قبل الحديث عن قضية «بيغاسوس» وما صاحبها من تكالب على المغرب التقت فيه قوى «حقوقية» وأخرى «إعلامية»، لابد من التأكيد على أن المغرب لا يشتغل دولياً و داخلياً بمنطق القراصنة، بل يحتكم للقانون الدولي وللقانون الوطني، وجل مؤسساته خاضعة لهما، وقد انخرط طوعا في مسار الإصلاح الحقوقي وفي تعزيز انفتاحه على وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة، وبابه كانت مفتوحة دائما، لذلك لا يمكن أن نصدق، ولو من باب الشك،هذه الادعاءات الخطيرة التي تريد المس به، وتريد استهداف صورته في الخارج من طرف إعلام ومؤسسات تشير الوقائع للأسف أن الرابط بينها هو عداؤها للمغرب، في محاولة يائسة لضرب مؤسساته الوطنية والأمنية، من خلال الهجوم الإعلامي الكبير الذي تابعناه، والذي اختلط فيه السياسي بالحقوقي وقادته كل من فرانس24،forbidden stories ، وأمنستي، هذه الملاحظة كان لابد من تقديمها قبل التطرق لبعض أسباب صدور هذا التقريرالذي يجب ربطه بسياق نزوله، ونشره. فالتقرير صدر: – بعد يوم من الإشادة الأمريكية بعمل الأجهزة الأمنية المغربية في مجال محاربة الإرهاب وفي اعتبارها شريكا أساسيا في ذلك،حيث أكدت الخارجية الأمريكية على جدية المغرب وجدية العمل الذي يقوم به في هذا الإطار، وهي إشادة تأتي في ظل تحديات كبيرة يعيشها العالم وتعيشها أجهزته الأمنية لمواجهة الحركات الجهادية التكفيرية والجريمة المنظمة. – بعد يومين من الأزمة الأخيرة مع النظام الجزائري التي افتعلها لعمامرة في مؤتمر عدم الانحياز بحديثه عن نزاع الصحراء المفتعل بدل موضوع محاربة كورونا، الذي كان مخصصا للدورة، مما دفع السفير المغربي عمر هلال لمجابهته بصرامة كبيرة أفقدت العسكر الجزائري صوابه، وأشعرته بخطر الانفصال الذي يتهدده أيضا. – بعد فشل محاولة تأليب الرأي العام الأوروبي من طرف الحكومة الإسبانية من نفس المدخل الحالي، أي استغلال قضايا حقوقية لضرب المغرب، رأيناهم كيف حاولوا استعمال حقوق المهاجرين واليوم يريدون استغلال قضية المعطيات الشخصية وحمايتها. بعد الإشارة المقتضبة إلى هذه السياقات الثلاث الأساسية التي أطرت نشر هذا التقرير والعملية الإعلامية المكثفة التي تم القيام بها لاستهداف المغرب سياسيا وأمنيا، لابد وأن نقوم بفلاش باك صغير من خلال العودة للوراء قليلا والتذكير بما قامت بها «أمنستي» منذ أكثر من سنة بنشرها لنفس التقرير، الذي ادعت فيه أن المغرب من خلال برنامج «بيغاسوس» كان قد تجسس على نشطاء صحفيين، وردَّ المغرب آنذاك ببيان طالب فيه «أمنستي « بنشر الخبرات التقنية التي تدعي أنها قد أنجزتها على هواتف «صحفيين» مغاربة وطالبها بتقديم ما يثبت فعلا أن المغرب قد تورط في أي استهداف إلكتروني للصحفيين، لكنها عجزت عن تقديم دلائها واعتبر المغرب أن الموضوع قد طوي، خاصة مع عدم قدرة «أمنستي» على إثبات ادعاءاتها المُغرضة، لكنها اليوم عادت مختبئة وراء مؤسسات أخرى في جبن حقوقي واضح لإعادة الحديث عن نفس التقرير ونفس الموضوع، «استهداف المغرب لهواتف صحفيين، ونشطاء بالتجسس» ، في