سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
وزير الثقافة المغربي بنسالم حميش: 1-العقلانية ليست دائماً هي الحل 2-يمكن للمثقف أن ينخرط في الشأن العام ويضع يديه في العجين 3-معرض الدار البيضاء للكتاب الأنجح عربياً رغم الترهات التي رافقت الدورة الأخيرة
-كيف لشاعر كبير أن يعتبر الرواية أدب حراس العمارات ويفاخر بعدم قراءتها! الحوار مع وزير الثقافة المغربي بنسالم حمّيش يستمد ثراءه من حضوره المتين في حقول إبداعية يكفي كل واحد منها لحوار موسّع، فهو مفكر وروائي وسيناريست وشاعر، والآن منخرط في تجربة العمل العام من خلال شغله منصب وزير الثقافة. ومع ترؤسه الوفد المغربي في الأسبوع الثقافي الذي أقيم بالدوحة كانت الفرصة مواتية لطرق ما يمكن في الشأن الإبداعي الخاص به، والشجن الثقافي بالمغرب والوطن العربي عامةً. والإطلالة الموجزة على مسيرة ضيفنا تخبرنا أنه حاصل على دكتوراه الدولة من جامعة باريس في الفلسفة. له أعمال بالعربية والفرنسية في البحث والإبداع. ترجمت بعض أعماله إلى عدة لغات، وهو عضو في عدة مؤسسات عربية وأجنبية. فاز بجوائز عديدة أهمها: جائزة الناقد للرواية (لندن 1990)، وجائزة الأطلس الكبير الفرنسية (الرباط 2000)، وجائزة نجيب محفوظ (2002)، وجائزة الشارقة لليونسكو (باريس 2003)، وميدالية تنويه من الجمعية الأكاديمية الفرنسية للفنون والآداب والعلوم (باريس 2009)، وجائزة نجيب محفوظ (اتحاد كتاب مصر 2009 * حينما تكثر التسميات الإبداعية لك هل ثمة ضريبة يمكن أن تنجم عن هذه الكثرة؟ - (مبتسما).. لا .. ولكن قبل ذلك دعني أوجه الشكر لجريدة الوطن الغراء على هذه الاستضافة الطيبة. ثم أقول: لا أعيش تمزّقاً بين هذه الحقول، بل أشعر بنوع من السرور إذ أرى أنني أتنقل بين حقول متجاورة. تصوري للثقافة واسع والحمد لله، وهو التصور الكلاسيكي الذي عرفه كبار العلماء في عصرنا الذهبي الكلاسيكي، أمثال الجاحظ وأبي حيان التوحيدي وأنا اعتقد أن الأمور بخواتمها. طبعا أنا أطلب من الروائي ان يحاسبني روائياً، وأن ينظر فيما أنتجته في هذا المجال ويغض الطرف عن الأشياء الأخرى، كذلك بالنسبة لمن يهتم بالشعر أن يعتكف على دواويني وينسى الباقي وفي مجال الدراسة كذلك، ولا أعتقد أن قارئاً واحداً يمكن أن يحيط علماً بكل هذه الكتابات من حيث ضروبها وتنوعها. إذا اعطيت لي جوائز عديدة في الرواية مثلاً، فهذا يعني أنها تجد قبولاً مهمّاً كما يدل على ذلك مبيعاتها، وكذلك الدور المحترمة التي تنشرها. ما دمت لا أعاني التشتت فأنا اعتبر أنني انتقل من حقل إلى آخر، كما أنتقل في نفس الدار من غرفة إلى أخرى. كل هذه الفضاءات كالأوعية المتواصلة أجد راحتي إن لم اقل بين قوسين سعادتي في هذه الحالات أو المقامات. وأقول مع الفيلسوف الألماني الذي ينتمي إلى عصر الأنوار لايبنيتسه الذي يتحدث عن سعة الروح الوسيعة إننا نتحدث عن سعة الصدر. وبالطبع من صدره ضيّق يضيّق على نفسه وعلى الآخرين، ومن أوتي صدراً منفتحاً ومتسامحاً أولاً يكون قوي السعي إلى تحصيل المعرفة وقراءة الآخرين. وبعد ذلك إذا كان يمارس الرواية وراودته ربّة الشعر عن نفسها هل يطردها؟ كذلك الأمر وجدتني في مجال الدراسة وأنا أهتم بقضايا كثيرة. أول عملي كان حول تاريخ الاجتهاد في الإسلام، كلمة اجتهاد من الفعل الثلاثي جهد ومنها جاهد واجتهاد ومجاهدة.. الخ، ورأيت أنني يمكن بواسطته أن أؤرخ للاجتهاد حسب صعوده أو اندثاره أو ضعفه، وكان بالنسبة لي خيط أريان الذي جعلني اطّلع على شتى أنواع التجليات الفكرية في تاريخ الإسلام وفي علم الكلام والفقه والتصوف وكذلك الفلسفة.. هكذا خلقت. الشاعرية تتلبس الرواية _ ما الذي يحتاج إليه المبدع كي ينتقل من منظومة إلى منظومة؟ -عطفا على ما قلت إنه سعة الصدر. أنا الآن أخوض في مجال الكتابة السينارية (السيناريو)، حيث كتبت أربعة سيناريوات لأفلام تليفزيونية ولدي عمل جاهز حول شخصية ابن خلدون، وأبحث الآن عن منتج. والعمل جاهز للتصوير. لقد اكتسبت بالتجربة تقنيات كتابة السيناريو. وفرق كبير بين السيناريو والرواية. في السيناريو يكون الكلام رشّات واختزالات في حين في الرواية الجملة واللغة هي كل شيء. في الرواية أمارس الشعر ولا أتنكر له أو أخلع بذلة الشعر وأعلقها على مشجب فأقول أنه لا يلائم الرواية. بالعكس اعتقد أن أنجح الروايات هي التي كان الشعر موجوداً فيها بشكل أو بآخر. أنت تعرف أطروحة باختين عن شاعرية ديستويفسكي فقد عدّ سر نجاح رواياته هو الشاعرية المتلبسة فيها بقوة، محرّكاً ونفَساً. سقط جدار برلين وتصدع الاتحاد السوفياتي والآن أدعو إلى أن تسقط الحواجز ما بين الأجناس الأدبية. كنت في معرض أبو ظبي ورأيت جاهدة وهبي تغني نصوصاً نثرية لأحلام مستغانمي، نصوصاً ليست شعرية في حين لم يكن يغنى إلا الشعر وهذا يثبت أن النثر يمكن أن يكون شاعرياً وقصيدة النثر أثبتت ذلك. بالتالي حرب الخنادق مثل: أنا شاعر عمودي فقط، وأنا شاعر قصيدة نثر، أرى أن هؤلاء ليسوا مثقفين. الثقافة هي تحصيل معرفة والسعي إليها. _ إزالة الجدران ترتكن إلى القدرة الإبداعية الذاتية. هناك كتابات كسيحة، تحت شعار فتح الأجناس، وبدل أن يفرق الكاتب ما بين الخاطرة والقصة، أصبح في حالة دفاعية تجاه سؤال: هل أنا مع فتح الأجناس أو تأطيرها. - هناك حكم هو الجمهور والضمير النقدي الذي يميز الغث من السمين وموكول إليه مهمة الإشارة بالبنان إلى ما هو هزيل وضعيف، وهذا الأخير يحكم بنفسه على نفسه وبالتالي لا يعبأ به. نحن لا يهمنا من الأدب إلا الذي ينمو ويتوهج ويسير شعشعاني النور وهذا يعرف بنفسه بنفسه ونحن لا نذهب إلى مناطق