واجهت المنظومة الأمنية التقليدية في أغلب بلدان العالم، تحديات كبرى في مواجهة مخاطر التنظيمات الإرهابية، التي عرفت تحولات متسارعة في آليات اشتغالها، وذلك من خلال توظيفها بشكل مكثف التطور التكنولوجي، وخاصة فضاء شبكات التواصل الاجتماعي، كما أن طبيعة عملها السري عقدت من مهامها في تتبع تهديداتها، الأمر الذي تطلب مواجهة هذا الخطر بنفس الأساليب التي تشتغل بها هذه التنظيمات والتفوق عليها، حيث أن الحرب ضد الإرهاب مهما تجندت لها القوات الأمنية والعسكرية (البرية، البحرية والجوية)، ستظل استراتيجية غير فعالة في مواجهة عدو غير مرئي. وإنما تتوقف الحرب الناجعة والوقائية من التهديدات الإرهابية على مدى فعالية العمل الاستخباراتي في جمع المعلومات الدقيقة عن الإرهابيين الفعليين والمحتملين والمؤهلين لأن يصبحوا كذلك ومن لهم ميولات متطرفة. وتنقسم المعلومات الاستخباراتية إلى نوعين، الأولى تخص المعلومات المرتبطة بشكل عام بالتهديدات الإرهابية على الأمن البلد، إذ تقوم الأجهزة الاستخباراتية في الدولة بتجميع المعطيات عن نشاط الجماعات الإرهابية عبر مختلف الوسائل. يتم تحليل المعطيات المتحصل عليها، بدايةً من خلال تقييمها وتصنيفها حسب درجة خطورتها، ثم استنتاج رؤية التنظيم الإرهابي الذي أنتج هذه المعلومة، بعدها تأتي مرحلة تحديد الخطر ومكانه وزمانه، لتخلص في الأخير إلى إحالة الإنذار إلى صناع القرار لاتخاذ الإجراءات اللازمة ضد التهديد الإرهابي المحتمل. أما الشق الثاني والذي هو موضوع تحليلنا، يتعلق بالمعلومات الاستخباراتية في مكافحة الجريمة الإرهابية، وكيفية اعتمادها كدليل للإثبات أمام القضاء، في مواجهة الإرهابيين المشتبه بهم، خاصة إذا كانت الدلائل المادية في إثبات الجرم غير متوفرة، بحيث أنه لا يمكن تجريم الأفكار مهما كانت متشددة، في ظل غياب فعل مادي. يتميز المغرب في مواجهة الجريمة الإرهابية، باختياره للنظام القضائي الموحد الذي يجمع بين الجهة التي توفر المعلومة الاستخباراتية والتحري فيها. على خلاف عديد الدول التي اختارت الفصل بين الجهة الإدارية التي توفر المعلومة والجهة القضائية التي تتولى التحقيق في المعطيات والأدلة الثبوتية ضد المشتبه بهم في ارتكاب جرائم إرهابية. ويتمثل هذا النظام القضائي الموحد في إحداث فرقة وطنية للشرطة القضائية التابعة لمصالح مديرية مراقبة التراب الوطني تحت اسم " المكتب المركزي للأبحاث القضائية". وذلك في إطار انصهار مراكز جمع وتحليل المعلومات، حيث تم منح الصفة الضبطية إلى عناصر المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني. ويتسند هذا الجهاز القضائي في عمله على مجموعة القانون الجنائي، وبالخصوص القانوني رقم 03-03 المتعلق بمكافحة الإرهاب، والذي جرم مجموعة من الأفعال واعتبارها جرائم إرهابية، "إذا كانت لها علاقة عمدا بمشروع فردي أو جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام بواسطة التخويف أو الترهيب أو العنف". وفي إطار السياسة الوقائية التي ينهجها المغرب في محاربة الإرهاب، أدخل المشرع تعديلات على مجموعة القانون الجنائي، خاصة تلك المرتبط بظهور التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق وليبيا، ومنها تنظيم "داعش" الذي دعا إلى الهجرة إلى "دولة الخلافة" المزعومة، حيث جرم المشرع في القانون الرقم 14-86، "الالتحاق أو محاولة الالتحاق بشكل فردي أو جماعي في إطار منظم أو غير منظم بكيانات أو تنظيمات أوعصابات أو جماعات إرهابية أيا كان شكلها أوهدفها أو مكان وجودها و لو كانت الأفعال لا تستهدف الإضرار بالمملكة المغربية أو بمصالحها، أو تلقي تدريب أو