تحالف ضم صحفيين فرنسيين ووسائل إعلام فرنسية وخيوطا تصل لألمانيا والجزائر، ومنظمة «أمنستي»، وقد كان رد المغرب هذه المرة أكثر وضوحا إذ تجاوز إصدار بيان يطالب فيه بتقديم الدلائل التقنية والعلمية، التي تثبت هذه الإتهامات الكاذبة، ليصل إلى ممارسة حقه في اللجوء للقضاء الفرنسي لإنصافه أمام هذه التهديدات الجدية التي تطال أمنه والتي تريد استهدافه وضرب رأس أجهزته الأمنية وخلق حالة شك فيها وفي عمل الجهاز الأمني ككل ببلادنا. المغرب كان تفاعله جديا وقرر اتخاذ خطوات عملية أكثر من إصدار بيان، إذ لم يقبل أن تستمر هذه المنظمات في نفس اللعبة، لعبة الاختباء وراء حقوق الإنسان لممارسة ألاعيبها السياسية خدمة لأجندات إقليمية ودولية، ليرفع بذلك عدة تحديات تجلت من خلال: – رد سياسي ترجمه بلاغ الحكومة المغربية الذي رفع من جديد تحدي إثبات هذه الادعاءات الكاذبة وتقديم أي دليل يربط بينه وبين هذه العملية المُفترضة، لماذا مفترضة لأنه لليوم لم تستطع أية جهة نشر ما يثبت أكاذيبها، بل تابعنا كيف استنكر ممن نُشرت أسماؤهم مؤكدين أن هواتفهم لم تخضع لأي خبرة تقنية منforbidden stories ، والعديد من ضحايا «أمنستي» كذبوا تعرضهم لأي تجسس ونددوا بنشر أسمائهم دون إخبارهم وإذن منهم، في تأكيد لزيف هذه الإدعاءات، إذ كيف توصلت «أمنستي» ومن معها إلى تعرض هاتف شخص لم تُخضعه لأية خبرة تقنية ولم يكن في علمه أنه موضوع أي تقرير، اللهَم إلا إذا كانت هي نفسها ومن معها من يتوفرون على أجهزة تجسس على هواتف الصحفيين جعلتهم يتوصلون للنتائج التي توصلوا إليها!!! – بلاغ رئاسة النيابة العامة التي قررت فيه فتح تحقيق قضائي تحت إشرافها في إطار القانون حول هذه المزاعم التي نشرت، وحول كل الادعاءات الكاذبة المرتبطة بالموضوع. – توجه الدولة المغربية للقضاء الفرنسي بحيث تم وضع شكاية في الموضوع ضد كل الجهات التي نشرت هذه المزاعم الكاذبة، وقد تقرر تحديد جلسة استماع يوم 8 أكتوبر القادم، كما تم إمهال «أمنستي» و»forbidden stories»عشرة أيام لتقديم ما يثبت الادعاءات التي نشروها، وإلا سيواجههما القضاء بتهمة التشهير وادعاء وقائع كاذبة، مع التعويض الرمزي الذي سيطالب به المغرب محددا في أورو إضافة لتحملهما المصاريف القضائية، بمعنى أن الرد المغربي اتجه لمستويات مختلفة، وأراد أن ينهي هذه المزاعم الكاذبة، بحيث لو لم يرفع التحدي القضائي لكنا سنواجه، في كل مرة، من طرف «أمنستي» ومن يدور في فلكها بنفس القصص المزيفة حول عمل الأجهزة الأمنية المغربية، وحول المغرب ومؤسساته الوطنية، لذلك كان على المغرب أن يسلك هذين الاتجاهين، الأول سياسي عبرت عنه الحكومة، الثاني قضائي، وما على من يدعي أنه يملك الدليل أو الرابط بين هذه العمليات المفترضة والمغرب إلا أن ينشر دلائله أمام العالم، ويقدمها للقضاء لاتخاذ المتعين فيها طبقا للقانون الدولي والوطني الفرنسي، عندها سنرى من يلفق التهم تحت يافطة حقوق الإنسان ومن هو مجرد أداة لضرب المغرب، ومن هو محترم فعلا للحقوق والحريات، خاصة ما يتعلق باحترام