الإبداع حاملين أسلحة قبْلية للدخول في حرب مع هذه الأجناس. نحن نقرأ المنتوج بغض النظر عن اسم صاحبه. كان البنيويون يدعون بشكل رمزي إلى قتل اسم المؤلف والتعامل مع النص بوصفه حدثاً وبنية وحركة، فيما بيوغرافية المؤلف شيء ثانوي. يجب أن نعمل في هذا المنهج. وحين أكتب فإنما لمتعتي الذاتية وربما فيما بعد أتقاسمها مع ناس يحبون ما أحب. وإلى أن يظهر العكس استطعت تقاسم هذه المتعة مع شريحة من القراء.. وهذا يكفيني. كل رواية تاريخ _ وأنا شاركت في هذه المتعة مع جملة الروايات التي زارت التاريخ برشاقة.. ابن خلدون مثلاً لم تقدمه في عمل يوصف بأنه تاريخي.. هل يزعجك القول بالرواية التاريخية؟ - لست مع التسميات التي تحشر الناس في خانات. روايتي الأخيرة «معذبتي» أنتقل فيها من غوانتانامو إلى أبو غريب إلى تزمامرت. هذه المواضيع جد ساخنة ولكن سيأتي عليها حين من الوقت تُقرأ على أنها رواية تاريخية تشهد على فترة معينة. ثلاثية نجيب محفوظ مثلاً آلت إلى التاريخ. كارلوس فوينتس في كتاب له يقول «كل رواية تاريخية» لكن ليس بالمعنى الذي كان يمارسه جورجي زيدان مثلاً. المواضيع ليست مركونة في جوارير وما علينا إلا أن نأخذ الجذاذات ونقول سنكتب عن صقر قريش والعباسة وغير ذلك. الرواية تسكنك وتعيش مع أبطالها على توهم وعلى صعيد تخييلي، ويحبل بها النص ثم يأتي وضع ميلادها. «مجنون الحكم» تمر أحداثها بفترة حكم الحاكم بأمر الله وفي حقبة فاطمية مذهلة. العلامة وشخصية ابن خلدون في القرن الثامن الهجري- الرابع عشر الميلادي، و«هذا الأندلسي» تدور في القرن السابع الهجري- الثالث عشر الميلادي، في الاندلس وبلدان المغرب حول الفيلسوف العظيم ابن سبعين الذي للأسف لا يعرف كما يستحق. هنا يمكن أن تأخذ الخلفية التاريخية فقط أما فن كتابة الرواية وإعمال التخييل فمسألة أخرى، بالأخص في هذه البياضات التي تركها المؤرخون حول أعلام من هذا الصنف. لكن إذا عدت إلى عناوين أخرى ( أنا لا أحب كلمة «تعالج» فالرواية ليست دراسة بحد ذاتها)، ستجد: «سماسرة السراب» حول الهجرة السرية، «محن الفتى زين شامة» حول الشباب المتخرج في الجامعة ومشكل البطالة، و «فتنة الرؤوس والنسوة» حول الاستبداد العسكري. هذه كلها روايات لها علاقة وطيدة مع قضايانا المعاصرة. إذن أنا أحشر في زاوية. خالدون قالوا الشيء الكثير _ شخصية ابن خلدون كانت تسعى بيننا وكأن التاريخ البعيد كان يحتاج إلى الرواية لتقربه من الحياة المعيشة الآن، بالهموم التي تتوغل والجروح التي تئن على ذات المقام. - كلنا نموت. كم من ميت ما زال حياً بيننا بروحه وفكره وعطائه وتراثه. وكم من حي بيننا هو ميت، هو والعدم على حد سواء. إنني أنظر إلى التاريخ بوصفه لوحةً ضخمة فيها أعلام وعباقرة يستمرون في عالم آخر ربما، كما هو الحال في