في رده على رشيد حموني الذي دعا وزارة الصحة إلى الاستمرار في نهج تخفيض أثمنة الأدوية وجه النائب رشيد حموني عن المجموعة النيابية للتقدم والاشتراكية بمجلس النواب، سؤالا إلى وزير الصحة أناس الدكالي، خلال جلسة الأسئلة الشفهية الأسبوعية المنعقدة بالمجلس يوم 17 دجنبر 2018، حول السياسة الدوائية، متسائلا في هذا الصدد، عن مدى صحة الأخبار التي تتحدث عن ضياع نسبة مهمة من الأدوية وتقادمها وسوء توزيعها. وبعد أن تقدم النائب رشيد حموني خلال تعقيبه، بشكره لوزير الصحة أناس الدكالي باسم المجموعة النيابية للتقدم والاشتراكية بمجلس النواب، على التوضيحات التي قدمها ضمن جوابه، وذلك من أجل تصحيح المغالطات التي روجتها بعض الأقلام المأجورة، شدد على أن هذا الأمر ليس غريبا، مشيرا في هذا الصدد، إلى أنه كلما تم الحديث عن الأدوية وتخفيض أثمنتها، إلا وتحركت لوبيات الأدوية، من أجل قيامها بالهجوم على قطاع الصحة، مذكرا في السياق ذاته، بما تعرض له وزير الصحة السابق البروفيسور الحسين الوردي، من تهديدات في حياته الشخصية ، وكذا حياة أبنائه ، بسبب تدخلات لوبيات الأدوية. كما ثمن رشيد حموني، في معرض تعقيبه، على جواب وزير الصحة أناس الدكالي، الإجراءات الإيجابية التي تتخذها وزارة الصحة في مجال تشجيع الأدوية الجنيسة، مشيرا إلى أن الدليل في هذا الصدد، هو انخفاض دواء التهاب -الكبد ج l'hépatite c- الذي كان ثمنه في السابق يصل إلى 100 مليون، واليوم أصبح ثمنه 3000 درهم، مؤكدا على أن هذه الأدوية تعتبر صناعة وطنية مائة في المائة، مطالبا وزير الصحة بالاستمرار في نهج هذه السياسة، وتخفيض أثمنة الأدوية لتكون في متناول المواطنات والمواطنين، مذكرا في السياق ذاته، بأهمية الدواء في سلسلة العلاج. كما ثمن النائب رشيد حموني من جهة أخرى، في سياق حديثه، إقدام وزارة الصحة على تعيين مدير على مديرية الأدوية، معربا في هذا الشأن، عن أمله في أن تتحول هذه المديرية، إلى وكالة، وكذا خروج القانون المتعلق بها في أقرب وقت، بغية تحسين الحكامة الجيدة داخل هذا القطاع. وعلى صعيد آخر، ثمن النائب رشيد حموني، أيضا النظام المعلوماتي الذي أحدثته وزارة الصحة، وذلك لحل مشكل الأدوية التي توجد في مستشفى معين فيما يشتكي مستشفى آخر من الخصاص، مشيرا إلى أنه بموجب هذا النظام المعلوماتي، بإمكان مستشفى معين، أن يتبادل مع مستشفى آخر، إسهاما في حل المشكل المطروح على هذا المستوى. وخلال جوابه، أبرز وزير الصحة سياسة توزيع الدواء ومدى إحساس المواطن بالمجهودات التي تقوم بها وزارة الصحة، من خلال الرفع من الميزانية للاستفادة من الدواء، مشيرا إلى أن الهدف من السياسة الدوائية هو ضمان الولوجية الحاضرة في إستراتيجية 2025، مؤكدا على أن من بين الإجراءات الأساسية التي تشتغل عليها وزارة الصحة، هي إحداث وكالة وطنية للأدوية والمنتجات الصحية، وتشجيع استعمال الأدوية الجنيسة، مع الاستمرار في هذا الشأن بعدة إجراءات، وكذا تشجيع الصناعة الدوائية المحلية، والاستثناء من الضريبة عن القيمة المضافة ، مذكرا بهذا الخصوص، بكون الحكومة قد قبلت