وتمر الانتخابات البرلمانية بالقرية تاركة بين جميع أفراد القرية ,حقدا دفينا , ونفاقا واضحا على كل الوجوه التي تلتقي صباح مساء في المراعي . وفي الأسواق الأسبوعية . ورغم رسوب كل المرشحين المحليين , فان الجميع شعر بندم لكونهم لا يتوفرون على من ينوب عنهم , وعلى من يتحدث باسمهم في قبة البرلمان , كما كان سابقا . يعود قطيع المواشي , بهرج والغبار يتطاير في سماء ذات اللون الأصيل الرومانسي , و كلما اقترب هذا القطيع نفسه , إلا وتعالى نباح الكلاب , ونعيق بعض حمير القرية , وثغاء صغار النعاج , إيذانا لنهاية يوم طويل من شهر آذار الجميل . يدخل الأب حدو كوخه الحقير , تاركا المهمة لأبنائه "علي" و "زنبة ". فالأول مكلف كما العادة بفتح ممر الزريبة خلف الكوخ الرسمي للأسرة , والثانية تضع بين أرجل بعض النعاج سطلا كاد أن يكون مملوءا بالحليب كعصارة كد يوم عسير . أما الجد الذي لا يستطيع تحمل البرد القارص المسائي , قد ولج بسرعة إلى ركن في الكوخ المخصص للتعبد والصلاة . شرع الشيخ " ميمون"في سرد نتف من بعض الآيات القرآنية , لكونه أمي لا يفقه في الدين الإسلامي سوى الطريق المستقيم إلى الجنة . وهذه الغاية الكبرى في حياته الطويلة القاسية , كانت السبب الرئيسي في مقاطعته الانتخابات السالفة الذكر أعلاه . أما ايطو ربة البيت المخلصة , فقد أشعلت نارا يتأجج لهيبها داخل كانون من صنع محلي , الشيء الذي دفع بالزوج العزيز الاقتراب من اللهيب رغبة من دفئين : دفئ من النار المضطربة والتي أضاءت كل زوايا الكوخ , ودفئ من دردشة حوار امازيغي رائع مع اعز إنسان ينتظره في كوخه السعيد . وبينما كان الشيخ الهرم "ميمون " يؤدي فريضة صلاة المغرب , عاد الابن "علي " ليجلس بجوار أمه , في احترام منقطع النظير . وحين امتلأ السطل بالحليب , أغلقت البنت الكاعب باب الزريبة إغلاقا محكما ,وبسرعة التحقت بكل أفراد أسرتها المتواضعة السعيدة . بدا الظلام يخيم علي القرية شيئا فشيئا , وأوت العصافير إلى أوكارها استعدادا لليل بهيم , وانخفض صوت الحمير كانخفاض حماس الانتخابات بالقرية الودود . محمد همشة دار ولد زيدوح في : 18/02/2012 . (يتبع) .