الرفيقات العزيزات، الرفاق الأعزاء، تنعقد الدورة الرابعة للجنة المركزية لحزبنا والمغرب يشهد حراكا سياسيا واجتماعيا قويا وعميقا، يشكل ورش الإصلاحات الدستورية أحد محاوره الرئيسية. ولذلك، استقر الرأي على أن يرتكز جدول أعمال هذه الدورة على موضوع الإصلاحات الدستورية، في ضوء تطورات الوضعية السياسية والاجتماعية وآفاق تطورها، وانطلاقا من المذكرة الأولية التي تم تقديمها إلى اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور. نحن، إذن، في خضم لحظة تاريخية متميزة، لعل سمتها الأساسية تتمثل في كون مطلب الإصلاح الدستوري، الذي طالما دعت إليه، وناضلت من أجله، القوى الوطنية الديموقراطية والتقدمية، قد عرف عودة قوية إلى الساحة، وذلك في سياق أحداث متسارعة وانتفاضات شعبية عارمة من أجل الحرية والديموقراطية والكرامة ، في بلدان عربية عديدة، انطلقت من تونس التي كان البعض يقدمها كنموذج " ناجح" من حيث المنجزات المحققة على مستوى النمو الاقتصادي، مما يدل على أن المعيار الأساسي يظل متمثلا في مدى تحقيق التنمية البشرية، والتوزيع العادل للثروات، ومكافحة الفساد بمختلف أشكاله وألوانه، واحترام حقوق الإنسان في شتى الميادين، وضمان المشاركة الفعلية والديموقراطية لقوى المجتمع الحية في تدبير الشأن العمومي . وهذه مناسبة لنعبر مجددا عن تضامننا مع شعوب تونس، مصر، ليبيا، اليمن، سورية، البحرين، الأردن، الجزائر، وسائر الشعوب المكافحة من أجل الحرية والكرامة والديموقراطية. وبالطبع، فإن المغرب، كبلد منفتح على محيطه الجهوي والدولي، بلد راكم إيجابيات على قدر كبير من الأهمية، وعرف سلبيات طالما نبهنا من مغبتها، بلد أطلق مشاريع إصلاحية كبرى قبل أن يعتري التباطؤ وتيرة إنجازها، هذا المغرب ما كان له ليظل بمعزل عن التفاعل مع ما يجري من حراك سياسي واجتماعي لم يسبق له نظير. وقد اتخذ هذا التفاعل، في المجمل، طابعا ايجابيا، بحكم أن الفضاء الديموقراطي النسبي الذي تأسس في البلاد، بكفاحات مريرة وتضحيات جسيمة لقواها الحية، مكن المغرب من التعامل مع الحركات الاحتجاجية لما بات يعرف بحركة 20 فبراير، بعقلانية ونضج، لا سيما وأن مطالب الإصلاح المشروعة، التي عبر عنها عدد من الشباب المغربي خلال المظاهرات الاحتجاجية، ليست جديدة أو وليدة اللحظة، وإنما كانت مطروحة في الساحة السياسية الوطنية منذ سنوات. وقد أكد الحزب، في حينه، على مشروعية جل المطالب المعبر عنها من قبل المتظاهرين، والتي طالما ناضل حزبنا من أجلها بمختلف أساليب النضال الديمقراطي. وهي المطالب المتعلقة بتكريس الخيار الديمقراطي، ومحاربة الفساد، والاستجابة للمطالب الاقتصادية والاجتماعية المشروعة للفئات المحرومة من جماهير شعبنا. كما سجل الحزب أن المطالب الأساسية، المعبر عنها في مسيرات ووقفات الاحتجاج، هي نفسها المتضمنة في أجندة الإصلاح والتغيير الذي تنادي به الأحزاب الديمقراطية والتقدمية منذ سنوات، في ما يتصل بمطالب الإصلاح الدستوري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. ودعا الحزب إلى التفاعل الإيجابي مع هذه المطالب، التي تعكس طموح الشعب المغربي وفئاته الشابة في المزيد من الحرية والديمقراطية والتقدم والكرامة والعدالة الاجتماعية، حاثا، في الوقت ذاته، مناضلاته ومناضليه ومختلف هيئاته القاعدية وقطاعاته ومنظماته الموازية عبر ربوع الوطن، على تقوية الالتحام بقضايا جماهير شعبنا، والإجتهاد لتنظيم وتأطير نضالها ومطالبها، والدفاع عنها بكل الوسائل والصيغ الديمقراطية، خدمة للمصالح العليا للوطن والشعب، ومن أجل بناء المغرب الممكن، مغرب الوحدة الوطنية والترابية، مغرب الحرية والديمقراطية، مغرب الكرامة والمساواة، مغرب التقدم والعدالة الاجتماعية . وبخصوص عدم مشاركة الحزب كمؤسسة في المسيرات والمظاهرات الاحتجاجية لحركة 20 فبراير، وجب التوضيح، مرة أخرى، أنها تعود أساسا إلى مراعاة جملة من الاعتبارات الموضوعية ذات الصلة بتوجهات الحزب، المندرجة، طبقا لقرارات مؤتمره الوطني الثامن، في إطار خيار الحل الوسط التاريخي، وإن كان هذا الخيار غير جامد، ولم يمنع الحزب من التعبير بقوة، خلال السنوات الثلاث الأخيرة، عن مطلب التعجيل بإطلاق جيل جديد من الإصلاحات. كما أن انخراطنا في تحالف حكومي وسياسي، وكون المشاركة في الحكومة من عدمها أمر يعود الحسم فيه، طبقا للقانون الأساسي للحزب، للجنة المركزية، ما كانت لتسمح بأن نرفع مطالب من قبيل إسقاط الحكومة، ونواصل، في الآن ذاته العمل من داخلها. ثم إنه لم نكن على بينة تامة ممن سيشرف على تنظيم المظاهرات، والتحكم في مسارها و اختيار شعاراتها، التي اتضح لاحقا أن جزءا منها يستدعي، في أقل الأحوال، التحفظ، بالنظر لتناقضاتها ( مثل المطالبة دفعة واحدة بإسقاط الحكومة وحل البرلمان دون التفكير في من سيتولى آنذاك تدبير شؤون