اليوم، مقترحا للغرفة الثانية، يقضي بحذف الضريبة عن القيمة المضافة بالنسبة ل 350 دواء من الصنف الثالث والرابع. وفيما يتعلق بمسطرة صفقات الأدوية، أوضح وزير الصحة أنها مؤطرة بموجب قانون الصفقات والأشغال العمومية، مضيفا في السياق ذاته، أن الصفقات التي تبرمها اليوم، وزارة الصحة، عن طريق طلبات العروض، هي مفتوحة ومتاحة لجميع المتنافسين، الذين تضمن لهم الوزارة كامل الشفافية والنزاهة التي يخولها القانون . كما توقف وزير الصحة من جهة أخرى، في معرض جوابه، عند الإكراهات التي يطرحها قانون الصفقات، والتي أوضح أنها تتجلى في الوقت الذي تستغرقه هذه الصفقات، والتي تؤثر سلبا على نفاذ المخزون، مؤكدا على أن شراء الأدوية ليست صفقة عادية،وبالتالي ستسير وزارة الصحة في توجه اعتماد الصفقات الإطار لمدة ثلاث سنوات، يضيف وزير الصحة أناس الدكالي، بغية حل هذا المشكل، قبل أن يؤكد على أن الوزارة تقوم بالمراقبة الداخلية والافتحاص، بشكل دوري وسنوي، من قبل المفتشية العامة للوزارة، وكذلك على مستوى الافتحاص الخارجي، من قبل مفتشية وزارة الاقتصاد والمالية، متوقفا عند المستوى التدبيري، من خلال الحرص على توزيع الأدوية بشكل دقيق. وفيما يتعلق بقانون الصيدلة، ذكر وزير الصحة أناس الدكالي، أن هناك مستويين، مركزي وآخر جهوي وإقليمي، متوقفا عند المستوى المركزي الذي تعتمد الوزارة بموجبه على نظام الشراء المركزي، وكذا تخزين الأدوية في مستودعات الدارالبيضاء، وبرشيد، حيث يتم توزيع الأدوية على جميع المستشفيات والمندوبيات، تحت إشراف صيادلة وأطر وفقا لمعايير التخزين، من أجل تجنب مدة انتهاء الصلاحية، مؤكد على أن التوزيع الحالي يعاني من إكراهات كثيرة، ومنها ندرة الموارد البشرية المختصة، وارتفاع كمية المواد الصيدلية خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، مما يطرح مشكل التخزين . وذكر وزير الصحة أناس الدكالي، من جهة أخرى، بأن التوجه الذي اتخذته وزارة الصحة هو المناولة لسلسلة التوزيع لدى القطاع الخاص، والذي أوضح أنه يتوفر على التجربة في هذا المجال، ملاحظا أن هناك نجاحا على مستوى توزيع الأدوية على مستوى الصيدليات،بفعل هذا النظام الذي يتوفر عليه القطاع الخاص، والذي أكد وزير الصحة أناس الدكالي، على أن وزارة الصحة ستستعين به، من أجل تحسين الجانب المتعلق بالتوزيع، حرصا على إيصال الدواء في الوقت والمكان المناسبين. كما أشار وزير الصحة أناس الدكالي، فيما يتعلق بنفاذ مخزون الأدوية إلى وجود عدة إشكالات، ومنها تأخر الاعتمادات في بعض الحالات، والمرصودة لشراء الأدوية، حيث أن هذا التأخر الذي كان يقع في سنوات، تغلبت عليه الوزارة سنة 2019، وتم تجاوز هذا الإشكال،مذكرا ببرمجة الاعتمادات كلية والمرصودة في إطار قانون المالية للحساب الخصوصي للصيدلية المركزية، معلنا على أنه انطلاقا من يناير 2019 يمكن الشروع في الصفقات. *** تدخلات مستشاري حزب التقدم والاشتراكية بمجلس المستشارين مداخلة مستشاري حزب التقدم والاشتراكية في مناقشة مشروع ميزانية وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات بمجلس المستشارين تعتبر الفلاحة القطاع الأول الذي يعتمد عليه الاقتصاد المغربي بحكم موقع المغرب ومناخه وطبيعة ساكنته عبر عقود. ولقد عرف هذا القطاع عدة مبادرات (إصلاحية) منذ بداية الاستقلال، إلا أنه مع الأسف، لم يستطع أن يحقق الأهداف المنشودة منه في مجال التنمية.