الخط : إستمع للمقال يبدو أن عبد المجيد تبون، الرئيس الصوري لنظام العسكر الجزائري، قد وجد نفسه في مأزق حقيقي عقب التورط في الدخول في أزمة مع فرنسا بعد التغير الجذري في موقفها تجاه قضية الصحراء المغربية. فمنذ أن خرجت باريس من المنطقة الرمادية، وأعلنت صراحة دعمها لمغربية الصحراء، أصيب النظام الجزائري بهزة دبلوماسية لم يجد لها مخرجًا سوى الاستنجاد بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي وصفه تبون خلال لقائه الإعلامي الشهري ب"المرجع الوحيد" لحل الأزمة. رئيس بلا قرار.. يستنجد بمن كان يهاجمه! ويشتكي من أزمة صنعها بنفسه! في موقف يكشف حجم الارتباك داخل قصر المرادية، قال تبون: "لكي لا نسقط في الجلبة أو الفوضى السياسية هناك (في فرنسا)، أقول فقط ثلاث كلمات، نحن نُبقي على الرئيس ماكرون كمرجع وحيد"، مضيفًا أن "كل المشاكل يجب أن تُحل معه أو مع من يفوضه، أي وزراء الخارجية". هذه الكلمات، التي تحمل في طياتها اعترافًا ضمنيًا بعجز النظام الجزائري عن إدارة أزماته بنفسه، تأتي بعد سلسلة من التصريحات العدائية تجاه باريس، والتي لطالما رفعها إعلام النظام كخطاب قومي مزيف لإلهاء الشعب الجزائري عن أزماته الداخلية. والمثير في تصريح تبون، وفق ما نقلته الصحافة الفرنسية، أنه وصف الأزمة الحالية بين الجزائروفرنسا بأنها "صُنعت من لا شيء"، وكأن الأمور خرجت عن السيطرة دون سبب واضح. لكن ما يتجاهله تبون، أو يتناسى ذكره، هو أن الجزائر كانت أول من حاول التدخل في الشؤون الفرنسية، وفرض وصايتها على قرارات باريس، فقط لأنها قررت الاعتراف بمغربية الصحراء. هذا التدخل السافر قوبل برد حازم من فرنسا، التي لم تتردد في مطالبة الجزائر بالكف عن تصرفات "الدراري الصغار". ولم تقتصر أزمة الجزائر مع فرنسا على ملف الصحراء المغربية، بل امتدت إلى مواقف أخرى، أبرزها رفض الجزائر استقبال رعاياها المرحّلين من فرنسا، وهو ما اعتبرته باريس محاولة جزائرية لفرض واقع جديد لا يخدم إلا الفوضى. كما زادت الجزائر من حدة توتر العلاقات عندما أقدمت على اعتقال الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال، المعروف بانتقاداته للنظام العسكري، مما أثار غضبًا واسعًا داخل الأوساط الثقافية والسياسية في فرنسا. تناقض تبون في الحديث عن المغرب وفرنسا وفي محاولة لتبرئة الجزائر من تهمة العداء للعلاقات الفرنسية-المغربية، زعم تبون أن "الصداقة بين فرنسا والمغرب لا تُزعجنا على الإطلاق، خلافا لما يُقال"، لكنه سرعان ما ناقض نفسه حينما عاد ليحشر بلاده في موضوع لا علاقة لها به، معلقًا على زيارات المسؤولين الفرنسيين للصحراء المغربية، واصفًا إياها بأنها "استفزازية وتطرح إشكالًا وتخالف الشرعية الدولية والأممالمتحدة". غير أن الواقع يُظهر أن الجزائر، وليس الأممالمتحدة، هي من عبّرت عن غضبها الشديد من تلك الزيارات عبر بيانات وزارة خارجيتها، في حين أن الأممالمتحدة لم تُصدر أي تعليق