البلاد) . وعلى كل حال، فإن الحزب لم يمانع في أن يخرج الرفيقات والرفاق، قياديين كانوا أم أعضاء أو منتسبين إلى منظماته الموازية، كما أن الحزب من جهة أخرى لم ينادي أبدا إلى المقاطعة. الرفيقات والرفاق الأعزاء، إن الدورة الرابعة للجنتنا المركزية تنعقد في ظل ظرفية وطنية وجهوية ودولية تملي علينا، أكثر من ذي قبل، استحضار التحديات التي يتعين على المغرب مجابهتها، وفي مقدمتها توطيد وحدة التراب الوطني، وإنجاح مبادرة الحكم الذاتي لأقاليمنا الجنوبية الغربية المسترجعة، خاصة أمام مناورات أعداء وحدتنا الترابية، الرامية إلى إفشال مخطط التسوية الأممي، وعرقلة مسلسل المفاوضات، والسعي إلى استبعاد المقترح المغربي للحكم الذاتي، وما تعتزم الأوساط المعادية لمصالح وطننا القيام به من أعمال مدبرة وحملات مغرضة في الأيام القليلة المقبلة. إن الوعي بصدارة قضية وحدتنا الترابية وبضرورة ضمان النصر النهائي لها يمر حتما عبر تقوية وتحصين الجبهة الداخلية، من خلال الشروع في جيل جديد من الإصلاحات، الدستورية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتي سبق لحزبنا أن طالب بها منذ ندوته الوطنية سنة 2008، تحت شعار " من أجل تعاقد سياسي جديد"، وأكدت عليها بتفصيل الوثيقة السياسية للمؤتمر الوطني الثامن المنعقد في شهر ماي 2010. وهي الإصلاحات التي من شأنها أن تعزز وضع بلادنا أمام المنتظم الأممي وشركائها الأساسيين، وفي مواجهة أعداء وخصوم وحدتنا الترابية، من خلال إعطاء نفس جديد لمسلسل البناء الديمقراطي المعتمد على دولة قوية بمؤسساتها الديمقراطية، وحكامتها الجيدة، ونمائها الاقتصادي، وعدالتها الاجتماعية، واحترامها التام لحقوق الإنسان، كما هو متعارف عليها دوليا. لقد وقفنا، في عين المكان، خلال اللقاء التواصلي الذي عقده وفد من القيادة الوطنية للحزب، يوم السبت الماضي بالعيون، مع أطر و مناضلي الحزب ومنتخبيه وعموم المواطنين، على أن الوضع مقلق للغاية، والحاجة ملحة، أشد ما يكون الإلحاح، إلى أن يتم على أرض الواقع تجسيد مضامين الخطاب الملكي ليوم 6 نونبر 2010، بمناسبة الذكرى 35 للمسيرة الخضراء، وهي المضامين التي كانت موضوع تحليل مسهب خلال الدورة السابقة للجنة المركزية، المنعقدة يومي 18 و19 دجنبر 2010. وتأتى لنا أن نعاين، بشكل مباشر، بعض مخلفات أحداث " اكديم إيزيك" التي تؤشر على أن التوتر لا يزال قائما، على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، والتي تفضي إلى خلاصة أساسية ، جديرة بأن تكون موضوع تمعن ومنطلقا للقيام بالمتعين، ألا وهي أن ربحنا لقضية الصحراء لن يتحقق فقط بحفاظنا على الأرض، بل وأيضا بكسبنا لساكنة هذا الجزء العزيز من التراب الوطني، بما يجعلهم يحسون أنهم معنيون، في العمق، بكل جوانب التحول الحاصل والحراك القائم حول الإصلاح الدستوري وما يستتبعه من إصلاحات جوهرية في شتى المجالات. إن تفعيل المقاربة التي تحدث عنها جلالة الملك في خطاب 6 نونبر 2010 ، أصبح أمرا مستعجلا، وهو ما يبدو أنه آخذ في الحصول من خلال العفو الملكي الصادر يوم الخميس الماضي، والذي بموجبه تم إطلاق سراح جل من كانوا معتقلين على خلفية أحداث " اكديم ازيك". وهذا التفعيل يستدعي الإقدام، باستعجال، على اتخاذ مبادرات سياسية قوية وجريئة محملة بإشارات دالة، تسمح بتحويل مضامين الجيل الجديد من الإصلاحات، التي يتقاسمها معنا اليوم أغلب الفاعلين السياسيين الجديين، إلى أجندة مضبوطة، وإجراءات ملموسة، وتدابير محددة، تنعكس إيجابا على الحياة السياسية والمؤسساتية، وعلى المعيش اليومي للمواطنين في مختلف المجالات، وتفتح أمامهم آفاق الثقة في المستقبل. الرفيقات والرفاق الأعزاء، إن المضمون الدستوري للجيل الجديد من الإصلاحات يتمثل، كما أكد على ذلك المؤتمر الوطني الثامن للحزب، في إقامة توازن جديد للسلط، يحفظ للمؤسسة الملكية المؤتمنة على إمارة المؤمنين دورها في التوجيه والتحكيم والسهر على السيادة والوحدة الوطنيتين والتوجهات الكبرى للبلاد، وعلى مقومات النموذج الديمقراطي، ويعزز اختصاصات السلطة الحكومية في تدبير السياسات العمومية، وكل المرافق التي تتولى تنفيذها، في إطار فصل حقيقي للسلط، يقوي صلاحيات السلطة التشريعية، ويكرس استقلالية القضاء، مع دسترة المكتسبات المحققة في مجال حقوق الإنسان والمسألة الأمازيغية. في هذا السياق جاء الخطاب الملكي ليوم تاسع مارس، الذي أعلن عن جملة من الإصلاحات، ليس من المبالغة في شيء القول بأنها تشكل ثورة هادئة وتحولا عميقا من شأنه أن يفضي إلى اعتماد دستور جديد لعهد جديد. وليس من قبيل إطلاق الكلام على عواهنه إن وصفنا هذا الخطاب الملكي الجريء بالتاريخي، لأنه بالفعل كذلك، حيث أصبح مغرب ما بعد 9 مارس هو غير مغرب ما قبله، ولأن التجسيد الخلاق لمضامين هذا الخطاب كفيل بأن يُحقق قفزة نوعية وطفرة