تحل السنة الأمازيغية 2969، في ظل استمرار الجدل حول إقرار يوم الثالث عشر من يناير، الذي يصادف اليوم الأول من السنة الأمازيغية، يوم عطلة مؤدى عنها وعيدا وطنيا رسميا، حيث لازالت الحكومة تواصل رفضها الاستجابة لمطلب أطلقته أساسا مكونات الحركة الأمازيغية منذ أكثر من نحو 25 سنة، وتوسع تبنيه حاليا من طرف مجموعة من المكونات السياسية والحقوقية والمدنية، التي تعتبر أن الوقت حان للتنزيل الفعلي لجزء من الدستور الذي اعترف بالأمازيغية لغة رسمية للمغاربة إلى جانب اللغة العربية. تأجيل الاعتراف الرسمي أو التردد في إقرار هذا العيد، لا يوجد مصوغ لتبريره، وفق رأي مختلف مكونات الحركة الأمازيغية، بل يبدو الأمر كأنه إصرار على ضرب إحدى المناسبات ذات الحمولة الرمزية في أعراف وتقاليد شعوب منطقة شمال إفريقيا، خاصة المغرب والجزائر، تلك الأعراف والتقاليد التي ترتبط بموروث حضاري حرص واضعو الدستور على التنصيص عليه باعتباره مكونا أساسيا من مكونات الهوية الوطنية. استمرار سياسة التمييز في هذا الإطار، اعتبر عبد الله بادو رئيس الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة المعروفة اختصارا ب “أزطا”، أن تأخر الدولة في الاعتراف بالسنة الأمازيغية هو أحد مظاهر التعثر والعجز الذي يطبعها في تبني إجراءات وخطوات عملية ملموسة لإعادة الاعتبار للمكون الأمازيغي الذي يشكل صلب وجوهر الهوية المغربية، بل يشكل استمرارا لسياساتها التمييزية اتجاه هذا المكون والتي تمتد منذ أول سنوات الاستقلال حين اعتبرت أن من أولوياتها تعريب التعليم وكافة القطاعات، الأمر الذي يكشف اليوم أن ذلك كان بغرض استهداف المكونات الأساسية للثقافة المغربية حيث تم ترسيخ وتعزيز اللغات الأجنبية على حساب اللغات الوطنية وخاصة الأمازيغية”. وقال مضيفا، في تصريح لجريدة “بيان اليوم”، إن التردد الحاصل على مستوى إقرار رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا وعطلة رسمية، غير مبرر بتاتا، خاصة وأن من شأن إقراره أن يصبح مكسبا للوطن ومكسبا للتعدد الثقافي واللغوي في بلادنا، وأيضا عنصرا ذا قيمة مضافة بالنسبة للتجربة المغربية في عملية إدراج التعدد بثقافاته المختلفة والمتنوعة وبأعرافه باختلاف مكوناته”، حسب المتحدث. وأفاد أن هذا التلكؤ السياسوي على ما يبدو، يدفعنا إلى محاولة فهم الأسباب والدواعي من وراء هذا التماطل المرفوض والذي لا يوجد له أي مبرر مقنع، معتبرا أن الأمر لا يعدو أن يكون رغبة لدى أصحاب القرار في الإمعان في تهميش الأمازيغية والنيل منها قصد إدانتها وتصير في خبر كان، حيث إن التهميش التدريجي الذي تتسبب فيه تدريجيا السياسات التمييزية الممنهجة منذ عقود، لن تكون محصلته غير هذا المصير”. وأعلن بنبرة غاضبة أنه “لا يعقل في دولة تحترم مكوناتها أن تقر بالتمييز بين المكونات الهوياتية وتعمل على تهميش لغاتها الرسمية وتسعى إلى فرنسة نظامها التعليمي والتربوي منذ الاستقلال”، وهذا الأمر يمتد إلى نهج الحكومة الحالية التي عجزت في بلورة سياسات عمومية قادرة على إنصاف اللغة والثقافة الأمازيغيتين والنهوض بهما، واستئصال كل أشكال التمييز التي تطالهما.. وأشار إلى أنه في الوقت الذي كان فيه منتظرا أن يكون للترسيم مفعول إيجابي لتقدم الأوراش التي انطلقت منذ سنوات، والارتقاء الفعلي بالمكون الأمازيغي كجزء أساسي من مكونات الهوية المغربية، يسجل استهداف آخر ينضاف إلى استهداف اللغة والثقافة، حيث انتقلت الحكومة إلى السرعة القصوى لتمرير قانونها المشؤوم 13.113 الخاص بتنظيم المراعي، لينضاف إلى ما تعيشه المناطق الأمازيغية خاصة بالريف وسوس من أوضاع اجتماعية