العيون مدخل الذات ونافذتها التي تطل منها على خبايا الاخر في محاولة لاكتشاف عوالمه، دواخله، أحاسيسه، وكل ما يتعلق به. العيون وصفها الشعراء واحتار فيها العلماء، لكن فنانتنا بنحيلة الركراكية ( 1940-2009) وجدت ضالتها في العيون واكتشفت موهبتها بالعيون من خلال تجسيدها لها في معظم لوحاتها. رسمت العين، أطلت على الذات، وفتحت نوافذ الأمل على عالم جديد منحها الحياة، ومنحته الحب، ومنحنا نحن تجربتها في الحياة التي اعتبرتها مدرسة سَمتها الصبر: الصبر على مجتمع ذكوري تسلط على المرأة. الصبر على قدر حرمها مما تتمناه وتأمل به أي امرأة في العالم. بنحيلة أقوى من الكل وأقوى حتى من القدر وفي سن يعتقد الجميع فيه أن الحياة أدارت وجهها له. أقبلت بنحيلة على حياة جديدة جسدتها بعفوية الصغار وبراءة الأطفال وبطموح امرأة صامدة، قوية، متحررة، عاشقة للفن، للأدب، للرسم وللحياة.عاشقة لنا نحن أيضا منحتنا أجمل اللوحات وأروع الرسومات. ساهمت في نشر الفن المغربي وثقافته حيث استطاعت بنحيلة الركراكية أن تتجاوز شاطئ مدينة الصويرةمسقط رأسها، وتَعبر بحار الضفة الأخرى حاملة لوحاتها، مجسدة واقعها، مُنفتحة على ذاتها وهواجسها كامرأة مغربية عاشت في زمن لا يعترف بالمرأة بالشكل المرغوب، لكنها اعترفت بنفسها واعترف بها الآخر. جسدت حياتها في لوحاتها، وجسدها مبدعون آخرون في أعمالهم لأنهم وجدوا فيها الجوهرة الثمينة و الاستثناء في زمن التشابه. كانت إلى جانب زميلاتها في مجال الابداع والفن من أمثال الشعيبية طلال أيقونة من أيقونات الرسم، ومرآة من مرايا الزمن نستطيع أن نلمح فيه الوجه الجميل للمجتمع، أن نلمح النجم المنير للواقع. امرأة عصامية كونت نفسها بنفسها، أبدعت، تألقت، شاركت في العديد من المعارض الدولية فكانت سراجا منيرا لبلادها ونموذجا رائعا للمرأة المغربية في أبهى تجلياته. وأنت تتطلع إلى لوحاتها تغمرك الحياة بالفرح والسعادة والطفولة والبراءة والصدق. تعود بك لوحاتها إلى الماضي، إلى حنين الكبار لعالم الصغار، فرغم أن بنحيلة الركراكية اكتشفت موهبتها في سن قارب الخمسين، لكن نحن من خلال إبداعاتها ولوحاتها نكتشف أن بنحيلة طفلة في تلك اللوحات. بنحيلة التي حُرمت من طفولتها بسبب اليتم حافظت عليها في داخلها.فكانت العيون هي المرآة التي أطلت بها على ذاتها، وأحيت طفولتها، وتحررت من قيودها، وألغت كل ما يربطها بمعاناتها، ويذكرها بقسوة الحياة، رافضة الانكسار، معلنة التحدي، متشبثة بالصبر والصمود والقوة. بنحيلة تغادر الحياة لكنها تعيش في لوحاتها وتحيا بين جمهورها من عشاق الألوان وعشاق الحياة، لأن الحياة إبداع، وبنحيلة الركراكية خير من خلد الإبداع وصوره. نامت بنحيلة نومها الأبدي في دار الخلد، لكنها ستخلد وتعيش في عقول وقلوب كل عشاق الريشة والألوان.