تصنف المنظمة العالمية للزراعة والأغذية المغرب ضمن البلدان المستوردة للمواد الغذائية، سيما مواد الاستهلاك الأساسية (الحبوب، الزيوت، السكر...)، وذلك رغم أن بلدنا، قام منذ استقلاله بجهود كبيرة لتحسين ميزانه التجاري في شقه المتعلق بالغذاء، إذ اعتبر القائمون على الأمور، منذ البداية، الفلاحة والتجهيزات الهيدروفلاحية من الأولويات لعدة عقود متتالية، لكن يبدو أن كل هذه الجهود ذهبت سدى وظل ميزان المغرب الغذائي يعرف عجزا متزايدا بخصوص مجموعة من مواد الاستهلاك الأساسية. "" وقد سبق أن سمعنا الكثير من الشعارات المرتبطة بالأمن الغذائي، لعل آخرها، "الاستثمار في الفلاحة من أجل الأمن الغذائي"، وهو شعار اعتمده المغرب بعد أن رفعته منظمة الزراعة والأغذية التابعة للأمم المتحدة. المغرب بلد فلاحي تعد الزراعة بالمغرب في غاية الأهمية بالنسبة للاقتصاد والشعب، فهي تساهم بأكثر من 20 بالمائة حاليا في الناتج الداخلي الخام وتحقق نحو 30 بالمائة من حصيلة الصادرات وتستوعب ما يقارب 40 بالمائة من الساكنة النشيطة ونحو 80 بالمائة من القوى العاملة الريفية، ورغم ذلك مازالت بلادنا تعيش عجزا غذائيا ووضعية هشة جدا بخصوص أمنها الغذائي، وقد ساهم تكرار حدوث الجفاف في تعميق الإشكالية على امتداد العقدين الماضيين. وها هو المغرب قد أضحى حاليا من كبار مستوردي الغذاء، فهو يجلب من الخارج، القمح والزيوت والسكر ومشتقات الحليب، بعد أن كان، في القديم، ينتج فائضا من الحبوب ويصدره إلى الخارج. وتعد بلدان الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الرئيسي للمغرب الذي يتم أيضا استيراد بعض مواد استهلاكه الأساسية من أمريكا وكندا وغيرها. "المجاعة الجديدة" يرى الكثير من الخبراء في المجال، أن الارتفاع المستمر في أسعار المواد الغذائية الأساسية، من شأنه أن يؤدي إلى ظهور وجه جديد للمجاعة وبروز فئات جديدة من المحتاجين ليس بحوزتهم الوسائل المادية الكفيلة لولوج سوق الغذاء، علما أن ارتفاع سعر النفط له تأثير مباشر على مجمل سلسلة الإنتاج الغذائي: أسمدة، المحصول الزراعي، التخزين، التوزيع والتسويق... وهذا ما أقرت به "بيتينا لشور"، الناطقة الرسمية باسم المنظمة العالمية للزراعة والأغذية في تصريحها الأخير، إذ قالت: "تبقى الدول التي تستورد ما تحتاجه من مواد غذائية هي الأكثر تعرضا للأزمة الغذائية"، والمغرب أضحى واحدا منها منذ التسعينات. كل المجهودات ذهبت سدى كان الغرض الرئيسي من الدعم الممنوح للقطاع الفلاحي عندنا هو المحافظة على مستوى معين من الإنتاج المحلي من المواد الغذائية الأساسية وزيادة التصدير بخصوص منتوجات غذائية أخرى، وذلك لتمويل الواردات الغذائية، وتعد هذه الاستراتيجية بالغة الأهمية لبلد مثل المغرب لضمان أمنه الغذائي باعتبار أن أكثر من 40 بالمائة من ساكنته يعيشون من الفلاحة كمصدر دخلهم الوحيد. وقد لوحظ تزايد واردات المغرب الغذائية منذ اعتماده برنامج التكيف الهيكلي المتزامن مع بداية التراجع على دعم الزراعة والتقليل من تدخل الدولة فيها بدءا من أواخر الثمانينات، بعد أن كانت فاعلا أساسيا في القطاع الفلاحي وصرفت عليه أموالا طائلة ضمن مخططات متوسطة وقصيرة المدى، فهل كل هذه المجهودات ذهبت سدى، ما دام المغرب يعتمد حاليا على الخارج لإشباع حاجيات ساكنته من مواد الاستهلاك الأساسية؟ قدر المكتب الوطني للحبوب والقطاني حاجيات المغرب بخصوص الحبوب في 60.5 مليون قنطار منذ يونيو 2007، وبذلك برمج استيراد 30 مليون قنطارا من القمح الطري على امتداد 10 شهور و15 مليون قنطارا من الذرة على امتداد 12 شهرا و7 ملايين قنطارا من القمح الصلب على امتداد 10 أشهر، ولتشجيع الاستيراد عملت الحكومة على تخفيض الرسوم الجمركية من 60 إلى 30 بالمائة. لكن الإشكالية ستتعمق أكثر مع حلول سنة 2010 المؤذنة بانهيار كل الحواجز أمام المنتوجات والخدمات. من الاكتفاء الذاتي إلى الأمن الغذائي ارتبط مفهوم "الأمن الغذائي" بالاكتفاء الذاتي والسلاح الغذائي والسيادة الغذائية، ولعل آخر مفهوم تمت بلورته بهذا الخصوص هو الأمن الصحي للمواد الاستهلاكية. ويرى الباحث الخبير الدولي، محمد باجدي، أن "اللا أمن الغذائي" يعني وضعية يتعذر فيها على الناس الوصول إلى كميات كافية من المواد الغذائية، وبالتالي لا يستهلكون الكميات اللازمة لنمو عادي تضمن شروط حياة صحية ونشيطة. ومن المعلوم أن المغرب سبق أن نادى منذ عقود بضرورة ضمان الاكتفاء الذاتي في مجال الغذاء، فلماذا تم المرور من مفهوم الاكتفاء الذاتي إلى مفهوم الأمن الغذائي، وهو تغيير لا يهم الشعارات فقط وإنما الأهداف والغايات؟ ففي البداية شكل بلوغ الاكتفاء الذاتي هدفا بموازاة تقليص الواردات الغذائية ما دامت الغاية قد رامت توفير العملة الصعبة لتوجيهها لمشاريع أخرى، إلا أنه مع مرور السنوات تأكد بأن الاكتفاء الذاتي يصعب الوصول إليه في ظل غياب الشروط الموضوعية ذات الصلة بالعوامل والإمكانيات الطبيعية المتوفرة والسياسات المتبعة، مما فرض تغيير الشعار من الاكتفاء الذاتي إلى الأمن الغذائي. تحددت نسبة الاكتفاء الذاتي الغذائي، بخصوص مواد الاستهلاك الأساسية، في المتوسط في 80 بالمائة بالنسبة للحبوب و60 بالمائة بالنسبة للسكر و35 بالمائة بخصوص الزيوت و85 بالمائة فيما يرتبط بالحليب ومشتقاته و100 بالمائة بالنسبة للحوم، علما أن هذه النسبة ظلت رهينة بجملة من العوامل، على رأسها، المناخ وقلة الأراضي الزراعية وندرة المياه وانعكاسات العولمة، هذا إضافة إلى الوضعية الهشة للقطاع الفلاحي. في عرف المنظمة العالمية للأغذية والزراعة، يجري تعريف الأمن الغذائي على ثلاثة مستويات، الأمن الغذائي الفردي ويعني مدى قدرة الفرد على الحصول على غذاء متوازن، والأمن الغذائي الأسري ويتعلق بالتوزيع الغذائي بين أفراد الأسرة الواحدة، والأمن الغذائي على الصعيد الوطني والذي يعني قدرة الدولة على تأمين الغذاء للمواطنين. وبالتالي فإن الأمن الغذائي لا يعني وفرة الغذاء عبر الإنتاج أو الاستيراد، وإنما يطرح كذلك مشكل التوزيع بين الفئات في المجتمع. اتضح العجز الغذائي بالمغرب منذ التسعينات، ففيما بين 1990 و1998 ازدادت قيمة الواردات الغذائية ما بين 50 و100 بالمائة. وتأكد أنه رغم الدور المهم والرئيسي الذي مازال يقوم به القطاع الفلاحي في المنظومة الاقتصادية لا يمكن تحقيق تقدم ملموس في تفعيل عجلة النمو الاقتصادي والدفع بها والتخفيف من حدة الفقر وتعزيز الأمن الغذائي دون زيادة النهوض بإمكانيات القطاع الفلاحي وزيادة مساهمته في تحقيق التنمية الاقتصادية العامة. العجز الغذائي بلغ عامل التغطية (الميزان التجاري) 51 بالمائة فقط برسم سنة 2007 مقابل 85.5 بالمائة سنة 2006، علما أن استيراد المواد الغذائية مثلث 7.1 بالمائة ومواد الاستهلاك 19 بالمائة. وبلغ العجز الغذائي في 2005 - 2006 ما يناهز 60 بالمائة، ومرة أخرى، وكما فعل سابقوه، أمر عزيز أخنوش بالقيام بدراسة قبل اتخاذ أي