تناقلت الوسائط الاجتماعية العديد من الصور والفيديوهات، عبر التراب الإفريقي تدعو إلى معارضة مجيء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وصرح العديدون بأنهم يحتجون لأنهم «تعبوا من فرنسا» وآخرون طالبوا برحيل الاستعمار الجديد. ولم يخل أي موقع من رسائل تطالب ماكرون بالابتعاد عن القارة السمراء. لكن هذا الأخير ابتلع المهانة حتى الثمالة وتوجه إلى إفريقيا التي أعلنت رفضه. وضدا على مشاعر صارخة ومظاهرات وبيانات وكتابات حائطية، اسْتقلَّ إيمانويل ماكرون طائرته الرئاسية متوجها إلى دول إفريقية، يعرف بأن المشاعر كلها ضده، ويعرف بأن الغضب منه ومن بلاده ما فتئ يتزايد ويتواصل.. ولم يستطع أن يخفي ذلك، بل إن وسائل الإعلام التابعة له، والتي طالبها في نهاية السنة الماضية بالعمل على تحسين صورته، لم تستطع أن تخفي هذه الحقيقة، على غرار وكالة «فرانس بريس» التي كتبت في قصاصة لها في يوم الأربعاء 1 مارس الجاري أن «إيمانويل ماكرون أقر بوجود استياء متنام حيال فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة» وهو اعتراف كان عليه أن يقوده إلى ما هو أبعد من الشعارات التي رفعها وفي قلبها «بناء علاقة جديدة متوازنة ومتبادلة ومسؤولة» مع إفريقيا في الوقت الذي تثبت الممارسات العكس.. وما أخفته الوكالة عن الفرنسيين الذين يصدقون رئيسهم هو ما وقع في الكونغو الديموقراطية ذاتها حيث كانت التعبيرات أكثر حدة ووضوحا.. ولعل أبرزها هو إحراق العلم الفرنسي، بأمينة غوما Goma شرق البلاد في مشهد معبِّر من الشباب الغاضب من باريس. وفي الوقت نفسه خرج المواطنون والمواطنات في العاصمة الغابونية ليبروفيل وقرعوا الصحون والمقالي، تعبيرا منهم عن الغضب من زيارة ماكرون، التي يبدأها فعلا من هناك.. ولم تخفف من هذا الغضب كل تصريحاته حول «المرحلة الجديدة» وحول «التنمية والديموقراطية هي هدفنا» الخ وغيرهما من شعارات صارت مألوفة في القارة. وعلى وقع هتاف «ماكرون قاتل، بوتين أنقذنا» تظاهر أمام السفارة الفرنسية عشرات الشبان الكونغوليين في كينشاسا رافعين الأعلام الكونغولية والروسية احتجاجا على زيارة ماكرون. بل إن الذين ظهروا إلى جانبه نالوا حظهم من الغضب، كما وقع للمغني والكاتب والملحن الكونغولي فالي إبيباFally Ipupa الذي تعرضت إقامته في كينشاسا للهجوم والتلف والعبث.. لقد وصل ماكرون إلى الغابون في رحلة أربعة أيام، تقوده أيضا إلى أنغولاوالكونغو وجمهورية الكونغو الديموقراطية، ولكن الأهم في الزيارة هو عودته بالشعور الذي حاول التغطية عليه، شعور بالمهانة والرفض.. وفي السياق ذاته، بالرغم من رفعه شعار «التواضع والإصغاء»عندما تحدث عن خارطة الطريق الجديدة لإفريقيا، فقد كانت تصرفات ساكن الإليزيه، عكس ذلك .. فهو يصر على الوجود العسكري في القارة، ينقله من الدول التي طرد منها إلى دول أخرى، ويرفض أن تستقل الدول بترابها، عبر صيغة احتيالية يعرضها على القادة الأفارقة تقتضي «وجود جنود أفارقة إلى جانب الجنود الفرنسيين في القواعد الذي يحتلها»! وبعد فشل عملياتها العسكرية لا سيما في مالي، حاولت فرنسا إعطاء الانطباع بأنها «أكثر ميلا إلى محو وجودها العسكري في القارة والتركيز على فرص التعاون عبر مدارسها ومعاهدها ومدربيها وشركاتها»، غير أنها في الواقع تسعى إلى صيغة جديدة من «فرنسا الإفريقية» التي ما عاد الأفارقة يريدون حتى الحديث عنها.. والواضح أن ماكرون يواجه صعوبة كبيرة في تسويق صورة بلاده وصورته هو شخصيا الذي يتعالى على الأفارقة وينفي عنهم «حسهم التاريخي» (كذا) تارة أو يرفض طلب العفو عن الفترة الاستعمارية تارات أخرى.. من صيغ الاستهانة بالأفارقة وشعوبهم هو الاستعمالات الاستعمارية التي تلجأ إليها نخبتها من استبلاد النخب الإفريقية بتسويق شعارات هي عكس ما تقترحه باريس عمليا..