وحماية المعطيات الخاصة ، ومن يتجسس ومن كان يريد خلق شبكة تجسس وعندما تم تجفيف منابعها خرجوا بهذا الشكل الهستيري. بالعودة لهدف هذه الحملة الشرسة ولأهدافها المتعددة التي أوقفها المغرب رسميا وشعبيا، وتم التصدي لها ورُفع فيها التحدي لمختلف مستوياته، فقد كان واضحا من كل هذه الخرجة المنسقة التي تحولت فيها «فرانس 24 «إلى الدرع الإعلامي لهذه الحفنة من المؤسسات شبه الحقوقية، متسترة وراء الصحافة الاستقصائية لمحاولة إضعاف المغرب وضربه، تحقيق هدفين: الأول: خلق حالة شك عامة في الأجهزة الأمنية المغربية «Dst» أو»لادجيد»، خاصة مع تزايد حجم الإشادة الدولية بها، لدفع الجميع للمطالبة بتفكيك هذه المؤسسة الأمنية التي تقوم بعمل وطني كبيرمشهود لها بالجدية والمصداقية، وطنيا ودوليا، وفي أسوأ الأحوال إقالة مسؤوليها الذين يحظون بثقة ملكية وشعبية، لتحقيق الهدف الذي ظل البعض ينادي به منذ مدة وهو «تفكيك البنية السرية» و» حل البوليس السياسي»، وهي كلها أوصاف تأكد أنها كانت مجرد تمهيد «نظري» لهذه الوضعية التي عشناها ولمحاولة جر الجميع لتبني نفس الطرح. الثاني: تحقيق عزلة دولية للأجهزة الأمنية المغربية سواء تعلق الأمر بمجالي محاربة الإرهاب أو الهجرة غير الشرعية وتجارة المخدرات الدولية، هذه الإشادة بالأجهزة الأمنية المغربية خلقت تفوقا مغربيا خارجيا وجعلته يحظى بمكانة خاصة لدى مختلف الأجهزة الأمنية الدولية، بل باتت مرجعا في تتبع مختلف خيوط التنظيمات الإرهابية داخليا وخارجيا، وهذا ما مكنها من تجنيب المغرب وتجنيب العديد من الدول العديد من الضربات الإرهابية، وباحترام كبير من خلال تكريمه وتكريم رجالاته نظير العمل الكبير الذي يقومون به، هذا الهدف استحال تحقيقه سابقا لذلك كان لابد من خلق فقاعة تجسس المغرب على الرئيس الفرنسي وبعض المسؤولين الآخرين للعديد من الدول، لمحاولة دفع هذه الدولة ،خاصة فرنسا، إلى اتخاذ موقف القطيعة مع المغرب ووقف كل أشكال التعاون الأمني معه، ليسهل تحقيق المبتغى الأساسي ألا وهو ضرب الأجهزة الأمنية ومن خلالها عزل المغرب وضربه في عمقه. طبيعة هذه الحملة وخلفيتها تجعلنا نقول بالوضوح اللازم إن من ينشر هذه الادعاءات ومن يريد توريط الأجهزة الأمنية المغربية في ذلك يخدم الإرهاب، ويخدم التنظيمات الإجرامية، لأنه يريد التشكيك في عمل أجهزة كان لها السبق والريادة في التصدي للتنظيمات الجهادية المختلفة، ويمكن من خلال ذلك التأكيد على أن هناك تحالفا وتلاقيا موضوعيا بين الحركات الإرهابية والمنظمات الإجرامية خاصة منها التي تتاجر في المخدرات، التي تضررت من العمل الجدي الذي قام به من جهة، وبين هذه المؤسسات التي نشرت هذه التقارير المخدومة وقادت هذه الحملة الإعلامية الضخمة أيا كانت هذه المؤسسات ،»إعلامية» أو»حقوقية « أو «صحافة استقصائية» من جهة أخرى، وهو تحالف أصبح موضوعيا لأنه يريد ضرب المؤسسة الأمنية والبلد الذي أصبح قويا، قادرا على مجابهة مختلف التحديات، سواء أكانت أمنية او إرهابية، مما يطرح أسئلة كبرى حول عمل بعض المنظمات