الكوميديا الإلهية لدانتي ورسالة الغفران للمعري. أعلام يلتقون وأرواحهم تتناجى وتتناظر. كوننا أتينا لاحقين على سابقينا لا يدل على أننا أفضل منهم بالضرورة. هناك نوع من المعاصرة اللازمنية بين كل ما تنتجه الثقافات من لحظات مشرقة متألّقة، مشخّصة في أعلام وكتاب كبار ومفكرين عظام. سأعود أيضاً إلى سعة الصدر، كل الأعلام الذين أستطيع معرفتهم بغض النظر عن مآتيهم وثقافاتهم أحاول أن أحيط علماً بما تركوه. هي حلقات ذهبية مشرقة في تاريخنا نحن، ولكن ذلك في التاريخ العالمي أيضاً، أحاول أن أستحضرهم في ثقافتي وفي ممارستي للكتابة. وابن خلدون بالنسبة لي سيظل مع ابن رشد والغزالي والتوحيدي والجاحظ. هؤلاء خالدون في تراثنا لأنهم ما زالوا يخاطبوننا. عندما نخاطب كتاباتهم كأنهم يعيشون بيننا. بالطبع تختلف الظروف والملابسات لكن في القضايا القصوى والعصيّة والقصيّة أعتقد أنهم قالوا الشيء الكثير. لم أنزّه ابن خلدون _ أنت أحببت شخصية ابن خلدون بالتحديد. - ليس معنى هذا أنني أنزّهه أو أعصمه عن الخطأ. لقد شاركت في الإسكندرية وفي القاهرة بمناسبة مرور ستة قرون على وفاته بعرض عن غلطات ابن خلدون. ومن شدة مخالطتي لابن خلدون انتبهت إلى بعض المعاطب والهفوات، في مقدمته. بعض الأخطاء العلمية التي ظهرت بعد ذلك أنها أخطاء، مثل الفتوى التي أصدرها في بعض المتصوفة مثل ابن عربي وابن قصي وابن سبعين، حيث كفّرهم تقريباً.. جعلته في الرواية يتبرأ من هذه الفتوى من حيث إنه قالها تحت ضغط سياسي، لأن الساسة وقتذاك كانوا يريدون تأطير التصوف، وتقنينه حتى لا يخرج عن الجادة السياسية القائمة إذ ذاك في عهد المارينيين في المغرب، ومن ثم جاء كتابه «شفاء السائل وتهذيب المسائل». _ في كتابة ابن خلدون لا يبدو أنه ذلك الشخص المهادن لكنه في المقابل يتهم بما يتهم به المثقف حين يذهب إلى السلطة ويداور ويناور ويبرر ما يمكن وصفه بالتخاذل. - ورد هذا في كتاب «منمنمات تاريخية» لسعد الله ونوس للأسف الشديد. وأطلب لسعد الله الغفران بعد هذه المسرحية التافهة حقيقةً، حين قام بتخوين ابن خلدون، في حين أن الجيش المملوكي، جيش السلطان فرج، فر هارباً، وظل ابن خلدون ماكثاً في دمشق، مع زمرة من الفقهاء ومن المخلّفين من الإدارة، وظل يقول: لا بد أن نحمي الأرواح وأننا إذا لم نسلم مفاتيح دمشق المغول سيخربونها كما فعلوا بحلب، ثم نأتي ونخوّنه. رفض ابن خلدون أن يذهب في ركاب السلطان فرج الذي جاء معه إلى دمشق وظل مع الناس كي يصرّف فقهه ومعرفته بالمغول وبالأخص بتيمورلنك الأعرج، وكل هذه المعارف والمعلومات بسطها للمساعدة قدر الإمكان في إنقاذ الأرواح. مثل هذه الأحكام أعتبرها كلاماً فارغاً بلا أساس. سعد الله ونوس كان مسرحيا متميّزا ويشهد له بالحنكة في كتابته، لكن الناس لا يستخبرون