لم يكن الدعم الفرنسي الصريح لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية في الصحراء، حدثا دبلوماسيا عابرا في نسق العلاقات الثلاثية المعقدة بين باريس والرباط والجزائر، فهي علاقات مشدودة بحبال التاريخ الاستعماري وحسابات المصالح الاستراتيجية التي يقع في قلبها ملف الصحراء المغربية.
ففي الوقت الذي لم يستسغ النظام الجزائري خروج "الإيليزيه" من المنطقة الرمادية خاصة وأن الجزائر تراهن على استدامة النزاع وبعث الروح في جسد الانفصال، يُخطط النظام العسكري الجزائري لترجمة تهديده ووعيده ضد فرنسا في الوقت المناسب، وفق ما نقلته وسائل إعلام مقربة من النظام الحاكم.
الدعم الفرنسي القوي الذي شكل نقطة فاصلة في مسار علاقات باريس والرباط، دفع بعلاقتها مع الجزائر إلى نفق الأزمة المظلمة، إذ كشفت يومية لوموند الفرنسية في تقرير لها أن علاقات الجزائروفرنسا موعودة بأزمة خانقة ورحلة من التوتر، مشيرة إلى "استخدام تهديد مبطن"، من خلال تأكيد الحكومة الجزائرية أنها "ستستخلص جميع النتائج المترتبة على هذا القرار الفرنسي الذي تتحمل الحكومة الفرنسية وحدها مسؤوليته الكاملة".
وتبحث الخارجية الجزائرية، وفق ذات المصدر، ردع هذا التغيير الفرنسي أو على الأقل تقليص مداه، مما قد يشير إلى أن "الوضع لا يزال قابلا للتغيير في هذه المرحلة".
ونقلت تقارير إعلامية فرنسية أن التحذير والتهديد الجزائري سبق أن استخدمته كسلاح إبان صدور موقف مماثل من مدريد، وعلى ضوئه سحبت سفيرها قبل أن تعيده وهددت بقطع العلاقات التجارية مع الجانب الإسباني.
وكانت إسبانيا، القوة المستعمرة سابقا للصحراء المغربية، أعلنت عن تغيير في موقفها من النزاع معتبرة المقترح المغربي للحكم الذاتي "الأساس الأكثر جدية، واقعية ومصداقية لحل هذا النزاع"، وهي الخطوة التي دفعت الجزائر الى سحب سفيرها من مدريد.
وأصدرت الخارجية الجزائرية بيانها الأخير بعد الإعلان الفرنسي المتقدم بتغيير موقفها من قضية الصحراء المغربية بالقول إنها "ستستخلص كافة النتائج والعواقب التي تنجر عن هذا القرار الفرنسي وتحمل الحكومة الفرنسية وحدها المسؤولية الكاملة والتامة عن ذلك".
ويُتوقع أن يؤثر الموقف الفرنسي الجديد في موعد الزيارة التي يفترض أن يقوم بها الرئيس عبد المجيد تبون لفرنسا، نهاية شتنبر و بداية أكتوبر، بعد تأجيلات متعددة.
صحيفة الشروق الجزائرية سبق لها التأكيد أن"زيارة تبون التي كانت مقررة إلى فرنسا أصبحت الآن في حكم الملغية"، كما أن "مجموعة من مشاريع الاستثمارات المرتبطة بصناعة السيارات والقطاع البنكي التي تم إطلاقها خلال زيارة ماكرون الأخيرة ستضرر، وستبقى فرنسا من أضعف المستثمرين المتواجدين في السوق الجزائرية".