تعتبر الفلاحة القطاع الأول الذي يعتمد عليه الاقتصاد المغربي بحكم موقع المغرب ومناخه وطبيعة ساكنته عبر عقود. ولقد عرف هذا القطاع عدة مبادرات (إصلاحية) منذ بداية الاستقلال، إلا أنه مع الأسف، لم يستطع أن يحقق الأهداف المنشودة منه في مجال التنمية.وكيفما كانت الأسباب والمبررات، فإنه لم يعد من الممكن التبرير بأسباب مناخية أو ظرفية أو أسباب تقنية، والتذرع بقلة الإمكانيات، لأن القطاع أنتج فئة من كبار الفلاحين فأنتج كذلك تدهور حالة الفلاحين الصغار وتقهقر الأوضاع في البوادي واستنزاف الموارد السطحية والجوفية والمائية، منها بالخصوص. مما أدى إلى توسيع مجال الفقر وانحدار الطبقة الوسطى، وانتشار الهجرة إلى ضواحي المدن، وما يترتب عن ذلك من آفات مجتمعية خطيرة.ولقد كان مشروع مخطط المغرب الأخضر الذي انطلق في سنة 2008 يحمل آمالا عريضة للمغاربة والفلاحين على أساس مبادئ العدل الاجتماعي وتقوية موقع الفلاح وإنصافه وخلق ظروف انتعاش وإحداث تحول قوي في البوادي المغربية، من خلال إلاجراءات والبرامج التي يحتوي عليها، سواء في دعامته الأولى المتعلقة بالفلاحة العصرية أو في دعامته الثانية المتعلقة بالفلاحة التضامنية والمعيشية.فانطلق هذا المشروع في ظروف كان من الممكن أن تؤمن له كل مقومات النجاح والوصول إلى تحقيق كامل أهدافه في أفق عشريته الأولى: إثارة الانتباه واستقطاب عناية كل الفلاحين في مختلف مناطق المغرب، وما يحملونه من آمال للتوفر على ما يكفي للإنتاج الفلاحي لضمان المعيشة والمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي، توالي سنوات ممطرة بشكل يقلل نسبيا من آثار الجفاف، انطلاق عدد كبير من المشاريع، وبالخصوص التي تهم الدعامة الأولى مع ما تبع ذلك من توزيع الأراضي الفلاحية التابعة للدولة على الخواص والتشجيعات المرافقة لذلك، تخصيص اعتمادات كبرى لضمان إنجاح المخطط،ونعتبر ان عشر سنوات على انطلاق هذا المخطط مدة كافية لتقييمه والوقوف على مدى تحقيق الآمال المعقودة عليه.هذا التقييم الذي أصبح يفرض نفسه بعد الإعلان الرسمي عن استنفاذ النموذج التنموي القائم بكل مقوماته، وبلورة نموذج تنموي جديد. وهو ما يعني ضمنيا تأثير سلبي للفلاحة، له انعكاس يصعب معه الوقوف عند تحقيق الأهداف المرسومة.وهو ما أدى إلى دعوة جلالة الملك مؤخرا إلى إعادة إنعاش طبقة وسطى فلاحية في العالم القروي والأرياف وإعادة النظر في السياسة الفلاحية كلها، خصوصا ما له ارتباط بتنمية العالم القروي.وهو ما يعني صراحة أن مخطط المغرب الأخضر بقدر ما وفر المجال لطبقة فلاحية كبرى لا تتعدى 20 % في كل المجال الفلاحي، بقدر ما كان ذلك على حساب الطبقات المتوسطة والصغيرة من الفلاحين الذين يكونون 80 % من الكتلة البشرية للفلاحين.