دعا أسامة خياط، خطيب المسجد الحرام بمكةالمكرمة في خطبة الجمعة الماضي، إلى ضرورة تأمّل الأحداث التاريخية الكبرى والاعتبار بها، واعتبر الهجرة النبوية أعظم أحداث التاريخ، وقال إن كانت الهجرة انتقالا من دارِ الكفرِ إلى دارِ الإسلامِ فإنها تكون أيضا بهجر الآثام والتجافي عن الذنوب والنأي عن كل ما نهى الله عنه. في حين أرجع محمد أحمد حسين، خطيب المسجد الأقصى بالقدس في خطبته، ما أصابنا من هوان وذل إلى بعدنا عن منهج النبوة، وحذر من مشاركة الأنظمة العربية الإسلامية في العدوان على العراق بدعوى الشرعية والدولية، واعتبرها: "معاونة الكافر المستعمر" من وحي الهجرة قال أسامة خياط، خطيب المسجد الحرام : "إنَّ الأحداثَ الكبرى في حياة الأمم والشّعوب والجماعات والأفراد جديرة بالوقوفِ عندَها وقفاتٍ متأملة؛ لاستخلاصِ ما حفلَت به من عِبر، وما تضمَّنته من معانِي، وما حوَته من فوائد، وما دلّت عليه من مناهِج، وما أرشدت إليه من مسالكَ وسبلٍ يسير بها السالك ليبلغَ المنزل ويصِلَ إلى الغاية في مأمنٍ من الزَّلل ومنجاة من العِثار وإصابة للهدف وتوفيقٍ للمراد". واعتبر الهجرة النبوية المباركة حداثا حول مجرى التاريخ وأحدث أعظم نقلة، "حيث كانت بحقٍّ فتحاً مبيناً ونصراً عزيزاً ورِفعة وتمكينا وظهوراً لهذَا الدّين، وهزيمةً وصَغاراً للكافرين". العقيدة أغلى من الأرض وأوضح أن في وقائِع هذه الهجرة من الدروس والعبر وفي أحداثها من الفوائد والمعاني ما لا يكاد يحيط به الحصر، "غيرَ أنَّ مِن أظهرِ ذلك، يقول خطيب المسجد الحرام، وأوضحِه دلالةً هاتين الفائدتين العزيزتين والعبرتين الماثلتين أمامَ كلِّ ذِي فِكر راشد أو رأي سديد. أما أولاهما فهي أن العقيدة أغلى من الأرض، وأن التوحيد أسمى من الديار، وأن الإيمان أثمنُ من الأوطان، وأن الإسلام خير من القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيلِ المسومة والأنعام والحرث ومن كل متاع الحياة الدنيا" وبين ذلك في خروج النبي صى الله عليه وسلم، مع صاحبه الصديق رضي الله عنه "مهاجرَيْن من هذا الحِمى المبارَك والحرمِ الآمِن والأرضِ الطيّبة التي صوّر واقعَها الحديثُ الذي أخرجَه أحمد في مسندِه والترمذيّ وابن ماجه في سننهما بإسناد صحيح عن عبد الله بن عديّ بن حمراء الزّهريّ أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله، إنَّك لخيرُ أرضِ الله وأحبُّ أرضِ الله إلى الله، ولولا أنِّي أُخرجتُ منكِ ما خرجت"، ثم هيَ مسقطُ رأسِه الشريف، يضيف أسامة الخياط، وفيها مراتِع الصِّبا ومرابِع الشباب، والخروج على الإلفِ ومفارقة الوطنِ هو من أشدِّ العُسر الذي يتكلّفه المَرء، لكنَّه خرجَ من هذه البلدةِ الطيّبة مؤثرًا رِضَا ربِّه وطاعةَ خالقِه ومصلحةَ دينِه ونشرَ عقيدتِه باتِّساع دائرةِ الهداية وامتدَاد آفاقِها بزوالِ العوائقِ مِن طريقِ الدَّعوةِ وارتفَاع العقباتِ مِن بين يديها؛ ليكونَ للناسِ حقُّ الاختيَار وحريّة القرار عملاً بقولِه سبحانه: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) الكهف:29، وبقوله عزَّ اسمه: (لا إِكْرَاهَ فِى الدّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيّ) البقرة :الآية 256. كمَال اليقينِ بمعيّة الله تعالى لعبادِه المؤمنين واعتبر أن "كمَال اليقينِ بمعيّة الله تعالى لعبادِه المؤمنين الصَّادقين"، هي الفائدة الثانية، موضحا أن ذلك يستبين جليا في حال