كبيرة في النظام المؤسساتي المغربي في اتجاه بناء الدولة الحديثة الديموقراطية والقوية، دولة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، دولة تعتمد على آليات ديموقراطية وتستند إلى جهوية متقدمة في حكامتها، مما يستلزم إشراك جيل جديد من الفاعلين السياسيين، وتكريس نوعية جديدة من العمل السياسي . لقد كان هذا الخطاب الملكي متجاوبا مع المطالب المشروعة المعبر عنها من قبل مختلف القوى الحية ببلادنا، وعاكسا لقدرة كبيرة على الإنصات لنبض الشعب والمجتمع. ونحن، في حزب التقدم والاشتراكية، الذي عقد مؤتمره الوطني الثامن قبل نحو سنة تحت شعار " جيل جديد من الإصلاحات.. لمغرب الديموقراطية"، لا يمكن إلا أن نكون سعداء بأن يكون الخطاب الملكي قد فتح أمام ولوج هذا الجيل أبواب حوار وطني ديموقراطي واسع وقائم على أسس جديدة للممارسة السياسية. فقد أكد جلالة الملك محمد السادس، مجددا، التزامه الراسخ بإعطاء دفعة جديدة لدينامية الإصلاح العميق، أساسها وجوهرها منظومة دستورية ديموقراطية. وبعد التذكير بالثوابت الوطنية، المتمثلة في الإسلام كدين للدولة، الضامنة لحرية ممارسة الشعائر الدينية، وإمارة المؤمنين، والنظام الملكي، والوحدة الوطنية والترابية، والخيار الديمقراطي، التي تشكل إطارا مرجعيا راسخا، أوضح صاحب الجلالة أن التعديل الدستوري الشامل ينبغي أن يستند إلى سبعة مرتكزات. وهي مرتكزات من شأنها، إن تم تفعيلها متكاملة، بجرأة وعبر اجتهاد خلاق، أن تفتح أرحب الآفاق أمام بناء صرح مغرب الديموقراطية الحق. ومما يؤكد هذا المنحى، واقع أنه للمرة الأولى يتم اعتماد مقاربة جديدة لمراجعة الدستور، وذلك بإحداث لجنة استشارية، تتكون من كفاءات مغربية معروفة، وتتمثل مهمتها في الإصغاء والتشاور مع المنظمات الحزبية والنقابية، والمنظمات الشبابية، والفاعلين الجمعويين، والفعاليات الثقافية والفكرية والعلمية المؤهلة، وتلقي تصوراتها وآرائها في هذا الشأن، ومن ثم العمل، بروح من "الاجتهاد الخلاق"، على اقتراح نسق مؤسسي مضبوط، يقوم على التحديد الواضح لسلطات المؤسسات الدستورية، بما يجعل كلا منها يتحمل مسؤوليته كاملة، في مناخ سياسي سليم. وفي الاتجاه ذاته، يندرج إحداث آلية سياسية مهمتها المتابعة والتشاور وتبادل الرأي بشأن مشروع الإصلاح الدستوري، وتضم، بصفة خاصة، رؤساء الهيآت السياسية والنقابية، وذلك اعتبارا لأهمية انخراط الأحزاب السياسية في حسن بلورة وتفعيل حكامة دستورية جيدة . وموازاة لإطلاق ورش الإصلاح الدستوري، تم اتخاذ عدة مبادرات إصلاحية هامة، وهي، حسب ترتيب كرونولوجي: - تنصيب المجلس الاقتصادي والاجتماعي، في أفق جعله مؤسسة للحكامة التنموية الجيدة، على أن يكون من بين مهامها بلورة فكرة، طالما تقدم بها حزبنا، وهي صياغة ميثاق اجتماعي جديد، قائم على تعاقدات كبرى. - إحداث المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وفق المعايير الدولية في هذا الشأن، وخاصة ما يعرف في قاموس الحقوقيين بمعايير باريس، ودعم استقلالية المجلس، وتوسيع صلاحياته، في مجال حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، وتعزيز تعدديته، وتمكينه من اعتماد آليات جهوية للدفاع عن حقوق الإنسان وصيانتها والنهوض بها. - إحداث " مؤسسة الوسيط" كهيأة وطنية مستقلة ومتخصصة تحل محل ديوان المظالم ، مع تخويل هذه المؤسسة صلاحيات البحث والتحري والقيام بمساعي الوساطة والتوفيق، واقتراح المتابعة التأديبية، أو إحالة الأمر على النيابة العامة ، طبقا للمقتضيات القانونية، وإمكانية إصدار توصيات بتقديم المساعدة القضائية، لاسيما للأشخاص الأكثر خصاصة وهشاشة. كما تم الارتقاء بها إلى قوة اقتراحية لترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير المرافق العمومية وقيم الشفافية والتخليق، ومستلزمات تحسين أداء الإدارة وتحديثها. وقد تم إسناد رئاسة هذه المؤسسة للأستاذ عبد العزيز بنزاكور، وهو ناشط حقوقي بارز ومناضل فذ من قدماء مناضلي حزبنا، حيث انتخب خلال المؤتمر الوطني الثامن عضوا بمجلس رئاسة الحزب. لذا، اسمحوا لي، أيتها الرفيقات العزيزات، أيها الرفاق الأعزاء، أن أتقدم باسمكم وباسم سائر المناضلين بخالص التهاني للرفيق بنزاكور على هذا التكليف/ التشريف، متمنين له كامل النجاح في مسؤوليته الجديدة، التي هو أهل لها وله ما يلزم من مؤهلات لأدائها، كما عهدناه في كل المهام التي اضطلع بها، أحسن الأداء. - إحداث المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان كهيأة تنفيذية، مهمتها متابعة وتنسيق عمل القطاعات الحكومية المعنية، والسياسات العمومية في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والنهوض بها. - تفعيل الهيأة المركزية للوقاية من الرشوة، في أفق دسترتها، وذلك اعتبارا لدورها المحوري في المنظومة الوطنية لتكريس الحكامة