ونحن نعتقد أن القطاع الفلاحي مطالب اليوم بمراجعة نفسه وخطط عمله وتوجهاته الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بشكل كامل. لا يجادل أحد في أن القطاع الفلاحي يعتبر قطاعا استراتيجيا، ولا نتصوره بدون نموذج تنموي جاد وفعال مرتبط أساسا بتنمية العالم القروي وساكنته.ومن ثم، فإن مخطط المغرب الأخضر بدون هذا الاعتراف الواضح وبدون الإعلان بالالتزام بمبادئ العدالة الاجتماعية لا يمكن أن يتقدم أو يساهم بشكل قوي في النموذج التنموي المنشود، لأن الأمر يتعلق بحوالي 13 مليون مغربي في القرى والأرياف يعيشون أساسا من الأرض ومن الأنشطة الفلاحية. أن الأمر يتعلق بقطاع استراتيجي وازن ومؤثر بقوة على الاقتصاد الوطني – إذا لم يكن مرتبطا في توجهه بمصلحة الفلاحين، فإنه سيبقى مجرد قطاع مستهلك للطاقات بدون جدوى اقتصادية واجتماعية وبيئية. انظروا كيف ترتفع نسبة النمو في المواسم الفلاحية الجيدة، وتنخفض في السنوات العجاف ! انظروا إلى الكم الهائل من ساكنة الأرياف التي تلتحق بأحزمة الفقر بضواحي المدن الكبرى، وتؤثر في النمو الحضري في سنوات الجفاف !. 3) القطاع الفلاحي ليس مجرد مقاولة اقتصادية تجارية أو قطاعا حكوميا يمكن إخضاعه للتقلبات والتجارب والإجراءات الغير أفقية. إنه قطاع استراتيجي وازن ترتبط به مهمة توفير الأمن الغذائي للشعب، وهو أهم وأخطر من كل أمن آخر، بل هو أساس ضمان أمن المواطن في الحياة والكرامة والعيش الكريم والاستقرار. و يجدر بنا التساؤل بعد عقد من الزمن من انطلاق مخطط المغرب الأخضر عما حققه لشعب الفلاحين. بالفعل، لا ننكر أنه يعتبر مبادرة ابتكارية حديثة وعصرية حققت منجزات كبيرة في أفق إصلاح عميق لم يتحقق إلى حد الآن. لقد ساهمت السياسة الفلاحية المرموز لها بالمغرب الأخضر في تطوير جانب من الفلاحة ذات القيمة المضافة، لكن يظهر أن في هذا النجاح يكمن الفشل أيضا، لأنه أدى إلى إفقار الانسان المغربي. فجميل جدا أن نرفع من مستوى انتاجية فلاحتنا العصرية وتوسيعها وتأطيرها، ولكن يجب أن يكون ذلك من خلال مقاربة شمولية تحصن للفلاحين الصغار والمتوسطين فضاءاتهم ومكانتهم وقدرتهم الإنتاجية وتطويرها والرفع من مستواها من خلال تدابير وإجراءات تهم توزيع الأراضي وتخصيص الدعم الكامل لفائدتهم ومواكبتهم في مسلسل التحديث القروي وعصرنة وسائل الإنتاج. وهو شئ ما زال مأمولا وينتظره المغاربة. فإعطاء الإهتمام وكل الدعم للفلاحة العصرية المحصورة في أيادي أقلية ، هو الذي أدى إلى ربطها بالتصدير عوض ربط القطاع الفلاحي برمته بمهمة مركزية وهي الأمن الغذائي للشعب أولا، وتعبئته كقطاع منتج للتصدير أيضا. وهذا لن يتأتى إلا عبر ما يسمى بالقطاع التقليدي الذي يعد تقليديا بالفعل لاستطاعته استعمال تقنيات حديثة ولوبشكل محدود، إذا ما وفرت له إمكانية ذلك وهذا القطاع الواسع والغالب لم يحظ سوى بعشر (1/10) ما حظيت به الفلاحة الكبرى بشكل مباشر وغير مباشر، ومن منطلق سياسي وفكري لا نتحفظ في القول أن مخطط المغرب الأخضر يدعم بشكل قوي الفلاحة الكبرى الرأسمالية ويعزز الملاكين الكبار الذين ليسوا