كثرت في مدينة الدارالبيضاء حالات سرقة السيارات والاعتداء عليها من قبل المنحرفين ولعل أبرزها ما تعرض له مؤخرا مرآب «سوق القصب» بليساسفة، الذي هاجمته عصابة مدججة بالسيوف والأسلحة البيضاء على الساعة الثالثة صباحا، قامت بتكسير زجاج أكثر من 30 سيارة كانت متوقفة في المرآب، مما خلق حالة من الرعب وسط السكان. منظر زجاج السيارات المكسور جعل البعض يتساءل عن دور حارس السيارات، وأين يكون عندما تقع مثل هذه الحوادث؟ ولماذا لا يقوم بدوره كما يجب مادام يتلقى مقابلا ماديا عن عمله؟ أسئلة كثيرة طرحت من قبل من تعرضت سياراتهم يوما لاعتداء أو محاولة سرقتها أو سرقة أجهزتها التي يلام عليها الحارس «العساس» بالدرجة الأولى، ثم الأمن الذي يقول هؤلاء بأنه لا يقوم بالدور المنوط به في حماية ممتلكات المواطنين، في المقابل نجد حارس السيارات يدافع عن نفسه معتبرا أنه يزاول مهنة بدون ضمانات وأن حياته أصبحت مهددة في ظل غياب قانون يحميه. لتلتقي بحارس سيارات عليك أن تختار الوقت المناسب لتحدثه, فهو يكون مشغولا بمراقبة السيارات التي تدخل للموقف «باركينغ» والتي تخرج منه قصد الحصول على بعض الدريهمات. بجانب مفوضية الأمن بأناسي التقينا حميد الذي يساعد والدته في حراسة السيارات نهارا، هو يعتبر العمل الذي يقوم به مؤقتا يساعده في تلبيه حاجاته اليومية وأنه لم يصادف أي متاعب مع الزبناء باستثناء أحد الأشخاص الذي طالبه بتعويض قيمة مرآة السيارة التي قال له بأنها كسرت عندما كانت متوقفة بالموقف، الذي يحرسه هو وزميل له، يضيف حميد، حصل منهما على 200 درهم كتعويض على كسر المرآة. على بعد أمتار من المفوضية الأمنية وجدنا با محمد، كما يلقبونه، يقطع أشجارا حجبت عنه الرؤية وأصبحت مكانا يختبئ فيه ذوو السوابق والمنحرفون، الذين يعترضون سبيل المارة خاصة الفتيات منهم. يتحدث با محمد، الأب لثمانية أبناء، عن ظروف الاشتغال والصعوبات التي تواجهه كحارس للسيارات قضى في هذه المهنة 15 سنة دون أي حماية تذكر لا صحية ولا اجتماعية، إذ التوقف عن تأدية هذا العمل سيجعله يواجه مصيره مع «البطالة»، يقول إن سكان الحي هم من اقترحوه ليكون حارسا ليليا لسياراتهم، ولمدة سنة قضى الليل يسهر على تلك السيارات قانعا بالأجر الشهري الذي يتقاضاه والمحدد في 50 درهما لكل سيارة، غير أن السكان ليسوا جميعهم مداومين على الأداء ومنهم من لا يؤدي له ولو درهما واحدا. با محمد يعتبر «العساس محكور» ويسهل النصب عليه, وهي الواقعة التي حدثت له عندما جاء عنده شخص أخبره بأن دراجته النارية سرقت من الموقف ليلا، وهو الأمر الذي جعله يدفع له مقابلا ماليا محدد في 4500 درهم ، يقول إنه اقترضها، مضيفا أن هناك من يريد الإيقاع به حتى يبتعد عن الحراسة في ذلك المكان. وهذا الشخص كما قال مازال يتعقبه ويكيد له. وفي الحالة التي تتعرض فيها السيارة لسرقة ما بداخلها أو تخدش إحدى جوانبها أو يكسر زجاجها، يكون الحارس وحده