاجتماعي.. أرباب المقاهي والمطاعم يخرجون للاحتجاج    نقابة إصلاح الإدارة تنضم لرافضي "مشروع قانون الإضراب"    مطار الناظور العروي: أزيد من 815 ألف مسافر عند متم شتنبر    الأمم المتحدة: الوضع بشمال غزة "كارثي" والجميع معرض لخطر الموت الوشيك    بهذه الطريقة سيتم القضاء على شغب الجماهير … حتى اللفظي منه    أنيس بلافريج يكتب: فلسطين.. الخط الفاصل بين النظامين العالميين القديم والجديد    الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة طنجة تطوان الحسيمة تحصد 6 ميداليات في الجمنزياد العالمي المدرسي    فليك يضع شرطا لبيع أراوخو … فما رأي مسؤولي البارصا … !    نظرة على قوة هجوم برشلونة هذا الموسم    هذه مستجدات إصلاح الضريبة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة    فتح باب الترشيح للاستفادة من دعم الجولات المسرحية الوطنية    الجمعية المغربية للنقل الطرقي عبر القارات تعلق إضرابها.. وتعبر عن شكرها للتضامن الكبير للنقابات والجمعيات المهنية وتدخلات عامل إقليم الفحص أنجرة    "الشجرة التي تخفي الغابة..إلياس سلفاتي يعود لطنجة بمعرض يحاكي الطبيعة والحلم    بدون دبلوم .. الحكومة تعترف بمهارات غير المتعلمين وتقرر إدماجهم بسوق الشغل    قمة متكافئة بين سطاد المغربي ويوسفية برشيد المنبعث    الفيضانات تتسبب في إلغاء جائزة فالنسيا الكبرى للموتو جي بي    الحكومة تقترح 14 مليار درهم لتنزيل خارطة التشغيل ضمن مشروع قانون المالية    "تسريب وثائق حماس".. الكشف عن مشتبه به و"تورط" محتمل لنتيناهو    مناخ الأعمال في الصناعة يعتبر "عاديا" بالنسبة ل72% من المقاولات (بنك المغرب)    "البذلة السوداء" تغيب عن المحاكم.. التصعيد يشل الجلسات وصناديق الأداء    الأميرة للا حسناء تدشن بقطر الجناح المغربي "دار المغرب"    إطلاق الحملة الوطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة بإقليم الجديدة    "ماكدونالدز" تواجه أزمة صحية .. شرائح البصل وراء حالات التسمم    دراسة: الفئران الأفريقية تستخدم في مكافحة تهريب الحيوانات    ثمانية ملايين مصاب بالسل في أعلى عدد منذ بدء الرصد العالمي    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ديوان “جذبة المداح” للحسن بن سيدي علي
نشر في بيان اليوم يوم 21 - 06 - 2019

لقد أحسن الكاتب مولاي الحسن بن سيدي علي الاختيار، عندما أبدع في هذا اللون الأدبي، وكان موفقا كل التوفيق عندما اتجه للزجل، وآثر القصيدة النابعة من التراث الشعبي. لهذا نجده يخوض هذا التوجه الأدبي بمهارة واقتدار، وهو العارف بمسالكه ودهاليزه، والمتحكم في تضاريسه ودواليبه، والخبير بتقنياته ومقوماته. ويمكن للمتلقي أن يدرك ذلك بالملموس، عندما يتصفح مجموعته الزجلية المعنونة ب “جذبة المداح” التي صدرت السنة الماضية عن مطبعة نجمة الشرق، فيجد نفسه في حضرة زجال يملك ناصية الزجل، ويجيد الأخذ بمربط فرسه، ويبدع قصائد غاية في الروعة والجمال، تأتي مطواعة ومنسابة انسيابا، بفضل بنائها المحكم، وشحنتها المعجمية الفياضة والمكتنزة، وجرسها الموسيقي الأخاذ.
