حملت جولة وليام بيرنز مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لكل من المغرب والجزائر نهاية الأسبوع الماضي وبداية الأسبوع الجاري بعضا من المستجدات في السياسة الأمريكية تجاه قضية الصحراء المغربية والعلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وخاصة ما ارتبط بثلاث قضايا، مدى التراجع عن الانحراف الذي عرفه الموقف الأمريكي عندما أقدم في يوليوز المنصرم على الدفع بمشروع قرار يتضمن تبنيا لخطة بيكر للسلام وسعيا لفرضها على المغرب من جهة أولى، ومستوى جدية الدعم الاقتصادي والتنموي الأمريكي للمغرب من جهة ثانية، ثم صدقية المساعدة العسكرية الأميركية للمغرب والمطروحة منذ زيارة وزير الدفاع الأميركي الأسبق وليام كوهن في شتنبر1998 من جهة ثالثة.في مختلف هذه النقط عملت تصريحات المسؤول الأمريكي بالرباط على تقديم مؤشرات مراجعة لها. قضية الصحراء والموقف الجديد فمن ناحية أولى تم تأكيد الإعلان الرسمي عن عدم السعي لفرض حل لقضية الصحراء على الأطراف، فأمريكا لا تريد فرض حل على المغرب أو الجزائر لكنها تشجع حلاً سياسياً سلميا، وهو موقف جرى التعبير عنه في نهاية شتنبر الماضي بشكل غير رسمي حيث أحالت وكالات الأنباء على مسؤول أمريكي رفض الكشف عن اسمه وقام بالتعليق على نتائج لقاء الملك محمد السادس بالرئيس الأميركي جورج بوش بنيويورك من أن أمريكا لن تؤيد فرض حل على الأطراف، ويؤكد ذلك أيضا أن مشروع القرار الأمريكي الذي قدم لمجلس الأمن مؤخرا من أجل التقرير في مستقبل بعثة المينورسو والتي ستنتهي ولايتها نهاية أكتوبر الجاري اتسم بحياد أكبر ونزوع نحو تأكيد خيار الوساطة، والموقف الأمريكي الذي جدد التعبير عنه وليام بيرنز بكل من الجزائر والمغرب يكشف عن إرهاصات تحول دال بل إن بيرنز في تصريحه الصحافي الرسمي لم يقدم على التطرق لخطة بيكر مؤكدا على حث أمريكا للأطراف على العمل البناء مع الأممالمتحدة ومع بعضها البعض لإيجاد مخرج، وهو موقف يعبر عن فعالية الدعم الفرنسي للمغرب والذي أربك حسابات الموقف الأمريكي في يوليوز المنصرم من جهة، وعن مراعاة لحدة الموقف المغربي الرافض لخطة بيكر من جهة أخرى، خاصة وأن الاستمرار في ذلك الخيار لا ينسجم مع وجود مسلسل مفاوضات حول اتفاقية تجارة حرة وانخراط مكثف للمغرب في استحقاقات السياسات الأمريكية تجاه المنطقة العربية والإسلامية، إلا أن هذا الموقف يبقى دون أثر كبير مادامت المشكلة في خطة بيكر نفسها وما يرتبط بذلك من ضرورة سحبها ومراجعتها بناءا على مبادئ الحل السياسي للنزاع، ونذكر في هذا الصدد بموقف سابق لبيرنز عبر عنه في نهاية يناير 2002 حيث ذرك في خطاب له بواشنطن أن الولاياتالمتحدة تؤيد جهود جيمس بيكر تأييدا تاما، و ينبغي على الأطراف المعنية نفسها أن تغتنم فرصة استعداده للمساعدة في تسوية النزاع(...)،و الأهم من كل شيء هو أنه يتوجب على جميع أطراف النزاع أن تتقبل منذ البداية أن عليها تقديم التنازلات والقبول بالحلول الوسط، ذلك أنه لن يحصل كل طرف على كل ما يريده(...) فالنزاع قابل للحل، ويجب حله كي تتمكن شعوب الصحراء الغربية و المملكة المغربية و الجزائر من تكريس طاقاتها لضمان الازدهار المشترك بدل تعزيز الشكاوى و المظالم، وهو موقف يفرض الانسجام معه مراجعة الوضعية الحالية للتدبير الأممي للنزاع بشكل جذري، ولهذا نعتقد أن أمريكا مدعوة للقيام بذلك بمعية بقية أعضاء مجلس الأمن. خلفيات رفع المساعدات غير العسكرية أما فيما يخص النقطة الثانية والمرتبطة بالجانب غير العسكري وعلى رأسه الملف الاقتصادي فالملاحظ أن الزيارة كشفت وجود تململ أولي لصالح رفع حجم المساعدات الاقتصادية للمغرب عبر الوعد برفعها بدءا من السنة القادمة إلى ما