فيما يشبه انقلاب السحر على الساحر، أبرز حسن رامو، أستاذ جامعي ومنسق أبحاث سابقا بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أن "الجزائر والبوليساريو استطاعتا جر المغرب إلى المعركة الحقوقية، لكن بالنظر للمسار الحقوقي الذي تبناه المغرب منذ سنوات، فإن هذه الورقة الحقوقية قد تكون لها عواقب سلبية على الجزائر والبوليساريو أكثر منها على المغرب، بل يمكنه تحقيق انتصارات ديبلوماسية وسياسية وتوظيفها كورقة ضغط مهمة". وأفاد رامو، في مقال بحثي توصلت به هسبريس، بأن "المملكة دخلت تدريجيا منعطفات تاريخية في المجال الحقوقي، عكس بعض دول الجوار التي فرضت شعوبُها انتقالا سياسيا جذريا كتونس وليبيا ومصر، في حين يمكن لازال المسار الحقوقي للجزائر ودول أخرى جامدا"، مردفا أن "المملكة حتى لو كانت سائرة بشكل بطيئ في مسارها الحقوقي، فهي نسبيا أفضل بكثير من دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط". وهذا نص مقال حسن رامو كما ورد إلى هسبريس: لعل النقاش الساخن الدائر في جنيف بين المغرب والجزائر حول حقوق الانسان أخذ منحى غير مسبوق، لكن الأكيد أنه غير محسوم العواقب لأي طرف. فالجزائر، والبوليساريو فتحتا جبهة حقوق الانسان في صراعهما مع المغرب. إذ حاولت الجارة الشرقية استغلال مناسبة الدورة الخامسة والعشرون العادية لمجلس حقوق الإنسان لإعطاء صورة قاتمة عن المملكة الشريفة في مجال حقوق الإنسان. ولعل هذا التصعيد الجزائري يجد تفسيرا له في اقتراب موعد مناقشة مجلس الأمن الدولي لتمديد ولاية المينورسو في أبريل القادم ورغبتها الملحة في اعتماد قرار أممي لتوسيع مهام المينورسو لتشمل حقوق الانسان. كما يتزامن هذا التصعيد مع النشاط الديبلوماسي للبوليساريو عبر زيارات اميناتو حيدر، وبعض القادة إلى إمريكا وبعض العواصم الاوروبية و الافريقية، وذلك في إطار تنسيق مشبوه. من جانبه فالمغرب، الذي دخل منذ سنوات، مسلسلا للاصلاحات في المجال الحقوقي يحاول قطع الطريق على الجزائر والبوليساريو على مستوى هذه الجبهة الحقوقية. إذ بادر الى التفاعل الإيجابي والسريع مع توصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان لاسيما ما تعلق باللجان في الأقاليم الجنوبية بكل من العيون وطانطان والداخلة. إذ أن الحكومة قرَّرت يوم 13 مارس 2014، تعيين نقط اتِّصال دائمة ومُخاطبين محدًّدين داخل وزارة العدل والحريات ووزارة الداخلية. والهدف هو التفاعل بشكل أكبر مع مجموعة من الشكايات الواردة على المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وتحديد مدة معينة، لا تتعدى في أقصى الحالات ثلاثة أشهر، للإجابة عن هذه الشكايات، والعمل على نشر الردود المتعلقة به. وتأتي المبادرة كتتويج للمجهودات التي قام بها المجلس ويعكس المصداقية التي اصبح يحظي بها دوليا بل وحتى في آخر تقرير للامم المتحدة حول الصحراء. من خلال تحليل الأحداث المتسارعة في الأشهر السابقة، يتضح أن الجزائر وبوليساريو استطاعتا فعلا جر المغرب الى المعركة الحقوقية، لكن وبالنظر للمسار الحقوقي الذي تبناه المغرب منذ سنوات، فمن المرجح أن هذه الورقة الحقوقية قد تكون لها عواقب سلبية على الجزائر وبوليساريو اكثر منهاعلى المغرب. بل ويمكنه تحقيق انتصارات ديبلوماسية وسياسية وتوظيفها كورقة ضغط مهمة إذا ما تم استغلال ماحققه المغرب في هذا المجال