عندما عبَّر الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون عن «ضرورة التفكير في الشبكات التواصل الاجتماعي وعن حالات المنع التي نلجأ اليها»، لم تتحرك فيالق المنظمات الفرنسية الحقوقية كما عودتنا كلما تعلق الأمر بالدول غير الاوروبيوة، ولا سيما فرنسا. ولم نسمع اي اعتراض من «امنستي» ولا من «هيومان رايتس ووتش» ولا قرأنا لصحافيين بلا حدود رأيا أو صراخا! وعندما أضاف، بدون روتوشات بأنه «علينا، إذا تفاقم الوضع أن نضع في الحسبان ضرورة ضبطها أو قطعها»، ساد صمت رهيب في دهاليز المنظمات التي كانت ترفع صوتها بالصراخ لمجرد شبهة في حق الدول الأخرى، ولا سيما المغرب، الذي لم يسبق لأي كان فيه قد فكر في قطع منصات التواصل، والحالة الوحيدة التي أثارت نقاشا صحيا هي عندما فكرت حكومة سعد الدين العثماني في تقنين الاستعمالات الالكترونية والمعلوماتية الجديدة فرفض المجتمع هذا المسعى ونسي الأمر وطويت الصفحة بدون أي أثر يذكر. في فرنسا ما زلنا نذكر كيف قامت الدنيا ولم تقعد عندما قرر نظام حسني مبارك رحمه الله قطع الانترنيت بسبب موجة التظاهرات في الربيع العربي، وقتها كتبت كل الصحف الفرنسية والمنظمات المرتبطة بها أن النظام قام بسابقة ولم يحدث لأي دولة ولو شبه ديموقراطية فكرت فيها .. عبر تعطيل بروتوكولين خاصين بصبيب الانترنيت. وقد توالت المواقف والمقالات طوال الفترة التي تفصلنا عن 2011 إلى الآن، ولم تسلم أي دولة افريقية من التشنيع والتشهير بها في الصحافة التي تدافع اليوم عن إمانويل ماكرون وتجد له الاعذار السوسيولوجية والكريمينولوجية لتبرير الأسلوب القمعي بقطع الانترنيت وضبطه ومراقبته.. لقد لاقت السلوكات الصادرة عن حكومات اليمن وليبيا وسوريا نفس الهجوم، (وهو موقف لا يمكن الدفاع عنه بكل الأحوال) في حين نرى النموذج التونسي يسحر ايمانويل ماكرون، الذي يلمح بدوره أنه سيضبط الانترنيت ولعله يقصد ما قام به بنعلي لما قامت حكومته باختراق حسابات فايسبوك المعارضين والغاضبين والناشطين في لجن الدفاع عن الشباب المهاجر..لقد قررت فرنسا الانتحار حقوقيا، وأطاحت بنفسها من على منصة التمجيد التاريخي الذي وضعها فيه صناع الفلسفة الحقوقية، وسلمت زمام امورها للهواة وقصيري النظر ولم تجد أمامها، من نماذج سوى ما لم يعد صالحا حتى للأنظمة التي زالت!!!!