الجيدة، مع إقرار مشروع قانون يقضي بتغيير وتتميم قانون المسطرة الجنائية، يتعلق بحماية الضحايا والشهود والخبراء والمبلغين ، في ما يخص جرائم الرشوة والاختلاس واستغلال النفوذ وتبذير المال العام وغيرها. - تفعيل وتعزيز دور مجلس المنافسة لأداء المهام المناطة به، وذلك في أفق الارتقاء بها إلى مؤسسة دستورية قائمة الذات، مع تغيير الإطار التشريعي المنظم لهذه المؤسسة في اتجاه تعزيز استقلاليتها وتوسيع اختصاصاتها. - إحياء مشروع قانون الصحافة، في أفق بلورة قانون جديد للصحافة والصحفيين المهنيين، على أساس التراكمات الديمقراطية والسياسية والتراكمات المتعلقة بأخلاقيات المهنة، وفي سياق الدينامية الجديدة للإصلاح الدستوري. - إصدار عفو ملكي، في 14 ابريل الجاري، على عشرات المعتقلين في إطار قضايا ذات بعد سياسي، قبل وبعد أحداث 16 ماي 2003 وأحداث أخرى مرتبطة بقضيتنا الوطنية، وذلك في بادرة لقيت ترحابا عاما، بالنظر لما ينتظر أن يكون لها من انعكاسات ايجابية على مستوى تحقيق مزيد من الانفراج السياسي وتعزيز أجواء الثقة التي يتطلع الجميع إلى أن تصاحب الحوار الوطني الدائر حول الإصلاح الدستوري. الرفيقات والرفاق الأعزاء، في ظل هذا المناخ العام أعد المكتب السياسي للحزب مذكرة أولية حول الإصلاحات الدستورية، وقدمها للجنة الاستشارية لمراجعة الدستور في 28 مارس الماضي، وهي المذكرة التي أرسلت إليكم، غداة تقديمها، عبر البريد العادي، وبواسطة البريد الإلكتروني، وتم تعميمها على الرأي العام من خلال ندوة صحفية، ونشرت في صحافة الحزب باللغتين العربية والفرنسية، وفتحت في شأنها نقاشات على شتى المستويات التنظيمية والإعلامية والتواصلية. ومع أنه لا أخالكم، إلا اطلعتم على النص الكامل للمذكرة، أو على الأقل خطوطها العريضة، فإنني أستسميحكم عذرا في أن أذكركم بأهم ما ورد فيها، وذلك في شكل رؤوس أقلام ، نقلا عن المذكرة نفسها: - المراجعة الدستورية، التي نحن بصددها اليوم، تتم، للمرة الأولى، في مناخ شفاف، يعكس إرادة قوية في إشراك كل القوى الحية في بلورة القانون الأسمى لكل المغاربة، عبر حوار وطني واسع حول مضامين الإصلاح المرتقب، في ارتباطه بموضوع الجهوية المتقدمة، وما سيفضي إليه من إعادة هيكلة شاملة لمنظومة السلط وتوزيعها في بلادنا. - الدستور الجديد، الذي يجري الحوار حول مضامينه اليوم، يتجاوز سؤال الخيار بين التعديل التقني وصياغة قانون أسمى للدولة في حلة جديدة، بحيث نتعامل مع الموضوع على أن «التعديل الدستوري الشامل»، كما جاء في الخطاب الملكي ليوم 9 مارس 2011، هو في النهاية أوسع وأشمل من مجرد «مراجعة» ليسمو إلى مرتبة «الإصلاح الدستوري» بكل معانيه، دون التقيد بمجرد إدخال تعديلات وتحيينات جديدة على النص القديم. - ورش الإصلاح الدستوري، الذي ينخرط فيه حزبنا بكل قوة، يندرج في سياق نسق تاريخي حافل بالتراكمات، انطلق منذ الاستقلال وقطع أشواطا تأثرت إلى حد كبير بالمسار التاريخي الذي عاشته بلادنا لأزيد من خمسة عقود. - حزب التقدم والاشتراكية أولى، بما عرف عنه من جرأة وبعد نظر، كل العناية اللائقة لمطلب الإصلاح الدستوري، منذ مؤتمره الوطني الأول سنة 1975، وفي استناد خلاق للرصيد الغني الموروث عبر مساره التاريخي على عهد الحزب الشيوعي المغربي ثم حزب التحرر والاشتراكية، حيث جعل دوما من الإصلاح الدستوري مدخلا أساسيا لبناء دولة ديمقراطية عصرية، قائمة على مبادئ الحرية والمساواة والتعددية والتضامن والعدالة الاجتماعية. - حزب التقدم والاشتراكية ينطلق من أن أي دستور لا يستقي قيمته إلا من قدرته على الاستجابة الموضوعية للحاجيات المعبر عنها من لدن المجتمع في هذه المرحلة أو تلك من مساره التاريخي، كما يعتبر أن أي مقاربة لموضوع المؤسسة الملكية، في سياق الإصلاح الدستوري الشامل، يتعين أن تُبعد المنطق المحافظ الذي يعمل على إضفاء شكليات جديدة على واقع مؤسساتي جامد، وكذا منطق المزايدة الذي يروم إضعاف هذه المؤسسة في مشروعيتها. وترتيبا على ما تقدم، تدعو المذكرة الأولية التي قدمها حزب التقدم والاشتراكية، إلى التنصيص في الدستور على مبادئ عامة أساسية، أذكر منها: - المغرب دولة ديمقراطية موحدة وذات سيادة، يندرج نظامها السياسي في أفق ملكية برلمانية، وتقوم على نظام اللامركزية والجهوية المتقدمة، ومبنية على التضامن. - يمارس الشعب السيادة الوطنية بصفة مباشرة بالاستفتاء، أو بصفة غير مباشرة بواسطة مؤسساته وممثليه المنتخبين. - الثوابت الأساسية للبلاد أربعة،وهي الإسلام كدين للدولة، والوحدة الترابية للمملكة، والملكية البرلمانية ، ثم الخيار الديموقراطي. - في الملكية البرلمانية، يضطلع الملك، بصفته أميرا للمؤمنين ورئيسا للدولة ورمزا للأمة وحَكما أسمى، بضمان استمرارية الدولة والسهر على احترام الدستور وصيانة حقوق وحريات المواطنات والمواطنين