الحقوقية الدولية وحقيقة أجنداتها من خلال استغلال قضايا حقوقية بعينها، والمساحات التي يوفرها الإعلام الإلكتروني، ووسائل التواصل الاجتماعي لتصريف هذه الهجمات الخبيثة ضد المغرب وضد مؤسساته الوطنية والأمنية، خاصة وأنها تقف في الصف الأمامي لمواجهة الإرهاب والجريمة المنظمة. إذا كانوا متأكدين من وجَود عمليات تجسس قام بها المغرب، تبقى أسئلة كان لابد من طرحها على أمنستي و forbidden stories ، إذا كانت هذه العمليات قد تم القيام بها من طرف شركة إسرائيلية، فلماذا صمتت هذه المنظمات على إسرائيل !! NSO ولماذا لم يتم استهداف من قام بهذه العمليات التجسسية المُفترضة التي يدعون أن المغرب قد قام بها من خلال الشركة الإسرائيلية؟ لماذا تم استهداف المغرب فقط ولم يتم التطرق للجهة التي يُفترض أنها هي من قامت بالتجسس؟ لماذا لم يتم استهداف البلد الذي ينطلق منه البرنامج، والجهة الحكومية التي تحميه؟! بالمقابل تم التركيز على المغرب! الإجابة واضحة، وهي أن «أمنستي» وغيرها من المؤسسات لم يكن هدفها حماية المعطيات الخاصة، بل الانخراط في محاولة تقويض عمل المؤسسة الأمنية المغربية، كما أن جزءا كبيرا من الإجابة على هذه الأسئلة موجود في الحوار الذي أجرته صحيفة Israel Hayom مع شاليف هوليو المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لمجموعة « NSO Group « حيث قال: ( إذا اقترب مني أي كيان حكومي – أي شخص، من أي بلد – فأنا على استعداد لفتح كل شيء، دعهم يأتون، يحفرون. دعهم يأتون) الرد يفسر لماذا لم تقترب أمنيستي ومن معها من» NSO Group « ، هذا لأنهم متأكدين من أن لهذه المؤسسة ما تنشره عنهم، وعمن يحركهم، لأن هناك ما يخشون نشره عنهم قد يعريهم أمام العالم ويكشف حقيقتهم كما قام المغرب بكشف حقيقتهم!! الأمر واضح، كلما حدث يتعلق بمحاولة استهداف واضحة لمختلف الأجهزة الأمنية المغربية، وللمغرب ككل، ولتجربته في محاربة الإرهاب داخليا وبالمنطقة، وهي محاولة فشلت كما فشل من سبقوهم لأن المغرب له مناعة قوية ضد كل هذه الهجمات، مناعة تجلت في الوعي الكبير الذي تعامل به المغاربة خاصة رواد وسائل التواصل الاجتماعي مع مُصدري هذه التلفيقات، خاصة الدرع الإعلامي الذي قاد هذه الهجمة «فرانس 24»، إذ تحولت هذه المؤسسة الإعلامية الفرنسية موضوعا للسخرية على تويتر من خلال هاشتاغ الذي تحول لتراند «غرد كأنك فرانس 24 «، كما ستتجلى هذه المناعة المغربية بعد أيام قليلة من خلال الاحتفالات الوطنية بعيد العرش التي ستكشف حجم التلاحم بين المؤسسة الملكية والشعب، وحجم الترابط بينهما، وهو تأكيد على استمرار المغرب ملكا وشعبا وبمختلف مؤسساته، في مسيرة الإصلاح المتجددة،هذه المسيرة الإصلاحية التي قام بها المغرب طوعاً،بشكل حر، إرادي، ومستقل جعله يخلق نموذجه المغربي، النموذج الذي مكنه من توفير اللقاح لشعبه في ظل عجز دول عن تلقيح شعوبها كانت تصنف نفسها بأنها كبرى، ومن إعلان ملك البلاد عن الانطلاق في تصنيع اللقاح مع كل ما يعنيه ذلك من تفوق مغربي، ينضاف لتفوقه الأمني الاستراتيجي.