تحت" شعار جائزة المغرب للكتاب 50 سنة من تتويج الرواية المغربية " أقيم بمدينة الجديدة مؤخرا حفل تكريمي للروائية المغربية خناثة بنونة صاحبة أول جائزة المغرب للكتاب صنف الرواية، ويندرج هذا اللقاء الثقافي ضمن فعاليات الدورة الخامسة للمكتبة الشاطئية التي تمتد إلى غاية 13 غشت. وفي بداية أشغال هذه الندوة التكريمية، قدمت الأستاذة مليكة فهيم باعتبارها منشطة اللقاء، ورقة تعريفية جردت من خلالها أهم أعمال المحتفى بها، بحضور كل من الشاعر صلاح بوسريف والناقد سعيد يقطين والروائي إبراهيم الحجري، حيث أعدوا مداخلات وشهادات في حق اسم أساسي في الرواية المغربية. فقد قدم الشاعر صلاح بوسريف قراءة ممتعة في أعمال الكاتبة خناثة بنونة، التي خلقت الاستثناء في العنصر الأنثوي حين رفضت الزواج مبكرا وانخرطت في الكتابة والتأليف كأول امرأة تكتب في جنس الرواية، وهكذا قال بوسريف: " إن هذه اللحظة الثقافية الجميلة تجعلني أقف احتراما لهذا الحضور النوعي والكمي الذي ترك البحر، وأبى أن يحضر اليوم للاحتفاء بأيقونة الأدب المغربي، لأن الفن والثقافة والجمال لا مكان ولا زمان له، فشكرا لكل الداعمين، الذين فكروا في أن تكون خناثة هي عروس هذه اللمة الثقافية". وأوضح بوسريف في شهادته أن خناثة بنونة تركت الزواج، بل هربت منه في سن مبكرة واختارت الكتابة كتعبير عن وجود فعلي بالفكر والعقل ووجود بالنقد والمواجهة وتوقيع الحضور بضمير أنثوي، مؤكدا على أن خناثة حين ذهبت إلى الكتابة كانت تعرف كل ما ستتيحه لها الكتابة من وجود في قلب المجتمع، لأن "النساء من جيلها ارتبطن بالمطبخ والزوج فقط". وأضاف بوسريف قائلا: " ما يشدني إلى خناثة بنونة هو أن كتاباتها كانت قاسية متمردة وباكية إلى درجة الحرقة وعنيفة بمعنى العنف الثوري، يفوح من كتاباتها الألم والحرقة والوطنية ونصرة الدين والمسلمين، إنها كاتبة انتصرت لفكر علال الفاسي، وظلت مؤمنة بالكتابة باعتبارها شاهدة على واقع وعلى ذات جريحة لا تستسلم لكل ما يصل إليها من أذى". وأضاف بوسريف " إسمحي لي خناثة أن أحييك، لأنك وقفت صامدة أمام عواصف ألمت بك، بل واسمحي لي أكثر لأن فيك العاصفة، لأنك ضاهيت الرجال في الكتابة وكنت الند لهم في السرد، وكتبت لأنك وجدت وجودك في الكتابة باعتبارها وجود الموجود في وجوده، فدون هذا الوعي الأنطولوجي بالكتابة لا يمكن بلوغ الكتابة أو وضعها في سياق مشروع يراهن على اللانهائي والمجهول". ومن جهته أشار سعيد يقطين إلى أنه يحضر اليوم حفل الاحتفاء بمثقفة وطنية، فهي الكاتبة المثقفة التي كتب حولها الكثير، ودرست أعمالها، وهيأت حولها دراسات جامعية، وأنا في تصوري أن الكاتب الحقيقي لا يمكن مع الزمن إلا أن تزداد آثاره إيجابية وتأثيرا في المستقبل، فهل أتحدث اليوم عن الكاتبة أم عن الصحفية أم عن المناضلة الوطنية، فهي التي اجتمع فيها ما تفرق في غيرها، أعمالها شاهدة على نبوغها وعطائها السردي المتميز والرائد، لقد اخترت أن أتحدث عن المثقفة الوطنية، وحتى كلمة المثقف الوطني بالمذكر لم يلصق في تاريخنا الحديث، إلا بالزعماء السياسيين الذين كان لهم حضور ثقافي، وعندما أقول المثقف الوطني يذهب كلامنا إلى علال الفاسي وعبد الله إبراهيم والحسن الوزاني، أي أقطاب الحركة الوطنية، وخناثة من طينة هؤلاء، فهي مثقفة ووطنية لأنها حملت هموم وطنها في كتاباتها. أما الروائي إبراهيم الحجري فاعتبر المحتفى بها من الرموز الوازنة والمؤسسة في المشهد الثقافي والإبداعي، وهي من الجيل الأول المتوج بجائز المغرب للكتاب في صنف الرواية. وأضاف الحجري أن اسم خناثة بنونة ارتبط بجيل الرواد المؤسسين للوعي بالخصوصية، وتثبيت أعمدة الهوية الوطنية فكرا وإبداعا ومؤسسات، حيث تعرف عليها جيل السبعينات من خلال روايتها "النار والاختيار" التي كانت مقررة آنذاك في منهاج اللغة العربية بالثانوي التأهيلي. وواصل الحجري شهادته قائلا: "لقد كانت مناضلة باختيارها للكتابة الأدبية، ومناضلة بمواقفها الجريئة التي تصطف إلى جوار الإنسان في محنته، بأحاسيسها التي تستند إلى الوعي الوطني والقومي والإنساني". وأوضح الحجري في معرض كلمته أن اسم المبدعة خناثة ارتبط في وجداننا القرائي بقيم الشموخ والأصالة والتحدي والإصرار والرفض والأمل، فرسخت فينا تلك الصلابة التي لا يعرف مصطلح المستحيل إلى برجها من سبيل. بعد ذلك عم نقاش مستفيض بين الجمهور والمحتفى بها، لامس من خلاله المتدخلون مدى وطنية هذه المرأة وثوريتها من خلال كتاباتها، وكم هي متأثرة بفكر العلامة والسياسي علال الفاسي، حتى أنها في معرض إجاباتها قالت بالحرف: " أنا علالية ولست استقالالية".