جنس مخدرات سرقة، شذوذ جنسي وأشياء أخرى.. شعور بالإهانة وغياب أي ضمانات للحياة “ما عندنا قيمة تيجي شي واحد تيقوليك رابطينك بحال شي كلب” بهذه العبارة حاول رشدي أحمد حارس ليلي 57 سنة متزوج وأب لأربع أبناء، أن يلخص جزءا من معانات نطق بها حاله قبل مقاله، فمهمته الأساسية متجسدة في حراسة المواطنين وسياراتهم طيلة الليل، ومن منا لم يصادفه مشهد حارس ليلي يقبع في زاوية من زوايا إحدى شوارع حيه في علبة صممت خصيصا لتجبره على البقاء مستيقظا، لكن قليلا ما ننتبه إلى وضعه الاجتماعي وما يطرحه من مشاكل تصل إلى حد التهديد بوضع حد لحياته. بقلب مفعم بالحزن والأسى و تعلو محياه مسحة حزن عميقة، أجمل رشدي أحمد، القاطن بحي بوركراك بالرباط، رفقة أفراد عائلته البالغين أربعة عشر فردا، أهم مشاكل الحراسة الليلية في غياب أي ضمانات للحياة فقال: ما عندنا لا وراق لا لنتريت لا فلوس الدراري لا فلوس الدواء، وإذا مرضت فسيأتي من يستعمرك بكل سهولة، وما يزيد من أرق أحمد أيضا عدد المخمورين الذين يتزايدون مع حلول الليل بحيث يقومون بالتبول فوق السيارات أحيانا وكسر زجاجها أحيانا أخرى، وآنذاك يضطر أحمد إلى الاستنجاد بالأمن ((وكتحاول تسلك حتى تفك الجرة على خير يقول رشدي، ويسترسل بأن حيتنا معرضة للخطر ما فيهاش نيقاش، ولكن باش تدي لخبز لوليدات تقدر تخدم أي حاجة من أجلهم ومن أجل فلوس الماء والضوء ومتطلبات الحياة)). أجرة زهيدة وآية نوم مقلوبة تتعمق جراح الحارس الليلي أكثر مع أجرة قيمتها تبقى رهينة بعدد الفيلات أو المنازل المحروسة، وبما يجود به سكانها على رأس كل شهر بقيمة تبدأ من 100 إلى 150 درهم في الشهر للمنزل الواحد في أحسن الأحوال، ويؤكد أحمد أن الأجرة مهما علت لا تتجاوز 2000 درهم في الشهر بالإضافة إلى بعض ما يدفعه أصحاب السيارات والذين تتضاعف بسببهم الحراسة أكثر. وعن علاقة الحارس الليلي بالسكان حدثنا أحمد وعيناه ترقب في توجس تحرك أي سيارة، وفجأة تركنا مسرعا نحوى إحدى السيارات، ثم عاد بعد أن جاد عليه صاحبها ببضع دراهم، أما ما يخص الأكل فيقول أحمد أن هذه القضية على حسب لوجوه فهناك الكريم، والقاسح وغير ذلك، إلا أن كل هذا لا يعفي أحمد من جلب أكله والتردد على البقال كلما اقتضى الأمر ذلك. آية النوم مقلوبة عند أحمد وبذلك أصبح ليله معاشا ويومه سكنا، على عكس عدد كبير من الناس فقد ألف النوم منذ انتهاء عمله صباحا حتى الرابعة من مساء نفس اليوم. عدم هيكلة هذه المهنة عبر جمعيات أو ضمن وداديات الأحياء أو أي عمل نقابي، يعمق من معانات الحارس الليلي والذي يتحمل مسؤولية أي ضياع أو إتلاف يلحق الممتلكات التي يحرسها وعبر عن ذلك بقوله “إلى مشات ليك شي حاجة ما كاين اللي يعرفك لأن هديك هي خدمتك” متسائلا “واش بغيتيهم يديروا ليك عساس يعس عليك ولا؟” وضع أو موقف كهذا قد يكون كافيا ليستقدم السكان حارسا من الشركات الأمنية الخاصة، خاصة أنه لا توجد أي وثيقة أو عقد يربط بين الحارس الليلي بمن يحرسهم، فأدنى خلاف مع آخر ساكن قد يؤدي في رمشة عين يقول أحمد، بنوع من الجزم، إلى الطرد من العمل. أدوات دفاعية لا تتجاوز هراوة وكلب مساعد أدوات أحمد الدفاعية لا تتجاوز عصا هراوة وكلب مساعد، وللتغلب على النوم يعتبر احتساء ثلاث إلى أربع كؤوس من القهوة طقسا ليليا عند أحمد وكذا التوجه إلى الله وطلب السلامة في كل ليلة، وبما أنه لكل قصة بداية، فبداية مأساة أحمد بدأت باشتغاله مع إحدى الأجانب يخدمه على عدة مستويات إلى أنه رد الجميل بالسوء ليجد أحمد نفسه في الشارع بدون عمل ولا تعويض ولا أي شيء بعد 20 سنة من الكد والعمل لأجل راحة الأجنبي. يحكي أحمد مشاكل ومعانات تفوق بكثير عدد شعر رأسه الذي غطاه الشيب، وبالرغم من أن أحمد احدودب ظهره وابيض شعره وتناثرت أسنانه فهو قانع وبوضعه معتبرا إياه ضريبة عدم التمدرس معبرا “اللي ما قرا سرو هذا، وخاصوا يتحمل ويصبر”، بعد كل ما سبق فإن أحمد رشدي ليس استثناء من باقي الحراس الليليين بل قاعدة بالنظر إلى وجود عدد الحراس بعدد الأحياء. وضع أحمد رشدي لم يكن أحسن حال من أخيه في الحرفة العبدلاوي أحمد 28 سنة القاطن بنواحي الرباط، بدأ كلامه عن صعوبات يواجهها بكلمات متقطعة وفي حالة بدا فيها مرتجفا وكأنه مصاب بنزلة برد شديد، في الشعور بالوحدة والخطر الذي يتهدده باستمرار، فضلا عن الاضطراب في اختلال البرنامج بين الليل والنهار. شذوذ جنسي، خمر، ومخدرات أحمد العبدلاوي كان أكثر جرأة من سابقه، فكشف عن أشياء تقع بالليل دون النهار أصبحت عنده مألوفة من قبيل حالات السكر والنزاع بين شاب وشابة أو شابين أو عدة شباب يتشاجرون أحيانا حول بنات الليل خاصة يحكي أحمد “ملي كتقطع الرجل” تقع ممارسات أمام عينه أكثر من مرة، والتي لم تقف عند العلاقات غير الشرعية بل تجاوزتها إلى ظاهرة الشذوذ الجنسي إلى حد جزم العبدلاوي معه أنه لا تكاد تمر ليلة إلا بحدث من هذا النوع أو ذاك. وعن مدى علاقة الحراس بالمصالح الأمنية يقول العبدلاوي، بقلب يعتصره الألم وبوجه يعلوه الحزن والتأسف على سنوات دراسية ذهبت سدى، المسألة تعود إلى طبيعة الحي ومن يسكن فيه، فقد تأتي الشرطة بأقصى ما تملك من سرعة أو قد تضطر إلى حل الإشكال لوحدك أو الانتظار حتى الصباح، والأخطر من ذلك يقول العبدلاوي أنك لست محمي فقد تأتي عصابة وتهشم عظامك لأنك ضبطتها أو بلغت عنها في إطار عملك، لذلك فالجانب الأمني حقيقة يؤكد العبدلاوي يشكل أساس وجودنا وفي الوقت ذاته مصدر خوفنا وقلقنا. أحمد المنقطع عن الدراسة في الثالثة ثانوي بسبب وفاة والده والوضع المادي المتدني وحاجة الأسرة إلى من يعيلها، أكد بالنسبة للمخدرات ليلا أن هناك عدد كبير من المستهلكين في حين نفى بشدة علمه بوجود بائعين، كما أن الحالات المخمورة أو السرقة أو الجنس وسرعة السيارات المفرطة جدا فإن موقع الحارس وطبيعة الحي والشارع تساهم أيضا في ذلك. لعبدلاوي ينظر إلى الأجرة بكونها زهيدة مهما بلغت مقارنة مع الوضع الخطير الذي يتواجد فيه الحارس الليلي، وآخرها بعض الأمراض المتعلقة بتبدل أحوال الطقس وتغيره خاصة أثناء البرد القارص والممطر الذي يشتكي منه الناس داخل بيوتهم أحيانا. فضلا عن مسألة تعريض النفس للخطر وهي وضعية يلمح المتحدث تساهم معظم المكونات المتداخلة في تعميقها حتى الحشرات عبر لسعاتها المتكررة. وكما ذهب إلى ذلك من سبقه أكد لعبدلاوي أن مسألة العيش والأكل لا يطبعها أي نظام أو اتفاق، كما يحاول قتل الملل بالمطالعة في الجرائد والاستماع إلى الموسيقى والإذاعات، ولكن ذلك يوضح الحارس الليلي لا يعفيك من الترقب والتوثب والانتباه إلى أي حركة جديدة، أما القهوة فقد تخلى عنها العبدلاوي بعد أن كان من المدمنين، والسبب الضرر الذي ألحقته حبات البن بمعدته. محمد يقضي أكثر من 13 ساعة في الحراسة، فضلا عن ساعتين يومية للتنقل والعودة إلى مكان الإقامة، وأي غياب بالمرض أو غيره يتطلب منه البحث عن حارس آخر وأن يدفع له من أجرته الزهيدة على قلتها وإلا عوض بحارس آخر، لعبدلاوي الذي يعيل أسرة من أربعة أفراد بعد وفاة والده يحتفظ بثلاث هروات إحداها لا تفارقه منذ الثانية عشرة ليلا إلى أن ينبلج الصبح. محمد لغروس