أعلنت جماعة العدل والإحسان المغربية المحظورة، في بيان، انسحابها من حركة «العشرين من فبراير» التي تقود الحراك السلمي في الشارع المغربي، منذ تنظيمها أول مسيرة في شهر شباط المنصرم، وهو الحراك الذي قدمت الجماعة نفسها كأحد مكوناته الأساسية وعادت من خلاله للظهور في الشارع المغربي من جديد. شكّل قرار توقف جماعة العدل والإحسان الغربية عن المشاركة في حركة «20 فبراير» مفاجأة كبيرة، وطرح توقيت إعلانه سيلاً من الأسئلة والتأويلات حول الأسباب الكامنة وراء هذا القرار الذي اهتدت إليه الدائرة السياسية للجماعة المحظورة قانوناً، فهل استجاب إخوان الشيخ ياسين لدعوات رئيس الحكومة الجديد عبد الإله بنكيران الذي دعاهم إلى خوض غمار العمل السياسي الشرعي؟ هل من تسوية ما تطبخ في الكواليس جعلت الحركة الأكثر شراسة في معارضتها للنظام في المغرب تفك الرباط مع حركة الشارع التي تمسكت به طويلاً؟ ربط كثيرون بين هذا الانسحاب وبالنظر إلى دقة التوقيت وبين رسائل قد تكون حملتها لقاءات دبلوماسيين أميركيين بقياديين في الجماعة أعقبت وصول الإسلاميين إلى الحكم، حيث يفهم من الأمر على أنه مساندة ضمنية لحكومة حزب العدالة والتنمية. كما أفادت مصادر «الأخبار» بأن القيادة أعطت تعليمات لأنصارها بعدم رفع شعارات مناوئة لحزب العدالة والتنمية. جاء بيان الجماعة غامضاً وملتبساً، وتحدث عن كل شيء تقريباً دون أن يجيب عن الأسباب الحقيقية للانسحاب، وإن احتوى على اتهامات مبطّنة لليساريّين والمستقلين المشاركين في الحركة الاحتجاجية، وجاء في البيان أن «الحركة (20 فبراير) حفلت بمن جعل كل همه كبح جماح الشباب، أو بث الشائعات وتسميم الأجواء، أو الإصرار على فرض سقف معين لهذا الحراك وتسييجه بالاشتراطات التي تخرجه من دور الضغط في اتجاه التغيير الحقيقي إلى عامل تنفيس عن الغضب الشعبي، أو تحويله إلى وسيلة لتصفية حسابات ضيقة مع خصوم وهميين، أو محاولة صبغ هذا الحراك بلون إيديولوجي أو سياسي ضد هوية الشعب المغربي المسلم، في تناقض واضح مع ما يميز حركة الشارع في كل الدول العربية». ورغم أن الجماعة سجلت أن حراك 20 فبراير السلمي حقق نتائج مهمة وأسهم في كسر حاجز الخوف واسترجاع الأمل وأخذ الشارع للمبادرة، غير أنها رأت أن تنسحب من المشاركة في تظاهرات الحركة مع بقائها متمسكة بمشروعية مطالبها والدعوة إلى حوار مجتمعي يوحّد الصف ويجمع الجهود لبناء نظام عادل. في هذا الإطار، نفت مصادر من داخل الجماعة في حديث إلى «الأخبار» أن يكون لانسحاب الجماعة خيانة لنضالات الشعب المغربي ضد الاستبداد أو هدية قدمت لحزب العدالة والتنمية، الذي كان متخوفاً من قيادة الإسلاميين لحراك في الشارع يعارض عملها، وقالت المصادر إن بيان الجماعة واضح بما فيه الكفاية حين تحدث عن «انتخابات شبيهة بسابقاتها في الإعداد والإشراف»، و«انتهاءً بالسماح بتصدر حزب العدالة والتنمية لنتائجها وتكليفه بقيادة حكومة شكلية دون سلطة أو إمكانيات قصد امتصاص الغضب الشعبي وإجهاض آمال الشعب في التغيير الحقيقي وتلطيخ سمعة الإسلاميين»، وأردف نفس المصدر قائلاً إن الحركة سرقت الجماعة واستنزفت منها مجهوداً كبيراً قد حان الوقت للالتفات إلى الشؤون الداخلية وترتيب البيت الداخلي، وخصوصاً أنها أهملت طيلة أشهر انخراطها في الحركة العمل الدعوي والحركي والتربوي، وكانت معظم لقاءات الدائرة السياسية تتمحور حول أشكال دعم الحركة. إلى ذلك نفى قياديون في حزب العدالة والتنمية أية علاقة لهم بقرار الجماعة، لكنهم لم ينفوا أن يكون القرار ربما نابعاً من حسابات سياسية للمرحلة جعلت خصمهم التقليدي داخل الحركة الإسلامية المغربية يتوارى خطوة للخلف وانتظار ما ستقوم به الحكومة الوليدة، ثم اتخاذ خطوة أكثر راديكالية إذا لم تجب الحكومة عن انتظارات المغاربة. وساد ارتياح مشوب بالترقب وسط مكونات حركة 20 فبراير بين المستقلين واليساريين، فإذا كان شباب الحركة يعترفون بالوزن الهام والزخم الكبير الذي كان يعطيه الإسلاميون للمسيرات، إلا أنهم يجمعون على أن خروج «العدليين» سيجعل الحركة تعيش في كنف الوضوح وتخرج من الغموض الذي سببته مشاريع مجتمعية متضاربة. من جهته، يرى الناشط اليساري زهير ماعزي أن حركة 20 فبراير تواجه «تحدي المحافظة على زخم الحركة بعد انسحاب العدليين الذين كانوا يوفرون قوة عددية لا يستهان بها، مع الإشارة إلى أن عدداً من المواطنين كانوا يرفضون الانخراط في الحركة لموقف مسبق من الجماعة التي كانت تريد أسلمة الحركة، وخصوصاً أنها لا تعترف بالملكية البرلمانية كأفق سياسي». وعن قراءته قرار الإسلاميين، يظنّ ماعزي «أن العدليين خافوا من أن تفوتهم كعكة السلطة مع صعود الإسلاميين في المنطقة»، ورجّح أن للأمر علاقة «بمفاوضات مع جهات خارجية وإسلاميي السلطة لأجل التحوّل إلى العمل في إطار شرعي».