تكوين. تطرح المعلومات الاستخباراتية عديد من التحديات القانونية في الممارسة الواقعية المرتبطة بنظام وسائل إثبات الجريمة الإرهابية خلال مراحل البحث مع الموقوفين المشتبه بهم، خاصة وأن الأصل "المتهم بريء إلا أن تثبت إدانته، ويبقى عبء الإثبات على من يدعي خلاف هذا الأصل". ونظرا لطبيعة هذه الجرائم التي يتم الإعداد والتخطيط لها بطرق سرية، يعرقل دور المؤسسات الأمنية في رصدها عبر التحريات العادية المعمول بها في التحقيقيات القضائية. الأمر الذي يستوجب استحداث طرق تحري خاصة ذات نجاعة أكبر في الإثبات لمكافحة ظاهرة الإرهاب. وهو ما دفع المغرب إلى سد هذا الفراغ وتجاوز نقائص وسائل الإثبات التقليدية التي أصبحت متجاوزة، بتأسيسه لجهاز قضائي يعتمد في عمله على توفير المعلومات الاستخباراتية التي تكون في الغالب وسيلة من وسائل الإثبات في الجريمة الإرهابية. تتمثل طرق جمع المعلومات الاستخباراتية التي تتم تحت إشراف النيابة العامة، كي تكتسي قوة ثبوتية شرعية، في التقاط المكالمات الهاتفية أو الاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد، أو تتبع وسائل الاتصال الحديثة عبر شبكات العنكبوتية أو أحيانا قد تصل إلى الاختراق والمعطيات التي يتم الحصول عليها في إطار التعاون الأمني مع بعض الدول في مجال مكافحة الإرهاب. تخضع المعلومات الاستخباراتية إلى التحري والتحقيق حتى يتمكن القضاء الاستئناس بها سواء كان ذلك في اتجاه الإدانة أو البراءة. وفي الحالة الأخيرة، تصبح هذه المعطيات ذات طبيعة شخصية أضفى عليها المشرع الحماية القانونية في إطار القانون المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي. أثبت التحريات والأبحاث التي قام بها المكتب المركزي للأبحاث القضائية أن أغلب الخلايا الإرهابية التم تم تفكيكها كانت تعتمد التواصل المعلوماتي سواء في التواصل بين أعضاءها أو توجيه التعليمات أو في الداعية والتجنيد أو في تنفيذ المخططات التخريبية، وبالتالي يحق للأجهزة الأمنية جمع الأدلة الثبوتية للجريمة بأية وسيلة من وسائل الإثبات، خاصة في إطار الحرب الوقائية المعلنة ضد الإرهاب، نظرا لخطورة هذه الجريمة بالمقارنة مع الجرائم الأخرى. يعتبر جهاز الاستخبارات من الأجهزة الهامة في المغرب التي تساهم بشكل فعال في محاربة الإرهاب والوقاية من مخاطر هذه الجريمة على استقرار الوطن وسلامة أمن الدولة. إذ يرجع له الفضل في الإنذار المبكر عن واقع التهديدات الإرهابية ضد البلاد، والكشف السريع عن الخلايا الإرهابية أو الأشخاص الذين يحاولون التجنيد ضمن التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود لاسيما تنظيم "داعش"، ووأد مخططاتهم التي تسعى بعض بقايا الإرهاب تنفيذها وأيضا الكشف عن الأماكن التي يستعملها هؤلاء في الاختباء أو إخفاء الأسلحة والذخائر. ويبقى التحدي الواقعي في استعمال المعلومات الاستخباراتية في مكافحة الجريمة الإرهابية، على الرغم خطورة هذه الأفعال، هو ضمان المحاكمة العادلة للإرهابيين المشتبه بهم، بما في ذلك قرينة البراءة التي هي حق مخول للجميع واحترام حقوق الانسان، لأن غير هذا، سيساعد الإرهابيين على التشبث بأفكارهم المتطرفة، وسيساعدهم على تحقيق مراميهم. كما يضمن لهم انتصارا معنويا. فانتهاك حقوق الانسان في سياق الحرب الاستباقية لمكافحة الإرهاب، يشكل بيئة خصبة لتغذية الميولات نحو العنف لدى المتطرفين. لهذا فإن استعمال المعلومات الاستخباراتية وفق ضمانات الحماية القانونية للأشخاص، سيجعل منها آلية للبحث عن القرائن والأدلة للإثبات، وفي نفس الوقت حكمة استراتيجية في دفع المتطرفين للإقلاع عن أفكارهم العنيفة.