أصلا بحاجة إلى دعم على حساب الفلاحين الصغار ، والذين لا يوزع عليهم إلا الفتات من الدعم، لأن استفادتهم من السلاسل الانتاجية ومن التجميع لم تكن في مستوى طموحاتهم عند انطلاق المخطط. وحسب المعلومات الواردة في مصادر وزارة الفلاحة، فإن هناك 60 مشروع اندماجي فقط في إطار التجميع 47 منها تهم الانتاج النباتي و 13 تهم الانتاج الحيواني، وتهم 49.000 فلاح فقط من أصل مليون فلاح متوسط وصغير معنيين بعملية التجميع. وفي جميع الأحوال، فمهما كانت الأرقام والمؤشرات فإن الواقع يعلو ولا يعلى عليه، ونعتقد أن الحل ليس في مجرد الاكتفاء بالرفع من مخصصات الدعامة الثانية المتعلقة بالفلاحة التضامنية، بل الحل يكمن في إعادة النظر في عمق المخطط بقصد جعله يقف على رجليه، وليس على رأسه. وهو ما يتطلب قلب المعادلة بتخصيص الحصة الكبرى من الدعم للفلاحين الصغار والفقراء والمحتاجين لدعم الدولة، وليس لكبار الملاكين الذين يجنون أرباحا من نشاطهم الزراعي بجانب ما يجنونه من الأنشطة التجارية والصناعية المختلفة. إن الحل في تمييز الفلاحة وحصانتها بين القطاعات الأخرى وإعطاء الأولوية لتشجيع المهنيين الحقيقيين والمختصين ودعمهم، بجانب الرفع من مستوى البحث العلمي ومن التأطير البحثي والتجريبي Recherche – Etudes لذلك ، فليس لنا من مخرج سوى الرجوع إلى مطلب إصلاح زراعي حقيقي، والذي سبق لنا أن دعونا إليه في عدة مناسبات،وهوليس مجرد توزيع لأراضي الدولة لفلاحين لهم ما يكفي من مساحات شاسعة مطالبون بتكثيف الانتاج بها وإعطاء الفرصة للفلاحين المتوسطين والصغار ليطوروا مهاراتهم وقدراتهم وليستفيدوا من دعم الدولة فالإصلاح الزراعي يعني أيضا توسيع الأراضي الصالحة للزراعة والمساحات المسقية وتوسيعها في الوقت الذي لا يتعدى محيطها 12 %، حيث وصلت نسبة ذلك في دول أخرى إلى ما يزيد عن 50 %. ويعني أيضا تثمين الموارد البشرية في أفق تمكينها من التكوين والتوجيه حسب ما دعا إليه جلالة الملك بسبب ارتباط الفلاحة بمعيشة ما يزيد عن 80 % من ساكنة القرى والأرياف. ويعني الإصلاح الزراعي أيضا تمكين وتمتيع النساء بحقوقهن وحصصهن في المجال الفلاحي، سواء تعلق الأمر بأراضي الجموع وغيرها باعتبار أن المرأة القروية كائن فلاحي بامتياز، لا يمكن فصلها عن الإنتاج وعن عطاء الأرض، وأن وضعها اليوم يتطلب وضعها في مسلسل الترقية الاجتماعية وإنصافها، بحكم ما تساهم به في الإنتاج الوطني. ويعني كذلك معالجة إكراهات نذرة المياه والعجز المائي ومعالجة إشكالية تبخر كميات هائلة من المياه لا يتم استغلالها في السدود والمجاري والبحيرات. كما يعني تجديد الموارد المائية وتنويعها وتقويتها بما في ذلك الأساليب الجديدة المتعلقة بتحلية مياه البحر، واستغلال الثلوج اللآصقة في قمم الجبال وتنويع أشكال تنميتها واستغلال الطاقات المتجددة التي تتوفر عليها البلاد. كما أن الإصلاح الزراعي يعني معالجة إشكالية الاستغلاليات الزراعية التي لا ينبغي حصرها في أقل من 5 هكتارات، والتي هي عليها الآن بنسبة 85 %. إن هذه المقاربة من شأنها أن تساعد على تجاوز ثنائية