إني تركت البغل في الإسطبل ' وأدخلت النعاج في الزريبة يا أبي . يقترب حدو وزوجته من الكانون وقد احمر من شدة الحرارة المفرطة ' مما جعل العجوز يرخي رجليه مستلذا بالدفء ' وبالقرب منه مائدة صغيرة وضع عليها حفيده "علي" كتبه ودفاتره المدرسية ' وهو يراجع دروسه وسط حوار ومناقشة أفراد الأسرة . تتدخل ايطو في هذا الزخم من الكلام المتواصل لتقول : لقد أتى هذا الصباح المقدم " ميمون أسعيد " وسلم لي هذه الورقة ' وقال لي : اخبري زوجك بان القائد ينتظرك غدا في مكتبه . أف من القائد ' ومن لقائه ' ولماذا لم تقولي له : إن زوجي مسافر ؟ أنت تعرف تعامله مع الناس ' أجابني بسرعة كالبرق : إن المخزن لا يحب المراوغة ' بلغيه أمر القائد وكفى هراء . ماذا يريد مني هذا الوغد ؟ المهم غدا سأواجه الأمر . إن المخزن لا يستدعي الفقراء إلا عند قضية تهمه . وتعود الأسرة إلى السمر والهزل المألوف بين جميع أفرادها ' والحرارة المنبعثة من الكانون ' تجعل الكل يشعر بسعادة منقطعة النظير . بين الفينة والأخرى ' يتلو عليهم "علي" بعض متن من القرآن الكريم ' تجعل الجد ' يأمرهم بالصمت للاستماع إلى الطفل الصغير وهم يراجع الدروس ' وخاصة عند قراءة سورة الفاتحة ' فالعجوز يجد صعوبة كبيرة في إعادة « كفؤا احد »إذ كان ينطقها " كفي عنان" . الشيء الذي يجعل الصغير يقول له : " كفؤان احد " يا جدي ' وليس : كفي عنان . أرخى الليل سدوله ' واستسلم الجميع للنوم ' وللأحلام المتنوعة كل من منطلقه الخاص به ' ففي الصباح بدا كل واحد يحكي حلمه فقال الشيخ : والله ' يا زنبة ' إني كنت احلم البارحة ' قد دخلت الجنة ' ووجدت حفيدي "علي" لابسا ثيابا نقية بيضاء ' وهو يصلي بنا جميعا صلاة الفجر . تتلألأ عينا زنبة فرحة ' كأنها لقيت كنزا ثمينا في زريبة النعاج لتقول للجد : إن حلمك إن شاء الله ' يدل على أن حبك لله قوي جدا ' وان أخي " علي " سيصبح كذلك ' إن شاء الله واحدا من المخزن ' حارس الغابة ' او "جدرميا" (دركيا) ' او قائدا . يسمع الأب حدو ' من فم ابنته كلمة "قائدا " ليقول لهما : أما أنا ' إن زيارتي للقائد لم تتركني احلم أي شيء !! . تدخل عليهم ايطو ' حاملة "الفطور " فوق المائدة مكتب علي المتنقل وهي تأمرهم بتناول هذه الوجبة المهمة في حياتهم اليومية ' استعدادا لمواجهة المتاعب والشقاء . يخرج حدو من جديد فوق بغله الأبيض ' متجها إلى السوق الأسبوعي ' حيث يوجد مكتب القائد ' لمقابلته !! فما عسى طلب القائد ؟ ؟. ذ . محمد همشة. ( يتبع )