إجراء عملي، وساهم صندوق الحسن الثاني في تمويل هذه الدراسة بتوفير غلاف مالي قدره 25 مليون درهما. فكل وزير فلاحة جديد، حال جلوسه على الكرسي، يأمر بإجراء دراسة، وأضحت الوزارة تتوفر على عشرات الدراسات، هذا في وقت ينتظر فيه الفلاحون إجراءات عملية يعاينون نتائجها على أرض الواقع المعيش. إن العجز الغذائي ظل يتسع، ومما ساهم في تكريس هذا المسار تصاعد أسعار الكثير من المواد الغذائية. فالحبوب ازداد سعرها في الأسواق العالمية بفعل انهيار المخزون العالمي سنة 2007، وسيستمر هذا الارتفاع، حسب الخبراء، إلى حدود يونيو 2008 على الأقل، وهذا ما دفع الحكومة إلى الأخذ بعين الاعتبار هذا المعطى في ميزانية 2008، إلا أنها أخطأت التقدير كثيرا بخصوص تطور أسعار النفط مما سيؤدي لا محالة إلى خلق أزمة خانقة بدأت معالمها تبرز منذ الآن. يبدو أن السبب الرئيسي للعجز الغذائي، ضعف القدرة الشرائية للفئات الفقيرة، لذا ارتأى الكثيرون أن أول ما يجب القيام به هو العمل على رفع القدرة الشرائية لأوسع فئات الساكنة لتمكينها من اقتناء المواد الرئيسية التي تحتاجها، وكذلك توجيه الزراعة إلى السوق الداخلية لضمان استقرار الأسعار والتقليل من انعكاسات تقلبات الأسواق الخارجية، وخلق أنشطة غير زراعية بالبوادي وتشجيع إنشاء مقاولات صغرى ومتوسطة بها. فمنذ حصول المغرب على استقلاله لم يتحول جوهر المنظومة الفلاحية المغربية وظلت تتطور في إطار معالم استراتيجية حددها المستعمر، إذ إن مختلف السياسات الفلاحية والسقوية سارت في اتجاه واحد، دعم الزراعة العصرية والمنتوجات المرصودة للأسواق الخارجية، وبالتالي ظل المستفيدون هم كبار الملاكين العقاريين على حساب الزراعة المعيشية المرتبطة بالسوق المحلية والأغلبية الساحقة للفلاحين، مما أدى إلى تفاقم الهجرة إلى الحواضر وتعميق العجز الغذائي وغياب إصلاح زراعي حقيقي. نظرة إلى الوراء في الستينات والسبعينات تدخل القائمون على الأمور بقوة في مجال الاختيارات المتعلقة بالقطاع الفلاحي دون أية استشارة شعبية ودون إشراك من يهمهم الأمر بالدرجة الأولى، آنذاك طبعت السياسة الاقتصادية باعتماد وصفة تعويض الواردات في وقت كانت فيه الدولة تتحكم بيد من حديد في القطاع الفلاحي عبر تحديد الأسعار والتقرير بخصوصها بواسطة اتخاذ جملة من الإجراءات الإدارية. لكن منذ الثمانينات، تم اعتماد سياسة إعادة الهيكلة (التكيف الهيكلي) المفروضة على المغرب من طرف البنك وصندوق النقد الدوليين. وفي العقدين الأخيرين، تخلت الدولة عن أغلب مهامها في القطاع باعتمادها سياسة التحرير (سياسة التخلي في واقع الأمر) بعد انخراط المغرب في "الكاط 1987" و"جولة الأورغواي" مما فرض عليه المزيد من الإصلاحات بمنظور خارجي وليس من منظور نابع من المجتمع المغربي، باعتبار أن الهدف واحد لا ثاني له، التحرير والانفتاح. ففي التسعينات طرأت ثلاثة تغييرات كبيرة أنتجت انعكاسات جوهرية على القطاع الفلاحي، وهي: سياسة التكيف الهيكلي وتغيير اتفاقية التعاون مع الاتحاد الأوروبي بعد انضمام إسبانيا والبرتغال إليه (منافسي المغرب في السوق الأوروبية) ومفاوضات "جولة الأوروغواي". مقاربات واستراتيجية خلال المؤتمر العالمي للتغذية المنعقد سنة 1996 أخذ المغرب على عاتقه تخفيض عدد الأشخاص الذين يعانون سوء التغذية إلى النصف في أفق 2015، ولبلوغ هذا الهدف اعتمد، بدعم من المنظمة العالمية للأغذية والزراعة، برنامج مشاريع تنموية قروية جديدة (البرنامج