نجح الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون في تمرير قانون التقاعد رغم مقاومة غالبية الفرنسيين، مستقويا في ذلك بأحكام المادة 49/3، كما نجح كذلك في تحويل الشرطة والدرك الفرنسيين إلى "ذراع عسكرية" مهمتها سحل الفرنسيات والفرنسيين في الطرقات، والتنكيل بالصحافيين والصحافيات في مختلف التجمعات العامة. فالفيديوهات والمقاطع المصورة القادمة من باريس ورين وليون ومارسيليا وسانت إتيان، وغيرها من المدن الفرنسية، تظهر كيف نجح إمانويل ماكرون في تحويل قوات حفظ النظام الفرنسية إلى ميليشيات مدججة تفرز العنف الممنهج، وتتصرف بالعدائية والهمجية نفسها التي تتصرف بها قوات فاغنر في باخموت وغيرها من معاقل القتال في الجبهة الروسية الأوكرانية. وقد بدا واضحا كيف أن فلسفة عمل قوات حفظ النظام الفرنسية تطورت كثيرا ولم تعد هي حماية النظام العام، باعتبارها المهمة الأصيلة والأصلية، وإنما صارت مهمتها هي تصريف أجندات الحكومة وتغليبها على المعارضة، وكذا ردع المتظاهرين من خلال الاعتقالات العشوائية والاستخدام المفرط للقوة. وإذا كان إمانويل ماكرون قد نجح في تمرير قانون التقاعد، بالقوة والعنف والاعتقالات، فقد خلق كذلك فجوة كبيرة بين الفرنسيين وجهازهم الأمني. ففرنسا أضحت اليوم مطالبة بإصلاح جهاز الأمن أكثر من إصلاح نظام التقاعد! والفرنسيون صاروا اليوم يطالبون بأنسنة الشرطة وتوفير الأمن أكثر من مطالبتهم بسنوات أطول فيما بعد التقاعد. وليس من باب العبث إذا سمعنا اليوم إيران تطالب فرنسا باحترام حقوق الإنسان والقطع مع ممارسات التعذيب! فالصور القادمة من باريس ورين ومارسيليا وغيرها توثق بالفعل لتعذيب ممنهج أكثر من العنف الفارسي الذي ينتجه نظام الملالي بإيران. وليس غريبا أن نسمع مجلس حقوق الإنسان يطالب فرنسا باحترام حرية التظاهر وحقوق الإنسان، فالعنف الذي يمارسه الأمن الفرنسي بلغ منتهاه وتجاوز المدى في الآونة الأخيرة، إلى درجة أصبح معها وزير الداخلية الفرنسية يطالب بحل بعض التمثيليات السياسية والمنظمات الحقوقية متأسيًا في ذلك بنظام العسكر في الجزائر. وإذا كانت هناك من حسنات تحسب لإمانويل ماكرون فهي أنه استطاع أن يتسلق بفرنسا نحو الهاوية، حتى أصبحت إيران والكونغو وتشاد ومالي تسخر من الماكرونية الجديدة. فما هي إذن الدروس التي ستقدمها فرنسا مستقبلا لإفريقيا؟ هل هي كيف تسحل المواطنين الفرنسيين وتدخلهم الغيبوبة بعصا الشرطة؟ أم كيف تتم تعرية المتظاهرين في الشارع العام ودهسهم بدراجات وحدات "brav.M".