صعبة، وهذا الأمر لا يمكن تصنيفه إلا ضمن نهج تسعى الحكومة عبره إلى وضع سياسات اقتصادية تؤدي حتما إلى التفقير، والإجهاز على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لهذه المناطق . احتفال شعبي رغم التجاهل الرسمي أكد بادو على أن الاحتفاء بالسنة الأمازيغية يعم مختلف مناطق المغرب، هذه السنة أيضا، في ظل جحود الدولة ومؤسساتها وإمعانها في الاستمرار في تهميش المكون الأمازيغي والانتقاص من قيمته، وإصرارها على نهج سياسة استئصالية هدفها اجتثات المكون الأمازيغي وآثاره إلى ما لا رجعة. واعتبر رئيس الشبكة، على أن هذا السلوك يبدو كأنه نهج ضمن مخطط خطير سيؤذي مستقبل البلاد واستقرارها ويخلق أجيالا تجهل الروابط بالأرض والتاريخ والجذور، مما سيقود حتما إلى وطن بلا هوية وبلا مواطنين حقيقيين. من جانبه ، أكد أحمد أرحموش، منسق الفيدرالية الوطنية للجمعيات الأمازيغية، أن الاحتفاء برأس السنة الأمازيغية هو جزء لا يتجزأ من مقومات الهوية الأمازيغية، مبرزا أن مطلب إقرار تاريخ هذا الاحتفاء عيدا وطنيا، هو مطلب تناضل من أجله الحركة الأمازيغية والمتعاطفون معها منذ أكثر من 25 سنة، لكن للأسف، الحكومات المتعاقبة تواصل تلكؤها ضد إرادة الشعب، هذا بالرغم من تنامي مظاهر الاحتفال حيث أصبح يتخذ مظاهر جديدة من قبيل الاحتفال في الشوارع والأماكن العمومية، حسب أرحموش. وأبرز منسق الفيدرالية الوطنية للجمعيات الأمازيغية أن “المغرب وبالرغم من أنه كان سباقا للاعتراف الرسمي بالأمازيغية في الدستور فإن السياسات العمومية للحكومة في حدود اختصاصاتها لا زالت لم تقطع مع التردد في هذا الموضوع لرد الاعتبار لعنصر من عناصر الهوية الوطنية الأصيلة”، علما أن ذلك، من جهة، “لا يتطلب سوى مرسوم في حدود أربعة أو خمسة أسطر”، ومن جهة ثانية، يسجل أنه “تم إقرار الجزائر رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية خلال السنة الماضية، وقبلها مدينة زوارة في ليبيا”. وأضاف أرحموش: “أعتقد أن التعامل مع هذا الموضوع يطبعه نوع من التردد غير المفهوم والتماطل شأنه شأن مجمل مقومات الهوية الأمازيغية، وهو ما يمكن تصنيفه في باب “تكريس العنصرية تجاه الأمازيغ في المغرب”، معبرا عن أمله في إقرار هذا اليوم عطلة رسمية وعيدا وطنيا، قائلا “إنه لدينا دائما أمل في أن يكون رأس سنة 2969 مناسبة للقطع مع نهج التردد، وأن تنهج الحكومة نهجا جديدا حيال المكون الهوياتي والثقافي الأمازيغي بإلغاء مختلف الإجراءات السياسية الخطيرة، خصوصا تلك التي ترتبط بمشروع القانون التنظيمي الخاص بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية”، حسب وصف المتحدث. فنن العفاني *** الاحتفال برأس السنة الأمازيغية تعبير عن التشبث بالأرض وبخيراتها بحلول التالث عشر من يناير من كل سنة يحتفل سكان شمال أفريقيا ومنهم المغاربة بحلول رأس السنة الأمازيغية التي تصادف هذه السنة مرور2969 سنة على بداية احتفال المغاربيين بهذه الذكرى، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن التقويم الامازيغي يعتبر من بين أقدم التقويمات التي استعملتها الإنسانية على مر العصور. وبخلاف التقويمين الميلادي والهجري فان التقويم الامازيغي غير مرتبط بأي حدث ديني أو عقائدي، بحيث ارتبط بحسب البعض بحدث سياسي تاريخي وبحسب البعض الآخر بحدث أسطوري في الثقافة الشعبية الأمازيغية. وهكذا ففي الوقت الذي ذهب فيه أصحاب التيار الأسطوري إلى أن بداية هدا التقويم ارتبط بالمعتقدات الأمازيغية القديمة التي تحكي أن امرأة عجوز استهانت بقوى الطبيعة واغترت بنفسها وأرجعت صمودها في الشتاء القاسي إلى قوتها ولم تشكر