إن الإبداع الزجلي في عمومه لا يمكن أن نحصر وظيفته باعتباره إبداعا أدبيا بالمفهوم العام، بل هو لون إبداعي من نوع خاص، لأنه هو الأقرب إلى الهوية الوطنية، واللغة المتداولة بين شرائح واسعة من المجتمع المغربي، ومن ثم فهو من سمات حضارته ومن مظاهر أصالته، والأكثر التصاقا به. كما أنه يمثل سجل أفراحه وأتراحه، ومنبع آرائه وتصوراته.
لهذا، فإن المتتبع للساحة الأدبية المغربية سيجد خلال العقود الأخيرة أن أهم أعلام الأدب المغربي اتجهوا إلى هذا اللون الأدبي أمثال الدكتور عباس الجراري، والدكتور محمد الفاسي، والدكتور محمد السرغيني، والدكتور محمد بنشريفة، وغير هؤلاء كثير. ومن هنا، فإن الزجال من حيث يدري أو لا يدري فإنه يعمل على ترسيخ الثقافة الشعبية، ومن ثم الثقافة الوطنية، والرفع من منسوب استعمالها والتواصل بها، وفي الوقت نفسه التعبير عن الصورة الصادقة للشعب والأمة.
المتصفح لهذا الديوان الزجلي، سيجد أن الزجال مولاي الحسن بنسيدي علي يحسن تصيد الموضوعات، فينتقيها بعناية فائقة، فهو لا تفوته مناسبة أو حدث هام، إلا وتفاعل مع مجريات الأمور، وأطلق العنان لقريحته الزجلية كي تتفنن في النظم وحسن القول. ومن المواضيع المطروقة والتي طفت على السطح بشكل لافت، المواضيع الوطنية، فنجده ينافح عن الصحراء المغربية، ويتشبث أيما تشبث بوحدته الترابية للمغرب، بل إنه لا تفوته الفرصة دون أن ينبه أعداء الوطن لزيغهم وضلالهم. ويمضي في هذا المسار، فيدافع عن القضايا العربية والقومية، كالقضية الفلسطينية وما يتعرض له العالم العربي من تحديات. كما تهيمن على الديوان قصائد الشعر الغنائي بشتى أنواعه، كوصف الطبيعة أو ما يسمى بالربيعيات، وقصائد مجالس الأنس والمرح مع التعرض لذكر محاسن الجميلات والفاتنات. وفي الديوان قصائد أخرى خاصة بالمدح والرثاء والزهد.
بالإضافة إلى ذلك، ففي هذا الديوان يستوقفنا طغيان الجانب الروحي، والاتجاه نحو البعد الجُوَاني الداخلي، إذ يُعَد التصوف من الروافد التي ينهل منها الزجال لتكتسي النصوص مسحة روحانية، وشَحْنِها بطاقة نورانية. وهكذا، فالأولياء والصالحون لهم مقام خاص في الديوان (سيدي عزوز الوالي، سيدي أحمد أركان، سيدي يحيى الوالي). وأهل الله هم أفضل من يُطلبُ منهم المدد والسند، خاصة أثناء المدلهمات من الأمور. كما أن الزجال على غرار الزهاد والمتصوفة يستغل منبر القصيدة للدعوة إلى الزهد في الدنيا، والإعراض عن مباهجها، والاستعداد للموت ويوم الحساب (قصيدة: الفلك عايم).
المتمعن في اللغة التي يكتب بها الزجال، يجد أنها لغة رصينة ومتينة، مفرداتها مصقولة ومختارة بعناية. إذ أن الجانب المعجمي في هذه المجموعة الزجلية هو الذي يفصح عن لغتها المتميزة، التي تنحو لتوظيف كلمات تبدو غريبة لكونها قليلة الاستعمال والتداول، إلى الدرجة التي نصادف فيها مفردات لا يفهمها إلا من له دراية بالزجل. بالإضافة إلى كلمات أخرى مقترضة من الأمازيغية أو من اللغات الأجنبية مثل الفرنسية والإسبانية “صولدي، الكات كات، كوستيم”، وهي كلمات موجودة أصلا في اللغة الدارجة، دخلت إليها عن طريق العولمة والتلاقح الثقافي.