جيدا وعمل على التعريف به جهويا ودوليا. فلا أحد ينكر أن دول "الربيع (العربي)" ودولا أخرى في منطقة الشرق الأوسط وافريقيا ترى في المغرب نموذجا جيدا لإصلاح منظوماتها الحقوقية وأساسا على مستوى تجربة العدالة الانتقالية ، وإصلاح مدونة الاسرة، والمراجعة الدستورية الأخيرة. فقد أشاد آخر تقرير لحقوق الانسان 2012 والصادر لمجلس الاممالمتحدة لحقوق الانسان بتجربة الانصاف والمصالحة كآلية رائدة للعدالة الانتقالية. كما تم تسجيل إشادة دولية لمدونة الاسرة. وأخيرا نسجل إجماع دولي على جدّية المراجعة الدستورية لسنة 2011. إضافة غلى ذلك كله، فالمبادرات المغربية في مجال تسوية وضعية المهاجرين وقرار عدم محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية زكت هذا المسار الحقوقي للمغرب. فكل هذه المستجدات تدفع الى طرح السؤال حول جدية الأصلاحات الحقوقية، وهل الأمر كله فعلا مجرد تلميع صورة المغرب بغرض الهروب من قرار توسيع صلاحيات المينورسو؟ لكن إذا كانت المؤسسات المغربية قد سّوقت لهذه التجارب، فتجربة المغرب في تدبير التعدد الثقافي والتعامل مع حساسية المجالات التي لها خصوصية ثقافية (الأقاليم الجنوبية او المناطق الأمازيغية) ما تزال غير معروفة بالشكل الكافي. فمقتضيات اللجنة الأممية الخاصة بمناهضة التمييز العنصري وخاصة في مجال الحقوق الثقافية للاقليات نجدها منصٍفة لجهود للمغرب أكثر من جل دول المنطقة؛ لكن لم يتم التعريف الكافي لها دوليا وجهويا. ولعل هذا الجانب له ارتباط كبير بالقضية الصحراوية وبالوضعية الجيوسياسية لشمال افريقيا، والتي في جزء مهم ترزح منها تحت ظلال "الربيع الشمال افريقي" وتناسل الجمعيات الأمازيغية بتونس وليبيا ومصر وضغط الطوارق بمالي والنيجر. منذ 2001 عمل المغرب على الاعتراف بالمكون الأمازيغي في الثقافة الوطنية المغربية. كما عمل إحصاء 2004 على إدراج المتغير اللساني في استمارة الاحصاء الأمر الذي ابرز لنا البعدين الثقافيين العربي و الامازيغي وبمختلف أسنه (تاشلحيت، وتاريفيت وتامزيغت) كما تم إفراد البعد الحسّاني لوحده بالنظر لخصوصيته في الثقافة العربية المغربية. ولعل الخريطة اللغوية التي أفرزتها تلك الاحصائيات تبقى جد مهمة على المستوى العلمي وتساعد في تجويد الساسات العمومية الخاصة بتدبير التنوع الثقافي. (للتوسع في هذا الموضوع يرجى الاطلاع على "الخريطة اللغوية للمغرب" مجلة أسيناك، عدد 8 عدد خاص بترسيم الأمازيغية، سنة 2013، مطبعة المعارف الجديدة – الرباط. وتوضح الخريطة اللغوية ان المجالات المتجانسة لغويا سواء في الحسانية أو تامزيغت أو تاشلحيت أو تاريفيت ليست أحادية اللسان 100% فهي دائما متعددة الالسن مع تسجيل غلبة لهجة، أو لسان على باقي الألسن بل وحتى في الجهات الجنوبية والتي تغلب عليها الحسّانية نجد حضورا للامازيغية واللهجات العربية الأخرى. وبطبيعة الحال فالهجرة أحد أهم الأسباب المساعدة على فهم هذه الوضعية خاصة أن جل الساكنة الصحرايوية (مايفوق 90%) متمركزة في المدن بخلاف الساكنة الامازيغية التي مازالت في جزء كبير منها متمركزة في العالم الريفي - -القروي. وقد تعتبر هذه المبادرة الاحصائية غير ذات أهمية لكنها تعتبر من أهم التوصيات التي تركز عليها لجنة القضاء على التمييز العنصري التابعة لمجلس حقوق الانسان الاممي والتي طالبت بها جل دول شمال افريقيا و الصحراء.