كان للنقابات التعليمية جميعها، في بادرة هي الأولى من نوعها، موعد مع ادريس جطو، الوزير الأول، ويبدو أن المسؤول الأول في الحكومة أراد من خلال هذا اللقاء انتزاع تطمينات من النقابات بعدم إشعال فتيل الاحتجاجات في قطاع التعليم هذه السنة، على خلفية الظروف الاقتصادية الصعبة، كما يصورها الوزير الأول وكما نقل ذلك الأستاذ جامع المعتصم، ممثل الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب بمجلس المستشارين ووكيل لائحة حزب العدالة والتنمية بمقاطعة تابريكت بسلا. ويأتي هذا اللقاء في خضم استعدادات النقابات المذكورة لانتخابات اللجان الثنائية، التي يدخل غمارها الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب بمرشحين يتصفون بالنزاهة والاستقامة، وفق قول الأستاذ المعتصم، مؤكدا على أن الاتحاد أعد في الوقت نفسه برامج قطاعية تتضمن أهم الالتزامات والتعهدات التي سيعمل على الوفاء بها والدفاع عنها. وفي موضوع الانتخابات دائما، تحدث الأستاذ المعتصم عن برنامج حزب المصباح، الذي يدخل به غمار المنافسة في الانتخابات الجماعية المقبلة، موضحا بالقول إن الإضافة النوعية التي ينتظرها المواطنون من هذا الحزب، ومرشحوه واعون بهذا الانتظار، هي النجاح في ورش التخليق والشفافية والنزاهة في التدبير، الذي لا يتطلب ميزانية، ولكن يتطلب الإرادة السليمة والنزاهة الفكرية والاستقامة الخلقية، أو كما قال المتحدث ذاته. وفي ما يلي نص الحوار: -جرى كما هو معلوم لقاء جمع بين الوزير الأول وبين النقابات التعليمية جميعها، من خلال قراءة هذا اللقاء بارتباط مع التوقيت الذي جاء فيه، أي بداية السنة النقابية، هل كان ادريس جطو يهدف من خلال اللقاء إلى محاولة انتزاع ضمانة من النقابات بعدم تأجيج الساحة النقابية خلال السنة؟ -- بسم الله الرحمان الرحيم، في البداية أحيي جريدة التجديد التي استطاعت أن ترسم لنفسها مسارا متميزا على الساحة الإعلامية ببلادنا. أما اللقاء الذي تم بين الوزير الأول والنقابات التعليمية، فهو أول مبادرة من السيد ادريس جطو للاجتماع مع النقابات القطاعية، وبالطبع جاء في إطار الدخول المدرسي الحالي، على اعتبار وجود قضايا ومشاكل عالقة في الملف المطلبي للأسرة التعليمية، والتي كانت سببا للاحتجاجات خلال السنة الماضية، وبالتالي فالوزير الأول يريد أن يوفر أجواء دخول مدرسي هادئ، من خلال تقديمه لمجموعة من التعهدات لحل بعض هذه المشاكل العالقة، على الرغم من تأكيده على الوضعية الصعبة للاقتصاد الوطني. هل اطمأنت نقابتكم لوعود الوزير الأول وأعطت بذلك شكلا من أشكال الضمانات بعدم تصعيد احتجاجاتها هذه السنة، خلافا لما كان الحال عليه في السنة الفارطة؟ أريد أن أؤكد أولا أن لنا ملاحظات على تحليل الوزير الأول للوضعية الاقتصادية لبلادنا، إذ أننا لا نتفق مع الاتهام المستمر لكتلة أجور الموظفين، واعتبارها عبئا ثقيلا على ميزانية الدولة، بل إن الأمر يرجع إلى غياب سياسات تنموية حقيقية تزيد من ثروة هذا البلد، أما قضية الضمانات فلم تكن مطلوبة منا أولا وهي رهينة بمدى تجاوب الحكومة مع المطالب المستعجلة للأسرة التعليمية. -ما أهم الخلاصات التي تمخض عنها اللقاء؟ --خلال هذا اللقاء تبين أن الجامعة الوطنية لموظفي التعليم قد كانت محقة في مطالبتها بضرورة مراجعة النظام الأساسي الجديد ومعالجة ثغراته، حيث تقدمت الحكومة في هذا اللقاء بمقترحات لهذه المراجعة لكنها لا تستجيب لطموحات جامعتنا، مما حدا بالوزير الأول إلى اقتراح عقد لقاء للجنة تقنية تشارك فيها القطاعات الحكومية المعنية وتمثل فيها النقابة من أجل الحسم في مقترحات الجامعة، وذلك خلال لقاء واحد ووحيد مباشرة بعد الاستحقاقات النقابية، واعتبرنا هذا التعهد من الوزير الأول بمثابة تعبير عن حسن نية في التعامل مع هذا الملف. السنة النقابية أيضا تستهل على إيقاع انتخابات اللجان الثنائية، وما يعتريها من تنافس بين النقابات، لكن ظهر أن دخول وزارة التربية الوطنية على الخط بإلغائها 17 لائحة تقدمت بها الجامعة الوطنية لموظفي التعليم مؤشر على اتجاه جديد في هذا التنافس، كيف قرأتم قرار الوزارة؟ قرار وزارة التربية الوطنية بإسقاط هذه اللوائح يعتبر قرارا غريبا، وذلك لأنه أولا من حيث الشكل لم يلتزم بمقتضى تعليل القرارات الإدارية، ويحتوي من جهة ثانية على شطط في استعمال السلطة، باعتباره يريد حرمان عدد من المرشحين الذين تتوفر فيهم الشروط القانونية للترشح. وطبعا ليس لدينا علم بالنوايا، ولكن إذا كان المقصود من هذا الإجراء المخالف للقانون هو التأثير على تمثيلية الجامعة وفي فئات نتوفر فيها على عشرات من المرشحين، فإننا نقول بأن التمثيلية الحقيقية للجامعة نستمدها من التحام مناضلينا بالهموم اليومية للأسرة التعليمية، ومثل هذا الإجراء لن يؤثر علينا، مع التأكيد على أننا لن نتخلى عن حقنا وقد رفعنا في هذا الإطار دعوى قضائية أمام المحكمة الإدارية بالرباط. -في خضم هذه المنافسة، ماذا أعددتم في الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب لهذه الاستحقاقات الانتخابية، لا على مستوى برنامجكم ولا أيضا على المستوى التنظيمي لحملتكم الانتخابية؟ --الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب يشارك في هذه الاستحقاقات الانتخابية للجان الثنائية في العديد من القطاعات العمومية كالتربية الوطنية والصحة والجماعات المحلية والفلاحة والمالية والتجهيز والعدل وأيضا في العديد من المؤسسات العمومية كالسكك الحديدية والفوسفاط، وفي العديد من المؤسسات والمقاولات الخاصة، وقد حرص على تقديم مرشحين يتصفون بالنزاهة والاستقامة، وأعد في الوقت نفسه برامج قطاعية تتضمن أهم الالتزامات والتعهدات التي سيعمل الاتحاد على الوفاء بها والدفاع عنها، ويقوم مناضلو الاتحاد بحملة للتواصل مع الشغيلة من أجل إسهامها في تعزيز مصداقية التمثيلية النقابية بالتصويت في العاشر من شتنبر الجاري في القطاع العام، و بين الخامس عشر والتاسع عشر من الشهر ذاته في القطاع الخاص. -في موضوع آخر له علاقة بملف الانتخابات الجماعية هذه المرة، هل تعتقدون أن المقتضيات الجديدة المدخلة على الميثاق الجماعي كفيلة بدفع الجماعات المحلية إلى أن تكون رافعة اقتصادية محليا، جهويا ووطنيا؟ --لاشك أن الميثاق الجماعي الجديد قد جاء بإصلاحات جديدة ومهمة دعمها حزب العدالة والتنمية داخل البرلمان وثمنها في برنامجه الانتخابي، ومن تلك الإصلاحات تحديده بشكل جلي للاختصاصات الذاتية والقابلة للنقل والاستشارية، إضافة إلى إقراره لمبدأ وحدة المدينة والذي من شأنه أن يعيد التوازن لبرامج التنمية بالمدن الكبرى مع تخفيف طفيف للوصاية على الجماعات المحلية وتعزيز الرقابة على حساباتها من قبل المجالس الجهوية للحسابات، هذه كلها تعديلات من شأنها أن تدعم الدور التنموي للجماعات المحلية إذا توفرت الإرادة الصادقة والبرامج الطموحة. لكن في الوقت نفسه يمكن أن نشير إلى أن نظامنا الجماعي ما يزال يحتاج إلى إصلاحات مرافقة سواء على مستوى التنظيم المالي أو على مستوى التعمير، إضافة إلى التدابير والإجراءات اللازمة للتخفيف من آثار المرحلة الانتقالية، لأنني أعتقد أن الانتقال إلى مبدأ وحدة المدينة لم يتم الإعداد له، مما سيضيع وقتا طويلا على مدننا الكبيرة في ضبط ممتلكاتها وإعادة توزيع مواردها البشرية. - ما هو تصور حزب العدالة والتنمية لتدبير الشأن المحلي وما هي أهم معالمه؟ --حزب العدالة والتنمية يعتبر الجماعات المحلية هي القاعدة الأساس لبناء الصرح الديموقراطي ببلادنا وتعزيز مشاركة المواطن في إصلاح المجتمع، ولهذا يركز الحزب في برنامجه على الإجراءات التي تعزز الممارسة الديموقراطية والشفافية في التدبير، من خلال اعتماد البرامج أساسا للتنافس والحوار والتعاون مع مختلف الفرقاء لتحقيق مصلحة الجماعة، ويركز كذلك على التدابير التي من شأنها استرجاع ثقة المواطن في الجماعة المحلية من خلال تبني سياسة القرب من المواطنين بالتواصل معهم والإنصات إليهم وبإشراكهم في الرقابة على الجماعة، بما يجعل المواطن يشعر أن مرافق الجماعة هي موجودة لخدمته. وأعتقد أن الإضافة النوعية التي ينتظرها المواطنون من حزب العدالة والتنمية، والحزب ومرشحوه واعون بهذا الانتظار، هي النجاح في ما فشلت فيه مختلف التجارب السابقة، النجاح في ورش التخليق والشفافية والنزاهة في التدبير، وهو الورش الذي لا يتطلب ميزانية ولكن يتطلب الإرادة السليمة والنزاهة الفكرية والاستقامة الخلقية. -في هذا الإطار، ما هي المقترحات أو الإضافات التي أتى بها حزب العدالة والتنمية في تدبير ملفات من قبيل السكن غير اللائق والنقل، خاصة بالمدن الكبرى، والنظافة ودعم المجتمع المدني والجانب الثقافي والترفيهي وغيرها؟ --يعتبر حزب العدالة والتنمية هذه الملفات التي تضمنها سؤالكم، خصوصا النظافة ومحاربة السكن غير اللائق والنقل الحضري، من الأوراش الكبرى في مختلف المدن والجماعات، ويتوفر الحزب على رؤية متكاملة لفتح هذه الأوراش مفصلة إلى إجراءات عملية في برنامجه الانتخابي. ففي ورش النظافة يقترح الحزب اعتماد أسلوب الإدارة المتكاملة والمستدامة للمخلفات، خصوصا في المدن الكبرى، أما في ورش السكن، فنقترح إجراءات وتدابير من شأنها أن تجعل الجماعة المحلية تأخذ المبادرة وتتعاون مع جميع المتدخلين من الدولة والمؤسسات العمومية المختصة ومن الخواص في إطار مخططات وتصاميم تراعي جمالية مدننا وتناسقها العمراني، أما بخصوص ورش النقل الحضري فمن العيب أن تعجز مدننا الكبرى، مثل الدارالبيضاء والرباط سلا، عن توفير وسائل للنقل الحضري أكثر حداثة وراحة للمواطن، لذا يقترح دراسة إمكانية إنشاء وسائل متطورة كالمترو والطرامواي مع توفير البنية التحتية المناسبة من طرق وقناطر وممرات. بالنسبة للمجتمع المدني فحزبنا يعول على مشاركته الفعلية في مجهود التنمية، وبالتالي سيعمل على تشجيع انتظام المواطنين في الجمعيات والتعاونيات والوداديات، بما يمكن من تفعيل وتدعيم مرتكزات المواطنة النشيطة وإسهام المواطنين في بلورة البرامج وتنفيذها ومراقبتها. أما الجانب الثقافي والترفيهي، فقد أخذ حظه من البرنامج، حيث سطر الحزب عددا من الإجراءات والتدابير للتنمية الثقافية والرياضية تدعم الفعاليات الثقافية الوطنية وتشجع نشر الرياضات الجماعية والفردية بين الشباب. -تنزيل هذا البرنامج على أرض الواقع يتطلب مستشارين جماعيين من مواصفات معينة، ما هي هذه المواصفات في رأيكم؟ -- المستشار الجماعي سيتولى مهمة تمثيل المواطنين في الجماعة التي انتخب فيها وقد يساهم في تسيير شؤونها، وبالتالي فهي مسؤولية تحتاج إلى شروط ومواصفات أهمها الأمانة والشعور بالمسؤولية أمام الله ثم أمام المواطنين، ثم الكفاءة والقدرة على ابتكار أفضل السبل لخدمة المواطنين، كما تحتاج هذه المسؤولية أيضا إلى فضيلة الإنصات للمواطنين والقرب منهم. -ما هي توقعاتكم بشأن الخريطة الجماعية المقبلة؟ وكيف السبيل إلى الحصول على مجالس منسجمة؟ --أنا لا أتوقع تغييرا كبيرا في الخريطة الجماعية المقبلة، باستثناء النتائج التي سيحصل عليها حزب العدالة والتنمية، باعتبار أن هذه أول مشاركة له بعد مقاطعة دامت ثلاثة عقود، والسبب في أن الخريطة لن تتغير كثيرا يرجع إلى أن مسلسل الانتخابات على مر العقود الأخيرة قد أفرز نخبة من المحترفين الذين تعلقوا بالجماعات وبالمصالح والمنافع الشخصية التي يجنونها، ولذلك حتى مع تعديل نمط الاقتراع، فقد عملت هذه النخبة على التوزع بين الأحزاب واللوائح من أجل ضمان الرجوع الجماعي لنفس الوجوه، وأعتقد أن هذا سيقع كلما كانت نسبة المشاركة ضعيفة، وعليه فليتحقق التغيير وليتم إفراز مجالس جديدة قادرة على تحقيق التنمية، فأنا أدعو إلى المشاركة المكثفة للناخبين يوم 12 شتنبر الحالي لقطع الطريق على المفسدين ومقاولي الانتخابات، ولنضمن تجديد الخريطة الانتخابية خدمة لمصلحة الجماعة. أجرى الحوار: يونس البضيوي/ محمد أفزاز