عرف المغرب تحولات اقتصادية واجتماعية كبيرة عمت مختلف أوجه الحياة التجارية والصناعية والخدماتية والاستهلاكية، نتيجة اعتماده لسياسة الاقتصاد الحر، الذي يقوم على مبدأ الأسواق المفتوحة، والتي تتميز بقدرة ومرونة استيعابية واستهلاكية كبيرة، مما أدى إلى تغيير في الأنماط الغذائية. وبالإضافة إلى حاجته إلى متطلبات التنمية والإنتاج فضلا عن موقعه الإستراتيجي، فقد أصبح المغرب قطبا اقتصاديا هاما يجذب اهتمام المصدرين والمنتجين والمستثمرين من مختلف دول العالم، مما جعل من أسواقه مراكز تجارية متعددة المنافذ البرية والبحرية والجوية. وكنتيجة حتمية لهذا، فالمستهلك المغربي يواجه تحديات جمة في المرحلة الراهنة ، وقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن هذه التحديات عامة، وعن ثقافة الاستهلاك خاصة، كما عرف المغرب إنشاء جمعيات تهتم بحماية المستهلك. التجديد التقت بالسيد عبد الوهاب زروال رئيس الجمعية المغربية لحماية المستهلك مراكش تانسيفت الحوز، فسألته عن هذه التحديات وعن مواضيع أخرى فكان هذا الحوار : كثر الحديث عن ثقافة الاستهلاك وعن حماية المستهلك ، هلا أعطيتم لقراء التجديد لمحة عن جذور هذه الثقافة؟ لقد ارتبطت مفاهيم حماية المستهلك بالتعاملات البشرية منذ القدم، وقد كانت أول الأوامر التي صدرت إلى البشر متعلقة بترشيد الاستهلاك حين قال تعالى: >وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين< سورةالبقرة،آية 43، وقوله تعالى: (أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم)، س،وة هود،58، وقول رسول الله "صلى الله عليه وسلم" : من غشنا فليس منا. لقد وضعت الأديان السماوية والأنظمة المدنية القواعد والنظم التي تحكم حركة التجارة وتنظم عمل الأسواق، إلا أن الرغبة في الربح السريع لاتزال قائمة إلى يومنا هذا، وتدفع العديد من الشركات والتجار والمنتجين والمتعاملين بالمواد والخدمات لاتباع أساليب غير مشروعة للإثراء السريع باستخدام وسائل الغش المختلفة، ومن هنا ظهرت الحاجة لوجود نظم رقابية لتتبع المخالفات. كما أن زيادة المنافسة نتيجة الكساد الاقتصادي، فرضت بشكل واضح، تطبيق عبارة (الزبون دائما على حق) من خلال مفهوم حماية المستهلك وحصوله على حقوقه المشروعة مثل: حق الاختيار والمعرفة والاستماع إلى آرائه والتثقيف والتعويض وإشباع حاجاته الأساسية والعيش بأمان والحياة في بيئة صحية. وهي الحقوق التي أقرها الاتحاد الدولي لجمعيات حماية المستهلك، واعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 5891، كأساس لوضع السياسات والتشريعات الخاصة بحماية المستهلك وتشجيع التعاون الدولي في هذا المجال، حيث تمت مطالبة دول العالم بتطبيقها ومتابعة تنفيذها، كما زاد أكد على ذلك المؤتمر الدولي الأخير لحماية المستهلك المنعقد في (هراري بزيمبابوي) . حماية المستهلك مصطلح جديد في المغرب ، هلا وضحتم قليلا للقراء هذا المصطلح؟ إن "حماية المستهلك" كلمة من شقين: حماية ومستهلك, الحماية معناها الوقاية أو المنع,والمستهلك له تعاريف كثيرة وهو أي مواطن أو مواطنة يقتني مواد استهلاكية بمختلف أنواعها، بهدف التغذية أو استخدامها في التنظيف أو اللباس، أو لغرض منزلي أو شخصي، أو للاستفادة من خدماتها (المأجورة وغير المأجورة) في مجالات النقل والمياه والكهرباء والصحة التربية والتعليم والثقافة والإعلام والترفيه والسياحة، وكذلك الذي يستفيد من خدمات أصحاب المهن المختلفة (إصلاح، عناية، تعهد، تطبيب، ... إلخ. و "حماية المستهلك" تعني: وقايته من الوقوع تحت ظروف الاستغلال أو الغش في مختلف النواحي الإجرائية أو التنظيمية أو الإدارية أو المدنية, وتتعلق حماية المستهلك في المقام الأول بمساعدته في الحصول على ما يلزمه من مواد وأدوات وخدمات يتطلبها استقراره المعيشي واندماجه في المجتمع، وذلك بأسعار معقولة في كل الظروف، مع منع أي عوامل من شأنها الإضرار بمصالحه أو حقوقه أو أن تؤدي إلى خداعه وتضليله. إذن ما هو دور جمعيتكم في تنظيم العلاقة بين المنتج والمستهلك؟ المجتمع المدني تحمل مسؤولية المساهمة في الحركة التنموية التي تعرفها بلادنا، ومساهمة منها في الجهود المبذولة لتخليق العلاقة التجارية بين المستهلك من جهة و التاجر والمنتج من جهة ثانية، عمدت مجموعة من المتطوعين لخلق الجمعية المغربية لحماية المستهلك جهة تانسيفت الحوز طامحين أن تكون هذه الجمعية شريكا للمهنيين والسلطات العمومية، وجاعلين تكوين الإنسان هو الأساس والغاية لتطور المجتمعات. ومن الأهداف التي تبنتها هذه الجمعية : حماية مصالح المستهلك في المجالات جميعها من كل ما يشكل خطرا على صحته وسلامته وأمواله وغيرها. وترشيد المستهلك وتوعيته بحقوقه ومسؤولياته ورفع ثقافته في مجال موضوع النظام بشكل مستمر. والدفاع عن حقوق المستهلك ومساعدته للحصول على تعويض عن أية خسائر صحية أو مادية تنجم عن استهلاكه سلعة أو خدمة غير مناسبة. ومن مهام الجمعية تمثيل المستهلكين في جميع المجالات لدى الجهات ذات العلاقة محليا وجهويا ووطنيا. والتعاون مع الوزارات والمؤسسات والجمعيات المماثلة (الوطنية والعربية والدولية) وإقامة الاتصالات اللازمة لتبادل المعلومات والخبرات لتحسين شروط عمل الجمعية لتحقيق أهدافها بشكل أفضل. والمشاركة في وضع وتطوير التشريعات المتعلقة بأنظمة مراقبة المنتجات والخدمات، وتعريف المستهلك بماهية المواد التي يتعامل معها وإرشاده للطريقة الصحيحة لاستخدامها. والسعي لتطبيق المواصفات والمقاييس الوطنية على السلع المعروضة والمساهمة في تطويرها بما ينسجم مع المواصفات العالمية. وما هي أهم الخدمات التي يمكن لجمعيات حماية المستهلك تقديمها للمواطن؟ هذه الخدمات تتمثل في توعية المستهلك بقيامه بدوره في الحفاظ على سلامة المادة أثناء تخزين السلعة أو استعمالها من قبله، وتفعيل دوره في الحالات الطارئة. وتعريفه بالقيمة الغذائية وتوفيرها بالأنواع المختلفة من الأغذية، وتحديد القواعد الصحية لتناولها وحفظها بهدف نشر عادات وأنماط استهلاك سليمة. وتقديم الخدمات الاستشارية والنصح للمستهلك للحصول على حقوقه الاستهلاكية. والإشراف على برامج إعلامية خاصة باستخدام وسائل الإعلام المختلفة لنشر وإبلاغ المستهلكين عن جميع الأمور التي تهم مصالحهم، وخاصة عن الأخطار التي يمكن أن يتعرض لها في حال استخدام سلعة تسبب لهم أضرارا نتيجة توزيعها أو إنتاجها أو طرحها أو تداولها بشكل خاص. ما هي أهم التحديات التي تواجه المستهلك المغربي ؟ نذكر على سبيل المثال: الأغذية المعدلة وراثيا، والأخطار الوحيدة المعروفة حاليا والمتعلقة بهذه الأغذية مرتبطة باحتمالات ظهور حالات الحساسية، وخاصة رفض الأدوية المضادة للجراثيم، حيث تعتبر الأخطار غير المتوقعة، والتي يمكن أن تتطور ببطء مع الزمن، من المشاكل التي تحتاج إلى حل عاجل إلى مشاكل أكثر تعقيدا، وخاصة في الدول النامية لعدم توفر الإمكانيات العلمية لتنفيذ الاختبارات وغلاء قيمتها.(في أمريكا والأرجنتين وكندا 89 بالمائة من المساحات المزروعة في العالم بالبذور المعدلة وراثيا). والمنافسة واقتصاد السوق: إن الانفتاح الاقتصادي يزيد من المنافسة بين المنتجات الوطنية والأجنبية في الأسواق، مما يلزم الصناعة الوطنية بزيادة القدرة التنافسية ويتطلب في مثل هذه الحالة حماية المستهلك من الغش والتضليل والابتزاز التجاري من خلال وضع الضوابط لحمايته من غش المواد والخدمات واعتماد التشريعات التي تؤمن احتياجاته بشكل مناسب مع ضمان الجودة ومراقبة وضبط الممارسات التجارية السيئة. إن المواصفات والمقاييس تعتبر أفضل إطار لرفع هذه التحديات. فهي تهدف للتأكيد على الجوانب الصحية وسلامة المستهلك والتبسيط وزيادة القدرة الإنتاجية وتحسين جودة الإنتاج، الأمر الذي سيؤدي إلى دعوة المنتجين لتخفيض التكاليف وخفض الأسعار وتسهيل معالجة النزعات والمنافسة على أسس ثابتة، ويعتبر المستهلك المستفيد الأكبر من كافة مجالات تطبيق المواصفات (في مجال البيئة والأغذية والبناء والزراعة والعلوم وغيرها..). إنها أصبحت الآن ضرورة وطنية واقتصادية لحماية المنتج والمستهلك والمجتمع عموما، للحد من الغش والتدليس وخلق المنافسة . ونظرا لكون المواصفات تشمل جميع مراحل الإنتاج، بما فيها نظم التعليب والتغليف والحفظ والتخزين والتداول، فإنه من الضروري توعية المستهلك والتاجر معا بالمواصفات والمقاييس الصادرة محليا ودوليا. ألا يعتبر وجود أجهزة رقابية حكومية كافيا لحماية المستهلك وزجر الغش؟ إن الأجهزة الرقابية والجهات الأخرى الحكومية المعنية بتقديم الخدمات المختلفة الموجودة حاليا غير كافية لحماية المستهلك في المرحلة الراهنة، ولابد من اعتماد آلية جديدة للتشارك مع المجتمع المدني، وخاصة جمعيات حماية المستهلك. بحيث لا يوجد تعارض بين المهام المحددة للجهات الحكومية في مجال حماية المستهلك والمهام الخاصة بجمعية المستهلك ووجودهما معا يعني آن الواحد يكمل الآخر، وهي لمصلحة المستهلك. فإقامة الندوات واللقاءات العلمية لتعريف المستهلك بطرق الغش ومؤشرات الجودة وحقوقه وواجباته، وذلك بالتنسيق مع كل الفاعلين يمثل إحدى أهم مجالات التعاون. إن حماية المستهلك مسؤولية الجميع كما لا يعذر المرء بجهله للقانون. أجرى الحوار عبد الغني بلوط