المقاربات في القطاع الفلاحي وتدويره بين قطاع عصري وقطاع تقليدي، بدل أن يكون المخطط مستهدفا لتحديث شامل للفلاحة الوطنية وفق تصور استراتيجي ، هدفه الأساسي تحقيق الأمن الغذائي والعيش الكريم للمواطنين. السيد الوزير،إن الحديث عن خلق طبقة وسطى في القرى والبوادي لا يعني إحداث طبقة لم تكن موجودة، فالبادية المغربية عامرة بأهلها، ولأن البوادي المغربية خصوصا الفلاحية والرعوية منها كانت دائما تمثل الطبقة الوسطى النشيطة والمغذية للمجالات الحضرية، وتتمتع باستقلالية وديناميكية قويين ، غالبا ما تعتمد على نفسها وشبكاتهاالترويجية التي تساهم في جودة المعيشة وتزويد الأسواق بمنتوجات طبيعية سليمة وصحية.ونظن أن الأمر يتعلق برد الاعتبار إلى مكانة ساكنة البوادي وفلاحيها بتمتيعهم من الحصة الوافرة من الدعم، الذي لا يستفيدون منه في الوقت الراهن إلا بنسبة ضعيفة لا تتعدى 10 % . بينما الباقي يؤول إلى كبار الفلاحين الغير المحتاجين للدعم.وهنا يظهر عمق مضمون الخطاب الملكي الذي يدعو إلى خلق طبقة متوسطة في البوادي والأرياف، وهي دعوة لإنصافها ورد الاعتبار لها.وهو ما يجعلنا نسائلكم، كيف ستفعلون لتحقيق هذا الهدف دون مراجعة مضامين مخطط المغرب الأخضر والإقدام على توزيع الأراضي على المنتجين، خصوصا وأنكم أعلنتم عن الشروع في تهيئة مليون هكتار. فمن يا ترى سيستأثر بهاته المساحات الشاسعة من الهكتارات؟ وكيف سيتم تمليك أراضي الجموع؟ وكيف سيتم انتزاعها من مستغليها الحاليين؟لذلك، فلا مناط من توسيع المساحات الصالحة للزراعة والإعلان عن برنامج وطني طموح لاستصلاح الأراضي ومد قنوات الري لأراضي شاسعة غير مستغلة حاليا.كما يتعين التفكير في جعل الفلاحة قطاعا أساسيا بامتياز، لتحقيق التنمية المستدامة بكامل أهدافها وشروطها، وجعلها قاطرة لتنفيذ أجندة 2030، باعتبارها ممرا لتحسين المؤشرات الدولية لمكانة المغرب وإعداده للإقلاع الحقيقي اعتمادا على قدراته الذاتية البشرية منها والمجالية وعلى اندماج ساكنته.إنه رهان استراتيجي وكسبه يتطلب إعداد مخطط جديد للفلاحة المغربية حتى نضمن كسب نجاح نموذج تنموي طموح يتخذ الفلاحة منطلقا.وفي هذا السياق، وانطلاقا من تجربة تنفيذ المخطط الأخضر إلى اليوم، وما حققه، تطرح بعض الأسئلة،التي لابد من الجواب عنها خلال عملية تقييم مخطط المغرب الاخضر: ما مدى تقيد التطوير الفلاحي بضرورة الحفاظ على البيئة؟ ما هي جدية استحضار مخطط المغرب الأخضر لحق الأجيال اللآحقة في المخزون الوطني للثروات الطبيعية؟ما هي التدابير التي يمكن أن يتم اتخاذها لتكييف الطموح الفلاحي مع معطيات التغيرات المناخية؟ لماذا لم ينجح المخطط في إفراز أو الحفاظ على طبقة فلاحية وسطى بالعالم القروي؟ ما هي مساهمة تنفيذ مخطط المغرب الخضر في الحد من الهجرة القروية ونزيف البوادي المغربية؟ ما هي الميكانيزمات والآليات المتوفرة لخلق الثروة الوطنية الفلاحية وتوزيع هذه الثروة المفترضة بشكل عادل؟تلكم بعض التساؤلات وغيرها التي ستساعد الإجابة عنها في وضع تصور مستقبلي لمخطط فلاحي وطني شامل. محمد بن اسعيد: مجلس النواب