والجماعات والهيئات، وبحماية استقلال البلاد وحدودها. - تعود السلطة التنفيذية إلى الوزير الأول مع دسترة وتوسيع صلاحيات مجلس الحكومة. - العربية والأمازيغية لغتان رسميتان، مع العمل على إيجاد الصيغ الانتقالية الكفيلة ببلورة الطابع الرسمي للغة الأمازيغية. - تعيين الوزير الأول من الحزب أو، عند الاقتضاء، من التكتل الذي يحصل على أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات التشريعية النيابية. - تعيين الوزراء باقتراح من الوزير الأول. - التأكيد على إمكانية تفويض الملك للوزير الأول لرئاسة مجلس الوزراء، وتوقيع الظهائر الملكية بالعطف من قبل الوزير الأول، ما عدا في الحالات المتعلقة بمجلس الوصاية، وتعيين وإقالة الوزير الأول والوزراء، وطلب قراءة ثانية لمشروع أو مقترح قانون، وحل البرلمان، وتعيين أعضاء المجلس الدستوري والمحكمة العليا، ومراجعة الدستور. - تولي المجلس الوزاري التعيين في الوظائف المدنية العليا للدولة، باقتراح من مجلس الحكومة. - توسيع اختصاصات مجلس النواب ( تتضمن المذكرة مقترحات عديدة في هذا المجال)، وفي حالة عدم توافق المجلسين، يؤخذ بعين الاعتبار موقف مجلس النواب. - انتخاب رئيسي مجلسي البرلمان للمدة الانتدابية مرة واحدة، والتنصيص على تنافى العضوية في أحد مجلسي البرلمان مع العضوية في الحكومة أو رئاسة جهة. - ضرورة تبني كل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة. - التنصيص على مبدأ المساواة المطلقة بين المرأة والرجل مع دسترة ميكانيزمات التمييز الإيجابي. - اعتماد ميثاق للمواطنة والتنصيص على كافة أنواع الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية المتعارف عليها دوليا . - جعل القضاء سلطة مستقلة عن السلطة التنفيذية والتشريعية، ومنع أي تدخل من طرف السلطة التنفيذية في تنظيم وسير السلطة القضائية. - دسترة آليات الحكامة والوساطة والتمثيلية والتقنين، مع منحها اختصاصات جديدة، وخاصة حق المبادرة بالتدخل في مجال اختصاصها، والعمل على تنظيمها بما يعزز استقلاليتها وفعاليتها وتكاملها. وبالإضافة إلى التصورات الواردة في النص المطبوع للمذكرة الأولية، تم، خلال عرضها على اللجنة المختصة والنقاش الذي جرى مع هذه الأخيرة ، تقديم مقترحين شفويين لم نتمكن من تضمينهما في الوثيقة المذكورة، في انتظار تدارك ذلك بعد اجتماع اللجنة المركزية، ويتعلق الأمر بالمطالبة بتغيير الفصل المتعلق بقدسية شخص الملك واعتماد صيغة «لا تنتهك حرمة شخص الملك»، وبتوسيع مطلب الاستشارة الشعبية ( الاستفتاء) على أساس أن يكون إجراء هذه الاستشارة مرهونا بضرورة الحصول على عدد معين من التوقيعات والتزكيات. هذه، على العموم، أهم مضامين التصورات والمقترحات الأولية، التي عرضها الحزب على اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور في شكل أفكار ومبادئ عامة، وليس بالضرورة كصياغة دستورية، وذلك بالخصوص في ما يعتبره إضافات جوهرية للمتن الدستوري الحالي، على أن يتم، كما حرص الحزب على تدوين ذلك في المذكرة المعروضة على اللجنة المذكورة، تقديم مقترحات تكميلية، ومفصلة، بعد اجتماع اللجنة المركزية للحزب. وهنا لا بد من التوضيح بأنه أمام ضغط الوقت، حيث أخبرنا بموعد لقاء الحزب مع اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور قبل نحو أسبوع واحد فقط من عقده، وبالتالي كان يتعذر جمع اللجنة المركزية في أجل معقول، ووجد المكتب السياسي نفسه في سباق مع الزمن، وأمام خيارين: إما تقديم مذكرة أولية أو إخلاف الموعد بالمرة. ولذلك استقر الرأي على أن يكون تحرك المكتب السياسي، كما العادة، طبقا لاختصاصاته التي تحددها المادة 11/2 ، من الفصل الحادي عشر من القانون الأساسي للحزب، والتي تخول له، من بين أمور أخرى، أن " يتخذ القرارات السياسية والتنظيمية طبقا لتوجهات المؤتمر الوطني واللجنة المركزية"، وذلك في انتظار انعقاد اللجنة المركزية للتدقيق في التصورات والمقترحات الأولية المقدمة، والتي لا تخرج، كما يتضح من قراءتها قراءة موضوعية ومتأنية، عن نطاق توجهات المؤتمر الوطني الثامن للحزب والدورات الثلاث للجنته المركزية، علما بأن هذه الأخيرة تظل سيدة نفسها، ولها اليوم أن تتخذ ما تراه مناسبا من قرار نهائي بشأن الموقف من الإصلاحات الدستورية، المطروحة حاليا للنقاش، مع ضرورة التقيد، طبعا، بمقررات المؤتمر الوطني الأخير وفي إطار قراءة جريئة متفاعلة مع تطورات الأحداث في بلادنا. الرفيقات والرفاق الأعزاء، إن المسألة الدستورية كانت حاضرة في مقاربة حزبنا منذ نشأته. والحزب كان، دائما، حريصا على الاجتهاد من أجل تحديث مقاربته، كلما تبدلت الأحوال، ونضجت الظروف، وتهيأت الشروط ، منطلقا في ذلك من أن قضية الإصلاح الدستوري ما هي إلا بداية لإصلاحات أخرى. ودعوني أن أدعوكم إلى القيام برحلة