بحلول الثالث عشر من يناير من كل سنة يحتفل سكان شمال إفريقيا ومنهم المغاربة بحلول راس السنة الامازيغية التي تصادف هذه السنة مرور2960 سنة على بداية احتفال المغاربيون بهذه الذكرى وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ان التقويم الامازيغي يعتبر من بين أقدم التقويمات التي استعملتها الإنسانية على مر العصور، حيث استعمله الامازيغ قبل951 ق م. وبخلاف التقويمين الميلادي والهجري فان التقويم الامازيغي غير مرتبط باي حدث ديني او عقائدي، بحيث ارتبط بحسب البعض بحدث سياسي تاريخي وبحسب البعض الآخر بحدث أسطوري في الثقافة الشعبية الأمازيغية،وهكذا ففي الوقت الذي ذهب فيه أصحاب التيار الاسطوري الى ان بداية هذا التقويم ارتبط بالمعتقدات الامازيغية القديمة التي تحكى على ان امراة عجوز استهانت بقوى الطبيعة واغترت بنفسها وارجعت صمودها في الشتاء القاسي الى قوتها ولم تشكر السماء فغضب يناير رمز الخصوبة والزراعة منها ومن تصرفها فطلب من فورار"شهر فبراير" ان يقرضه يوما حتى يعاقب العجوز على جحودها فحدثت عاصفة شديدة أتت على خيرات أراضي تلك العجوز ومنه تحول ذلك اليوم في الذاكرة الجماعية رمزا للعقاب الذي قد يحل بكل من سولت له نفسه الاستخفاف بالطبيعة لذلك كان الامازيغ السكان الاصليون لشمال افريقيا يستحضرون يوم العجوز ويعتبرون يومها يوم حيطة وحذر يتجنبون الخروج فيه للرعي والاعمال الزراعية وغيرها مخافة من قوى الطبيعة ويكرسونه للاحتفال بالأرض وما يرتبط بها من الخيرات الطبيعية . هذا في الوقت الذي ذهب فيه البعض الآخر الى ان السنة الامازيغية مبنية على واقعة هزم الامازيغ للمصريين القدامى واعتلاء زعيمهم شيشرون للعرش الفرعوني وذلك سنة950 ق, م بعد الانتصار على الملك رمسيس الثالث من أسرة الفراعنة في معركة دارت رحاها في منطقة بني سنوس قرب تلمسان، حيث يقام سنويا والى الآن كرنفال"إيرار" والذي يعني الاسد، مقارنة لقوة ملكهم شيشرون وسلطانه بملك الغابة. وتوثق النقوش التاريخية المحفورة على عدد من الاعمدة في معبد الكرنك في مدينة الاقصر بمصر لهذا النصر العسكري وتتحدث هذه الاثار بالتفصيل عن الاسرة الامازيغية الثانية والعشرين. وبعد ذلك بدأ الامازيغ يخلدون كل سنة ذكرى هذا الانتصار التاريخي ومنذ تلك المعركة أصبح ذلك اليوم رأس سنة جديدة حسب تقويم خاص بحيث اقتبسواعن الرومان أصل تقويمهم وعدله الشيء الذي ظهرت معه الى الوجود الشهور الامازيغية وفي كلتا الرؤيتين فان احتفال المغاربة بالسنة الفلاحية تعبير عن تشبثهم بالارض وخيراتها ويتجلى ذلك في الطقوس المرتبطة بالاحتفال حيث يتم بالمناسبة اعداد العديد من الماكولات والوجبات التقليدية المتعارف عليها والتي تختلف باختلاف المناطق وبانواع المحصولات المنتجة بها من حبوب وخضر وغيرها، ويتم اعداد"إمنسي" العشاء احتفاءا بالسنة الامازيغية والطعام الذي يقدم يجب ان يشكل رمزا لغنى وخصوبة ووفرة المحصول والذي يتكون بحسب المناطق من الكسكس بسبع خضر والبسيس واوركيمن,وهوعبارة عن خليط من القطاني وبركوكس وهو عبارة عن طحين يخلط ويفتل بالماء ويمزج بعد ذلك بزيت اركان والعسل واملو وغيرها. وتعتبر "تاكلا"العصيدة الأكلة الأشهر وذات الرمزية العميقة في الثقافة الأمازيغية والتي يتم اعدادها بمناسبة رأس السنة الأمازيغية منذ القدم هذه الأكلة التي تبرز مدى تشبت إنسان تامزغا بالأرض وجرت العادة منذ القديم أن تناول هذه الوجبة في هذه المناسبة يكون مصحوبا بطقوس ثقافية من أهمها أنه يتم إختيار رجل أو إمرأة السنة صاحب الحظ السعيد والذي يجد أثناء