لوديي يستقبل الوزير المنتدب لدى رئاسة جمهورية الكاميرون المكلف بالدفاع    بنك المغرب: التضخم يتراجع إلى 0,9 في المائة سنة 2024    العدالة والتنمية يندد باستئناف العدوان على غزة ويدعو الجهات الرسمية للتحرك    إسرائيل تغتال أبو حمزة ومصير أبو عبيدة لا يزال مجهولا    امتلاء سد الشريف الإدريسي بالكامل    زيدان يعدُ بمشاريع استثمارية بالشرق    الرئاسة المغربية لمجلس السلم والأمن: عقد مشاورات غير رسمية مع البلدان التي تمر بمرحلة انتقال سياسي    اليقظة الأمنية المغربية تفشل محاولة العسكر الجزائري في توظيف مرشح سابق للانتخابات الرئاسية .    موعد إجراء مباريات كأس العرش    الدرك يحجز مواد فاسدة بأركمان    اطلاق دراسات لتدبير الفرشة المائية بحوض غيس – نكور بالحسيمة    عمرو خالد: جفاف القلوب أسوأ من شح الجيوب.. وهكذا يمتلئ خزان الحب    المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي يعقد دورته السابعة غدا الأربعاء    الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تكلف الحكم الدولي إسماعيل الفتح بتطوير التحكيم المغربي    التتويج باللقب العالمي يشكل حافزا لتحقيق إنجاز مماثل في أولمبياد 2028    دعما للبوليساريو .. الجزائر تراجع امتيازات منحتها لفرنسا قديما    الرئاسة المغربية لمجلس السلم والأمن: المغرب يدعو إلى العمل على استعادة الاستقرار والسلم والازدهار بجنوب السودان    الموقع الاستراتيجي للمغرب يعزز دوره في توريد الأسمدة والأمن الغذائي بإفريقيا    وزارة الاقتصاد الإسبانية: المغرب.. الشريك التجاري الأول لإسبانيا في إفريقيا    المغرب يعزز قدراته العسكرية بنشر وحدات للحرب الإلكترونية بالقرب من سبتة ومليلية    توقيف مشتبه به في ترويج المخدرات الصلبة بمدينة الحسيمة    تطوان.. تساقطات مطرية تتجاوز 420 ملم تُنعش الفرشة المائية وتبشر بموسم فلاحي جيد    بورصة الدار البيضاء تعزز أرباحها عند الإغلاق    وزارة التربية الوطنية تطلق مباراة مهنية لتعيين 6 آلاف أستاذ للثانوي في السلم 11    التمني في زمن التفاهة.. بين الحلم والواقع    مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط يحتفي بذكراه الثلاثين ويكشف عن أعضاء لجنتي التحكيم    الذهب يبلغ ذروة جديدة مع تزايد التوتر بسبب غزة والرسوم الجمركية    "حلق لحية السرباية" يثير خلافات أرباب المقاهي والمطاعم المغاربة    أيوب كريطع يتوج بجائزة أفضل أداء تمثيلي في مهرجان مونس السينمائي    مقتل المتحدث باسم "سرايا القدس"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    دعوات في المغرب إلى احتجاجات تضامنية مع الفلسطينيين بعد غارت إسرائيلية أودت ب413 شخصا في غزة    البيجيدي يندد باستئناف حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني داعيا إلى تدخل مغربي لوقف العدوان    اضطرابات النوم في رمضان: البحث عن التوازن بين الصيام والراحة    أولمبيك خريبكة يعلن تعيين التونسي منير شبيل مدربا للفريق    المكتب الوطني للفضاء المغربي للمهنيين يناقش تحديات التجارة والاستثمار ويدعو لإصلاحات عاجلة    مجلس الحكومة يتدارس مدونة السير    أربع ميداليات للمغرب في الألعاب العالمية الشتوية - تورينو 2025    مدرب رينجرز يشيد بإيغامان: "موهبة كبيرة ويمكنه الوصول إلى مستويات عالية في عالم كرة القدم"    الركراكي يصر على قدوم لاعبه الطالبي إلى التدرايب رغم الإصابة والصحراوي يلتحق مصابا    الكونغرس البيروفي يحث الحكومة على دعم مغربية الصحراء    ميلاد رسمي لنشاز سياسي    روبنسون الظهير الأيسر لفولهام الإنجليزي: "حكيمي أفضل ظهير أيمن في العالم"    إسرائيل تستأنف عدوانها على غزة    مختصون يناقشون راهن الشعر الأمازيغي بالريف في طاولة مستديرة بالناظور وهذا موعدها    "التراث الإسلامي في طنجة: بين ندرة المعطيات وضرورة حفظ الذاكرة"    "إفطار رمضاني" في العاصمة الرباط يُنوه بتوازن النموذج الحضاري