بكل زقاق وشارع كان كبيرا أو صغيرا، أينما تولي وجهك جنبات العاصمة الرباط، تجد حارس سيارات. ففي ظل غياب إطار قانوني لتوزيعهم جغرافيا، أصبحت أينما ركنت سيارتك تجد نفسك ملزما بدفع بعض الدراهم للحارس، تصل ل15درهما في بعض الأحياء الراقية بالمدينة. حارس يخرج من العدم، عندما تشرع في تشغيل محرك سيارتك. عدد كبير منهم استيقظوا في الساعات الأولى من الصباح، وشدوا الرحال لأماكن عملهم التي اختاروها بعناية، فلا يمكن أن يخلوا شارعا أو زقاقا وسط العاصمة الرباط من حراس سيارات، ما يثير ضغينة الكثير من السائقين، خاصة وأن الاكتظاظ الذي يعرفه مركز المدينة، خلق أزمة في أماكن ركن السيارات. طبعا وكلما قلت الأماكن الصالحة للتوقف، كلما تفنن حراس السيارات في فرض أثمنة مرتفعة في بعض الأحيان، رغم أن الفصل التاسع من دفتر التحملات، الخاص بمواقف السيارات، والذي حدد واجبات ركن الدراجات في درهم واحد، ودرهمين للسيارات والعربات، و4 دراهم للشاحنات، أكثر بكثير مما يدفعه أصحاب السيارات في مراكن العاصمة. في جولتنا وسط العاصمة الرباط، التقينا “الحسن” شاب في عقده الثالث، يعمل منذ ما يقارب العقد، كحارس سيارات بزنقة غاندي بحي حسان، بعد أن فشل في إيجاد عمل يضمن قوت يومه ويحفظ كرامته، ليقرر التوجه لمقاطعة حيه وبالضبط للمصلحة الاقتصادية، لتقديم طلب للحصول على رخصة تمكنه من حراسة السيارات بالزقاق غير بعيد عن مسكنه البسيط الذي يتشاركه مع كلبيه الضخمين، وهما من فصيلة الكلاب البوليسية والتي يتهافت عليها الحراس خاصة من يعمل منهم ليلا. لحسن استرسل حديثه عن المهنة، مستنكرا ما وصلت إليه، خاصة ببعض المناطق من المدينة، بعد أن أصبحت مهنة كل من لا مهنة له “كل واحد ولا كيلقى جيلي صفر كيلبسو ويشد شي زنقة ويقول ليك راه عساس” ليبدأ في استفزاز السائقين، وفي بعض الأحيان سرقة بعض ممتلكاتهم خاصة وأن هؤلاء يستولون على مناطق دون ترخيص، ودون أن يملك السائق الضحية طريقة لمتابعته في حال تعرضه للضرر هو أو سيارته. لحسن / حارس سيارات بحي حسان كمال موظف بوزارة الثقافة يركن سيارته منذ سنين بالزقاق الذي يعمل به لحسن، صرح لبرلمان.كوم، أنه يفضل ركن سيارته في مكان به حارس سيارات على أن يضعها بمكان به آلة الأداء، مبررا ذلك بأن آلة الأداء لن تحرس السيارة وستكلفه مبلغ 30 درهما على الأقل يوميا. وأضاف أن دور حارس السيارات جد مهم، مؤكدا أنه يضمن أمان السيارة ويحافظ عليها نوعا ما من السرقات أو الخدش… “عيب يقولوا العساس ما عندو خدمة ولا معندو دور للعساس، جرب أن تركن سيارتك بموقف ليس به حارس لمدة أسبوع فقط” مضيفا أنه في المغرب “إلا غفلت مشيتي كفتة والأفضل وجود عساس على عدم وجوده، على الأقل الشفارا كيعرفو هاد بلاصا فيها إنسان يقدر يشوفهم ويعقل عليهم”. الرأي الذي خالفته فيه سعاد وهي ربة بيت صادفناها تركت سيارتها غير بعيد عن ساحة مولاي الحسن بحي