هذين المهاجرين الكريمين حين أحدق الخطر ببلوغ المشركين باب الغارِ الذي كانا فيه، و"حينَ قال أبو بكر رضي الله عنه: والله يا رسول الله، لو أنَّ أحدَهم نظر إلى موضعِ قدمَيه لرآنا، فقال رسول الله قولتَه التي أخذَت بمجامعِ القلوبِ وصوّرَت الإيمانَ في أرفعِ مقاماتِه وأسمَى درجاتِه: "يَا أبَا بَكر، مَا ظنُّكَ باثنَين اللهُ ثالثُهما"، وأنزَلَ سبحانه مصداقَ ذلك في كتابه: (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِىَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). ودعا خطيب المسجد الحرام الأمة المسلمة بأن تأخذ من دروس هذه الهجرة المباركة واعتبارِها "المددَ الذي لا ينفَد والمعينَ الذي لا ينضَب والزَّاد الذي لا يفنَى؛ إذ هيَ جديرة بأن تبعثَ فيها اليومَ ما قد بعثَته بالأمسِ مِن روحِ العزَّة، وما هيَّأته من أسبابِ الرِّفعة وبواعثِ السموِّ وعواملِ التَّمكين". وانطلاقا من الحديث الذي أخرجه البخاري رحمه الله في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله قال: "المسلمُ من سلِم المسلمون من لسانِه ويدِه، والمهاجِرُ من هجرَ ما نهى الله عنه" ختم هذه الخطبة بقوله "إنَّه إن كانت الهجرة انتقالاً من دارِ الكفرِ إلى دارِ الإسلامِ فإنَّها تكون أيضاً بهَجر الآثامِ والتَّجافي عن الذنوب والنأيِ عن كلِّ ما نهى الله عنه". ضريبة البعد عن الدين وبهذا الخصوص قال محمد حسين، خطيب المسجد الأقصى: "فمذ تنكبت أمتنا هدي صاحب الذكرى الشريفة ولم تقف على دروس هذه الهجرة العظيمة أصابها الهوان واستبدت بها الفرقة وأصبح حالها كما قال الشاعر: محرم عاد والأيام واحدة ونحن في نفق الأيام أشباه أهواؤنا أنزلتنا كل مفترق والخصم عاث وقد غالى بطغواه" وحذر خطيب المسجد الأقصى في خاتمة خطبته المسلمين من الولوج في دماء المسلمين وأعراضهم وكراماتهم تحت شعارات الشرعية والدولية، ومعاونة الكافر المستعمر، في ظل اتفاقات ثنائية ومعاهدات دفاعية، لا تغني من الحق شيئاً، بل تجلب العار على أصحابها في الدنيا وسوء العذاب في الآخرة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "لا ترجعوا بعدي كفاراً، يضرب بعضكم رقاب بعض". أحوال المسلمين في ظل الهيمنة الصليبية وذكر "محمد أحمد حسين" أن ذكرى الهجرة الشريفة تطالعنا في عامنا الجديد وأمتنا الإسلامية بعربها وعجمها، تمر في موكب الزمن بما يشبه الأحلام، فأراضيها تنتهك وتجيش فيها جيوش الغزاة والمعتدين من أحفاد الصليبيين، وأضاف أن سيادة دول الإسلامية "تنتهك من القاصي والداني، حتى غدا حكامها لا يردون كيد غاز، ولا يدفعون طمع طامع". وعاب "محمد حسين" على الشعوب الإسلامية انشغالها بالملذات والشهوات عما يحاك لها، وقال : "أما الشعوب فما زالت سادرة في لهوها وعبثها لم توقظها القوارع على شدتها، ولا تنبهها الخطوب على هولها، ولم تثر حميتها ما تتعرض لها أوطانها من أخطار الغزو والتقسيم وفق مصالح الكافر المستعمر، ولم تستنهض همتهم ما يلاقيه أبناء دينهم وجلدتهم من قتل وتشريد وتدمير وهوان، بل تراهم خاضعين مستسلمين تتقاذفهم الأمم من كل اتجاه وتتجاذبهم المؤامرات من كل ناحية وتلقي بهم الأيام على هامش الحياة وفي مؤخرة الركب إن وجدوا لهم مكاناً (نَسُواْ اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ) الحشر:19. ويضيف قائلا: "فبين العام المنقضي والعام الجديد تعيش الأمة وهي تحبس أنفاسها