استكشافية، قصيرة المدى، توخيا للاختصار، عبر مواقف الحزب بهذا الشأن، منذ البدايات. لقد رصد أحد القادة التاريخيين لحزبنا، وهو المرحوم عبد السلام بورقية، النضال المتواصل الذي خاضه الحزب من أجل دستور ديمقراطي، والمقاربة الرصينة التي اعتمدها في التعامل مع المسألة الدستورية، وذلك في كراسة صدرت في مارس 1962 تحت عنوان " كفاح نصف قرن من مؤسسات تمثيلية ودستور ديمقراطي" ( في إشارة إلى مشروع الدستور الذي كانت نخبة من المثقفين المغاربة قد أعدته ونشرته أوائل القرن الماضي) . ويذكر الراحل بورقية، في معرض حديثه عن موقف الحزب الشيوعي المغربي، الذي تأسس في نونبر 1943، من المسألة الدستورية، أنه " سبق للحزب الشيوعي المغربي منذ شهر غشت سنة 1946 في البيان الذي أصدره على إثر اجتماع لجنته المركزية أن طالب بانتخاب مجلس تشريعي يضع دستور البلاد ويعين الحكومة التي تكون مسؤولة أمامه" . ومن جهته أكد الأمين العام الأسبق لحزبنا ، الراحل علي يعته، في مقدمة هذا الكراس، أن " اليوم... تبنت الجماهير شعار الدستور مقيمة هكذا الدليل القاطع على أن شعبنا قد بلغ نضجا يؤهله لوضع دستوره بنفسه" ، مبرزا أن " المطالبة بالدستور (...) تشكل مرحلة عليا لرغبة الجماهير في الديموقراطية". وبعد ذلك، كانت للحزب مواقف مبدئية من أجل دستور ديمقراطي، ومقاطعته لما كان يصفه بالدساتير الممنوحة، كما هو مسجل، على سبيل المثال، في وثيقة صدرت بتاريخ 29 نونبر 1962 بإمضاء كل من علي يعته، عبد السلام بورقية، عبد الله العياشي، عزيز بلال، والهادي مسواك. ومما جاء في هذه الوثيقة، التي تحمل عنوان «الموقف الوطني والديمقراطي الوحيد هو رفض الدستور الممنوح عن طريق مقاطعة الاستفتاء»، أنه " في نظام ديموقراطي فإن الشعب هو مصدر كل السلطات، سلطات يمارسها مجلس منتخب بالاقتراع العام. وهذا المجلس يمارس مجموع السلطة التشريعية، وتطبق مقرراته حكومة يقلدها السلطة التنفيذية والقانونية، بصفتها حكومة تتمتع بثقة المجلس الذي يراقبها". وخلال سنة 1966، التي شهدت انعقاد المؤتمر الوطني الثالث للحزب الشيوعي المغربي، الذي شكل منعطفا تاريخيا وحاسما في حياة الحزب، شددت الوثيقة السياسية لهذا المؤتمر على أنه " لضمان التطور الوطني والتقدم الاجتماعي(...) ، وازدهار الديموقراطية واحترام الحريات الأساسية (...) ولكي تسير البلاد إلى أمام، فإننا نناضل من أجل (...) وضع مؤسسات ديموقراطية سليمة في نطاق الملكية الدستورية التي تعترف بسيادة الشعب، والتي يكون الحكم فيها مراقبا من طرف ممثلي الشعب المنتخبين" .هكذا يتجلى، إذن، أن المطالبة بالمؤسسات التمثيلية الديموقراطية والإصلاحات الدستورية ليست جديدة ولا طارئة، وأن تاريخ النضال من أجل الحرية والديموقراطية والكرامة، لم يبدأ في 20 فبراير 2010 . لكن لكي نظل في شهر فبراير، ونقتصر على حزب التقدم والاشتراكية، الذي تأسس تحت هذه التسمية في سنة 1974 كوريث للتحرر والاشتراكية وقبله للحزب الشيوعي المغربي، نقتطف من نص التقرير الذي قدمه الرفيق الفقيد علي يعته إلى المؤتمر الوطني الأول للحزب ، المنعقد بالدار البيضاء أيام 21 ،22 و23 فبراير 1975، مواقف يجب بالطبع أن توضع، مثل المواقف الآنف ذكرها، في سياقها التاريخي، وهي مواقف عمل الحزب على تكييفها مع الواقع المتحرك وموازين القوى المتغيرة، تحت قيادة الرفيق علي يعته وبعد رحيله، لكن دائما مع الاحتفاظ بخيط ناظم لا يتبدل: خدمة قضايا الوطن والشعب. ففي معرض تطرقه للمؤسسات التمثيلية : أكد سي علي، رحمه الله، في التقرير المومأ إليه " إننا نضع مشكل المؤسسات الديموقراطية بارتباط مع كل الإصلاحات الجوهرية التي نقترحها في برنامجنا. إذ أنه في الظروف التي تحياها بلادنا (...) نرى من الواجب أن تكون المساهمة الشعبية أوسع ما يمكن وأنشط في ممارسة السلطات، وتسيير شؤون البلاد وطنيا ومحليا. لذلك اقترحنا، ونعيد اقتراح تأسيس مجلس وطني يكون بأجمعه منتخبا عن طريق الاقتراع العام المباشر والسري وحسب النسبة الشاملة، مجلس يتمتع بحق التشريع، وحق تعيين الحكومة وتوجيهها ومراقبتها، وطردها إذا لم تقم بواجبها، مجلس يكون له حق الفصل في كل القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ذات الصبغة الوطنيةّ. إن السلطة القضائية والكلام هنا لا يزال للراحل علي يعته، يجب أن تكون مستقلة تماما. ومن ناحية، أخرى يجب أن تنتخب كل المجالس البلدية والقروية، وأن تنتخب الغرف حسب اختصاصاتها، كل ذلك بكيفية ديموقراطية نزيهة، وتتمتع بسلطات حقيقية. وبما أن الدساتير التي منحت للبلاد لم تكن صالحة نظرا لافتقارها إلى الأسس الديموقراطية، ونظرا لتعارضها مع مهام الكفاح المعادي للامبريالية، ومع مستلزمات التشييد الوطني، فإننا نطالب بأن تعوض هذه الدساتير بدستور جديد ينبعث من إرادة الشعب، ويحرر من طرف الشعب، ويعترف بسيادة