قال عبد الإله بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، إن المغرب اختار اليوم التعامل مع رياح الربيع الديمقراطي العربي بطريقة مختلفة عن البلدان العربية الأخرى، نجح في الشوط الأول، والجميع يترقب نتيجة الأشواط الأخرى لتأكيد أطروحة «الاستثناء المغربي»، يقول بنكيران، الذي كان يتحدث خلال تقديمه للتقرير السياسي في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الوطني السابع لحزب العدالة والتنمية، أول أمس السب بالرباط، مضيفا أن «النتيجة الطبيعية لتأكيد ذلك هو نجاح التجربة الحكومية الحالية، ووضع المغرب بصفة نهائية على سكة الديموقراطية وعلى سكة الإقلاع الاقتصادي والاجتماعي والقطع مع الفساد والإفلات من المحاسبة والمراقبة». وأشار بنكيران أن المؤتمر الوطني السابع للحزب، الذي ينعقد تحت شعار «شراكة فعالة من أجل البناء الديمقراطي»، يلتئم رغم الظروف والإكراهات خاصة المتعلقة منها «بحداثة تكليف حزبنا بقيادة الأغلبية الحكومية الناتجة عن انتخابات 25 نونبر 2011»، مؤكدا «أننا اتخذنا قرارا حازما للوفاء بهذا الاستحقاق القانوني والتنظيمي والاستعداد له في غلاف زمني محدود ترسيخا لحرص الحزب على احترام دورية استحقاقاته التنظيمية، وتعبيرا ملموسا عن الوفاء لاختياره الديمقراطي في سلوكه السياسي، وتفعيلا للدستور الذي ألزم كافة الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والمدنيين باحترام قواعد الحكامة الجيدة في تدبير الشأن العام». وأكد بنكيران أن حزب العدالة والتنمية سيظل مصرا على المضي في طريق الإصلاح بقوة وعزيمة وجدية، التزاما وعملا بقيم الأمانة والنزاهة والفاعلية، وإسهاما منه في استرجاع المصداقية والثقة في العمل السياسي، بعد عقود من ممارسات غير ديمقراطية وغير شفافة أدت إلى تمييع العمل السياسي وإضعاف الثقة فيه وفي مؤسساته الحزبية والمنتخبة، مضيفا «حزبنا سيظل ثابتا على نهجه مصرا على القيام بواجبه، منخرطا في دعم مشاريع الإصلاح، وكافة السياسات والقرارات التي تسعى إلى تعزيز المكتسبات وتوسيعها، ومنها ترسيخ المسار الديمقراطي وتعزيز الحريات الفردية والجماعية في نطاق دولة الحق والقانون، وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة للبلاد». وشدد بنكيران على وفاء الحزب لمنهجه العام القائم على المشاركة السياسية الفاعلة، و الإصلاح من خلال المؤسسات والحفاظ على استقرار البلاد، مشيرا إلى أن «هذا الخيار مبني على الثقة الكبيرة في المستقبل والإيمان بقدرات الشعب المغربي واستعداداته من خلال تراكم وعيه بحقوقه وواجباته، واستعادة ثقته في العمل السياسي كلما رأى من الطبقة السياسية استقامة ورشدا وترجيحا للمصلحة العامة على المصلحة الشخصية أو الحزبية». بنكيران قال إنه لم يعد اليوم مقبولا بدول تنعدم فيها الديمقراطية والحريات الأساسية الفردية والجماعية. موضحا أن هذا المعطى معيار أساسي في السياسات الدولية والوطنية، منبها إلى «أن بلادنا تعمل لترسيخ البناء الديمقراطي وتعزيز مساره وتوطيد قيم الحرية والعدل والديمقراطية لتقدم نموذجا متقدما يحتذى ويوفر جاذبية لنموذج مغربي أصيل جامع بين مطالب الإصلاح