الإسلام الذي استقبله الأمازيغ الأحرار بالمغرب وتقبلوه بقبول حسن هو الذي علمهم وعلم غيرهم من المؤمنين أن (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) وأكد لهم مرارا وتكرارا أن (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) وأن (ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى). فلم يكن دين الله أبدا سيفا قاهرا يكتم أنفاس الناس ليعتنقوه، بل كان سماحة وسلاما وتحررا من كل أشكال القهر والوثنية والاستعباد.. لذلك آواه الأمازيغ وأيدوه ونصروه وحملوا لواءه إلى الجنوب الأوروبي حتى مداخل فرنسا، وإلى القارة الإفريقية السمراء حتى أدغالها. لم يفرض عليهم هذا الدين صلاته وزكاته وصيامه وحجه.. كما لم يفرض عليهم لسان قريش ولا لهجة من لهجاتها، ولا ثقافة من الثقافات المشرقية، فحيثما حلت وارتحلت كلمة الله وآمن بها الناس، تركتهم وشأنهم في اختيار لسانهم وعاداتهم وتقاليدهم، إلا ما كان من ذلك متنافيا معها فإنهم سرعان ما ما يتخلون عنه عن رضى ويقين. فلم يكن الإسلام رسالة لغوية أو ثقافية، بل كان رسالة هداية وسبيل رشاد. ومع ذلك، فإن قوميات كثيرة في المشرق والمغرب أحبت اللغة العربية لأنها لغة القرآن والنبوة، وسارعت إلى تعلمها للتعبد بها والتواصل والخروج من اللغات النطاقية القبلية إلى اللغة الوطنية حسب تعبير علماء اللسانيات. ذلك ما حدث مع الأمازيغ المغاربة الأحرار، فتعرب منهم من تعرب، وتمزغ من العرب من تمزغ، وتوطدت العلاقات والوشائج بين الطرفين حتى تشابهت الألسنة بعد الأفئدة، فلم يعد أحد يدري من هو الأمازيغي في المغرب ومن هو العربي، منذ قرون خلت من قبل. لكن نابتة من النباتات الطفيلية الجديدة ظهرت على سطح التراب المغربي الخصيب، ونادى المنادون من صفوفها بالعودة إلى عصور الوثنية والاستعمار الروماني لتصفية الحساب مع الإسلام ولغة القرآن، وظهر أمر هؤلاء وانكشف أيام الاستعمار الفرنسي الذي سعى بكل ما أوتي من قوة ووسع إلى التفريق بين الأمازيغ والعرب، واختار اللغة الفرنسية لتكون سكينا قاطعا للتفرقة وقطع ما أمر الله به أن يوصل، ليس حبا في الأمازيغ وسواد عيونهم... غير أن الاستعمار لم يفلح فيما خطط وهوى، وخاب منه السعي وانزوى. وهدأت نار الأبالسة الزرقاء حينا من الوجود ثم عادت للاشتعال والصعود، متلبسة بلبوس جديد زعم الزاعمون أنه صادر من قلب المختبرات العلمية الفرنسية والدولية. وقال قائلهم لا حرف "أبلغ وأبين" من الحرف اللاتيني في كتابة الأمازيغية، وما الحرف "الآرابي" أي العربي سوى عنصر غريب دخيل لا مقام له ولا مكان عند الأمازيغ. أما الأمازيغ الأحرار في بطون البوادي والقرى وساحات المدن والشوارع، في هذا الزمان وفي ما سبق من أزمنة فلم يكتبوا سوى بالحرف العربي إيمانا وتسليما، أما النابتة الجديدة التي غرستها فرنسا وبعض الجهات الأجنبية في جامعات متفرقة من المغرب، وألحقتها بمراكز باريس ولاهاي، وأتتها تذاكر السفر المفتوح كل أسبوع وشهر لتكون على اتصال مباشر بالسادة الأوصياء، الذين يصنعون أدوات التخريب والقنابل الموقوتة، هذه النابتة لا يعرفها المغاربة الأمازيغ على الإطلاق، ولو شاؤوا أن يتأكدوا من ذلك فليقوموا باستفتاء شعبي بين المغاربة الأحرار، ليروا قيمة زعمهم ودعواهم، غير أننا ننصحهم قبل ذلك بالتريث قليلا ليستمعوا إلى ذوي الاختصاص العلمي اللساني الحقيقي، ويدركوا أن تيفيناغ مجرد افتراض وأوهام وأن زعماء التضليل كذابون ومخادعون. نعم للأمازيغيات المغربية الشلحة والريفية والسوسية والحسانية، أمازيغيات مغربية إسلامية عربية أصيلة، ولا وألف لا للبربرية الفرنسية القادمة من عواصم الغرب، والتي ما تزال أيديها تقطر دما مما ارتكبته في الجزائر.