السماء، فغضب يناير رمز الخصوبة والزراعة منها ومن تصرفها فطلب من فورار» شهر فبراير» أن يقرضه يوما حتى يعاقب العجوز على جحودها فحدثت عاصفة شديدة أتت على خيرات أراضي تلك العجوز ومنه تحول ذلك اليوم في الذاكرة الجماعية رمزا للعقاب الذي قد يحل بكل من سولت له نفسه الاستخفاف بالطبيعة لذلك كان الأمازيغ السكان الأصليون لشمال أفريقيا يستحضرون يوم العجوز ويعتبرون يومها يوم حيطة وحذر يتجنبون الخروج فيه للرعي والأعمال الزراعية وغيرها مخافة من قوى الطبيعة ويكرسونه للاحتفال بالأرض وما يرتبط بها من الخيرات الطبيعية. هذا في الوقت الذي ذهب فيه البعض الآخر إلى أن السنة الأمازيغية مبنية على واقعة هزم الامازيغ للمصريين القدامى واعتلاء زعيمهم شيشرون للعرش الفرعوني وذلك سنة950 قبل الميلاد، بعد الانتصار على الملك رمسيس الثالث من أسرة الفراعنة في معركة دارت رحاها في منطقة بني سنوس قرب تلمسان، حيث يقام سنويا والى الآن كرنفال «إيرار» والذي يعني الأسد، مقارنة لقوة ملكهم شيشرون وسلطانه بملك الغابة. وتوثق النقوش التاريخية المحفورة على عدد من الأعمدة في معبد الكرنك في مدينة الأقصر بمصر لهذا النصر العسكري وتتحدث هذه الآثار بالتفصيل عن الأسرة الأمازيغية الثانية والعشرين.وبعد ذلك بدأ الامازيغ يخلدون كل سنة ذكرى هذا الانتصار التاريخي ومنذ تلك المعركة أصبح ذلك اليوم رأس سنة جديدة حسب تقويم خاص، بحيث اقتبسوا عن الرومان أصل تقويمهم، الشيء الذي ظهرت معه إلى الوجود الشهور الأمازيغية. وفي كلتا الرؤيتين فان احتفال المغاربة بالسنة الفلاحية تعبير عن تشبثهم بالأرض وخيراتها ويتجلى ذلك في الطقوس المرتبطة بالاحتفال، حيث يتم بالمناسبة إعداد العديد من المأكولات والوجبات التقليدية المتعارف عليها والتي تختلف باختلاف المناطق وبأنواع المحصولات المنتجة بها من حبوب وخضر وغيرها، ويتم إعداد «إمنسي» العشاء احتفاء بالسنة الامازيغية والطعام الذي يقدم يجب أن يشكل رمزا لغنى وخصوبة ووفرة المحصول والذي يتكون بحسب المناطق من الكسكس بسبع خضر والبسيس واوركيمن، وهو عبارة عن خليط من القطاني وبركوكس وهو عبارة عن طحين يخلط ويفتل بالماء ويمزج بعد ذلك بزيت أركان والعسل واملو وغيرها. وتعتبر «تاكلا»العصيدة الأكلة الأشهر وذات الرمزية العميقة في الثقافة الأمازيغية والتي يتم إعدادها بمناسبة رأس السنة الأمازيغية منذ القدم، هذه الأكلة التي تبرز مدى تشبث إنسان تامزغا بالأرض، وجرت العادة منذ القديم أن تناول هذه الوجبة في هذه المناسبة يكون مصحوبا بطقوس ثقافية من أهمها أنه يتم اختيار رجل أو امرأة السنة، صاحب الحظ السعيد والذي يجد أثناء الأكل أغورمي وهو بدرة تمر يتم إخفاؤها في الطبق المعد. وارتبط الاحتفال بهده المناسبة قبل دخول الأمازيغ في الإسلام ببعض المعتقدات الوثنية، حيث كانت النساء يضعن كميات صغيرة من الطعام الذي تعده الأسرة تحت الموقد وعمود البيت والمغزل للتقرب من الأرواح الخفية ونيل رضاها، وحينما جاء الإسلام هذب هذه السلوكيات لتتماشى مع القيم الإسلامية كما يقول العديد من الباحثين، بحيث أصبح التقرب إلى الله يتم عن طريق قراءة الفاتحة والتضرع إلى الله لكي تكون السنة الفلاحية جيدة و ليمن على الناس بالخير والرزق والبركة. ويصادف رأس السنة الأمازيغية شهر يناير من كل سنة وهو ما يعرف بينير، وهي عبارة أمازيغية مركبة من كلمتين وهما «يان» ويعني الأول، و»أيور» ومعناه الشهر، بمعنى أن العبارة تعني الشهر الأول. ويطلق البعض على المناسبة، تاكورت أوسكاس وتعني باب السنة، لذلك يعتبر ينير الشهر الأول في اللغة الأمازيغية أي أول الشهور في التقويم الأمازيغي.