هذا الشعب ويضمن ممارستها في توافق تام مع تقاليدنا الوطنية السليمة". أقف، في ما يخص المواقف التاريخية، عند هذا الحد، لافتا الانتباه إلى أنه منذ ذلك الحين، حيث جرت مياه كثيرة تحت الجسور، وحزبنا يواصل نضاله، على انفراد أو بمعية حلفائه، من أجل مغرب حداثي وديموقراطي. أما بخصوص المرحلة الراهنة، التي يتحرك فيها حزبنا في نطاق مقررات مؤتمره الوطني الثامن ( ماي 2010 )، فإنه يبدو من المفيد التذكير بالأطروحات الواردة، في الوثيقة السياسية للمؤتمر، تحت أرقام 77، 78 ،79 و80 ، ومضمنها ما يلي: - ينبني التعاقد السياسي الجديد( الذي يدعو إليه الحزب) على ضرورة التفاف المكونات الحية للأمة على جيل جديد من الإصلاحات يشمل المستويات الدستورية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وتضمن مضي المغرب قدما نحو مجتمع الديمقراطية والتقدم والعدالة الاجتماعية. - إن المرحلة الجديدة التي نطمح إلى دخولها، ولإعطاء مزيد من النجاعة والفعالية للمؤسسات الدستورية، تقتضي تعديلا جديدا للدستور يتم في تناغم بين الفاعلين السياسيين والمؤسسة الملكية التي تبقى سلطة/ حكم، فاعلة وموجهة، ضامنة لوحدة البلاد، وتماسك الأمة ومؤتمنة على المسار الديمقراطي، وذلك على أساس أن الدولة القوية حقا، كما أكدنا على ذلك خلال مؤتمرنا الوطني الخامس سنة 1995 ، هي التي تقدر على التحول إلى دولة ديمقراطية حديثة، وتمزج في تركيب خلاق بين شرعية الأصالة التاريخية وضرورة الحداثة العصرية، حيث أن الممارسة المؤسساتية تنطلق من سيادة الشعب والأمة. - تروم الإصلاحات الدستورية ،التي يقترحها حزب التقدم والاشتراكية، ضبط اختصاصات كل من المؤسسة الملكية والحكومة والبرلمان، وكذا ضمان استقلالية فعلية للقضاء.وفي هذا الاتجاه يتعين توسيع صلاحيات الحكومة والوزير الأول، والرفع من مستوى نجاعة العمل الحكومي، وإخضاع المؤسسات العمومية لمراقبة الحكومة، وتوسيع سلطة المراقبة المخولة للبرلمان، مع ضبط صلاحيات كل من مجلس النواب والمستشارين، حسب نوعية تمثيلية كل من المجلسين. كما ينبغي أن تشمل هذه الإصلاحات ضمان استقلالية المجلس الأعلى للقضاء، ودسترة الأمازيغية ، والتنصيص على سمو القانون الدولي على القوانين الوطنية، وتعزيز الحماية الدستورية لحقوق الإنسان وللمساواة. - إن ضرورة الإصلاح الدستوري تمليها أيضا التطورات المرتبطة بالحل السياسي لقضية الصحراء المغربية، من خلال مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب، و تفعيل سياسة الجهوية المتقدمة. (انتهى الاقتباس) وعلى ذكر الجهوية، وفي السياق نفسه المرتبط بالخطاب الملكي ليوم 9 مارس، تجدر الإشارة إلى صدور تقرير اللجنة الاستشارية للجهوية، وهي وثيقة هامة تتضمن عددا من المقترحات المفعلة لنظام حكامة قائم على الجهوية الموسعة واللامركزية وعدم التمركز مع اقتراح تقسيم التراب الوطني إلى 12 جهة . ونحن إذ نثمن القرار الملكي القاضي بدسترة الجهوية، نسجل عددا من الجوانب الإيجابية الواردة في هذه المقترحات، مؤكدين على ضرورة مناقشة التقرير إياه، في مختلف مضامينه، وخاصة في أفق المصادقة على القانون التنظيمي الذي سيأتي ليدقق مهام واختصاصات الجهات ، وستكون لنا مناسبة لنتقدم آنذاك بملاحظاتنا وتعديلاتنا. الرفيقات والرفاق الأعزاء، تفعيلا لمقررات المؤتمر الوطني الثامن، فإن حزبنا ما انفك يسعى إلى التشاور مع حلفائه، في الكتلة الديمقراطية، من أجل الوصول إلى نتائج ملموسة ومتقدمة في مسألة الإصلاحات، لإعطاء نفس جديد للكتلة أو بلورة موقف واضح. وفي هذا الإطار، كان الحزب قد وجه، في 9 شتنبر من السنة الماضية، رسالة إلى قيادتي حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، داعيا إلى الانكباب، سوية، على ملفات الإصلاحات السياسية والدستورية، بما فيها قانون الأحزاب ونمط الاقتراع ومسألة الجهوية الموسعة، والملف الاقتصادي والاجتماعي . وقد أكدت الرسالة، بالخصوص، على أن حزب التقدم والاشتراكية " وضع دائما مسألة التحالفات مع القوى الوطنية والديمقراطية والتقدمية في صلب تحليله السياسي وبلورة إستراتيجيته النضالية في أفق تحقيق المشروع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي نعمل على بلورته جميعا»، مشددة على أن المنحى المذكور «شكل توجها دائما ومستمرا لحزبنا، باعتباره ضرورة يفرضها التطور العام لبلادنا، وتحولات موازين القوى داخل المجتمع ووجود قوى وطنية ديمقراطية وتقدمية تتقاسم قناعات ومواقف متقاربة ومشتركة». وهكذا كان بإمكان الصف الديمقراطي التقدمي أن يأخذ زمام المبادرة في هذا المجال، ومنذ الصيف الماضي، لو تم التجاوب مع مسعانا الوحدوي من كافة شركائنا. لكن، مع ذلك، لن نرتكن إلى التشاؤم، فنهتدي بالمثل القائل " في الصيف ضيعت اللبن"، لأننا حزب سياسي ذو مرجعية يسارية، ننتمي إلى مدرسة حرصت