المغربي    الشيخ أبو إسحاق الحويني يرحل إلى دار البقاء    الترجمة و''عُقْدة'' الفرنسية    "طنجة تتألق في ليلة روحانية: ملحمة الأذكار والأسرار في مديح المختار"    التوتر الأسري في رمضان: بين الضغوط المادية والإجهاد النفسي…أخصائية تقترح عبر "رسالة 24 "حلولا للتخفيف منه    الرياضة في كورنيش مرقالة خلال رمضان: بين النشاط البدني واللقاءات الاجتماعية    دراسة جديدة تربط بين الطقس الحار وأمراض القلب في أستراليا    شهر رمضان في أجواء البادية المغربية.. على إيقاع شروق الشمس وغروبها    حادثة سير خطيرة قرب طنجة تسفر عن وفاة وإصابات خطيرة    الأدوية الأكثر طلبا خلال رمضان المضادة للحموضة و قرحة المعدة!    لا أيمان لمن لا أمانة له ...    أبرز المعارك الإسلامية.. غزوة "بني قينقاع" حين انتصر النبي لشرف سيدة مسلمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كفانا تعقلا ماذا جلب لنا العقل
نشر في بيان اليوم يوم 31 - 08 - 2018

رحل حنا مينة، وتخلص من الكتابة بالموت. صارع المرض طويلا حتى كاد ينساه الجميع وسط أحداث العالم العربي وهمومه وشجونه.
الحوار التالي كان قد نشر بإحدى المواقع العمانية، قبل ثلاث سنوات تقريبا من إشاعة نبأ وفاة حنا مينة، وبهذا المعنى فهو يعد من بين آخر الحوارات التي أجريت معه، وفيه يتحدث عن تجربته الروائية وعلاقته بالبحر وموقفه من جائزة نوبل ومستقبل الرواية ورأيه الشخصي في بعض الأدباء المعروفين.. إلى غير ذلك من المواضيع.
أنا كاتب المناطق المجهولة، كتبت عن البحر وعن الغابة وعن الثلج.. وهذه الكتابات جاءت بعد مغامرات مثيرة في هذه المناطق. وكل التجارب التي عشتها، كنت قد عشتها بعفوية ولم أختلق في يوم من الأيام موقفا لأكتب عنه.
****
إن هناك من يستحق نوبل أكثر من نجيب محفوظ، يوسف إدريس مثلا يستحق نوبل وبكل جدارة، فأنا أعتبره تشيخوف القصة العربية، كان من الأجدر أن يعطى نوبل، ولكن نوبل فقدت مصداقيتها الأدبية، والجميع يعرف ذلك، فهي تعطى لأهداف وغايات سياسية لم يبق منها إلا قيمتها المادية.
******
الرواية الآن تجتذب الكثير من شرائح القراء مع تراجع واضح لقراء الشعر. خاصة بعد ظهور الشعر الحديث والمعروف بقصيدة النثر. لست ضدها . قصيدة النثر سلاح ذو حدين وقد صارت الآن مركب من لا مركب له. استسهلها البعض وظنوا أنهم سيبدعون فيها ولكنهم أساؤوا إلى تجربتهم، وأساؤوا إليها.
يلاحظ في روايتك الكثير من التماس مع مواقف وحوادث متعلقة بحياتك الشخصية؟
نعم الكثير من رواياتي تحمل جزءا مني، من سيرتي الذاتية، أو لنقل إنها بدأت سيرة وتحولت رواية. فأنا دائما ما أنطلق في كتاباتي من مواقف شخصية حدثت لي أو كنت طرفا فيها. وأذكر هنا رواية «حكاية بحار» فقد كنت في الخامسة والستين من العمر عندما كنت أقوم بتعليم مجموعة من الفتيان السباحة، وجاءني أحدهم، وكان شابا، فقال لي هل تقوم بتعليمي السباحة؟ فقلت له: نعم. فقال: إذن لا بد أن تكون معلما في ذلك، ولا بدّ أن تكون لديك قدرة للمنافسة والتحدي، وطلب أن نجري مسابقة في الغطس! دخلنا في البحر إلى أعماق بسيطة ثم انتقلنا إلى أعماق أكبر ونحن نمشي على رمل القاع، وطال الوقت ونحن في الأعماق. أحسست حينها أن رأسي سينفجر، فأنا متقدم في العمر، ولم تعد لدي طاقات الشباب. كنت في حالة فظيعة جدا. خرجنا، وقلت له: لقد غلبتني. فقال: لا بل أنت من غلب. دخلت إلى خيمتي وعلمت حينها أن فارس البحر قد ترجل. وبدأت في كتابة الرواية. ولكن المتأمل في الرواية يعرف أنه رغم أنها تنطلق من تجربة شخصية، إلا أنها تصلح لأن تكون تجربة إنسانية. أما رواية «الرحيل عند الغروب» فبدأت حكايتها عندما أردت أن أتعارك مع ابني سعد (وكان سعد حاضرا معنا) وكان حينها في الخامسة عشرة تقريبا، ولم أستطع أن أدفعه إلى البحر، حاولت، وكنت أعتقد أنني سأنجح، ولكن بحركة سريعة دفعني ورمى بي في البحر. ومن يومها تركت البحر إلى غير رجعة، وبدأت مشروع كتابة روايتي "الرحيل عند الغروب".
