الأزمة التي يجتازها العالم اليوم تقدم بلا شك الكثير من العبر والدروس التي ينبغي استخلاصها، بسرعة واستثمارها بما يكفي من الذكاء، لتفادي السقوط في تداعياتها السيئة. وبقدر ما يبدو الانفتاح على الاقتصادات الأخرى ضروريا ولازما، يظل تعزيز البنية الاقتصادية داخليا مهما وضروريا بالقدر ذاته أو يزيد. وفي هذا الإطار إذا كان المغرب قد نجح في كسب رهان الانفتاح على شركاء اقتصاديين وتجاريين إلى حد كبير من خلال اتفاقيات التبادل الحر ومن خلال رفع جاذبيته للاستثمارات الأجنبية، ومن خلال مختلف الإصلاحات التي تقدم حوافز مهمة للرأسمال الأجنبي للاستثمار في المغرب، وتفتح السوق المغربية تماشيا مع تطور التجارة الدولية والاتفاقيات الثنائية أو متعددة الأطراف عبر المنظمة العالمية للتجارة، فإنه بالمقابل تمكن من الصمود في عاصفة الأزمتين المالية والاقتصادية التي هبت على العالم في السنتين الأخيرتين وأدت إلى إفلاس العديد من الشركات العالمية والأسواق المالية الكبرى ، بل وجعلت دولا غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها. هذا الصمود الذي تعززه العديد من تقارير المؤسسات الدولية وتوقعات النمو الإيجابية، وأيضا كون الدولة لم تتخل عن التزامها بدعم المواد الأساسية الغذائية والمحروقات بالرغم مما طالها من ارتفاع كبير على المستوى الدولي، حيث تحمل صندوق المقا صة تقلبات الأسعار في السوق العالمية من خلال اعتمادات إضافية وقياسية من أجل الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين، في الوقت الذي تم فيه العمل على تقوية مناعة الاقتصاد الوطني من خلال تشجيع الاستثمار ورفع اعتمادات الاستثمار العمومي في الميزانية، والتدخل من أجل المحافظة على مناصب الشغل المتوفرة وتشجيع التشغيل الذاتي من خلال برامج أثبتت نجاعتها حتى الآن. إن هذا المجهود الذي تم بذله، ومكن بلادنا من الابتعاد أكثر فأكثر عن خط العاصفة، وجعلها لا تتأثر إلا جزئيا بتداعياتها يحتاج إلى مختلف أنواع الدعم. فإذا كانت الأزمة قد أدت إلى ركود بعض الاقتصادات الشريكة للمغرب، وقلصت من طلبها نحو المغرب، مما يعني تراجعا في بعض أنواع الصادرات المغربية، فإنه ينبغي الجواب على هذا التحدي من خلال تشجيع الاستهلاك الداخلي للمنتوجات الوطنية. ويبدو هذا الخيار ضروريا، إذا كنا نريد تعزيز مناعة الاقتصاد الوطني في مواجهة الهزات المقبلة التي ينتظرها العالم ، خاصة أن أفق الأزمة لا يزال غامضا، ولم تتمكن مختلف الإجراءات التي تم تبنيها في العديد من الدول الغنية المتقدمة من كبح جماحها. إن تشجيع استهلاك المنتوجات الوطنية يكتسي أهمية بالغة، اعتبارا لكون الاستهلاك ، كقاعدة عامة، يمثل الحافز الأول للاستثمار، لأن هذا الأخير يحتاج قبل كل شيء إلى سوق قادرة على استيعاب الإنتاج، كما انه يحمي الاستثمارات الموجودة من الإفلاس في ظل تراجع الطلب الخارجي، مع ما يعنيه الإفلاس من فقدان لمناصب الشغل ومن تفاقم للبطالة وما لهما من انعكاسات اجتماعية سلبية. كما أن الاتجاه نحو استهلاك المنتوجات المحلية يقلص من حجم الواردات وبالتالي ينعكس إيجابا على الميزان التجاري المغربي الذي يعاني عجزا كبيرا في بعض الأحيان نتيجة ارتفاع فاتورة بعض المواد الاستهلاكية، اضافة إلى فاتورة النفط، ومن المهم التأكيد في هذا السياق ان الكثير من المنتوجات الوطنية، تستجيب لمعايير الجودة العالمية، وأن الكثير من الشركات المغربية تشتغل وفقا لهذه المعايير، وتمكنت من الحصول على شهادات دولية في ما يتعلق باحترام هذه المعايير. إن الأزمة التي يمر بها العالم حاليا بقدر ما تبعث على بعض التشاؤم، فهي تمثل أيضا فرصة للمغرب من أجل تعزيز نسيجه الاقتصادي، ومن أجل تقوية مناعته الاقتصادية ونجاعة آلياته، من خلال ما قام به من إصلاحات لتشجيع الاستثمار والإنتاج، ولكن أيضا من خلال التجاوب الذي ينبغي أن يكون، مع هذا الإنتاج عبر الإقبال عليه في السوق الداخلية لتعويض التراجع المحتمل للطلب الخارجي، وأيضا لتقليص حجم الواردات من بعض المواد وبالتالي تفادي استيراد التضخم مع ارتفاع أسعار بعض المواد الاستهلاكية. إن هذا الحديث عن الموضوع المهم الآن يجد مبرراته في إصرار العائلات الميسورة على تفضيل استهلاك المواد الاجنبية في إطار نوع من التباهي الذي تحاول أن تزكي به موقعها الاجتماعي الاعتباري ، وهذا لم يعد مقبولا ، فالروح الوطنية كتلة واحدة لا يمكن تجزيئها ، ودعم وتشجيع استهلاك المنتوجات الوطنية يندرج في هذه الظروف في اطار هذه الكتلة.