دائما على تغليب ضرورة تجميع القوى الديموقراطية، ونبذ الصراعات الهامشية، وترك جانبا الاختلافات الثانوية، وبالتالي فنحن لن نزيغ، أبدا، عن تحالفاتنا الأساسية، في خندق اليسار والكتلة الديموقراطية. الرفيقات والرفاق الاعزاء، تطبيقا لمقررات الدورة الثالثة للجنة المركزية للحزب، وتنفيذا لخارطة الطريق، قامت وفود عن المكتب السياسي، خلال الفترة الممتدة من منتصف شهر يناير إلى غاية متم شهر فبراير، بالإشراف على سلسلة من اللقاءات الميدانية بلغ عددها 25 لقاء، لتوقيع عقود البرامج بين المكتب السياسي والفروع الإقليمية، والتي تمت في إطار المؤتمرات الإقليمية لبعض الفروع، أو اجتماع المجالس الجهوية، أو على هامش تنظيم مدارس تكوينية من طرف بعض الفروع، أو اجتماعات تواصلية داخل المقرات الحزبية. وفي سياق تفاعل حزب التقدم والاشتراكية مع الحراك الاجتماعي والحوار الوطني حول الإصلاح الدستوري، بادر الحزب إلى عقد حوالي 50 لقاء مفتوحا مع الأطر الحزبية ومنتخبيه وفئات الشباب وعموم والمواطنين في عدد من المدن المغربية، سواء في القاعات العمومية أو مقرات الحزب، انطلاقا من خارطة الطريق وبرنامج العمل السنوي للمكتب السياسي، في تعاط إيجابي مع مضمون عقود البرامج المبرمة مع الفروع الإقليمية. ويتعلق الأمر بالأنشطة والبرامج التالية: - تتبع وتنشيط حياة الحزب تحت إشراف قطب التنظيم. - تفعيل دور الجمعية الديمقراطية للمنتخبين التقدميين ADEP تحت إشراف قطب الانتخابات. - برنامج "الكلمة للشباب" تحت إشراف قطب الشباب والطفولة. - البرنامج التكويني تحت إشراف قطب التكوين. من جهة أخرى، وتبعا لتوصيات الاجتماع الموسع للجنة الوطنية للحياة التنظيمية، المنعقد بتاريخ 02 أكتوبر2010، وتنفيذا لمقررات المكتب السياسي، تم عقد حوالي 15 اجتماع على مستوى كافة جهات البلاد، تحت إشراف أعضاء المكتب السياسي وبتنسيق مع المجالس الجهوية، قصد فتح نقاش حول خارطة الطريق ووضع إستراتيجية لتفعيل مضامينها. وخلال شهري غشت و شتنبر 2010، تم تنظيم حوالي 20 من اللقاءات والمحاضرات بمختلف الفروع للتعريف بنتائج المؤتمر الوطني الثامن للحزب، وأساسا مضمون الجيل الجديد من الإصلاحات، حيث تم تدشينها بأول لقاء تواصلي جماهيري مفتوح للأمين العام للحزب بمدينة تطوان بتاريخ 24 يوليوز 2010 . الرفيقات والرفاق الأعزاء، كما تلاحظون، لم يمض وقت طويل على إنهاء أشغال مؤتمرنا الوطني الثامن، الذي كلل بنجاح خلف أصداء طيبة، وأصدر مقررات أثبتت الأيام أنها التقطت جيدا دقة المرحلة، واستشعرت خطورة الظرف، وكانت في مستوى متطلبات تعميق المواقف الجريئة ، واستشراف آفاق المستقبل، حتى شرعنا في القيام بأنشطة مكثفة عدديا، متنوعة موضوعاتيا وواسعة الامتداد جغرافيا. وما عرضته عليكم من جرد مركز لهذه الأنشطة يؤشر، من جهة، على أن الحزب ظل دائب الحركة، صاحب مبادرة، ودائم الحضور، ولكنه جرد يشي ، من ناحية أخرى، وبالنظر لما يزخر به الحزب من طاقات بشرية، ومؤهلات تنظيمية، وإشعاع متزايد، أنه بالإمكان أن نجعل الحصيلة أوفر، بتعبئة كل الإمكانات، وشحذ الهمم، والحرص على أن نكون، جميعا، وأكثر ما يمكن، في موعد هذه اللحظة المتميزة التي تعيشها بلادنا. إننا اليوم أمام منعطف حاسم، منعطف يستلزم منا، نحن الذين وجدتنا التطورات الأخيرة في قلب المعمعة، وقادرين ليس فحسب على مسايرتها بل وأيضا الإسهام بقسط وافر في التأثير على مسارها ومآلها، أن نستعمل ما يشكل قوتنا الضاربة، القوة الكامنة في وحدة الصف القائمة على ديمقراطية داخلية حقيقية، ديموقراطية التعبير الحر والمسؤول عن كل الآراء، وفي ظل الحد الأدنى الضروري من الانضباط والمشاركة في تحمل المسؤولية واتخاذ المبادرات المثمرة ، والإسهام الفعلي في العمل الحزبي، أي كما يقول المثل الشعبي : " حديث ومغزل" . نحن الآن في صلب مسار استحقاقي طويل وشاق، سيشتد بعد إقرار الصيغة النهائية لمقترحاتنا بشأن الإصلاح الدستوري، لأنه سيكون من الواجب علينا أن نكثف الجهود لخوض حملة تفسيرية على أوسع نطاق. ثم ستأتي، لا محالة ، حملة الاستفتاء، تليها الانتخابات الجهوية بالاقتراع العام المباشر، ما يجعل منها في الواقع انتخابات ذات بعد وطني، وبعدها انتخابات مجلس المستشارين في حلته الجديدة، وصولا إلى الانتخابات التشريعية، وهلما استحقاقات واستحقاقات. لذلك، أود أن أنهي هذا التقرير بتوجيه نداء حار لكل الرفيقات والرفاق في اللجنة المركزية، ولسائر المناضلين والمناضلات في جميع التنظيمات الإقليمية والمحلية والموازية، إلى التعبئة الشاملة من أجل ألا نفوت هذه الفرصة المواتية، فرصة الدفع بالمسار الإصلاحي إلى مداه، أي نحو انجاز " جيل جديد من الإصلاحات .. لمغرب الديموقراطية"، الذي للكفاح من أجله كان تأسيس حزبنا، والذي في سبيله أجزل روادنا العطاء، على مدى عقود، وقدموا تضحيات جسيمة