تركت البحر! هل يعقل أن يترك حنا مينا البحر؟
لم أترك البحر بالمفهوم السائد، ولكن تركت البحر بمعنى أنني تركت المغامرات التي كنت أمارسها فيه. فأنا لم أكن يوما من الأيام أخشى أمواج البحر، فحتى الأيام الخطيرة التي ربما لا يقترب فيها أحد من البحر كنت أستمتع بمعانقة الأمواج العالية، وكثيرا ما وجُدت مرميا على الشاطئ وأنا بين الحياة والموت. وقد حدث مرة حينما كنت في الصين أن دخلت البحر برغم أمواجه العالية وبرغم التحذيرات، إلا أن تاريخي مع البحر جعلني أخوض الغمار ولولا أن تدخلت أجهزة أمنية لإخراجي من الأمواج لما كنت بينكم الآن.
ألا ترى أن هذا جنون أو بماذا تفسره أنت؟
إنه الجنون حتما. أنا دائما أقول: إنني نصفان: نصف مجنون ونصف عاقل. ولكنني متيم بالنصف المجنون، كفانا تعقلا ماذا جلب لنا العقل. ثم إنني بعد هذا العمر أستطيع القول: إن تلك المغامرات في معظمها كانت تنطوي على محاولة لا شعورية للانتحار.
هل حاولت فعلا الانتحار؟
لا. ولكن لدي اطلاع بعلم النفس وأستطيع بما أعلم فيه القول: إن تلك المغامرات كانت دافعا لا شعوريا للانتحار.
هل كانت مغامراتك متعمدة لتكتب ما كتبت من روايات أصبحت الآن عالمية؟
أنا كاتب المناطق المجهولة وكل التجارب التي عشتها، كنت قد عشتها بعفوية ولم أختلق في يوم من الأيام موقفا لأكتب عنه. والمتأمل لأعمالي يعرف ذلك.
ماذا تعني بكاتب المناطق المجهولة؟
أكتب عن البحر وعن الغابة وعن الثلج. وهذه الكتابات جاءت بعد مغامرات مثيرة في هذه المناطق. أنا لم أكتب عن البحر فقط رغم أنني أكثرت فيه، ولكن كتبت عن الغابة، وعن الثلج، وهذا في حد ذاته تميز لي.
هل تعتقد أن نجيب محفوظ هو العربي الوحيد الذي يستحق نوبل؟
أولا نجيب محفوظ رفيق الكتابة، وهو عملاق من عمالقة الأدب العربي، ولكن لو تحدثنا عن نوبل فسأقول وبكل صدق إن هناك من يستحق نوبل أكثر من نجيب محفوظ، يوسف إدريس مثلا يستحق نوبل وبكل جدارة، فأنا أعتبره تشيخوف القصة العربية، كان من الأجدر أن يعطى نوبل، ولكن نوبل فقدت مصداقيتها الأدبية، والجميع يعرف ذلك، فهي تعطى لأهداف وغايات سياسية لم يبق منها إلا قيمتها المادية.
وحنا مينا ألا يستحق نوبل؟
حنا مينا شخص مختلف تماما، أنا رجل المغامرات ولا يوجد كاتب عربي مغامر مثلي. اقرأ أعمالي وستعرف الكثير من مغامراتي. أنا أسبح في البحر ليلة رأس السنة حينما يكون البحر متجمدا، رواية «فوق الجبل وتحت الثلج» كتبتها بعد أن كدت أموت في عاصفة ثلجية حينما كنت أسير أنا وصحفية غربية وفاجأتنا عاصفة ثلجية، أحسست بأن جسمي يتجمد شيئا فشيئا، استندت إلى عاتقها وكانت شابة يانعة بينما كنت عجوزا، وسرت حتى استطعت الوصول إلى الفندق القريب منا، بعدها كتبت الرواية. وفي الرواية يظهر الإنسان المغامر الذي صار الموت عنده شيئا عاديا، فصار يمشي إلى الأمام دون خوف من الموت. أنا كاتب مختلف تماما عن كل هؤلاء.
