سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عبد الصمد بلكبير نائب الأمين العام للحزب الاشتراكي الديمقراطي ل التجديد: استقالة اليوسفي انتكاسة للانتقال الديموقراطي ولا حل لمشاكل المغرب إلا بتكتل واسع
ربط الأستاذ عبد الصمد بلكبير استقالة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي بما جرى ويجري في الساحة السياسية المغربية، وخاصة في الانتخابات الأخيرة، وما عرفته من تحالفات وما أفرزته من مجالس وعمادات، وخلص إلى أن الاستقالة عبرت عن فشل الانتقال الديمقراطي وإخفاقه، ورفض عبد الصمد بلكبير في حواره مع التجديد تحميل الأحزاب السياسية وحدها ما وقع في الانتخابات الجماعية وما تلاها، قائلا: لا يمكن إرجاع المسؤولية إطلاقا إلى أي جهة خارج إدارة الدولة. وأكد أن خروج بلادنا من مختلف مظاهر أزماتها رهين بتكتل كل الأطراف التي تبتغي في مغرب اليوم إصلاح أحواله كلها، وكذلك بتشكيل حزب ديمقراطي كبير يوحد الكلمة على جملة مواثيق، يلتزم بها الجميع، مواثيق تنظيمية وسياسية وفكرية وكذلك أخلاقية، وفي ما يلي نص الحوار: بعد انتهاء المسلسل الانتخابي الطويل كيف تقيمون الوضع السياسي للبلاد؟ لن ننتظر من الانتخابات الأخيرة ما كان يفترض أن ننتظر، فمن جهة الرهان على الانتقال الديمقراطي كان من المفترض أن تشكل هذه الانتخابات شوطا ثانيا فيه؛ بحيث ننتقل من التناوب على الصعيد المركزي من الحكومة الوطنية إلى التناوب على صعيد الحكامة (الحكومات المحلية والجهوية)، وبالتالي استكمال حلقات الانتقال والإصلاح وورشا ته على مختلف الواجهات، ولا يبقى الوضع كما كان عليه نوع من العرج بين إدارة مركزية تهدف لغايات هي عموما إنقاذية وإصلاحية وتنموية، وإدارات محلية تعرقلها، لأنها كانت وما تزال تسير بنفس عقليات الماضي. ورهان ثان هو أن ترسخ ما عبر عنه العهد الجديد من إرادات وليس إرادة، وخصوصا حول مسألة الإدارة الترابية وتجديد عقليتها، وتجديد نمط مقاربتها لمختلف القضايا المسؤولة عنها محليا. وعلى العكس من كل ذلك أعادتنا الانتخابات الأخيرة، بمختلف مراحلها، القهقرى نحو ما قبل حكومة التناوب، وما قبل زمن التحضير لحكومة التناوب التوافقي، أي ما قبل سنة ,1992 وبالطبع فانتخابات مثل هذه لا تشكل استمرارا وامتدادا مصيرها الإخفاق والفشل، ولا يعني ذلك فشل التناوب لأنه ضرورة تاريخية، فإذا لم تستطع مرحلة معينة أن تنجزها، فليس معنى ذلك أنه يمكن تجاوزها، وإنما ستمثل عثرة ستفرض وسائل أخرى نرجو أن تكون أقل مأساوية لفرض منطق التناوب، الذي يفترض دائما أن يكون توافقيا، ولكن الجديد الذي علينا أن نترقبه هو أطراف التوافق المقبلة التي يمكن أن لا تكون هي نفسها الأطراف التي عقدت التوافق السابق. لقد كشفت الانتخابات الأخيرة عن أزمة حقيقية تحياها الأحزاب السياسية، تجسدت بوضوح في تدبير التحالفات وقبل ذلك في الترشيحات وما إلى ذلك، ألا يمكن اعتبار الأحزاب سببا أو من بين الأسباب فيما تحدثتم عنه؟ كلمة الأحزاب كلمة ميتافزيقية لا معنى لها لأنها تجمع بين ما لا يجتمع، فهناك أحزاب سياسية حقيقية وهناك أحزاب مصطنعة، أسماؤها متعددة ولكن مسماها واحد، فإذا التناقض المركزي داخل الصف السياسي المغربي هو بين طرفين أحدهما فعلا له جذور في التاريخ والمجتمع، وله شرعية ومشروعية، وآخر عبارة عن كراكيزتتحرك بخيوط، وأقنعة تتعدد بتعدد الوظائف، وبالتالي لا يمكننا أن نتحدث هكذا عن أحزاب في المغرب، فهناك أحزاب ديمقراطية وهناك أحزاب إدارية. أما مسألة التحالفات وما شاكلها فمرتبطة بما ذكرنا، فالحديث عن نزاهة الانتخابات وموضوعيتها وحريتها وما إلى ذلك يمكن القول إننا تقدمنا فيه قليلا، ولكن ما لم نتقدم فيه إطلاقا هو تدخل الإدارة في الانتخابات باعتباره المعضلة الحقيقة في مغرب اليوم، فثمة مؤشرات، بما فيها الموقف من حزب العدالة والتنمية، تدل على أن الإدارة لها رأي ولا حق لها في أن يكون لها رأي في مختلف مراحل الانتخابات بما في ذلك عمد المدن ومكاتب مجالس المدن وما إلى ذلك، فإذن الانتخابات فاسدة ولا يمكن إرجاع المسؤولية إطلاقا إلى أي جهة خارج إدارة الدولة. مقاطعا، لكن الواقع أثبت أن الفروق بين الأحزاب التي ذكرت باتت جد ضيقة، وقد ظهر ذلك جليا في إدارة التحالفات وتشكيل المكاتب المسيرة لمجالس المدن والقرى يد الداخلية وإدارتها موجودة في كل السلوكات التي يمكن أن تتحدث عنها، فمادامت الإدارة متدخلة، وهي الطرف الأقوى على جميع المستويات، فيصعب أن نميز بين السلوك النابي حقا وصدقا من قبل حزب ما، وقيادته المحلية والوطنية، وبين التوجيهات المباشرة أو غير المباشرة التي يمكن أن تأتيه من خارجه. أنا لا يمكن أن أوحد في المسؤولية بين صانع ومتخذ القرار وضحيته، فمادامت الإدارة لها رأي ولها تدخل فيصعب أن أميز بين اللحظة التي تدخلت فيها واللحظة التي تصرف فيها الحزب أو مناضليه في جهة أو إقليم، ولو وقفت لك على حالات بعينها لأثبت لك في حالة مراكش التي أعرفها أن ما تعتبره الصحافة أو ما قد يعتبره الناس الذين لا يعرفون سلوكا صادرا من قيادة حزب أثبت بأنه ليس كذلك، لأن هناك عناصر وأشخاص ومصالح وضغوطات وتوجيهات وتدبيرات تصرفت لكي تأتي النتيجة بالصيغة التي أتت بها، وتبدو وكأنها إرادة مجتمع من خلال إرادة حزب، وليست إرادة إدارة. الإدارة التي مازالت نفسها المشكلة القديمة، أما حرية الانتخابات ونزاهتها وموضوعيتها مرتبطة بأن تنسحب أيدي إدارة التراب الوطني بشكل مطلق من أي مستوى أو صيغة من صيغ التدبير، بما في ذلك تلك التي يسمونها بالتأطير الإيجابي، والذي يثبت منطق الوقائع أنه تأطير شامل. هل يمكن أن نربط استقالة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي من حزب الاتحاد الاشتراكي واعتزاله العمل السياسي بهذا الذي أشرت إليه؟ ذلك من المؤكد بالنسبة إلي، ولكن الخطأ هنا في نظري فيه جانبان: الأول أن اليوسفي عمليا كان هو وكثير من أطراف حزبه ينتظر أن يكون ذلك التأطيرالإيجابي لصالحه كحزب ككل أو لصالح جناحه داخله، لكن الأمور سارت نتيجة تناقضات إدارة التراب الوطني أو إدارة الدولة عموما، أو نتيجة توافقات ربما استراتيجية تمكنت من أن تظهر أن بينها تناقضات نتيجة هذا الاحتمال أو ذاك، لم تجعل من الانتخابات الأخيرة ولم تسمح أن تكون ممرا نحو الطور الثاني أو الشوط الثاني من الانتقال الديمقراطي. الثاني بالرغم من كون الاستقالة استقالة احتجاجية بما في الاحتجاج من درجات، فهي بالنسبة للمواطنين تنبيهية وتحفيزية، لكي يناقشوا ويفكروا ويعيدوا النظر، وهي بالنسبة للإدارة في اعتقادي احتجاج، لأن الطرف الذي عقد التحالف التوافقي أخل به في المرحلة الثانية من أشواط الانتقال. الاستقالة تقول إن الانتقال الديمقراطي قد أخفق وفشل، قد طوي ورجعنا القهقرى نحو ما قبل التوافق وبالتالي على الجميع أن يتحمل مسؤولياته، وأن يرتب على تلك المسؤوليات النتائج المنطقية. كثرت التأويلات لاستقالة واعتزال الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي العمل السياسي وهناك من المتابعين من ربطها بأزمة اليسار في المغرب، خاصة بعد نتائج حكومة التناوب المتواضعة؟ كيف تعلقون على هذا الرأي؟ أولا حصيلة التناوب لم تكن متواضعة بل كانت على العكس من ذلك موفقة جدا ويجب أن نحتسب عندما يكون الأمر متصلا بالسياسة أن نتكلم عن السياسة، والذي يعيش الحصيلة ويعيها هم الذين كانوا مسؤولين قبل حكومة التناوب، فالأهم بغض النظر عن التفاصيل والجزئيات في ما يخص مختلف الأوراش، أن المغرب الذي كان مهدد بالسكتة القلبية خرج من غرفة الإنعاش، وتمكن من إجراء انتخابات وإلا كنا في ما هو أسوء، والمأساة الآن أننا في الطريق نحو الأسوأ، ولذلك فالأزمة ليست أزمة يسار لأن اليسار تصرف بنبل مع الأطراف المسؤولة عن مآسي المغرب السابق، وتحمل مسؤولياته بروح وطنية وبروح التضحية، بما في ذلك التضحية بالذات من أجل إنقاذ الوطن، والمفترض أن الأحزاب كانت يسارية أو غير يسارية موجودة من أجل خدمة الوطن وخدمة الدولة والشعب، لا من أجل خدمة ذاتها. وقد يفرض برنامج العمل أن تؤدي الثمن من جسدك وهذا ما وقع لليسار، وهو ما يشكل مفخرة له ويعتز به، لكن تم التخلي عن العقد وتم فسخه، فرجعنا إلى ما قبل التناوب التوافقي وأجهضت التجربة. كان الظاهر يوحي بأن الطريق سالك لليازغي لقيادة الاتحاد الاشتراكي في المرحلة المقبلة، فدخل فجأة عبد الواحد الراضي على الخط، أليس ذلك عنوان لصراع جناحين داخل الحزب جناح التوافقات والجناح المنعوت بالإقصائي؟ مع الأسف برنامج الانتقال الديمقراطي الذي كان سيصلح الدولة والأحزاب السياسية والمجتمع، في سيرورة ربما تكون متوسطة أو طويلة، هذا البرنامج ارتد بالعكس وإذا كان الانتقال لعب أدوارا إيجابية في المرحلة الأولى في تخليص إدارة الدولة من بعض رموز فسادها، وكان من المفروض أن ينعكس ذلك في الشوط الثاني على الأحزاب السياسية وعلى النقابات بما يؤدي إلى شفافية ووضوح ونظافة في الخريطة الحزبية والنقابية وما إلى ذلك. الآن، بعد الذي وقع في الانتخابات الأخيرة، سيرتد بالسلب وبالعكس على الجميع، فنزداد تمزقا وبلقنة، وسنزداد فسادا وإفسادا، أولا على صعيد المجتمع في انتظار أن ينعكس ذلك بالحتم على صعيد إدارة الدولة نفسها، ولهذا يجب أن يفسر الجزء بالكل وليس العكس، إنما يقع للاتحاد الاشتراكي هو انعكاس لما يقع على صعيد البلد ككل. ومن المؤكد أن الذين خططوا ودبروا أو الذين وقعوا عفوا في تخطيط يتجاوزهم، لأن ثمة منطق للتاريخ من جهة وثمة إرادة الأجنبي من جهة أخرى، لأن المغرب محط تناقض وصراع بين استراتيجيات دولية، تنعكس على صراعات إداراته وأيضا فإن صراعات إدارة دولته تنعكس سلبا على إدارات مجتمعه أي الأحزاب السياسية والنقابات. ولهذا، فإن ما يبدو من مؤشرات سلبية على صعيد حزب الاتحاد الاشتراكي هو جزء من سيرورة من المؤكد أنها ستكون مظلمة بالنسبة لتجربة الجميع، ولعلها تكون ضربة يقظة للجميع قد تسمح للمجتمع أن يعود لنفسه، ويصلح ما بحاله ليس بداية من إصلاح الدولة ولكن عن طريق إصلاح المجتمع أولا، وأعتقد أن مشكلة حزب الاتحاد الاشتراكي ستنعكس على الجميع، خاصة وأنه كان ينتظر منه أن يجمع أطراف يساره التي لم يعد يفرقها فارق، الآن أصبح مطروحا عليه أن يحافظ على وحدته واتحاده قبل كل شيء، فالمرحلة سيئة جدا ومن المؤكد أن الجميع سيعاني منها وليس فقط الاتحاد الاشتراكي بهذه المناسبة ما هي الرسالة التي توجهونها إلى الأحزاب السياسية؟ على الأحزاب السياسية الحقيقية التي لها ذاكرة وخيال ومصداقية ولها مناضلون حقيقيون، أن تستوعب المرحلة الجديدة وتنتبه للاختراقات داخلها. ويفترض في الأحزاب السياسية أن تحل مشاكلها الخاصة عن طريق تفعيلها نحو حلها في إطار عملي وحدوي، ولا حل لمشاكل الدولة المغربية ومشاكل المجتمع المغربي إلا بوحدة واسعة، تكتل واسع يوحد بذكاء ونباهة وبعد نظر كل الأطراف التي تتغيى في مغرب اليوم إصلاح أحواله كلها، ولا يمكن لأي هيئة بمفردها أن تحل مشاكلها الداخلية بعيدا عن دمجها أو إدماجها ضمن الكل. فإذا كانت ثمة إرادة لكل حزب، بما بقي فيه من مناضليه الحقيقيين الذين يراهنون على الثقة بأنفسهم وبالمجتمع من أجل حل مشاكله ومشاكل الدولة أيضا، ينبغي لهؤلاء أن يبحث كل واحد عن نظيره في بقية الأحزاب الديمقراطية، وأن توحد الكلمة على جملة مواثيق، يلتزم بها الجميع، مواثيق تنظيمية وسياسية وفكرية وكذلك أخلاقية، وعندئذ نبني حزبا ديمقراطيا كبيرا، هو وحده الكفيل بأن يسهم في الخروج ببلادنا من مختلف مظاهر أزماتها، والتي لا يبدو في الآفاق القريبة أو المتوسطة أننا يمكن أن نخرج منها بغير هذه الوسيلة، لأن مآلات إيديولوجية التكنوقراط وسياستهم معروفة في تجارب أخرى خارج منطقتنا. أجرى الحوار محمد عياديي