الخط : اعتاد المتتبعون لشؤون الجزائر وتطورات أوضاعها الداخلية الحديث عن «الجنرال بطاطا»، كناية عن جنرالات يحتكرون تهريب البطاطس والتحكم في أسعارها في الأسواق «والجنرال سميدة» الذي يتولى «قطاع» الدقيق والتحكم في تهريبه أو بيعه «ترابانضو» في الداخل، أو الجنرال «دوليبران» الذي يستولي على كل طرق تهريب دواء البراصيطامول، إضافة إلى «الجنرال غاز» والجنرال «بترول» و «الجنرال غبرة..» المتفوقين على من سبقهم، يتولون تهريب المحروقات والممنوعات... إلخ ،ضمن لائحة الجنرالات الذين اقتسموا التهريب العسكري لمواد غذائية أو أدوية أو بترولية... ألقاب مثل هاته كان العديد يشكك في صحتها، بل يعتبرها من مُسْتملحات الفكاهة الجزائرية، ولكن العابرين بالأعماق يرون اليوم ما يثبت كلامهم: لقد أصبح بمقدور «بطاطا» أن تصبح هي الجنرال، وهي التي تطيح بالوزراء!! وهي التي «تقلي» وزير الفلاحة أو تجعله «فريتا» للعموم! وهذا الذي حدث: فقد بلغت البطاطس أثمنة غير مسبوقة في الجزائر، الشيء الذي نتج عنه موجة غضب عند الجزائريين. ولم يجد الوزير المسؤول عن الفلاحة عبد الحفيظ هني، أجوبة على ما يقع، أو لعله يعرف الحقيقة التي لا يمكنه أن يجهر بها فقدم جوابا لم يعجب الحاكم في قصر المرادية ومحيطه، فكان أن أقاله عبد المجيد تبون من مهامه. القصة تكاد تكون كاريكاتورية: كان الوزير يغادر مجلس الأمة فسألته الصحافة عن ما يشغل الناس، ألا وهو ثمن البطاطس... انفعل الوزير وغضب أن يُسأل عن شيء «تافه» مثل البطاطس واللحم وأصر على أن البطاطس لا تزال تحتفظ بكل لياقتها السوقية وأن الغلاء وهم..! الصحافي الذي سأله دقق معه في الجواب وقال له: «أنا اشتريت البطاطا بمائة دينار!». والوزير اعتبر ذلك تكذيبا له وتشهيرا به فقال له :غيِّر الحي الذي تسكنه! طبعا لم يطلب منه تغيير البلاد وإلا كان رأسه قد طار! غيْر أن هذا الجواب لم يعجب من هم فوق رأسه فأطاحوا به. وصارت بطاطا تستحق اسم الجنرال الذي أسقط وزير الفلاحة.. في الواقع ، نجد أن الأمر في ريع الدولة أعمق بكثير من ذلك، ولعل الذين قرأوا عن الاقتصاد الجزائري في السنوات الاخيرة يعرفون بأنه لا يستطيع تأمين الانتاج الفلاحي ومضطر إلى الاستيراد، وإلاَّ عمَّت الفوضى في الأسعار و قَلَّت المواد الغذائية... ومن الأرقام الرهيبة أن الاستيراد الفلاحي يلتهم 9 مليارات دولار! نعم ويمثل رقما قياسيا عالميا بلغة أهل الاقتصاد (أنظر كتاب le mal algérien المرض الجزائري!).. في حين يصل حجم المواد المهربة في قطاع الفلاحة الى 500 مليون دولار! ولطالما وصف المعارضون الجزائريوون والمحللون الدولة الجزائرية بجمهورية الموز، باصطلاح الأميركي أوليفر هنري، للتعبير عن حالة دولة تثير التنقيص، وليس لها ثقل سياسي واقتصادي بين دول العالم، (و للتذكير هو نفس التعبير الذي استعمله وزير خارجية روسيا لافروف عندما تحدث عن رفض الجزائر للالتحاق بالبريكس)، دولة محكومة بمجموعة صغيرة ثرية وفاسدة.!!! هذا المصطلح انضاف إليه، إذن مصطلح جمهورية البطاطا منذ نهاية الأسبوع الجاري.. ومن مظاهر جمهورية الموز هو وجود أقلية دكتاتورية وفاسدة، مثل ما وقع أيام عسكر أمريكا اللاتينية التي سلّمت بلادها لشركات الموز، غير أن الذي يحدث في جمهورية بطاطا هو آنها تقمع حتى أوباقها! وذلك معا حصل مع زعيم حركة حمس الجزائري المدعو المقري، والذي طالما صفق للعسكر وطعامه. غير أن حشرة ما قرصته ولدغته وجعلته يطلب السماح للجزائريين بالتضامن مع غزة!! وهذا الموقف أغضب العسكر الذي جعل منها قضية مزايدة على المغرب. ولكنه لا يسمح للجزائريين بالخروج إلى الشارع لأنه يخاف عودة الغضب الاجتماعي والحراك الديموقراطي. فكان أن منع هذا الزعيم «الإسلامي». من مكر العسكر أن زعيم الحزب المعني، عبد الرزاق مقري، هو الأمين العام السابق لحزب حركة المجتمع من أجل السلام المعروفة اختصارا باسم «حمس» وقد وجد نفسه ممنوعا من التضامن مع حماس الأخرى، وقد أفهموه في مطار الجزائر بأنه ممنوع من السفر.. وقد كتب تدوينة، يوم أمس 30 نونبر الجاري ويقول فيها أنه «تأكد لي أن سبب منعي من مغادرة التراب الوطني له علاقة بالقضية الفلسطينية»!! الموز في السياسة، ليس تشبيها فقط، بل إن الجزائريين يعلنون أنهم لم يذوقوا «البنان» منذ سنوات، ومنهم من كبر ولم يتذوقه.. والموز القيم صارت له جارة في السياسة كذلك وهي البطاطس.. ولا نستغرب عمليا كون العديد من التحاليل ربطت بين عودة السفير الجزائري إلى بيت الطاعة الإسباني بمدريد وبين مشاكل بطاطا والموز: ذلك أن الشركات الإسبانية الموجوده فوق التراب أغلبها يشتغل في قطاع المواد الغذائية وقد حرمت منها الجارة الشرقية بعد القرار الأهوج بقطع العلاقات! ومع ذلك فإن تبون مازال يحلم بمناورات عسكرية مع فلول الإرهاب الانفصالي يسميها السلام في الشمال الإفريقي... ولنا عودة إلى الموضوع! الوسوم الجزائر النظام العسكري غزة