بانتظار القادم الأسوأ، وقد هالها حشد الباطل وخيلائه فوق أرضها وفي ديارها، هذه الأرض التي هيأت لهذه الحشود الغازية التي جاءت لغزو الديار الإسلامية وإن تظاهرت بغزو العراق وشعبه تحت ذريعة التخلص من أسلحة الدمار الشامل العراقية، مع أن الدمار الشامل للمنطقة وربما للعالم بأسره يسير في ركب الغزاة والمعتدين، ولكن المنافقين يتجاهلون ويعرضون، وما دروا أن الغزاة كمثل الشيطان (إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنّى بَرِىء مّنكَ إِنّى أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) الحشر16. واستغرب محمد أحمد حسين، خطيب المسجد الأقصى، التزام حكام العالم الإسلامي بتطبيق قرارات الشرعية الدولية أكثر من التزامهم بالشريعة الإسلامية؟. وأكد على أن من يصف حكام أمتنا بالعاجزين عن التأثير على مجريات الأحداث في الساحة الدولية بعد عجزهم في التأثير في الأحداث الجارية في الساحة العربية لا يجانب الحقيقة ولا يتجنى عليهم. وحذر خطيب المسجد الأقصى جيش الاحتلال من مغبة اقتحام الأقصى قائلا:" إننا نقول ومن علياء منبر المسجد الأقصى المبارك، إن المسجد الأقصى مسجد إسلامي، وسيبقى كذلك، ولن يكون مكاناً لعبادة غير المسلمين مهما كانت التضحيات، ومهما قدم هذا الشعب الذي اختاره الله للرباط في هذه الديار من تضحيات من أجل عقيدته ومقدساته ودينه، فلا يغتر أعداء الله بالوضع الذي تمر به الأمة الإسلامية (وَتِلْكَ الاْيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) آل عمران140. لا عز لنا إلا بالإسلام والعود إليه وحث في خطبته المسلمين، حكاماً ومحكومين، على أن يتمثلوا دروس الهجرة النبوية الشريفة ويقفوا على العبر والمبادئ التي أثبت لها هذا الحدث العظيم في حياة الأمة ويتأثر بصاحب الذكرى إن هم أرادوا الخروج من هذه المحن التي تحاصرهم من كل جانب، والله يقول: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الاْخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) الأحزاب:21. وقال "لقد عرضت الدنيا بما فيها من مباهج ومفاتن على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأعرضوا عنها في سبيل عزة الدين وسلامة العقيدة، وخرجوا مهاجرين من مكة إلى المدينة في درس عظيم يعلم المسلمين طريقة العودة إلى ديارهم والتمسك بأوطانهم، فلم يطل غياب المهاجرين بل عادوا فاتحين منتصرين يتلون قول ربهم (وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) الإسراء:81، وعلى نداء التوحيد على البيت الحرام معلناً: الله أكبر الله أكبر". وأضاف "لقد أسس نبيكم صلى الله عليه وسلم في المدينةالمنورة دولة الإسلام الأولى، يقودها رسولنا الأكرم وجندها المهاجرون والأنصار الذين آخى النبي بينهم، وشكلوا ومن معهم من المسلمين دولة الإسلام، أمة من دون الناس يجير عليها أدناها، وهم يد على من سواهم، يتمثلون قول النبي صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه" ما أحوج أمتنا اليوم وقد فرقتها الأهوال واستهان بها الأعداء إلى هذا الهدي النبوي الشريف، يعيد للأمة وحدة صفها وقوة نفوذها وشوكة إيمانها، حتى تتميز الأمة الإسلامية بهجرة إلى الله بهجرها المعاصي والفرقة، وتعود إلى نعيم عزتها ودينها التي لم يصلح آخر هذه الأمة إلا به، فنحن كما قال الفاروق عمر رضي الله عنه: "أمة أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله".