يفترض أن يكون لليسار العربي إطاره الجامع عربياً بما يخدم فكره وتوجهاته وبرامجه السياسية هذه رسالة مني إلى أعضاء المؤتمر الثامن لحزب التقدم والاشتراكية، آمل أن تلقى اهتمامهم، أبدأها بتوجيه التحية إلى كل الجهود التي هيأت لهذا المؤتمر عناصر نجاحه، ولا أقصد بذلك التحضيرات الإدارية والإعلامية، ولا حتى المؤتمرات القاعدية والتمهيدية التي أوصلتنا إلى هذا المؤتمر فحسب. بل أقصد كذلك الدور المهم الذي لعبه مناضلو الحزب على مر السنوات الفاصلة بين المؤتمر السابق والمؤتمر الحالي، والتي شكلت الذخيرة الغنية، والغنية جداً، التي شقت الطريق أمام هذا المؤتمر. لذلك أقول: يحق لمناضلي حزب التقدم والاشتراكية أن يعتزوا بحزبهم، ويحق لهم أن يعتزوا بانعقاد مؤتمرهم الثامن، باعتباره تتويجاً لمرحلة كفاحية، ومقدمة لمرحلة كفاحية جديدة. فكفاح المناضلين لأجل الوطن وسعادته وازدهاره، ولأجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية لأبنائه، كفاح متواصل لا يتوقف، يرثه جيل بعد جيل، لتبقى الراية خفاقة في سماء الوطن وتحت شمسه الساطعة. بعد هذا أتوجه إلى أعضاء المؤتمر الأعزاء، وإلى قيادة الحزب بالأفكار والاقتراحات والتساؤلات التالية: 1) نلاحظ أن الحركة اليسارية في أميركا اللاتينية وفي مناطق عدة من أوروبا وأنحاء مختلفة من آسيا، بدأت تستعيد سياستها الهجومية، وتستعيد مواقعها في البرلمانات والحكومات والمجالس المحلية، الأمر الذي يؤكد أن البشرية ما زالت ترى في الحركة اليسارية باب الخلاص من الاستغلال والعذاب والاضطهاد والفقر والفساد، وباب الخلاص نحو الحرية والكرامة والازدهار والعدالة الاجتماعية وبناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة. وإن كنا نعتز بهذا التطور الملموس على المستوى العالمي، إلا أننا في الوقت نفسه نلاحظ أن اليسار العربي، إما ينهض ببطء شديد، دون أن يتمكن من استعادة مواقعه السابقة، وإما أنه مازال يعاني ما يعانيه من علامات ضعف وتردد، ويفتقد القدرة على لعب دوره المنشود في صفوف الحركة الجماهيرية، ينافسه في ذلك اليمين العلماني واليمين الديني. إن مثل الأمر يشكل هاجساً لدى صف واسع من أبناء القوى اليسارية العربية، ويضغط بالسؤال الدائم على العقل والوعي: لماذا؟ وما هو الحل؟ أن مثل هذا السؤال مطروح على الجميع، كما هو مطروح على حزبكم الشقيق. وكم نتمنى لو أن هذه القضية تدرج على جدول أعمال هيئات حزبكم، انطلاقاً من قناعتنا أن حزبكم يشكل أأحد أأحد المكونات الرئيسية والمهمة لليسار العربي، وبالتالي يتحمل مسؤولية تاريخية في مناقشة هذه القضية. 2) نلاحظ أن القوى اليسارية المتجاورة تجتهد في توفير إطار يجمعها كقوة فاعلة في محيطها، وفقاً لظروفها الخاصة. هذا ما نلاحظه على سبيل المثال في أميركا اللاتينية، وفي أوروبا. في منطقتنا العربية هناك إطار، موروث من زمن الاتحاد السوفييتي، يجمع عدداً من الأحزاب الشيوعية، التي تلتقي دورياً، وتكتفي بإصدار يبان موجز، كثير من المراقبين رأى أنه لا يفي بالغرض ولا يشفي غليل الشيوعيين واليساريين