الذين حضروا لقاء الوزير الأول ادريس جطو مع النقابات التعليمية أخيرا خرجوا من الاجتماع بأعناق كسرها انشغالهم بقول الوزير إن الوضعية الاقتصادية ببلادنا ستكون صعبة جدا العام الحالي مقارنة مع العام المنصرم. ولعل بعضهم آثر، من باب تقديم مصلحة العموم على مصلحة فئة ما، أن يوافق الوزير الأول في دعوته إلى دخول مدرسي هادئ ورصين بعيد عن كل تصعيد، ويطمأن أكثر لوعود التقفتها النقابات من المسؤول الحكومي بفم جاف متعطش لمثل تلك التعهدات دون أن يبادر بعضها ليسأل عن مواعيد التنفيذ أو أن الأمر سيظل على عادته أشبه ببرق سحابة لم تمطر.. ولعلها لن تمطر في عام هو أجف اقتصاديا من العام الذي مضى وفق وصف الوزير. النقابات ضمنت ارتياحها لوعود الوزير في بلاغات تثمين وتصفيق لمبادرة الوزير الأول باجتماعه بنقابات التعليم القطاعية كبادرة هي الأول من نوعها، ماعدا نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب أي الجامعة الوطنية لموظفي التعليم التي أرفقت، في بيان لها، تثمينها اللقاء مع إدريس جطو بالدعوة الملحة إلى قيام الحكومة بواجبها في تلبية المطالب المستعجلة للفئات التعليمية المتضررة والمقصية من الترقية أو المتضررة من النظام الأساسي الجديد، واعتبار ذلك مدخلا للانخراط الإيجابي في مشروع إصلاح نظامنا التربوي. ومعنى القول أن الوزير الأول استطاع أن ينجح في ما فشل فيه وزيره في قطاع التعليم بأن يستميل أكثر النقابات إلى تصديقه والارتياح لوعوده، بعدما نقل في خطاب الاستمالة صورة صعبة عن اقتصاد المغرب خلال العام الجاري، في ظل غياب أي مؤشر عن إمكانية خوصصة مؤسسة ما تابعة للدولة، وفق ما قاله الوزير الأول وتحدثت به إحدى المصادر التي حضرت لقاء جطو مع الجامعة الوطنية لموظفي التعليم. لكن مشجاب الظرفية الاقتصادية الذي علق عليه الوزير الأول تعهداته المحدودة لأسرة التعليم ينتفي سرعان ما نطلع على تقرير نشرته وزارة المالية أول أمس (الجمعة) والذي قال إنه من المنتظر أن يبلغ النمو الاقتصادي خلال العام الجاري نسبة 5,5 في المائة مقابل 5,4 المتوقعة في إطار قانون المالية ,2003 ذلك بفضل التحسن الذي عرفته مختلف القطاعات الاقتصادية بالبلاد، وفق تقرير المسؤولين في وزارة فتح الله والعلو. تقرير وزارة المالية يدفعنا إلى التساؤل: من نصدق؟ أكلام الوزير الأول أم تقرير وزيره في المالية؟ أينحو الأمر فقط منحى عدم الانسجام الذي طالما عيبت به الحكومة الراهنة؟ أم يفصح الأمر عن نية الحكومة في تحديد سقف لمطالب أسرة التعليم وتهدئة الاحتجاجات والإضرابات التي أرهقت كاهلها العام الذي انقضى بالتلويح بمبرر اقتصاد هش لا حول معه ولا قوة؟ وما يستدعي الغرابة، في هذا السياق، أن الحديث عن الظروف الاقتصادية الصعبة لهذا العام لم يذكره غير بيان الجامعة الوطنية لموظفي التعليم، ما معناه أن النقابة الأخيرة كانت المعنية الأولى بالنية المبطنة هذه للحكومة، على اعتبار أن الجامعة ظلت الوحيدة من ترفع صوتها العام المنصرم على صوت كل النقابات وتحتج على نظام أساسي أتت به وزارة الحبيب المالكي دون انسجام مع رغبة أسرة التعليم. يونس البضيوي