في منتصف التسعينات من القرن الماضي،شاءت الأقدار أن يتم تعيينك في منطقة نائية(حاحا بالصويرة) كأستاذ للتعليم الابتدائي.شددت رحالك قاصدا ذلك الدوار المعزول عن العالم الخارجي،حيث لا كهرباء ولا ماء صالح للشرب ولا ترفيه...كان في انتظارك،هناك،أستاذ عمل في تلك الفرعية لسنوات عديدة ،حتى أصبح جزءا من المنظومة الاجتماعية للدوار.فرح كثيرا بقدومك لعلك تكون مؤنسه لكسر روتين يجثم عليه ليل نهار.وكانت الليلة الأولى من شهر شتنبر في بناء مفكك مهترئ،لم يكن هناك تلفاز ينقل لك أخبار الدنيا،ولا هاتف يصلك أثيريا بأهلك لتطلعهم على مصيرك منذ مغادرة مسقط رأسك.لم يعرف النوم طريقه إلى جفنيك إلا حوالي منتصف الليل،..ليل هادئ لا تسمع خلاله إلا أزيز حشرات تائهة، تبحث عن بقعة باردة تقيها لهيب حر خلفته أشعة شمس نهار طويل في كل بقعة لامسته. كان نومك ثقيلا،تمنيت لو يطول ليلك لتزيح عنك تعبا ألم بجسمك وعقلك.لكن هيهات.فحوالي الخامسة صباحا،هببت من نومك مذعورا .جلبة وضجيج قادمان من سقف البيت ومن سقوف الأقسام القريبة.إنها طيور "الجاوج"بصخبها وصياحها معلنة صباحا أتاك قبل الأوان،طيور اتخذت من تلك الأماكن مسكنا لها قبل أن تصل انت وصديقك،الذي ما أن أحس باستيقاظك،حتى بادرك بتلك الجملة التي لا تزال عالقة بذهنك:"وغير نعس أصحيبي،راه كاين لي كيلتحق بالزوج،وكاين لي كيلتحق ب"الجاوج" بحالي أنا وياك".تذكرت الأن هذه الجملة،وأنت ترى نتائج الحركة الانتقالية وما آلت إليه حيث الأولوية للملتحقات بأزواجهن ممن ولجن مهنة التدريس حديثا.فلو كانت تلك الطيور واعية بهذا االمآل،لشدت الرحال إلى مبنى مديرية الموارد البشرية ومكاتب النقابات التعليمية ل"تعشش"في سقوفها، وتقض مضجع المسؤولين هناك حاملة لهم رسالة منك ومن صديقك "القيدوم"ومن أمثالكما مفادها أن ذلك المعيار المسمى"الالتحاق بالزوج"،معيارغير منصف وظالم لفئات عريضة ممن أفنوا زهرة شبابهم منتظرين بزوغ معايير أخرى من قبيل "الالتحاق بالأبناء" أو "الالتحاق بالزوجة المعطلة" أو"الالتحاق بالحضارة"....