قبل حوالي أسبوعين استضاف الصحافي المقتدر غسان بن جدو، بقناة الجزيرة وعبر برنامجه الرائع حوار مفتوح، الشيخ حارث الضاري، أمين عام هيئة علماء المسلمين بالعراق؛ وفي أثناء حديثه عن الجهات المتورطة في الإرهاب الأعمى الذي أخذ يأتي على الأخضر واليابس في بلاد الرافدين، ألمح فضيلته إلى ضلوع ميلشيا بعض الأحزاب في العديد من هذه العمليات الإجرامية، مع إبداء التحفظ عن نعتها بالإسم لأن المصلحة العليا للبلاد تقتضي التكتم مؤقتا. حينها بادره صاحب البرنامج باستفسار حول ما إذا كانت هذه الأحزاب المعنية مشاركة في الحكومة الحالية، فأجاب الشيخ بالتأكيد. وقد كان واضحا تلميح الشيخ حارث الضاري إلى قوات البشمركة الكردية، وبالأخص إلى ما يسمى بقوات بدر الجناح العسكري للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية بالعراق بزعامة عبد العزيز الحكيم. لكن انتظار المتتبعين لم يدم طويلا، إذ سرعان ما عقدت هيئة علماء المسلمين ندوة صحافية بمشاركة مسؤول ديوان الوقف السني وأمين عام الحزب الإسلامي يوم الأربعاء 81 ماي الجاري، حيث لم يتردد الشيخ الضاري في توجيه أصابع الاتهام، بصراحته المعهودة ومن دون مواربة، للميلشيات الشيعية المسماة قوات بدر. ويبدو أن فظاعة الجرائم التي اقترفتها هذه الميلشيات بأزياء رسمية، تارة تحت مسمى الحرس الوطني وأخرى باسم شرطة المغاوير وثالثة ضمن لواء الذئب التابع لوزارة الداخلية التي آلت في التقسيم الطائفي إلى أحفاد بن العلقمي؛ هي التي أخرجت ممثلي السنة عن صمتهم، خاصة بعد الاستهداف الممنهج لأئمتهم ومساجدهم على امتداد التراب العراقي؛ والذي بلغ ذروته في الآونة الأخيرة حيث تم اغتيال عدد ليس بالقليل منهم، ناهيك عن إخضاع الكثيرين لأبشع أنواع التعذيب ووقوع آخرين ضحية الاختفاء القسري وبضمنهم الشيخ حسن النعيمي، إمام وخطيب جامع الشهيد يوسف بمدينة الشعب، الذي عثر عليه مقتولا وقد اقتلعت عيناه ومزقت بعض أحشائه... ولم تفلح المحاولات اليائسة لصرف الأنظار عن هذه الجرائم البشعة، خاصة مسرحية رهائن المدائن السيئة الإخراج، والأساطير الخرافية التي روجوها عن مدينة اللطيفية وما قيل زورا وبهتانا حول القتل عن الهوية المذهبية... إذ تبخر كل ذلك أمام مرارة الواقع الذي لم تعد تصمد أمامه دعاوى الزيف والافتراء. وجدير بالتذكير أن هذه الجرائم ليست وليدة اليوم، وإنما تلت مباشرة الغزو الأنجلو أمريكي للعراق، حيث وجدت هذه الميليشيات ومن شايعها الظرف جد مناسب للتنفيس عن أحقادها الطائفية وذلك عبر انتهاج سياسة التطهير المذهبي التي استهدفت الضغط على المسلمين السنة من أجل حملهم على هجران بعض المدن ذات الأغلبية الشيعية، كما شاركت هذه الميلشيات في العدوان الأمريكي على مدينة الفلوجة وفي محاصرة العديد من المدن المجاهدة وليس آخرها مدينة المدائن الصامدة... هذا فضلا عن مساهمتها الفعالة في عمليات مداهمة البيوت، والتحقيقات الخارجة عن القانون التي تنتزع من خلالها الاعترافات بأقسى وأحط أنواع التعذيب... بل إن هذه الميليشيات لم تستثن حتى التيار المقاوم في الأوساط الشيعية، ونعني به التيار الصدري الذي حوصر جناحه العسكري المعروف بجيش المهدي من قبل هذه الميلشيات في مدينة النجف أكثر مما حوصر من قبل جيش الاحتلال الأمريكي... ولم نتصور أن تبلغ الوقاحة حد محاصرة اللاجئين الفلسطينيين بمدينة بلديات، استعدادا لطردهم خارج العراق؛ ولا أخال فعلتهم هذه إلا محاولة للتودد إلى أسيادهم الأمريكان، هذا إن لم تكن هدية إلى الصهاينة في الذكرى ال75 لاغتصابهم أرض فلسطين... هذا إذن أول غيث الحكومة الطائفية التي يسطير عليها قطاع من الشيعة، والذين جعلوا العداء لأمريكا الشيطان يتحول إلى ارتماء في الأحضان؛ هذا غيض من فيض الحرية الموعودة والتسامح الديني والطائفي المنشود الذي ملت آذان المواطن العراقي من سماعه... وحتى نكون صرحاء، هذا الوجه الكالح للذين كانوا حتى وقت قريب يتدثرون بخطاب الحرص على الوحدة الإسلامية ونبذ الطائفية، قبل أن يكشف محك الفعل والممارسة الغطاء عن عورتهم الطائفية المقيتة، ولا أخفيكم أنني أستثقل نعت هذه العصابات الإجرامية التي رفعت لواء الغدر بقوات بدر ولن أكون متجن عليها إن أنا لقبتهم بميلشيات غدر!؟ رشيد سليماني