مسؤولا عن ذلك، ومطالبا بأداء غرامة مالية للمتضرر الذي قد يلح على تسديد ثمن الخسارة أو يكون رحيما به فيعفيه من الأداء «كل واحد ووجهو» يضيف با محمد الذي تأسف لغياب قانون يحمي الحارس وللامبالاة التي يتعرضون لها من قبل الأمن الذي لا ينصفهم ويهمش دورهم كمواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات. مهنة الموت بالقرب من «قيسارية طارق» بالبرنوصي وبالضبط أمام سوق السمك، يجلس تحت شجرة ببذلته الصفراء، وقبعته زرقاء اللون، وعلامات البؤس والحزن بادية على محياه، إنه يوسف، عسكري سابق تقاذفته الظروف حتى وجد ضالته في مهنة الحراسة الليلية، بحكم حسه العسكري لا يهاب عصابات سرقة السيارات، يقضي اليوم في عمله وإذا اقتضى الحال يظل ساهرا الليل بأكمله طمعا في دراهم قليلة يمنحها له السائقون، رغم أن أغلب أصحاب المحلات التي يحرس يوسف سياراتهم لا يؤدون له سنتيما. في حديثنا معه يعتبر نفسه يقوم بعمل وطني، وإن كانت الضمانات منعدمة. يحكي يوسف أنه في إحدى الليالي الباردة صادف سارقا يهم بفتح إحدى السيارات المركونة بالموقف، وحين حاول منعه قام السارق بطعنه بسكين في بطنه وفر هاربا، قصد يوسف الدائرة الأمنية للتبليغ عن الحادث «ماعطاونيش وقت» يواصل حديثه، ماذا عساه يفعل إذن وهو الذي لا يجد سندا قويا يحميه، خاصة عندما أخبرنا أن نفس الدائرة سبق وذهب إليها قصد الإخبار عن إمساكه لسارق كان يهم بسرقة إحدى السيارات ليلا ، فكان الجواب كما قال «عطينا 500 درهم عاد نجيو معاك» . سرقة السيارات أصبحت أمرا سهلا للغاية، فبواسطة مفتاح خاص يمكن أن يتم ذلك، كما أن هناك نوعا من الهواتف يستعمل لنفس الغرض، يضيف يوسف، لقد تمت سرقة سيارة من «الباركينغ» المتواجد في الجهة الأخرى من السوق في واضحة النهار، صاحبها دخل لشراء ما يلزمه، لكن عند خروجه لم يجد سيارته ولحسن حظ الحارس أنه «معاق» فلم يغرمه ثمنها. في نظر الحراس هم غير مرغوب فيهم، يقول أحدهم: «الأغلبية تيرجعونا بركاكة ديال البوليس و أغلب الحراس يموتون قتلا من قبل العصابات لي خارج يسرق قادر يقتل»، وقائع شهدها كل من حي طارق بالبرنوصي ومدينتي في الأزهر، يضيف المتحدث. الأولى تتعلق بحارس للسيارات، يمارس الرياضة الجيدو، مات مغدورا ، بعد أن اشتهر بقوته وقدرته على الانتصار على كل من يحاول الاقتراب منه، انتقم منه سارقان أحدهما قام بشتمه ليستفزه فقام باللحاق به محاولا ضربه فجاء الآخر – كان مختبئا- من جهة أجرى وغرس السيف في بطنه حتى خرج من ظهره ليتركه غارقا في دمه يصارع الموت في واضحة النهار ، توفي الحارس وترك وراءه زوجة مكلومة وولدين، هما اليوم في حضن أم مازالت تتسول في الشارع للبحث عن قوت لهما. أما الحالة الثانية فهي تتعلق بالحارس الليلي الذي فاجأ السارق يقوم بفتح إحدى السيارات على الساعة الثانية عشرة والنصف ليلا ، فأراد أن يمنعه ، فقام السارق بالإجهاز عليه بسيف وذبحه ، يضيف المتحدث ذاته « كون غير كان المخزن يوقف معانا كون لاباس». ومن بين الوسائل الدفاعية التي يعتمدها الحراس للنجاة من الموت «الهراوات»، ثم الكلاب التي يقومون بتربيتها و معهم لها أيضا قصص حزينة، فهم يقومون بتربيتها لكن العصابات تقوم بقتلها عن طريق السم أو تقوم الدوريات بتعقبها وجمعها بحجة أنها غير مرخص لها ثم تقتلها كذلك، أما بالنسبة لمن يريدون السرقة فسهل عليهم، حسب يوسف، أن يقوموا بإسكات الكلاب عن طريق رمي قطعة لحم بها لصاق أو منوم يسكت الكلب إلى حين قضاء المهمة. في قفص الاتهام كثيرة هي شكايات المواطنين التي يوجهونها ضد الحراس والتي يتهمونهم فيها بالحرص على الحصول على المبلغ الشهري لكن بدون أداء المهمة على أحسن وجه ، منهم من يتهم الحارس بالابتزاز ، وبأنه في الغالب يقوم بالاستحواذ على مناطق بدون ترخيص، ومنهم من يعتبر الحارس متنصلا من المسؤولية الملقاة على عاتقه بحكم القانون مادام يرغب اختيارا في مهنة الحراسة، ومنهم من يعتبر أن الحراسة تناط بأشخاص ليسوا أكفاء يسيل لعابهم لمن يدفع أكثر... في المقابل تجد الحارس مدافعا عن نفسه وعن عمله، فمن الحراس الذين قابلناهم من حمل المسؤولية لبعض المواطنين الذين لا يحترمون النظام ولا يقدرون العمل الذي يقومون به منهم من لا يؤدي لهم درهما وفي حالة سرقة أجهزة السيارة يقيم الدنيا عليهم ولا يقعدها، ومنهم من يتهم بعض المواطنين بالنصب على الحراس لأنهم الحلقة الأضعف، ومنهم من يقوم بالتجول بسيارته بين الحراس وعند اقتراب نهاية الشهر يختفي. احمد، حارس بجماعة البرنوصي ، يتحدث عن متاعب كثيرة في هذه المهنة، أولها التنظيم يقول: « مرة جا عندي واحد قالي مشا لي البورطابل من السيارة فسألته :هل أخبرتني بذلك عندما أوقفت السيارة؟، وآخر اخبرني بأن وثائق منزله سرقت من داخل سيارته ...» ، يعترف احمد بأن حراس النهار يعتبرون اقل ضررا من حراس الليل الذين ولجوا هذا العالم مضطرين لأن «طرف الخبز صعيب». عدم هيكلة هذه المهنة عبر جمعيات أو نقابات، عمق معاناة «العساسة»، الذين في حالة ضياع أو إتلاف تجهيزات السيارة يتحملون مسؤولية ذلك، وليست السيارات فحسب فأي مشكل سرقة أو اعتداء وقع، سواء على الأشخاص أو الممتلكات، يقول أحدهم، « يجروا العساس»، فهم يهتمون بحراسة السيارات وقد يدخلون في عملهم حتى حراسة المنازل والعمارات، وأي شجار وقع مع السكان أو أصحاب السيارات قد تكون نهايته الطرد من العمل. في المقابل نجد أن بعض المواطنين يصرون على كيل الاتهامات لحراس السيارات متهمين بعضهم ب «ابتزاز» أصحاب السيارات في آخر الشهر، وأن منهم من يستحوذ على مساحات فارغة بدون ترخيص ويقوم بلعب دور حارس للسيارات وهو ينوي فقط كسب المال على حساب مصالح المواطنين، الذين في الغالب يتفادون الشجار مع الحارس لأنهم يخشون الاعتداء عليهم أو على سياراتهم، خاصة إذا كان الحارس صاحب سوابق عدلية ، كما أن بعضهم يثير الرعب بسبب تصرفاته «المستفزة»، التي قد تصل إلى حد التهديد في حال لم يمنحه صاحب السيارة المال آخر الشهر. وقد طالب مجموعة من المواطنين بإعادة تنظيم القطاع وهيكلته على نحو يجعل هؤلاء ينتمون لشركة واحدة، تتكلف بتعويضهم ماديا نهاية كل شهر تفاديا للمشاكل مع المواطنين.