أو موقف يعارض تحركات المسؤولين الفرنسيين في الأقاليم الجنوبية للمملكة. من التصعيد إلى الاستجداء.. سيناريو إعادة العلاقة مع إسبانيا يتكرر من المفارقات المثيرة أن نفس النظام الذي ظل يهاجم فرنسا ويتهمها بالتدخل في شؤونه الداخلية، هو ذاته الذي يطالب اليوم بجعل ماكرون "المرجع الوحيد" لحل الأزمة. فبعد عقود من الخطاب الثوري الزائف، انتهى الأمر بتبون إلى البحث عن رضا فرنسا، في مشهد يكشف زيف الشعارات التي ترفعها الجزائر حول "السيادة" و"القرار المستقل". فالجزائر التي سحبت سفيرها من مدريد وأعلنت إجراءات تصعيدية رداً على دعم إسبانيا لمغربية الصحراء، عادت خلسة لمحاولة إعادة الدفء إلى علاقتها مع مدريد، في مشهد يعكس تناقضاً صارخاً بين الشعارات العدائية والواقع السياسي. فبعد صراخ قومي وتهديدات بقطع التعاون الاقتصادي والتجاري، وجدت الجزائر نفسها معزولة، لتسعى بهدوء إلى استرضاء إسبانيا وإعادة قنوات التواصل التي أغلقتها بنفسها. واليوم، يتكرر السيناريو نفسه مع فرنسا. فبعد أن أعلنت باريس بشكل صريح دعمها لمغربية الصحراء، اندفعت الجزائر في حملة تهجم غير مسبوقة على فرنسا، مستخدمة خطاباً تصعيدياً واتهامات متشنجة وحملات إعلامية منظمة. لكن، وكما حدث مع إسبانيا، لم يدم العناد طويلاً، إذ خرج تبون بالأمس ليطلب تدخل ماكرون شخصياً لحل الأزمة بين البلدين، في خطوة تفضح ازدواجية النظام الجزائري الذي يرفع شعارات السيادة والاستقلالية، لكنه ينتهي دائماً إلى البحث عن وساطة للخروج من أزماته الدبلوماسية. التراجع أمام الواقع الجديد لطالما حاولت الجزائر استغلال علاقتها بفرنسا كورقة ضغط في ملف الصحراء المغربية، لكنها اليوم تجد نفسها في موقف ضعيف بعد أن حسمت باريس موقفها لصالح المغرب. وهذا التحول لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة دبلوماسية مغربية ناجحة استطاعت أن تفرض واقعًا جديدًا على الساحة الدولية، حيث لم تعد الدول الكبرى تقبل بالبقاء في المنطقة الرمادية أمام حقائق التاريخ والجغرافيا. أما النظام الجزائري، الذي راهن طويلًا على فرنسا كورقة مساومة، فقد أصبح اليوم هو الطرف الذي يلهث وراء ودّ باريس، مطالبًا بالحوار معها لإنقاذ ماء وجهه بعد أن خسر معركته الدبلوماسية. نظام العسكر في ورطة.. والاعتراف أقوى من أي تصريح ما قاله تبون ليس مجرد زلة لسان، بل هو اعتراف صريح بأن الجزائر لم تعد تمتلك أوراقًا حقيقية في معركتها ضد وحدة المغرب الترابية. فبعد أن فقد النظام الجزائري دعم القوى الدولية الكبرى، لم يبق له سوى البحث عن حلول مع "المرجع الوحيد"، في محاولة يائسة للحفاظ على ماء وجهه أمام الداخل الجزائري، الذي يدرك اليوم أكثر من أي وقت مضى أن نظام العسكر يسير بالبلاد نحو عزلة غير مسبوقة، فيما المغرب. ماضٍ في تثبيت حقوقه المشروعة بدبلوماسية قوية ومواقف واضحة، لا تحتاج إلى وسيط أو "مرجع" يقرر نيابة عنه. الوسوم اعتقال الجزائر المغرب فرنسا