فالملاحظات الختامية التي اعتمدتها اللجنة في دورتها الثانية والثمانين توجه انتقادات وملاحظات مهمة على مدى 8 صفحات الى الجزائر. إذ أن اللجنة، و بالنظر لرفض الدولةجمع البيانات الإحصائية مصنفةً حسب الأصل الإثني للسكان،تلاحظ عدم وجود بيانات إحصائية عن التركيبة السكانية كما لا تتوفر على مؤشرات اجتماعية - اقتصادية ذات صلة بتمتع أفراد الفئات المختلفة، ولا سيما الأمازيغ وغير المواطنين، بالحقوق المنصوص عليها. فكما هو معروف، فالجزائر دولة متنوعة ثقافيا فإضافة للعربية، نجد الاثنيات في كل من القبايل، الشاوية و المزاب، والطوارق بالجنوب وغيرها لكن الوضعية الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية لتلك الاقليات غير معروفة بطريقة دقيقة و إن كانت التقارير تتحدث عن وضعية تهميش على المستوى الاجتماعي والتي تصل مرحلة من الخطورة تنفجر احيانا مثل ما حدث في المزاب (غرداية). فحسب التقرير، في الملاحظة 15 "تشعر اللجنة بالقلق إزاء المعلومات التي تفيد بالتفاوت الاقتصادي الذي يؤثر على وجه التحديد على المناطق التي يسكنها الأمازيغ الذين لا يستفيدون من الاستثمارات العامة الكافية للدولة". لذلك توصي اللجنة الجزائر بتركيز جهودها الإنمائية على أشد المناطق حرماناً، ولا سيما تلك التي يقطنها الأمازيغ. كما ان الجزائر تضم أعدادا ليست بالقليلة من المهاجرين الافارقة و كذا الصحراويين المصنفين كلاجئين في تندوف والذين لم تعمل المنظمات الدولية على حصر اعدادهم ومعرفة المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشون فيها. فالجزائر ترفض دوما تبني سياسة للهجرة بل وحتى إحصاء اللاجئين الأمر الذي يمدد معاناتهم الانسانية ، خاصة مع تنامي التقارير التي تشير الى استعمالهم كاداة لاستجلاب المساعدات الدولية وتوظيفهم كورقة ضغط على دولة الجوار - المغرب. كما تطالب اللجنة الدولة الجزائرية إدراج تعريفاً للتمييز العنصري في التشريعات الوطنية بشكل يتماشى مع المادةالأولى من الاتفاقية ويغطي جميع مجالات الحياة العامة والخاصةمع إدراج حظر التمييز العنصري في قانون العقوبات. ولعل هذه النقطة كانت من اهم مطالب عدد من الجمعيات الأمازيغية، خاصة بعد التصريحات المُهينة التي اطلقها الوزير الأول السابق عبد المالك سلال اتحاه الشاوية، وابتدأ بها الحملة الانتخابية للعهدة الرابعة. دفعت هذه النازلة عددا من المنظمات الامازيغية الى الدعوة الى مقاطعة الانتخابات (الكونغريس العالمي) او على الاقل المطالبة بمحاكمته. لكن كل ذلك يبقى غير ممكن في ظل غياب التتشريعات التي تحظر التمييز العنصري بينما المغرب قطع شوطا كبيرا في هذا المجال منذ 2010 وتلقى آنذاك اشادة كبيرة من اللجنة الأممية. كما يسجل المغرب نقاطا مهمة في مساره الحقوقي خاصة الجانب الثقافي إثر قرار اللجنة العليا للحالة المدنية القاضي بحرية المواطنين في اختيار أسماء أبنائهم في مارس الحالي بينما تشعر اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز العنصري بالقلق إزاء استمرار رفض موظفي السجل المدني في البلديات الجزائريات تسجيل المواليد بأسماء أمازيغية. توصي نفس اللجنة الجزائر بالتعجيل بسن مشروع قانون متعلق باللجوء، بغية تنفيذ الاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها في مجال الحق في اللجوء ومنح وضع اللاجئ دون أي تمييز وكذلك