يناهز 40 مليون دولار، وارتبط ذلك برهانات ثقافية واقتصادية محددة، نذكر هنا أن المغرب كان من الدول التي تم فيها بحث إشكالية العلاقة بين أمريكا والعالم الإسلامي حيث تم إعداد تقرير مفصل رفع في بداية هذا الشهر بناء على طلب لجنة الاعتمادات المنبثقة عن مجلس النواب وكلّف به وزير الخارجية كولن باول، لفحص جهود الولاياتالمتحدة للاتصال بالجماهير في العالمين العربي والإسلامي، وقد ترأس التحقيق مساعد وزير الخارجية السابق وسفير الولاياتالمتحدة لدى سورية وإسرائيل، إدوراد دجيريجيان، والتي ظهر فيها وجود مستويات عالية من الرفض وعدم القبول بالسياسات الأمريكية في العالم العربي والإسلامي، وخلص إلى أن الولاياتالمتحدة لم تأخذ الوقت الكافي لدراسة جمهورها، كما أنها لم تأبه لمساعدته على أن يفهمها، ولا يسعها تقبل مثل هذا التقصير، وهو ما عززته أحداث 16 ماي وما تلاها من محاكمات، كما نذكر ارتباطها برهانات دعم تطبيق مشروع منطقة التجارة الحرة، إلا أن الملاحظ هو أن الرقم الحالي يبقى هزيلا بالمقارنة مع دول أخرى، كما يبقى مسألة مستقبلية مادامت الميزانية الأمريكية الخاصة بسنة 2004 قد قرر فيها دعم بقيمة لا تتجاوز العشرة ملايين دولار منها ما يناهز 6مليون دولار كمساعدة تنموية وحوالي أربعة مليون دولار كمساعدة خاصة ببرامج بعثة السلام، وللإشارة فقد تقلصت بشكل نسبي بالمقارنة مع سنتي 2003 (أزيد من 10 مليون دولار) و2002 (حوالي 15مليون دولار)، وإذ نناقش قيمة هذه المساعدات فليس بدافع من الرغبة في رفعها بل للتدليل على تناقضات الخطاب الرسمي الأمريكي إزاء العالم العربي والإسلامي والذي يرفع شعارات كبيرة في الشراكة والتعاون دون أن تصدق ذلك الميزانيات المخصصة والمبرمجة. المساعدة العسكرية و أثر 16 ماي وعلى مستوى ثالث نجد أن خطابه في المجال العسكري قد عبر فيه عن نية لرفع المساعدات العسكرية إلى المغرب إلى 20 مليون دولار وإعلان التطلع الأمريكي إلى تعزيز التعاون العسكري في السنوات المقبلة مع القوات العسكرية المغربية من أجل رفع قدرات المغرب لتحديث أجهزته ومراقبة شواطئه كما ورد في نص تصريح بيرنز في الندوة الصحفية التي حجرت أمس الثلاثاء بالرباط، وهو توجه كان منتظرا بعد تفجيرات 16ماي وبرزت إرهاصاته في الميزانية المخصصة للمغرب في المجال العسكري لسنة 2004 حيث رفعت قيمة المساعدات إلى 11,75 مليون دولار بعد أن كانت في السنة المالية 2003 ما قيمته 8,5 مليون دولار، وبرر هذا الرفع بملف الخلية النائمة، بمعنى أن تفجيرات 16 ماي ستكون هي الأخرى دافعا لمراجعة هذا الجانب وهو ما برز في تصريح بيرنز المشار إليه آنفا الذي نص على مسألة التحديث ومراقبة الشواطئ، فإن هذا التطور يوازي المسعى الأمريكي لتقوية النشاط العسكري مع الجزائر، فرغم نفى بيرنز وجود أي خطة أو نية لإقامة قاعدة أميركية في الجزائر وذلك في الندوة الصحفية التي نظمها بالجزائر إلا أنه أكد أن واشنطن وفرت للجزائر دعما عسكرياً وباعتها عتاداً عسكرياً غير هجومي، ويذكر هنا أن نشرة ماغرب كونفيدونسيال في عددها620 ليوم 16أكتوبر الجاري، نشرت خبر إقدام الولاياتالمتحدة الأمركية على إرساء قاعدة عسكرية جوية بتمانراست تحت غطاء إنساني، وأضافت النشرة بناء على معطيات استجمعتها النشرة، أن واشنطن تستثمر أكثر في المنطقة الصحراوية لاعتبارات أمنية تتمثل في مكافحة الإرهاب ومراقبة الحقول النفطية للشركات الأمريكية. لقد حملت جولة بيرنز بكل من المغرب والجزائر عناصر تحول أولي في الموقف الأمريكي إزاء المنطقة، وهي تحولات رغم أهميتها بالنظر للتدبير المختل للأمين العام كوفي عنان لقضية الصحراء إلى أنها تحتاج لجرأة أكبر للدفع في مراجعة جذرية لهذا التدبير. مصطفى الخلفي