الخاص للأمن الغذائي "PSSA")، وهو برنامج يعتمد مقاربة جديدة للتنمية القروية ترعى الخصوصية والطابع المحلي والليونة الكافية في اتخاذ القرار واختيار التكنولوجيا الأكثر ملاءمة. وبالرغم من تحقيق بعض النتائج في منطقة الحوز فيما بين 1999 و2001 إلا أن وزارة الفلاحة لم تستفد منها للعمل على تعميمها. وتأكد مرة أخرى أن اعتماد استراتيجية تحرص على الأمن الغذائي تستوجب الإقرار بسياسة فعلية لمكافحة الفقر، والتي بدورها تتطلب تحديد جملة من الأولويات المالية المعبرة عن اختيارات سياسية واستراتيجية تدعم، في ذات الوقت، النمو الاقتصادي المُؤمِّن لدخل قار يُمكِّن من ضمان إشباع الحاجيات الأساسية وعدالة توزيع جغرافي للخدمات الاجتماعية والثقافية والاستثمار في الرأسمال البشري. السلاح الغذائي والمساعدة الأمريكية منذ سنوات تبين بجلاء أن الولاياتالمتحدة أضحت تستعمل الغذاء كسلاح للضغط، وهذا ما تأكد من خلال مفاوضاتها مع "بيونغ يانغ" الكوري الشمالي. كما سبق لخبراء المخابرات المركزية الأمريكية "سي.يي.يا" وكبار المسؤولين في الصناعات الغذائية الأمريكية أن ذكّروا البيت الأبيض والرئيس الأمريكي بالقول: "إذا تمكنا من مراقبة التغذية، سنمتلك سلاحا سياسيا أكثر قوة وفعالية في العالم". وموازاة مع استعمال الغذاء كسلاح تستعمل الولاياتالمتحدة المساعدات كوسيلة لخدمة مصالحها والتأثير على صناعة القرار بالمغرب. وفي هذا الإطار خصص "الميلينيوم سلانج كوربورايشن" (MCC) الأمريكي 700 مليون دولار (5.5 مليار درهم تقريبا) للاقتصاد المغربي، 300 مليون دولار منها موجهة إلى القطاع الفلاحي، وذلك لدعم مشاريع زراعية غير مستهلكة لكميات كبيرة من الماء (أشجار الفواكه) بغية تعويض زراعة الحبوب بالنخيل وأشجار اللوز والزيتون والتين. ومن المفارقات الغريبة أن المغرب يمنح مساعدات لبعض الدول الإفريقية، وهو في حاجة للمساعدات الأمريكية. رأي عبد السلام الذباغ يرى عبد السلام الذباغ، الأستاذ بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، أن المغرب لم يبتعد عما كان سائدا في العالم الثالث في الخمسينات والستينات، إذ بدأ باعتماد التخطيط قبل أن تشرع الدولة في التراجع عنه، لكن إذا ربطنا الأمن الغذائي بالسياسة الفلاحية وسياسة التجارة الخارجية، فسنلاحظ أن الفلاحة احتلت مكانة جوهرية حيث ارتكزت على بناء السدود وخلق المناطق السقوية، إلا أنه حدث خلل كبير في ربط هذا التوجه بالاستثمار الزراعي ومواكبته للمنجزات، مما أحدث فجوات إنتاجية كبيرة وصلت أحيانا إلى 50 بالمائة، وبعد أن حظيت الفلاحة التصديرية، وما رافق هذا الاختيار من مشاكل كثيرة، أدت اليوم إلى استيراد منتجات غذائية تعتبر ركيزة نمط الاستهلاك بالنسبة لأغلبية ساكنة المغرب، وكانت أسعارها في البداية منخفضة مقارنة بتلك المعمول بها في المغرب، مما طرح ضرورة استغلال الامتياز المقارن عبر إعادة النظر في الخريطة الزراعية، علما أن الأمر الغذائي يقتضي إيلاء أهمية كبرى للفلاحة المعيشية عبر الاستغلاليات الصغرى والمتوسطة، إلا أن جملة من المعوقات ظلت حاضرة بقوة، منها البنية العقارية الزراعية وندرة المياه وتعذر الحصول على التمويل والقروض من الأبناك. وبخصوص ارتباط إشكالية حماية الأمن الغذائي والاتفاقيات التجارية المكرسة للتحرير والانفتاح، يرى عبد السلام الذباغ أن على المغرب أولا أن يتدارك الفجوة الإنتاجية قصد التوصل إلى الإنتاج بتكلفة قريبة من المستوى الدولي، على