ينطبق هذا المثل المستقى من الثقافة الحسانية الأصيلة على واقع مملكتنا السعيدة حاليا. فعبر التاريخ عرف المغرب برجالاته ونسائه الصناديد، ويكفي في العصر الحديث ذكر هامات كعلال الفاسي وعبد الخالق الطريس ومحمد حسن الوزاني، والمهدي بنبركة والمحجوب بنصديق والطيب بنبوعزة وعبد الهادي بوطالب، ومحمد عابد الجابري وعبد الرحيم بوعبيد وامحمد بوستة وعبد الرحمان اليوسفي وغيرهم كثر ممن لا يسع المجال لذكرهم وفي كل المجالات. مؤخرا ابتلي الوطن بنوع شاذ من سقط المتاع يريد أن يكون بطلا لا يشق له غبار فقط بادعاء المظلومية وترويج الأكاذيب ولوكها بعد تصديقها في مسرحية "بائخة" من "التبوحيط العريان". فهم صحفيون يتسابق القراء على مقالاتهم وتحقيقاتهم، وهم معارضون أشاوس يعرضون البدائل في السياسة والاقتصاد وحقوق الإنسان والدراسات الجيو استراتيجية وحتى في الرسم والموسيقى. إنهم "متصيحفون" دون تكوين ولا حمولة أكاديمية، ولم يكتبوا أو يكتب لهم في كل "مسيرتهم الصحفية" ما لا يتعدى عدد أصابع اليد الواحدة في المقالات والتحقيقات فرادى ومجتمعين، هذا دون الخوض في قالبها ومضمونها. إنهم شرذمة يريدون أن يصبحوا أبطالا تطبل لهم جوقة من المصفقين وضاربي الدفوف، والذين همهم الواحد الأحد هو أن يصنعوا من كل حبة قبة في كل ما يمس المغرب. فبعد امتحان المحاكمة واختلاق كل أساليب التشويش على القضاء المغربي، انتقلت جوقة المطبلين إلى واقع السجون. ولما لم يصدق أحد هلوساتهم، أصبحوا يطالبون بوضع قوانين على مقاسهم: فهذا فلان ليس مجرما حتى تفرض عليه البذلة الجنائية، وذاك علان صودرت روايته و"فرتلان" آخر يحدد عدد وتوقيت المكالمات الهاتفية ويحدد هو من يتصل بهم، إلى غير ذلك من الترهات التي تعكس حقيقة المعاناة النفسية لهؤلاء. لا تتصرف إدارة السجون، ككل مؤسسات الدولة، كما يحلو لمسؤوليها والمشرفين عليها، ولا تقوم بتوزيع صكوك الغفران على نزلائها، ولا تملك الحق في تحديد المجرم من غيره. كل من يدخل السجن هو في خلاف مع القانون ويجب معاملته على هذا الأساس، مع ضرورة الاجتهاد، في حدود الممكن، من أجل توفير شروط تصون كرامة النزيل مهما كان جرمه، وبالمقابل يتوجب على النزيل الانضباط واحترام القانون. أما أن نضيع طاقاتنا في صنع أبطال من ورق من أمثال مدعي الصحافة والمعارضة، أشباه لمرابط والمومني ودمية الفيلالي، فما علينا إلا استحضار قول الشاعر: "لقد هزلت حتى بدا من هزالها... كلاها حتى سامها كل مفلس" فقد قامت الإبل وتركت لنا بعرها.