التعليم في المغرب يعرف مستويات من التردي لا مثيل لها مطلقا ، مما خلق أجيالا من المعاقين فكريا و تربويا و من المنحرفين أخلاقيا و حسيا ، جيل فاقد لكل ما يمت بصلة للإنسان السوي و المؤهل للاندماج في المجتمع المغربي و المنظومة الإنسانية الكبرى ، و المساهمة فيه بفكره و مؤهلاته و كفاءاته ، بحيث لازال المغرب في طليعة الدول العربية التي بها نسبة عالية من الأميين ، و إذا أضفنا إليهم أعدادا أخرى من أنصاف المتعلمين الذين قضوا سنوات طويلة على مقاعد الدرس لكنهم غادروها كما جلسوا عليها أول مرة بدون نتيجة تذكر ، فإن النتيجة كارثية بكل المقاييس ، و منذ أكثر من عشر سنوات و نحن نسمع بمصطلح الإصلاح و قد سخرت له الدولة أموالا طائلة لكنها اعترفت مؤخرا بفشله و عدم تحقق أهدافه على أرض الواقع ، و سبب تردي التعليم إلى هذه المستويات القياسية يعود إلى تراكم عدة أسباب من بينها : _ غياب أية إرادة سياسية حقيقية لإصلاح التعليم لدرجة تبعث على الشك في ما إذا كانت رغبة الدولة أن يبقى الأمر على ما هو عليه _ تبذير المال العام و نهبه دون مراقبة أو محاسبة أو عقاب _ إنتاج برامج دراسية متخلفة شكلا و مضمونا _ تهميش القرى و حرمانها من بنيات التعليم الأساسية _ الغياب الكلي للأسرة عن متابعة تعليم أبنائها نظرا لفقدانها الثقة في التعليم بسبب انسداد الآفاق التي يؤدي إليها حتى أصبح وجود أبنائها في المدارس هو فقط لتزجية الوقت و حمايتهم من الالتجاء إلى الشارع ، و الأسر التي ترغب حقا في تعليم أبنائها تختار التعليم الخصوصي بديلا عن التعليم العمومي نظرا لغياب مصداقية هذا الأخير _ نظرة الدولة إلى التعليم من منظار أمني صرف و ليس من منظار تعليمي و تربوي كما تدعي ، عندما ترجع المفصولين و كبار السن و أغلبهم من المنحرفين الذين يحتاجون إلى إدماج في مراكز خاصة و يشرف على هذه المسألة رجال السلطة من مقدمين و شيوخ مما يحول رجل التعليم إلى رجل أمن مهمته حراسة هذه الفئة في معتقل اسمه القسم ، حتى لا يتسببوا في مشاكل أمنية للدولة فيما لو تواجدوا في الشارع _ احتقار رجل التعليم و مظاهر هذا الاحتقار تتجلى في الأجرة الهزيلة التي يتقاضاها و تدني مستواه في سلم الأجور مقارنة مع القطاعات الأخرى فكيف برجل تعليم يبدأ حياته المهنية براتب 300 إلى 400 دولار نطالبه بأن يقوم بواجباته على أحسن وجه، و الأدهى و الأمر تتجمد و ضعيته المادية و يحرم من حقه في الترقية كما ينص على ذلك القانون بعد قضائه و استيفائه للسنوات القانونية ، وكذلك تعليق كل فشل في المنظومة التربوية على رجل التعليم و كأنه هو الذي وضع تلك البرامج المتخلفة أو هوالذي يقوم بالتصرف في ميزانية هذا القطاع بالنهب و التبذير ، مما خلق رأيا عاما يتجه نحو تحقير رجل التعليم و ممارسة سائر أشكال العنف المعنوي و الجسدي ضده مثل أي خائن كبير للوطن ، بحيث بإمكان أي بائع للجزر أو المخدرات أو عاهرة أن تهين رجل التعليم و تمسح به البلاط ، و حتى الإعلام ينظر إلى هذه الفئة نظرة تخوين و احتقار ، و حتى البرامج الإصلاحية تتحدث عن كل شيء بما فيه البنايات و تغفل رجل التعليم و هذا إن دل على شيء فيدل على أنها تنظر لرجل التعليم باعتباره شيئا و ليس إنسانا له احتياجاته أو باعتباره حيوانا و من هنا تلك المقولة التي تقول ( المعلم حمار الزمان ) _ الاكتظاظ الفظيع في الأقسام و غياب الوسائل التعليمية الضرورية و الأساسية خصوصا في المواد العلمية و تعلم اللغات _ تزوير و تزييف الوضعية الحقيقية للتعليم و عدم الاعتراف بالأخطاء و الانتكاسات بهدف تقديم صورة مغلوطة للمؤسسات الدولية المانحة لاستدرار المزيد من المنح و العطايا ، لدرجة مطالبة رجال التعليم بتزوير النقط بالنفخ فيها مسايرة لما يسمونه بالخريطة المدرسية و تحقيق نسب معينة من النجاح المغشوش ، و لدرجة أن وزير التعليم في الحكومة السابقة كان يتحدث عن النجاحات الباهرة للإصلاح إلى أن أتت المؤسسات الدولية و عرت الوضعية الحقيقية للتعليم من خلال التصنيف المخجل للمغرب في ذيل اللائحة ، هذا الوزير الاشتراكي المولع بالبيتزا و الشوكولاطة الفاخرة و الورد بحيث كانوا يكلفون 3000 دولار شهريا من ميزانية الدولة _ مغالطة الرأي العام بمصطلحات فضفاضة و كبيرة من قبيل الإصلاح ، في حين أن الحقيقة هي الاتجاه إلى وقف النزيف و الانهيار و تجميده في مستوى معين لأن الأمر لو واصل استفحاله على هذه الشاكلة فقد تغلق المدارس أبوابها يوما و أسباب أخرى كثيرة تحتاج إلى تشخيص علمي أدق من هذا ، لأن ما ذكرته هو ما فاض على السطح فقط ، و الضحية الأكبر هو رجل التعليم لأنه يجد نفسه مرغما على خوض هذه التمثيلية الرديئة و غالبا ما يلعب فيها دور المهرج الذي نقذفه بالبيض الفاسد و البطاطس المسوسة و الطماطم المتعفنة عند كل خطأ ليس له أصلا يد فيه ، لذلك أطالب بأن يكون رجال التعليم أكثر وعيا و لا يصدقوا شعارات التضحية و دور النبوة الموكل لهم و يتجهوا رأسا إلى المطالبة بحقوقهم المادية كاملة قبل الحديث عن أي إصلاح يكون على شاكلة هراء و خزعبلات أردأ المشعوذين و المنجمين فليس في الأفق سوى الغبار