فوضى عارمة لتفادي الفوضى العارمة التي تعرفها حراسة السيارات في مدينة الدارالبيضاء، تقوم لجنة بإعداد دفاتر تحملات جديدة بخصوص مواقف السيارات في جميع تراب المدينة، بغاية تنظيم هذا القطاع، وخلق فرص شغل جديدة في صفوف العاطلين. دفاتر التحملات الجديدة، ستخرج للوجود بعد الاستغلال الكبير للعديد من مواقف السيارات بدون ترخيص، زيادة على أن القضية حسب البعض تعرف فوضى عارمة، ويتم استعمالها كورقة سياسية من قبل بعض المنتخبين. كما أن قضية استغلال مواقف السيارات مازالت تثير جدلا واسعا في المدينة الاقتصادية، حيث هناك دعوى من أجل فسخ العقد بصفة نهائية مع شركة «باك باركينغ» وفتح هذا الباب أمام مقاولات مغربية، لأنه كما قال بعض المتتبعين من خلال تنظيم حراسة السيارات يمكن القضاء على البطالة، بإحداث شركات تتكلف بحراسة مناطق مختلفة من المدينة. من جهة أخرى, حراسة الشيء ينظمها قانون الالتزامات والعقود والحراسة، وهذا يعني أن يملك الحارس سلطة الاستعمال والرقابة والتوجيه، إما بنفسه أو بواسطة الأشخاص الذين يسأل عنهم مدنيا: كأبنائه القاصرين وخدمه « الفصل 85 من ق ل ع» والشيء يعني كل الأشياء الجامدة ( منقولا أو عقارا متحركا بقوة ذاتية أو محركا بيد الإنسان خطير أو غير خطير) ولا يخرج عن ذلك سوى ما ورد بشأنه نص خاص كما هو الشأن بالنسبة للمسؤولية عن الحيوانات حسب الفصل86 من ق ل ع. ولذلك فإن إعفاء الحارس من مسؤولية الضرر الذي تسبب فيه للشيء المحروس، حسب رجال القانون لا يتحقق إلا إذا أثبت الشرطين الواردين بالفصل 88 من قانون الالتزامات والعقود أنه فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر وأن الضرر يرجع إما لحادث فجائي أو قوة قاهرة أو خطأ المضرور وهما الشرطان اللذان يصعب إثباتهما. وفي هذا الصدد, يوضح مطرح عبد اللطيف، محام بهيئة آسفي، أن مسؤولية حارس السيارات قائمة في حالة الاعتداء عليها أو سرقتها بناء على نصوص قانون الالتزامات والعقود، وهي تدخل في إطار المسؤولية التقصيرية، وليست المسؤولية الجنائية. وأنه في مثل هذه الحالات على الحارس أن يكون مؤمنا، ويشرح المتحدث أنه في الحالات التي تتم فيها سرقة السيارة أو الاعتداء عليها ... فإن الحارس ملزم بتعويض الضرر الذي لحق بصاحب السيارة غير أنه هنا تبقى فقط العلاقة الإنسانية هي الحكم في مثل هذه الوقائع، أما عقاب الحارس فلا يكون إلا في الحالة التي ثبت تورط الحارس في السرقة أو مساهمته فيها موضحا أن هناك فراغا قانونيا وأنه على المشرع التنصيص على مجموعة من الأمور المتعلقة بحراسة الشيء كتحديد المسؤليات، مؤكدا أنه ليست هناك أي حماية قانونية للحارس.