الأكل أغورمي وهو بدرة تمر يتم إخفاءها في الطبق المعد وارتبط الاحتفال بهده المناسبة قبل دخول الامازيغ في الاسلام ببعض المعتقدات الوثنية، حيث كانت النساء يضعن كميات صغيرة من الطعام الذي تعده الأسرة تحت الموقد وعمود البيت والمغزل للتقرب من الأرواح الخفية ونيل رضاها، وحينما جاء الاسلام هذب هذه السلوكيات لتتماشى مع القيم الاسلامية كما يقول العديد من الباحثين، بحيث اصبح التقرب الى الله يتم عن طريق قراءة الفاتحة والتضرع الى الله لكي تكون السنة الفلاحية جيدة و ليمن على الناس بالخير والرزق والبركة. ويصادف راس السنة الامازيغية شهر يناير من كل سنة وهو ما يعرف بينير، وهي عبارة أمازيغية مركبة من كلمتين وهما يان ويعني الاول، وأيور ومعناه الشهر، بمعنى ان العبارة تعني الشهر الاول . ويطلق البعض على المناسبة، تاكورت أوسكاس وتعني باب السنة، لذلك يعتبر ينير الشهر الاول في اللغة الامازيغية اي اول الشهور في التقويم الامازيغي. ويعتبر الاعتراف الرسمي بالسنة الامازيغية في العمق اعتراف بالبعد الأمازيغي للمغرب كبعد اصلي وأصيل وتأكيد على أن الامازيغية تمتد جذورها في أعماق تاريخ المغرب بحيث يمتد تاريخ المغرب بحسب التقويم الامازيغي الى 2960 سنة و لا يرتبط فقط باثنى عشر قرنا، كما هو سائد في الخطاب الرسمي و المقررات الدراسية. إن الانفتاح في السنوات الاخيرة على الاحتفالات المنظمة بهذه المناسبة من قبل الاعلام العمومي السمعي والبصري إسوة بالإعلام المكتوب يؤكد ويستجب لضرورة إعطاء دفعة جديدة للثقافة الامازيغية في أبعادها الرمزية باعتبارها ثروة وطنية تشكل مصدر فخر وإعتزاز لجميع المغاربة، ذلك ان الثقافة هي في جوهرها ولبها مجموعة من المظاهر الرمزية المعبر عنها بواسطة انشطة و ممارسات وقيم، واقصاء ثقافة ما يبدأ باقصاء مظاهرها الرمزية . كما ان رد الاعتبار لهذه الثقافة يبدأ برد الاعتبار لمظاهرها الرمزية . والاحتفال براس السنة الامازيغية من قبل الأسر ومكونات الحركة الثقافية الامازيغية والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية يدخل في صميم تذكير مكونات الشعب المغربي بتقاليده وعاداته وعمقه الحضاري الذي ينبغي الحفاظ عليه واسترجاعه حتى يتشبث المغرب بجذوره الثقافية والحضارية، وعلى هذا الاساس فان 13 يناير ينبغي ان يكون يوم وطني يربط الانسان المغربي بخيرات أرضه وعمقه الثقافي الحضاري وتصالحه مع ماضيه لكي يكون المغاربة السباقون في هذا الميدان وليس اللاحقين وذلك لكون الأمازيغية مكون أساسي للثقافة الوطنية المغاربية وتراث ثقافي زاخر شاهد على حضورها في كل معالم التاريخ والحضارة المغربية ونتمنى أن يساهم خروج مشروع القناة الأمازيغية للوجود بشكل كبير في التعريف بهده المناسبة والطقوس والاحتفالات المرتبطة بها الشيء الدي يدفعنا الى المطالبة بأن تكون هذه القناة قفزة نوعية في المتخيل الجمعي المغربي في اتجاه تكريس قيم التعدد الثقافي من جهة وتوجه نحو التصالح التاريخي مع المكون الأصلي والأصيل في الهوية والثقافة المغربية ولن يكون ذلك إلا بإعداد برامج ثقافية علمية من طرف الأنتروبولوجيين وعلماء الاجتماع تتحدث بشكل علمي عن هذه المناسبة وتحلل أبعاد الطقوس المرتبطة بها وإمكانية استثمارها في التنمية المستديمة لمناطق وجهات المغرب من خلال الحفاظ على المؤهلات والطقوس الثقافية للمغرب العميق. وفي الاخير وبمناسبة السنة الامازيغية الجديدة 2960 والتي تصادف 13 يناير 2010 للجميع اقول اسكاس امكاز اسكاس نغودان اسكاس اسعد ذ. لطيفة دوش* *رئيسة منظمة تاماينوت