عندما تورط رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في سياسة داخلية-خارجية غير محسوبة العواقب ، قال " نحتاج إلى الإلتزام بسياسة النأي عن النفس في النزاعات الخارجية و تغليب المصلحة الداخلية " عوض أن يستنجد بمناصريه السياسيين و عشيرته ، فهو رئيس حزب تيار المستقبل اللبناني ، و من قياديي حركة 14 أذار، كما أنه بعد انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية اللبنانية كلف هذا الأخير، سعد الحريري رسميا لرئاسة الحكومة ، حيث نال سعد الحريري 110 صوتا من نواب البرلمان من أصل 126 صوت ، بالإضافة إلىجنسياته اللبنانية و السعودية و الفرنسية ، مما جعل منه محط استقطاب من عدة أطراف متصارعة ، لكن رغم النفوذ السياسي الداخلي لسعد الحريري ، و محاولات الإستقطاب الخارجية له ، فإنه لم يقحم بلده في نزاعات تخص " نخب " تتصارع على السلطة داخليا و خارجيا ، و سلك هذا المسؤول الحكومي اللبناني مسلكا عقلانيا اتجاه بلاده ، مقارنة مع بعض الطغاة العرب كبشار الأسد – رغم تباين نوعية النظامين اللبناني و السوري – الذي رفع – أي بشار الأسد – شعار " إما أنا أو لا أحد " وجعل نفسه في كفة و سوريا أرضا و شعبا في كفة أخرى ، فأضحت سوريا مستنقعا للصراعات الداخلية المذهبية ، و التدخلات الخارجية الإنتهازية ، و كان من الممكن إسقاط بشار الأسد كما سقط حسني مبارك و بن علي و القدافي و عبد الله صالح ، ولكن وضع – بضم الواو – بشار الأسد في معادلة لتدمير سوريا خدمة لبعض دول الجوار مؤقتا ، و خدمة لإسرائيل أطول وقت ممكن ، لتنعم هذه الدولة العبرية بسلام مشروط وعلى مقاسها ، بالإضافة إلى تصريف القوى الإنتهازية لخردتها الحربية بالعملة الصعبة ، و لولا التدخل الخارجي الإنتهازي ، لما وجدت الجماعات الإرهابية بمختلف شرائحها ما تبرر به " جهادها " المسيء للإسلام و المسلمين ، فهل داعش و أخواتها تصنع الأسلحة و الرصاص التي تقاتل به بشراسة ؟ إنه تبادل الأدوار بين من يدعم الجماعات المسلحة بدعوى إسقاط بشار الأسد ، و بين من يدعم بشار الأسد للقضاء على المعارضة المسلحة ، فكانت النتيجة هي الرجوع بسوريا الى القرون الوسطى ، و ابتزاز الدول " التي لا تملك إلا المال " حسب وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، و بشار الأسد لا يهمه إلا البقاء على رأس السلطة حتى ولو رجع بالسوريين الى العصر الحجري، فالكرة ستدور إن آجلا أو عاجلا على الدول الغارقة في الديكتاتورية و الإستبداد و الإستبلاد ، و الأيام بيننا.