حسان “كرهت ركوب السيارة بالمجال الحضري لانه أينما أقف أصطدم بحارس سيارات وكل توقف يكلف درهمين والخزي للبلديات التي تكتري كل ما تجده من مساحة حتى أصبح الحراس يحتلون كل فضاءات المدن أتمنى أن يستبدل الحراس بآلات الكترونية وكاميرات مراقبة، يمكن الرجوع لها في حال تعرضت السيارة لأي ضرر ، العساس ماكايدير والو من غير ياخذ فلوس باردين”. المدخول أو الربح المالي، سبب رئيسي، دفع بهؤلاء لاختيار هذه المهنة بكل صعابها ومشاكلها؛ من الوقوف ساعات طويلة في الحر والمطر؛ وعدم التوفر على تغطية صحية، إلى عدم انخراطهم في أي تنظيم قانوني يضمن لهم أدنى حقوق العيش الكريم، ما يعمق معاناة الحراس، الذين يشتغلون بمدى استجابة قدراتهم البدنية والصحية، على تحمل هذه المهنة الصعبة. وكشف لنا لحسن أنه يقتسم الزقاق الذي يعمل به مع حارس آخر يشتغل به من الثامنة صباحا للثالثة بعد الزوال يجني خلاله ما بين 100 و150 درهم، فيما يجني لحسن ما بين 200 و300 درهم يوميا في الفترة ما بين الثالثة بعد الزوال ومنتصف الليل، ويمكن أن يصل هذا المبلغ إلى 400 أو 500 درهم أيام السبت أثناء تنظيم حفلات أو سهرات بالمسرح الوطني محمد الخامس أو قاعة باحنيني نظرا لتواجدهما على مقربة من مكان اشتغاله. إلا أن هذا المبلغ يقل بكثير أيام العطل وخلال العطلة الصيفية خاصة وأن غالبية من يركنون سيارتهم بهذا الزقاق يعملون بوزارة الثقافة أو بتجمع الشركات “تيكنوبارك Technopark “. باعتبار أن لحسن وصديقه يتقاسمان ساعات اليوم من الثامنة صباحا إلى منتصف الليل فقط، اخترنا مواصلة بحثنا للقاء حارس اختار هذه المرة العمل ليلا،. ويتعلق الامر بإبراهيم أربعيني يحرس السيارات منذ ما يقارب 16 سنة، باحد شوارع حي المحيط غير بعيد عن مركز المدينة، يبدأ عمله في السابعة مساء بجولة لمعاينة السيارات المركونة، قبل أن يمر لشراء ما يطفئ جوعه وظمأه لليلة طويلة لن تنتهي إلى ما بعد 12 عشرة ساعة من العمل. يلتحق ابراهيم الذي يأخذ من السائقين ما بين 5 و10 دراهم للسيارة، بكوخ خشبي جهزته له ساكنة الحي في ركن الشارع يقضي فيه ليلته لحمايته من برد الشتاء وكذلك كطريقة لفصل “منطقته” عن منطقة حارس آخر. ابراهيم مصحوبا بكلبه الأسود الضخم وعصاه الخشبية التي لا تفارقه طوال الليل، لمواجهة كل متطفل حاول الإقتراب من السيارات التي يحرسها، سألنا ابراهيم ان سبق ووجد نفسه أمام شخص أو مجموعة حاولوا سرقة سيارة أو محتوياتها،” الحمد اللي عمر لقيت راسي فهاد الموقف وعمر ماسرقات شي سيارة كونت حاضيها، آه يمكن يدوز شي حد يقيسها ولا تجرح ولكن قليل بزاف، ولكن شحال من مرة عاونت بنات ورجال كيوقف عليهم شي حد في ليل ولا كيتبعهم شي حد، لي مانساهاش هي واحد البنت مسكينة ضربها واحد وهرب مقديتش نشدو”. ابراهيم / حارس ليلي بحي المحيط ابراهيم في دردشته معنا، كشف عن مدى صعوبة المهنة التي اختارها منذ سنين، صعوبات تطابقت مع كل ما حدثنا عنه لحسن، من عدم التوفر على تغطية صحية، وعدم انخراطهم في أي تنظيم قانوني يضمن لهم أدنى حقوقهم، قبل أن يسترسل حديثه على غياب أي احصائيات دقيقة عن عدد حراس السيارات، ودون أي تحديد لمهامهم او مسؤولياتهم، ما حول هذه المهنة مرتعا لعدد كبير من التجاوزات والاختلالات، خاصة من قبل الممارسين دون ترخيص، والذين أغلبهم من ذوي السوابق والمنحرفين الذين يتخذون من ذاك الزي الفاقع اللون أو البزة الزرقاء، غطاء لأنشطة وأفعال غير قانونية، من سرقات وبيع مخدرات ونشل وفي بعض الأحيان سرقة وقود السيارات، وحتى توقيع محاضر صلح ودية، في غياب الطرف المتضرر مقابل عمولات… الأمر الذي أكدته لطيفة، وهي مديرة شركة تجارية مقيمة بحي المحيط، حيث صرحت في حديثها لبرلمان.كوم، بأنها كانت ضحية حارس سيارات بمدينة سلا، حيث بعد أن ركنت سيارتها وتوجهت لقضاء حوائجها، صدم سائق سيارة أخرى سيارتها وكسر زجاج النافذة الخلفية للسيارة، لتتفاجأ بالحارس الذي وقع محضر صلح ودي مع السائق الآخر في غيابها، لتتوجه لمركز الشرطة لتقديم شكوى ضد الحارس الذي اختفى عن الأنظار بعد أن اتضح أنه يستغل ذلك الموقف بشكل غير قانوني ولا يتوفر على أي ترخيص ما صعب الوصول اليه. لطيفة تحكي بحرقة ما تعرضت له، “كلفني تصليح زجاج السيارة أكثر من 2000 درهم، والعساس لي وقع محضر الصلح طار ما نزل، كيقولوا العساسة كاياخدوا رخصة من الجماعة ولكن أنا باش غادي نعرف هاد السيد مرخص ولا غي لقا جيلي أصفر ووقف تما؟ خاص المسؤولين يتدخلوا باش مايطراش لناس اخرين بحال لي طرا ليا”. صورة خاصة ملتقطة بعد حادث سيارة لطيفة هذا وختمت لطيفة حديثها معنا، مطالبة الجهات المسؤولة بالتدخل وفرض إطار قانوني صارم يؤطر حراسة السيارات وممتهنيها، ولم لا فرض زي موحد يحمل رقما تسلسليا، يمكن المواطن من التفريق بين الحارس القانوني والمتطفل ويسمح له بالوصول للحارس بسهولة في حال وقوع خلاف ما أو في حال تعرض السيارة للسرقة أو الكسر… التوسع العمراني، ارتفاع عدد السيارات في المجالات الحضرية وتنامي ظاهرة البطالة، دفع بالكثيرين من بينهم شيوخ ونساء وذوي احتياجات خاصة، لاتخاذ حراسة السيارات كمهنة يضمنون منها مدخولا يعيلون به أنفسهم وأحيانا كثيرة أسرا بأكملها. لا يختلف اثنان على أن القطاع تشوبه مجموعة من التجاوزات والاختلالات، ويصفه آخرون بأنه صيغة أخرى للتسول… إلا أن زال عددا كبيرا من حراس السيارات من العاملين ليلا أو نهارا، وجدوا في هذه المهنة الشريفة حلا لمشكل اجتماعي، واستطاعوا عبرها توفير احتياجاتهم، مع انهم يعانون الكثير من مهنة تغيب فيها أدنى شروط حفظ الكرامة الإنسانية ولا يتوفر فيها للحارس أية ضمانات صحية أو اجتماعية، في انتظار تنزيل قانون يؤطر المهنة ويوفر لممتهنيها حقوقهم، فهل نعتبرها نوعا من التآزر و التكافل الاجتماعي؟ لحسن / حارس سيارات بحي حسان