ودائما في إطار إغناء معجم النص، فإن الزجال يسترفد من التراث الشعبي، ويستعين بالعناصر الثقافية التي تحيا وتعيش في الممارسات اليومية، وفي مقدمتها الأمثال، التي تعتبر آثارا خالدة، وحكما مختزلة، لأنها خلاصة التجربة الإنسانية العميقة. وتضمين هذه الأمثال في ثنايا النصوص هو عبارة عن حِلْيَةٍ تزين نسيجها العام، وتضفي التأنق على منطوق الكلام. كما أنها تعمل على إيقاظ الضمائر، وتوعية العقول، وتنبيه الناس في المواقف والأحوال المختلفة.
ومن التقنيات التي يوظفها الزجال، والتي نصادفها مرارا في نصوصه، اللازمة التي تتكرر في القصيدة الزجلية، فتزيد من نبرة الإيقاع، وتقسم النص إلى لوحات متناسقة ومنسجمة، فترقى بمستوى الصورة البصرية عندما يعتمد الزجال استراتيجية التقسيم حيث يجعل اللازمة في مطلع كل مقطع زجلي، فتتحول القصيدة إلى مجموعة من الجداريات المتتالية والمتتابعة. ومن هذه اللازمات في الديوان: (قل الله الله، ياك الا خير خير، الله الله سيدي). ثم إن الزجال في إطار تنويع موسيقى النصوص يتكئ كثيرا على مسألة التناظر والتناسب والتماثل، بحيث يحدث التناغم والاطراد بين الأجزاء كما هو الحال في الفن الموسيقي، كما في هذا المثال: (شي كوخو مضلام/شي قصرو ضاوي). كما أنه لا يمكن أن ننسى دور القافية في تعزيز النظام الموسيقي، إذ يلجأ الزجال إلى توزيع القوافي وفق نسق معين، مما يجعل القصيدة الزجلية تبدو مرصعة ومزركشة بهذه الجواهر الثمينة التي تزينها وتزخرفها فتظهر في حلة متميزة. وعليه، فتارة يلجأ الزجال إلى التنويع في القوافي كما في قصيدة “زينة لحباب”: (لهبال، عضال، الحال، سال…/لحباب، شباب، غراب، لصحاب)، وتارة أخرى يعمل على توحيدها كما في قصيدة “اولاد الشرفا لحرار”، إذ جاء القافية تائية في جل الأسطر الزجلية: (ترجيست، بغيت، تسطيت، حليت، تمنيت، تهنيت…).
وهنا لا بد من إشارة مهمة، وهي أن الزجل كان على الدوام صنو الموسيقى، إذ هو في الأصل والصميم قائم على الانتقاء في كل شيء؛ في المواضيع والمفردات والبناء والأوزان.. ليزايل الكلام الشعبي العادي، ويرقى إلى الكلام الراقي الذي يصلح للمجالس الأدبية والمقامات النخبوية، وليتناسب مع اللحن والأنغام التي تطرب الآذان وتسمِعَ الجوانح والأفئدة أعذب الألحان والكلمات. ومن هنا، فإن هذه التجربة التي برع فيها الزجال مولاي الحسن بنسيدي علي تستحق أن يلتفت إليها أصحاب الغناء الشعبي وأهل السماع من المتصوفة، لتأخذ قصائد هذا الديوان آفاقا واسعة وأبعادا أكثر رحابة، وتتحول إلى لوحات أدبية ترافقها معزوفات وأنغام موسيقية تأخذ الألباب وتستهوي النفوس والقلوب.
وفي الأخير، نحيي بحرارة الأستاذ مولاي الحسن بنسيدي علي على هذه التجربة الزجلية التي تتسم بالمتعة والفائدة. وأفضل وصية نقدمها له في هذا المقام، هي دعوته للاستمرار في العطاء في هذا اللون الأدبي الذي يجيده، ومنحه مساحة أكبر وأوسع بين إبداعاته الأخرى، ونحن على يقين أن سير الزجال في هذا الاتجاه، سيمنحه مكانة الصدارة والريادة، ويضعه في مقام عالٍ بين الزجالين وأدباء الأدب الشعبي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.