اعتبار أن خطر الانفتاح يتمثل في إمكانية استيراد منتوجات غذائية بسعر لا يتعدى نصف السعر المعمول به عندنا، استيراد الدواجن مثلا، وهذا يعتبر من التهديدات الأكيدة للإنتاج الوطني، لذا كان من الواجب على المغرب أن يستغل الفترة الانتقالية منذ إبرامه لاتفاقية التبادل الحر وقبل الإلغاء التام للحواجز الجمركية من أجل تأهيل الإنتاج الداخلي، وهنا تكمن المشكلة. هذا إضافة إلى ضرورة الحرص على التوازن بين الإنتاج الداخلي والمنتوجات الغذائية المستوردة. ويخلص عبد السلام الذباغ إلى القول، إن الشروط المثلى للأمن الغذائي بالمغرب تكمن في الاستثمار من أجل الاستغلال الأمثل والأكثر جدوى وفعالية للإمكانيات الطبيعية والتشغيل الأنجع للقدرات التقنية المتوفرة من أجل رفع مستوى الانتاجية مع احترام خصوصية كل جهة ومنطقة من مناطق المغرب، وأول ما يستوجبه، ضرورة ربط التجهيزات الهيدروفلاحية والاستثمار الفلاحي بالمتطلبات الداخلية، مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة توزيع الأراضي والبنيات العقارية القروية والعمل على توفير الشروط قصد التحكم في العلاقات التجارية مع الخارج للاقتصار على استيراد ما ليس متوفرا بالمغرب وتصدير ما يتوفر بامتياز مقارن. الارتباط العضوي بين الفقر والأمن الغذائي يرى محمد باجدي، الخبير الدولي في التنمية القروية واقتصاد البيئة ومستشار جملة من المنظمات الدولية، أنه بخصوص الوضعية الحالية للأمن الغذائي بالمغرب، تستقر نسبة الفقر في 14.20 بالمائة (حسب معطيات 2004)، بعد أن كانت 19 بالمائة سنة 1999 و13.1 بالمائة سنة 1991، وهذه النسب تبين أن عدد الفقراء ببلادنا سجل ارتفاعا نسبيا مستمرا. واعتبارا للترابط العضوي بين الفقر والأمن الغذائي، يمكن القول، إن سوء التغذية يمس على الأقل 4.2 ملايين من المغاربة، إلا أن هذا العدد يخفي فوارق كبيرة جدا بين المعدل الوطني المتعلق بسوء التغذية (وهو المقدر ب 14.2 بالمائة) من جهة، ومن جهة أخرى، الفرق بين العالم القروي الذي يعرف ما نسبته 27.2 بالمائة والحواضر ما نسبته 12 بالمائة، علما أن نسبة بالمناطق المغربية أكثر فقرا تفوق 40 بالمائة في بعض الجهات ويمكنها أن تصل إلى حدود 95 بالمائة في بعض البوادي بالمناطق المهمشة. ويلاحظ محمد باجدي كذلك، وجود فئات أكثر تضررا، 65.8 بالمائة منها بالبوادي و74.7 بالمائة أطفال لا يتجاوز عمرهم 15 سنة، وكلها فئات لا تستطيع ضمان الحد الأدنى الضروري للطعام. ثم يخلص إلى اعتبار أن إشكالية الأمن الغذائي لم تزد إلا استفحالا منذ الشروع في خفض دعم مواد الاستهلاك الأساسية، علما أن هذا الدعم لم يكن يستهدف الفئات الأكثر تضررا وإنما تستفيد منه جميع فئات المجتمع المغربي وبطريقة مختلة، وبذلك تزيد وضعية الفئات الأكثر تضررا هشاشة. ومن أجل مكافحة الفقر وتحسين وضعية الأمن الغذائي المستدام بالمغرب، يرى محمد باجدي وجوب تحسين القدرة الإنتاجية للبلاد، وموازاة مع ذلك خلق أجواء سياسية واجتماعية واقتصادية كفيلة بضمان مشاركة الجميع في صناعة القرار في إطار ديمقراطي تستند إلى حرية التعبير وحرية الاختيار والاعتراف بالاختلاف، وتجنيد الساكنة القروية لدعم مشروع مجتمعي يجعل كل واحد يشعر بدوره وبأنه معني بأمر القرار المتخذ ونتائجه. وبموازاة مع ذلك على الدولة أن تضطلع بالدور المرافق والمنشط للسياسات الاجتماعية الخاصة بالساكنة القروية الفقيرة. تمثل الفلاحة: 20 بالمائة من الناتج الداخلي الخام