بما فيه الكفاية ويعملون بمسبقات وهذا غير مقبول. حتى المرحوم محمود درويش يقول في إحدى قصائده «إننا لسنا أمّةً أَمَةَ وأبعث لابن خلدون احترامي». الطالب وأي إنسان يقرأ البيت يأخذه على علاته ويتوهم أن ابن خلدون قال عن الأمّة إنها أمَة، وهو لم يقل في حياته ذلك قط. العقلانية ليست هي الحل دائماً _ تقول في رواية «العلامة» «عبقرية الخيام في أنه يمحو التضاد ما بين العقل والطيش»، هذا تكثيف جميل، هل يمثل هذا شيئاً بالنسبة إلى ابن خلدون؟ - العقلانية إذا قال أصحابها إنها هي الحل كما يقال الإسلام هو الحل والشعر هو الحل، الأمور ليست بهذه البساطة لو أن الشعر مثلاً هو الحل لعرفنا هذا منذ زمان. كل من يقول هذا الشيء هو الحل أراه لا يفكر بالعمق اللازم. لهذا حتى العقلانية إذا فرضت كأنها هي كل شيء تؤدي إلى الكليانية وإلى نفي الآخرين بوصفهم لا يدخلون في القوالب التي تعد وتمثّل العقلانية. الحياة معقدة وتحتاج إلى العقل كما تحتاج إلى الوجدان والعاطفة وكل هذا يكوّننا آدميين ينتمون إلى الإنسانية. ابن خلدون عاش فترات زهدية بالأخص بعد أن فقد أسرته في البحر. قال كلمة قصيرة جدا «أما الأهل فاستأثر بهم البحر فغلب الحزن والزهد»، بعد ذلك اعتزل مدة سنتين منطويا على عالمه الذي لم يكن يعبر عنه بالكلمات، وأكيد أنه رأى أن للعقل حدوداً، وبالتالي صار ينتبه إلى أهمية التصوف والتطلّع إلى المطلق والاستئناس بنفحات الكون. هنا صرنا في مستوى آخر لا يمكن أن نقول إنه يسقط تحت طائلة العقل، أو أن العقل يمسكه مسكاً. هذا التركيب المعقد في الإنسان نفسه من المؤكد أنه رآه بشكل أو بآخر عند الخيام وعن شعراء كبار كأبي نواس حتى بالنسبة للمعري وإن كان رجل حكمة ورؤى فلسفية لكن فقدانه لبصره كان يعتبره نوعاً من الحيف الإلهي ولم يتقبل هذا المصير وله بعض الأبيات الشديدة والقوية في هذا. هذا ما انتبه إليه ابن خلدون، وهو على عكس ابن رشد لم يؤلّه العقل. العقل ضروري لتمكيننا من الحياة والتفاهم والتواصل لكنْ هناك حدود لا يمكن له ان يتعداها. لا أحد بالعقل يستطيع أن يقول لنا إن هناك عالماً آخر بعد الموت أو أن يثبته رياضياً، أو وجود الله أو عدم وجوده. لذلك باسكال وهو رجل رياضيات ورجل علم وفكر انتهى إلى ما يسمى «الرهان»، راهن بأن الله موجود فإن تبدّى في آخر الأزمنة بأنه موجود فسيكون رابحاً رهانه وإن تكشّف بأنه غير موجود فلن يفقد شيئاً، لأن العدم سينسحب على الجميع. لو استطاع أن يحل العقل هذه المسائل لحلها منذ زمان. معرض الدارالبيضاء الأنجح رغم الترهات _ سأنتقل- لو أذنت- إلى حيز العمل العام لأسأل عن بعض اللغط الذي قرأناه في الصحافة مؤخراً واحتجاجات بعض الكتاب. - شريطة أن يكون السؤال مقروناً بالمعلومة المدقّقة، وإذا كانت خاطئة فلا مشروعية للسؤال. _ ان مجموعة من الكتاب احتجوا على إلغاء المكافآت نظير مشاركاتهم في فعاليات معرض الدارالبيضاء للكتاب. - من مائة كاتب احتج بضعة عشر كاتباً، وكانوا من الشعراء -الذين يتبعهم الغاوون-، فكانت الصورة تبدو كأن الشاعر يقول: أنا اقرأ القصيدة وأعطني ألف دينار. أنا أخجل في التحدث عن هؤلاء لأن الكلام لن يكون في صالحهم. لا أحب أن أدخل في هذه الترهات. قلنا لهم حفاظاً على كرامتكم بدل أن تقتادوا إلى زاوية المأمور بالصرف نقداً، أعطونا من فضلكم أرقام حساباتكم البنكية، بدل الوقوف أمام الموظف الذي سيطلب من الكاتب بطاقة شخصية، وينقل رقمها إلى السجل ويطلب منه التوقيع على استلام مبلغ زهيد. قلنا: نحوّل لكم هذا القدر الزهيد عبر البنك الذي وجد لهذا الأمر. فكلهم قبلوا ما عدا خمسة عشر أو عشرين وقالوا: نحن نحب فلوسنا هنا (أشار إلى جيبه). هل يوجد معرض كتاب بمكافآت، في فرانكفورت ولندن وسالونيك والقاهرة.. وغيرها؟ هذه سيئة أنشئت في زمن ما قريب، والناس تعودوا عليها وحولوها إلى قانون وقاعدة. لكن في النهاية قلنا حسناً في المرة القادمة سنعطيهم فلوسهم عدّاً ونقداً. _ حدث هذا في دورة معرض الكتاب في الدارالبيضاء التي تواترت الأخبار أنها أنجح دورة؟ - كان أنجح معرض وصار يصنف الأفضل في البلدان الإفريقية والعربية. ليس كلامي هذا بل المتابعين الذين رأوا المستوى التنظيمي الرفيع، والندوات والشخصيات البارزة: دومينيك دو فيلبان أتى ليفتتح المعرض بمحاضرة شيّقة، وجون دانيال والشيخة مي آل خليفة والسيدة سميرة البرغوثي وزيرة الثقافة الفلسطينية، والسيد مصطفى شريف وزير الثقافة الجزائري الأسبق، وأسماء من طراز رفيع. هذا لا يُتحدث عنه من لدن هؤلاء. رسالة إلى شاعر عربي _ لكن دعنا نقل إن هذا يعني أن ثمّة حراكاً.. أليست الاحتجاجات دليل عافية؟ - لكن على الكاتب والصحفي أن يكون أميناً. باب التقولات ينفتح كما لو أن العالم أصم وأعمى. للأسف أن شاعراً قام بعمل مخجل. أسكنّاه في فندق فاخر خمسة نجوم في الدارالبيضاء وأعطيناه تذكرة سفره ذهاباً وإياباً، وجاء واحد من هذه الزمرة القليلة وقال له: لا تقرأ لأنك لن تتقاضى المكافأة وهذا عيب، على شاعر كبير أتى إلى بلد أكرمه بحسب الاستطاعة، فإذا به لا يقرأ قصيدة إلا إذا تقاضى مكافأة. هذه رسالة أرجو أن تصل إليه. _ هل ثمة رسالة إلى محمد برادة؟ - ماذا في شأن محمد برادة؟ لقد نال جائزة. _ قيل إنك تحفظت على منحه الجائزة. - هذا غير صحيح. كان الصديق برادة قد نال سابقاً الجائزة التقديرية بلا مقابل وهي جائزة تشريفية، وحصل هذه المرة على جائزة مادية دون أي تحفظات، فهذا عمل اللجنة وليس عمل الوزارة. اللجنة هي سيدة أمرها. حجبت الجائزة عن الشعر والترجمة وأعطتها في الرواية وفي مجال العلوم الإنسانية. ماذا يعمل الوزير؟ هل يشطب على اللجان ولا يعترف بقراراتها. ربما يكونون قد أخطأوا، لكن الوزير ليس له الحق أن يتدخل في قراراتها. بل ليس في صالحه أن يتدخل في شؤونها ولدينا لدينا خمس لجان قراراتها لا تنسخ من أي طرف، ولا يطعن فيها. في مجال الترجمة قلت ربما تمنح إلى اثنين مناصفة لكنهم قرروا أن لا جائزة فانتهى الأمر. _ الكتاب المغربي لا يصل إلينا في المشرق إلا بشق الأنفس لماذا لا تضطلع الوزارة بالنشر والتوزيع؟ - الوزارة لا يمكن أن تكون ناشرة. هي تسهّل وتدعم دور وحركة النشر. بيد أنها لا تدخل في مزاحمة غير شريفة لأن عدّتنا تفوق عدّتهم. نحن لدينا اعتمادات ويمكن أن ننفق، بشكل لن يقدر عليه الناشرون، لكن لدينا سياسة وهي نشر الكتاب الأول للمبدع، الذي دائماً يرفض من طرف دور النشر لأنه الكتاب الأول، كما نطبع الأعمال الكاملة لكتاب تقدم بهم العمر ونجمع أعمالهم ونضمن لها التوزيع وحقوق التأليف. في مجال المشاركة في المعارض نحن ندعمهم ودعم بعض الكتب التي نرى بأنها مهمة جدا حسب العناوين التي تقدم والتلخيصات حولها. لا لمهرجانات الاصطياف الثقافي _ ما مرئياتك وطروحاتك حول المهرجانات.. هل تطور شيء؟ - أعتقد أن المهرجانات الموسمية مهمة وأقول إنها يجب ألا تتحول إلى رحلات سياحة واصطياف، وقبل ذلك وضع لجنة لتحديد المواضيع الجديرة بأن تطرح، ليس مواضيع الساعة والساخنة لكن المواضيع التي ما زالت تستبد بأذهانها ونعتقد بأنها مصيرية بكل معنى الكلمة. أما المواضيع الجاهزة للعرض ومواضيع الوجبات السريعة، فلا يمكن ان تجعلنا نتقدم ونبلور رؤانا، مع العلم أنه حين لا يتحقق هذا المستوى فإننا نلتقي الناس لتجديد صلات الرحم الثقافي والتعرف إلى ناس لم نكن نعرفهم وتجديد اللقاء بمن نعرفهم، ولكن المطلوب هو شيء آخر في المهرجانات وأنا بهذه العقلية -إذا شئت- عملت على إعداد الدورة السادسة عشرة لمعرض الكتاب في الدارالبيضاء، واشتغلت فيه وحدي تقريباً، لأنني لم أجد من يسايرني في هذا. كانت دائماً الأمور روتينية: الشعراء من كل حدب وصوب من كل أقطار الوطن العربي يأتون في طوابير وهذا ليس معقولاً. قلت إن هذا ليس معرضاً للشعر. الشعر -وأنا شاعر- نخصص له مهرجاناً ونختار أجود الشعراء. كذلك للرواية نقيم لها مهرجاناً فنكلف روائياً بقراءة روائي آخر لا ليأتي ليقول أنا وليس هناك إلا أنا. _ هل تقبل تقديم الشهادات الإبداعية ؟ - لا.. تعبنا من الشهادات. هذا شأن ميسور وكل واحد لديه غرام في التحدث عن نفسه أقول له إنني أحب أن تكون شهادته وقراءته في أعمال روائي آخر. _ أنت تكلّفه بالقراءة إذن؟ - نعم.. إذا أضرب عن القراءة فهذا شأنه، وإلا نشطب اسمه. _ ربما لا يقرأ الكاتب كثيراً ؟ - أنا لا أحب أن لا تصلني هذه المعلومة. _ أدونيس قال بالفم الملآن إنه لم يقرأ في حياته سوى رواية واحدة.. لنجيب محفوظ. ؟ - للأسف أن شاعراً لا يعترف فقط بأنه لا يقرأ الرواية، أكاد يقول يفتخر بذلك ويعتبر الرواية أدب حراس العمارات. هذا ليس مثقفاً. معقول لشاعر ألا يقرأ كبار الروائيين العالميين..ماهذا؟ _ هل لديك متسع للكتابة وأنت وزير؟ - ديواني الأخير صدر مؤخراً عن دار رياض الريس اسمه «افتراعات». وكذلك رواية «معذبتي»، وكنت أنهيها وأنا في خضم هذه المسؤولية وكذلك كتاب بالفرنسية: «أن تكون حياً»، وأنهي الآن كتاباً حول ابن رشد عن شوق المعرفة. وهذا خير وبركة. يد المثقف في العجين _ أسألك بهذه المباشرة لأنك قبل أن تكون وزيراً نحن نعرفك كاتباً متنوع الاهتمامات. - أنا أحاول أن أبرهن أن بالإمكان للمثقف أن يضع يده في العجين، وأن يتعلم التدبير وأن يحقق أحلامه، وحتى فانتازماته وأن يقول المثقف إنه يمكن أن يكون له دور في الشأن العام. والقائمة طويلة من مارلو في عهد ديغول أو السيدة العظيمة الممثلة ميلينا ميركوري في اليونان وسان جون بيرس سفيراً لفرنسا في بلدان من أميركا اللاتينية أو بابلو نيرودا سفيرا لبلاده تشيلي في باريس، والقائمة طويلة. الناس يعتقدون أن السلطة من حيث طبيعتها استبدادية.. ما هذا الكلام. _ إذن لا يمكن أن يكون العمل خصماً على التجربة الإبداعية. - كل يوم سبت وأحد أخصصهما للقراءة والكتابة وأنسى تماماً كل ما يتعلق بالشأن الوزاري وما يحوم حولها. أعتكف في مكتبي إما للقراءة أو الكتابة أو الاثنين معاً. _ بلا هواتف؟ - طبعاً. وهذه قضية تنظيم. حين ينظم الإنسان أوقاته وأشياءه لا يمكن أن نقول إنه قد غسل يديه من أعز ما لديه: القراءة والكتابة. اللهم الذين يبحثون عن الذرائع. أنا الآن منشغل بكتابة بالسيناريو وأكتب كثيراً في هذا المجال. في جميع الأحوال أعتبر المسؤولية بالطبع والضرورة قصيرة الزمن، في ثلاث أو أربع سنوات على أكبر تقدير، ولكن الإنسان يخرج مغتنياً حين يلامس شيئاً وواقعاً من الداخل، لا إطلاق الكلام على عواهنه من سلطة واستبداد. في المغرب لدينا قوة دينامية خلقها جلالة الملك والمثققون الذي يستطيعون ذلك يمكن أن يصاحبوا هذه الدينامية وهناك أوراش كبيرة. هناك موقفان إما الابتعاد والتفرج، أو الانخراط في عملية التاريخ. عندما يكتب تحت هذا الزخم تكون كتابته أبلغ لأنه مشحون بالتاريخ، لهذا السبب أحببت ابن خلدون بالذات. كان مثقفاً عضوياً وليس بالمعنى الغرامشي بالضرورة، لكنه كان ينخرط في التاريخ والمسؤوليات. يريد أن يقابل هذا الطاغية ويحاوره وذاك ما فعل، يحاول أن يقنعه بحوار قوي بينه وبين تيمورلنك. هذا يغني الكتابة ويجعلها ذات سماكة وقوة، ومن يحب أن يتبرج دون أن يحرم نفسه من الحديث عنها، يظل على سطح الأمور وما أسهل القذف والتشهير. الخبرة نكتسبها بالعمل العام ولا بد للكتابة ان تتنفع بها ومنها.