إتاحة إمكانية لجوء المهاجرين غيرالنظاميين إلى العدالة في حالة انتهاك حقوقهم الأساسية. وهنا يسجل المغرب تميزه الحقوقي من خلال نهج سياسة جديدة خاصة بالهجرة واللاجئين، وإطلاق عملية تسوية استثنائية للوضعية الإدارية لصالح الأجانب المقيمين بالمغرب بشكل غير قانوني، وذلك ابتداء من 02 يناير إلى 31 دجنبر 2014. فالملاحظات التي اوردتها اللجنة الأممية اتجاه الجزائر لها ما يبررها وخاصة مع إدراج اللجنة الأممية ملاحظات اخرى تتعلق بالاتجار بالبشر في الجزائر الأمر الذي دفع باللجنة لتقديم توصياتها للجارة الشرقية باتخاذ جميع التدابير اللازمة ليس فقط لمعاقبة ضحايا الاتجار بالبشر، بل أيضاً لتوفير الحماية القانونية والمؤسسية للضحايا. وهنا لا بد من التذكير بعدد كبير من الحالات سواء في المهاجرين او اللاجئين الصحراويين (حالة ولد سلمى مثلا) والذي ليس لهم اية حماية قانونية. ولعل السفير المغربي بجنيف عمر هلال كان على حق عندما أشار في مجلس حقوق الانسان بالحرف ان قد لا يحلو ذلك لزميلي الجزائري، غير أن المغرب يعد أرض الحريات الثقافية واللغوية، كما أن لغات وثقافات مختلف مكوناته العربية الإسلامية والأمازيغية والصحراوية الحسانية مرسخة في الدستور.لذلك فتجربة المغرب في تدبير التنوع الثقافي جد مهمة ورائدة. فإذا كان المغرب قد حلل نسبيا ملف التعدد الثقافي بإقراره ترسيم الامازيغية وتفعيل التعدد الثقافي في المنظومة التربوية و الإعلامية (قناة العيون، قناة تمازيغت) فإن جل دول الجوار مازالت في البدايات الأولى. الخطير في الأمر أن المستجدات في الجزائر توحي بوجود انزلاقات مهمة من قبيل التصعيد العنصري اتجاه الامازيغ والذي تزامن مع الصراعات والمجادلات السياسية المصاحبة للانتخابات الرئاسية؛ فالصدامات المفتعلة في حق امازيغ غرداية وتصريحات سلال اتجاه الشاوية من جهة وشعار الأمن والاستقرارلتزكية العهدة الرابعة لبوتفليقة من جهة اخرى يعطي مؤشرات خطيرة. فكيف يمكن تقبّل مسألة إثارة الفتنة بعبارات عنصرية اتجاه جزء من الأمازيغ من طرف أكبر واعرق الاحزاب الجزائرية واساسا من لدن وزير أول سابق وفي بداية حملتهالانتخابية مع تأكيده لخيار بوتفليقة الذي ضمن الأمن والاستقرارا و .........فهل المسؤولون الجزائريون مستمرون في اللعب على القلاقل وعدم الاستقرار في مناطق محدودة بغرض إضفاء شرعية على العهدة الرابعة"الضامنة للإستقرار والأمن"؟ شخصيا،أظن أن التعدد الثقافي مسألة استراتيجية تتجاوز الزمان ومحدوديات المجال، وتتعالى بكثير عن الظرفيات السياسية والحسابات الضيقة. وفي هذا الصدد فتصريحات سفير المغرب بالمجلس الأممي في جنيف حول غرداية ليست فارغة بل لها أكثر من مدلول.فلا يجوز للجزائر التحدث عن حقوق الانسان في دول اخرى لتغطية وضعيتها الحقوقية الداخلية. كما أظن ان دعوة الكونغرس الامازيغي لمقاطعة الانتخابات واستجابة غرداية للدعوة ودعوة جمعيات من المجتمع المدني بالشاوية للمقاطعة تمثل حد ادنى للحفاظ على الكرامة والنضال ضد التمييز العنصري. فالتساؤل المطروح، هل يمكن للجزائر أن تستمر في المحافظة على صورتها الحقوقية التي سوّقتها دوليا منذ القرن الماضي؟ فالجارة الشقيقة ما زالت تعيش على ماضيها وتاريخها النضالي التي بصمته خلال الحرب الباردة. لكن ماذا حققته مؤخرا في المجال الحقوقي داخليا؟ وهل يمكن تصور مكانة للجزائر في المنتظم الحقوقي الدولي إذا ما تخلت عن دعم البوليساريو ومطالبة الاممالمتحدة بتوسيع صلاحيات المينورسو ؟ أظن شخصيا ان المسألة ذو حدين، فالجارة الشقيقة تضغط بهذه الورقة الحقوقية على المغرب من خلال القضية الصحراوية وفي نفس الوقت تغطي بذلك عن الوضعية الحقوقية المزرية داخليا وتسوّق نفسها كمدافع عن حقوق الانسان. وفي هذا الصدد، نورد ملاحظات اللجنة الأمميةالأخيرةوالتي تعتبر ﺃﻥ ﻋﺪﻡ ﺭﻓﻊ ﺷﻜﺎﻭﻯ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮﻱ ﻻ ﻳُﺸﻜﹼﻞ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﻣﺆﺷﺮﺍﹰ ﻋﻠﻰ ﻋﺪﻡ ﻭﺟﻮﺩ ﲤﻴﻴﺰ ﻋﻨﺼﺮﻱ ﰲ الجزائر (الصفحة 4 الفقرة 13). عكس الجزائر، فالمغرب سمح للجمعيات الحقوقية ، واحيانا كثيرة عن مضض، بالترافع في المنتظمات الحقوقية الدولية، بل ومنح حرية التنقل والتعبير حتى لانفصاليي الداخل في ما يرتبط بقضية الصحراء. وهنا نسجل ان دينامية المجتمع المدني المغربي من حقوقيين وجمعيات ثقافية و سياسية و حقوقية كانت في مستوى تطلعات الشعب المغربي للنضال من أجل وضع حقوقي افضل بالمغرب. فلاأحد ينكر ما قدمته هذه الجمعيات من تضحيات ومجهودات في مجابهتها للألية المخزنية بل إن تراكم الانجازات والاصلاحات في هذا المجال سمح للجمعيات الحقوقية بتراكم خبرات في المستوى وتعتبر رائدة جهويا وإقليميا. فالمجتمع المدني والذي ضغط منذ الستينات لانتزاع الاعتراف بالجيل الاول من الحقوق ثم النضال لأجل الجيل الثاني من حقوق الانسان والمطالبة بتنزيلها دستوريا، استطاع اخيرا فتح النقاش على مستوى الجيل الثالث من الحقوق. الأمر الذي يؤكد ان الوضع الحالي للمغرب ليس نتيجة كرم "المخزن" او الحكومات المتعاقبة، بل نتيجة "فوضى" خلاّقة وتجاذبات سياسية وحقوقية لعبت فيها الأحزاب والنقابات والجمعيات وفعاليات اخرى من المجتمع المدني الدور الكبير. كما أن النقلة النوعية والانفراج السياسي الذي بدأ بحسب البعض مع حكومة التناوب و تقوى في العشرية الأخيرة ساهم بشكل كيبر في تقوية مسار الحقوق الثقافية والاجتماعية بالمغرب. لذلك كله فالمملكة دخلت تدريجيا منعطفات تاريخية في المجال الحقوقي عكس بعض دول الجوار التي فرضت شعوبُها انتقالا سياسيا جذريا كتونس وليبيا ومصر في حين يمكن وصف المسار الحقوقي للجزائر ودول أخرى بالجامد. فالمملكة، وإن كانت سائرة بشكل بطيئ في مسارها الحقوقي، فهي نسبيا افضل بكثير من دول شمال افريقيا والشرق الأوسط وأساسا في مجال الاعتراف بالحقوق الثقافية. بل والاكثر من ذلك، تعتبر رائدة إفريقيا في دسترة اللغات المحلية. لكن هذ المسار يُنعت بالبطيئ بالرغم من أن الدستور الحالي متقدم نوعيا على المماراسات السياسية و الحقوقية. لذلك يتعين على الفاعل الحكومي عدم التلكؤ في تفعيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بالحقوق الثقافية و التسريع في ترسيم اللغة الأمازيغية وإنشاء المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية. كما يجب الحرص على حضور التمثيلية والتنوع الثقافي واللغوي في برامج التعليم والتدريب وذلك تماشيا مع توصيات المجلس الوطني لحقوق الانسان أمام الدورة 25 لمجلس حقوق الانسان. كما يتوجب ضمان المساواة أمام جميع مناطق المغرب وفئاته الاجتماعية والعمرية من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية دون تمييز فئوي أو مجالي أو سياسي.