العرب، ولا يعكس حقيقة الدور الذي يفترض أن يلعبه اليسار العربي. ألا يرى الرفاق في "التقدم والاشتراكية" أن متغيرات كبرى دخلت على أوضاع القوى اليسارية في المنطقة العربية بعد زوال الاتحاد السوفييتي، وأن هذه المتغيرات تتطلب إعادة النظر بالصيغة المحدودة التي تجمع عدداً من الأحزاب الشيوعية العربية لصالح صيغة أكثر رحابة، تأخذ بعين الاعتبار إشراك صف جديد من القوى اليسارية وتطوير آليات انعقاد هذا الإطار، بحيث يشكل حدثاً سياسياً مميزاً له انعكاساته على مجمل الحياة السياسية في المنطقة العربية. ألا يرى الرفاق في "التقدم والاشتراكية" أن من شأن هذه الصيغة المقترحة أن ترفع من شأن القوى اليسارية العربية، ودورها، وأن تعزز نفوذها بين جماهيرها، من خلال حالة التضامن التي تولدها هذه الصيغة بين مكوناتها المختلفة. ألا يلاحظ الرفاق في "التقدم والاشتراكية" أن اليسار العربي هو التيار السياسي الوحيد الذي لا يملك مثل هذا الإطار، بينما نرى أن التيار الإسلامي يقيم لنفسه مؤتمراً دورياً ينعقد باستمرار وكذلك التيار القومي، كما نرى أن التيارين يبحثان دوماً عن نقاط التلاقي والتقاطع، في صيغ متعددة، الأمر الذي يفترض أن يكون لليسار العربي هو الآخر إطاره الجامع عربياً، بما يخدم فكره وتوجهاته وبرامجه السياسية ويضعه على سوية باقي التيارات الأخرى. 3) ربطاً بما سبق نلاحظ أن بعض القوى السياسية الرئيسية في الساحة الفلسطينية تستند إلى تحالفات وصيغ عربية وإقليمية ودولية، يفتقر لها اليسار الفلسطيني، الذي بعد زوال الاتحاد السوفييتي بقي يناضل مستنداً إلى قواه الذاتية دون دعم عربي أو دولي، رسمي أو حزبي. ومع ذلك واصل اليسار الفلسطيني بناء نفسه، ولعب دوره في ميادين النضال المختلفة، بتفاوت نسبي، بين هذا الطرف أو ذلك من أطراف اليسار الفلسطيني. إن مؤتمركم يشكل بالنسبة لي مناسبة لطرح السؤال التالي: ما هو دور اليسار العربي إزاء القضية الفلسطينية. هل هو مماثل لدور باقي القوى في الدعم والإسناد السياسي العام. وهل يساوي اليسار العربي بين مكونات الحركة الوطنية الفلسطينية دون تمييز بين هذه المكونات، أياً كانت خلفيتها الفكرية والإيديولوجية أو برامجها السياسية، أم أنه يفترض أن يحصل تقارب بين قوى اليسار العربي والقوى اليسارية الفلسطينية، يشكل أساساً لعلاقات مميزة، دون أن يكون ذلك على حساب موقف قوى اليسار العربي من باقي مكونات الحركة الوطنية الفلسطينية. ألا يلاحظ الرفاق في "التقدم والاشتراكية" أن دعماً مميزاً لقوى اليسار الفلسطيني من شأنه أن يعزز من دور هذه القوى. وألا يلاحظ الرفاق في "التقدم والاشتراكية" أن تزايد نفوذ وفعالية القوى اليسارية الفلسطينية من شأنه أن ينعكس إيجاباً على القوى اليسارية العربية وأن بشكل خدمة لسياستها وتعزيزاً لنفوذها هي الأخرى في أعين جماهيرها. أكتفي بهذه التساؤلات والأفكار، متوقعاً أن تلقى اهتمام الرفاق في "التقدم والاشتراكية" بشكل خاص، ومن باقي القوى اليسارية والديمقراطية المغربية, بشكل عام. عاش المؤتمر الثامن لحزب التقدم والاشتراكية