هل كنت تقلد رواية همنجواي: "العجوز والبحر"؟
أبدا لم أكن أقلد أحدا، رواية "العجوز والبحر" عمل عظيم نعم، ولكنني لم أحاول أن أقلدها، ثم إن همنجواي كان يوظف رموزا في روايته أما أنا فكانت الكلاب في روايتي كلابا عادية.
عادية بالنسبة إليك ولكن القارئ ربما يأخذها على أنك ترمز بها لشيء ما، ربما نقادك أو أعداؤك إن كان لك أعداء؟
بالنسبة للأعداء لا أنكرهم والقارئ حر فيما يفسره.
سمعتك تقول: إن لغتك ليست عادية هل لك أن تفسر ذلك؟
نعم أنا بدأت أكتب الرواية وكان عمري 40 عاما، كنت قبلها أعمل حلاقا، وكنت أكدح كثيرا حتى أؤمن لقمة العيش لي ولأولادي، ولكن عندما بدأت في الكتابة، كنت أملك أدوات الكاتب الحقيقي، ولذلك فإنني بدأت بداية قوية خاصة على مستوى اللغة، فأنا أملك قدرة القياس والاشتقاق ونحت العبارات والجمل الجديدة وغير المألوفة. وعلى عكس لغة نجيب محفوظ التي كان بها نوع من الرتابة وليس فيها تجديد، وأنا حتى اليوم قادر على الإتيان بجديد العبارات.
ولكن كيف ترى الرواية بعد رحيل نجيب محفوظ؟
الرواية كانت وما زالت بخير وستظل بخير، كنت في بداية الثمانينات من القرن الماضي أطلقت مقولة: "الرواية ديوان العرب"، وحاربني حينها الشعراء، ولكن الأيام أثبتت أن الرواية فعلا ديوان العرب الجديد بعد تراجع الشعر، وهذا التراجع ليس فقط في الوطن العربي بل في مختلف شعوب وحضارات العالم . الرواية الآن تجتذب الكثير من شرائح القراء مع تراجع واضح لقراء الشعر. خاصة بعد ظهور الشعر الحديث والمعروف بقصيدة النثر.
هل أنت ضد قصيدة النثر؟
لست ضدها . قصيدة النثر سلاح ذو حدين وقد صارت الآن مركب من لا مركب له. استسهلها البعض وظنوا أنهم سيبدعون فيها ولكنهم أساءوا إلى تجربتهم، وأساؤوا إليها.
بمناسبة الحديث عن قصيدة النثر، هل تقرأ لمواطنك أدونيس؟
كتابات أدونيس جيدة ومتميزة، ولكن علينا أن نقرأ ما بين السطور في كتابات أدونيس ؟
وماذا بين السطور؟
لا جواب.
عندما كنت تقرأ ورقتك عن تجربة نجيب محفوظ بدوت كمناضل قديم عركته الحياة السياسية وحياة المظاهرات والحروب؟
ومن قال غير ذلك، أنا خريج سجون ولست خريج معاهد وجامعات. نفيت من الوطن ثلاث مرات وسجنت بعدد شعر رأسي، لقد كنت في مقدمة المتظاهرين أيام الفرنسيين، ربما الذي لا يعرفه الكثيرون أنني نجوت من محاولة اغتيال في القاهرة في الثمانينات، إلا أن الأمن المصري الذي كان مكلفا بحمايتي، استطاع أن يحبط محاولة الاغتيال.
هل كنت ضد الوحدة مع عبد الناصر؟
أبدا لم أكن ضد الوحدة، ولكن الذي حصل في ذلك الوقت أن عبد الناصر انقلب على الجميع حتى على رفاقه، والجميع يتذكر ما حدث ليوسف صديق وخالد محيي الدين، وهذا دفع قلمي للثورة وللتظاهر مع من تظاهر.
من تعتقد أن له مصلحة في اغتيالك؟ ربما يعتقد البعض أنك رجل مهادن؟
لم أكن مهادنا في يوم من الأيام. قلمي لا يرحم، وربما هذا ما دفعهم لمحاولة اغتيالي. أنا استقلت من منصبي مع الراحل سعد الله ونوس عندما فصل أدونيس من منصبه، كل هذه الحوادث تؤكد أنني لم أكن يوما مهادنا.
ماذا تمثل لك الكتابة بعد هذه الممارسة الطويلة لها؟- باختصار الكتابة هي اللذة الكبرى والرذيلة الكبرى ولا خلاص منهما إلا بالموت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.