الخط : إستمع سعت جنوب إفريقيا وتابعتها الجزائر إلى تشكيل ثنائي مناهض للمغرب في ترشيحه لرئاسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، لكن خابت المساعي وحدث ما لم تكن الجزائر وبريتوريا تتوقعانه، إذ تكرس المغرب كمنارة إفريقية لحقوق الإنسان بتوقيع عالمي على هذه الريادة. وقد أصبح المغرب برئاسة هذه الهيئة الأممية رابع دولة إفريقية بعد السنغال والغابون ونيجيريا. وهو بذلك يحصل على شرف التصويت عليه بالرغم من السعي الثنائي المناهض له إلى تكسير التمثيلية للواحدة للقارة، كما يكون عليه الحال دوما في مثل هذه المناسبات الدولية. بل إن النظام يحدد شروط عمل الأممالمتحدة، ولاسيما في مجلس حقوق الإنسان، عبر ما يسميه بالمجموعات الإقليمية للأمم المتحدة، وهي مجموعات جيوسياسية للدول الأعضاء فيها وإفريقيا واحدة من هذه المجموعات. ونجد أن توزيع العديد من المناصب القيادية العليا في المنظمة الدولية من قبيل مجلس حقوق الإنسان يتم بالتمثيل الجغرافي ومنطق التناوب. وقد عمل الثنائي المهووس بالعداء للمغرب كل ما في وسعه، لأجل أن لا يكون المغرب ممثلا لإفريقيا وأن يفشل في هذا الاختبار، وكان الرد أولا من الأفارقة حسب معطيات وزارة الخارجية المغربية، حيث تأكد أن 10 من أصل 13 بلدا إفريقيا صوتوا لصالح الملف المغربي، وهو ما اعتبرته الديبلوماسية المغربية عنصرا «مهما جدا على اعتبار أن هذا الترشيح كان إفريقيا» ... قوة انتخاب المغرب تتمثل في تحقيقه انتصارا كبيرا على دولتين، تخططان معا وتتحركان معا وتستعملان كل الوسائل ولا سيما منها المشبوهة من أجل استدراج واستقطاب الأصوات، كما تعودنا منذ بداية المعركة الترابية للمغرب. ولعلهما، أي الجزائروجنوب إفريقيا بهذه الخسارة قد أكدتا ريادة المغرب القارية ووضعه الاعتباري الجيوسياسي كقوة إقليمية. ولا أحد يمكن أن يفصل هذه المعركة ذات الطابع الحقوقي عن جوهرها الجيوسياسي، خصوصا في ما يتعلق بالدولتين المعنيتين بالخصومة مع المغرب! ثانيا، كان التصويت بفارق كبير، حيث أن ثلثي أعضاء المجلس ساندوا المغرب، ب30 صوتا من أصل 47 دولة تشكل المجلس، مقابل 17 صوتا فقط لجنوب إفريقيا (ولم لا توزيعها بينها وبين الجزائر بحصول كل واحدة منهما على ثمانية أصوات ونصف!) .. لقد خسرت جنوب إفريقيا، عندما وضعت تراث من صارعوا ضد الابرتهايد والميز العنصري، في خدمة العدوانية الموجهة ضد المغرب، وبالتالي فما كانت تقدمه تميزا أخلاقيا في بناء ذاتها وفي صورتها التي تسوقها دوليا ذهب سدى بفعل سوء التقدير. ولعل من العبر التي تفرض نفسها هو القول بأن التجربة المغربية قد حازت هذا التفوق الأخلاقي الدولي، بعد أن تكرس المغرب كبلد حقوقي، ولعل المصوتين كما المحللين سيرون في تجربته نموذجا، يستحق التتويج. فالمغرب البلاد الإفريقية التي خاضت تجربة فريدة في الإنصاف والمصالحة وفي جبر الضرر وفي فتح كل الملفات الحقوقية سواء الثقافية أو الدينية أو المرتبطة بالنوع والمهاجرين والطفولة، قد خطا خطوات جبارة في هذا المجال، وانتقل إلى مرحلة متقدمة في ضمان الحقوق سواء في دستوره أو في تشريعاته الوطنية. ومجلس حقوق الإنسان، برئاسة مغربية يعني أيضا الاعتراف لبلد إفريقي عربي مسلم، بالتميز والأحقية في الرئاسة باعتبار أنها تتوج الجدية المغربية في مواصلة الإصلاحات، وفي التعامل مع الآليات الأممية ومنها المجلس في المجال الحقوقي، وفي ترافعه من أجل هذه القيم ومشاركته في إنتاج النصوص القانونية الأممية التي تحصن وتمنِّع الحقوق، والقيم السامية من تعايش وتسامح وعيش مشترك.. هو تتويج أيضا لما شهدته المملكة من تطورات كبيرة في مجال بناء التشريعات الوطنية، والرفع من قيمة المؤسسات الوطنية المعنية بتعزيز المنظومة الوطنية لحقوق الإنسان، «عمقت من التزام الدولة وعنايتها بحقوق الإنسان». كما أشار إلى ذلك المرصد العربي لحقوق الإنسان. عمق القضية في تحركات الخصمين اللدودين هي الوحدة الترابية للمغرب في ربطها بالمسألة الحقوقية، ولقد عبأت الدولتان لذلك كل فلول العداء، وسط المجلس وداخل الاتحاد الإفريقي، لمناهضة المغرب ونشر أخبار كاذبة والشحن الإيديولوجي باسم حقوق الإنسان ضده. وليس هينا على الجزائر وحاضنتها أن ينتصر المغرب في الملف الحقوقي، الذي طالما أرادتا تحويله إلى حصان طروادة في الحرب ضد حقوق المغرب. ونحن نربط ربطا وثيقا بين معركة جنيف الحقوقية ومعركة نيويورك داخل مجلس الأمن بهذا الخصوص، ولعل الجزائر كانت تحلم أن جنوب إفريقيا ستكون على رئاسة مجلس حقوق الإنسان ليعملا معا، بعد أن أصبحت هي عضوا في مجلس الأمن غير دائمة العضوية. لقد فشلت الخطة وتلقى التوأم صفعة مدوية سيتردد صداها مثيرا في الأيام القادمة..طويييلا!