ومقتضيات الاستقرار الذي يصعب الحفاظ عليه في الدول التي تعاني من معضلات الانتقال الديمقراطي ومتطلبات التنمية». وأشار في ذات الاتجاه أنه بقدر ما يوفر الاستقرار شروطا لإصلاح مستدام فإن تواصل الدينامية الإصلاحية والتنزيل الفعلي والديمقراطي لمقتضيات الدستور وظهور آثاره على مستوى المؤسسات والسياسات وبالقطع النهائي مع التحكم نهجا للحكم والريع نهجا في الاقتصاد، هو الضمانة لاستدامة هذا الاستقرار وترسيخه بصفة نهائية. وأوضح بنكيران في سياق حديثه على مرجعية الحزب أن هذا الأخير «يستمد أصوله الفكرية وأسس مشروعه المجتمعي من المرجعية الإسلامية للدولة والمجتمع المغربيين ومن الرصيد الحضاري للمغرب وقيمه الثقافية الغنية متعددة الروافد التي انخرطت في إطار حركة تاريخية وحضارية خلاقة كونت معالم الشخصية المغربية». واسترسل في ذات السياق بالقول أن الحزب «ينطلق في فهمه للإسلام من نفس الرؤية المنفتحة والتي شكلت عنصر القوة في التجربة التاريخية والحضارية للأمة، رؤية تؤمن بالتنوع والتعدد والتعايش بين الديانات وحرية العقيدة، واعتبار قاعدة المواطنة أساس بناء الدولة والمجتمع»، مضيفا «إنها الوسطية التي ما فتئ الحزب يؤكد عليها انطلاقا من أن الأمة الإسلامية في عموم مسيرتها كانت أمة وسطا، وأن الغلو والتطرف كانا وسيظلان شذوذا عن الاتجاه الغالب فيها، وهو ما يتأكد أكثر بالنسبة للشعب المغربي الذي تعتبر ظاهرة الغلو الديني والتطرف العلماني والتطرف السياسي ظواهر طارئة عليه ولا تمثل توجهه الأصيل». وبخصوص تعاطي الحزب مع قضية المرأة قال بنكيران «إن حزب العدالة والتنمية سيواصل توجهه للنهوض بأوضاع المرأة معتبرا أن هذا الورش هو من أهم مداخل ورش البناء الديمقراطي والتطور الاجتماعي على اعتبار أنه لا مجال لدمقرطة الحياة السياسية دون مشاركة فعلية للمرأة وفي مراكز القرار بناء على الأهلية والكفاءة التي أثبتت التجارب أنها ليست أقل عند النساء، بل إنهن يتقدمن في الجدية والالتزام بالنزاهة». وأضاف أن المدخل إلى ذلك بالإضافة إلى مقاربة التمييز الإيجابي كإجراء انتقالي وضروري يمكن من إنصاف النساء وتعزيز قدراتهن وتدارك المسافة التي فرضها الإقصاء التاريخي أن تبادر النساء إلى تعزيز مكانتهن وتعزيز قدراتهن، مشيرا إلى «أن تمكين النساء اعتمادا على التمييز الإيجابي، ينبغي أن يتأسس على مقاربة تكاملية تقوم على إقرار اإنصاف والعدل ومراعاة مختلف مكونات الأسرة والتكامل بينها، وتعطي لهذه الأخيرة مكانتها اللازمة باعتبارها محصنا للتنشئة المتوازنة وأساسا من أسس الاستقرار والسكينة الاجتماعية». هذا ولم يفت بنكيران التأكيد أن إنصاف المرأة وتمكين النساء ينبغي أن يكون من جهة تفعيلا لمبدأ الإنصاف والعدل المقرر في ديننا الحنيف، وسعيا لتحرير لطاقة معطلة لمكون أساسي من مكونات المجتمع من جهة أخرى. هذا ولم يفت بنكيران توجيه، رسالة واضحة إلى أعضاء حزبه من وزراء ونواب وعموم مناضليه، طالبهم فيها بالإنتصار في معركة الأخلاق والقيم داخل الحزب أولا، قائلا «لن تغييروا شيئا في الإتجاه الصحيح إن لم تغييروا ما بأنفسكم، داعيا إياهم إلى تغيير ذواتهم قبل أن يفكروا في إنجاح أي تغيير آخر، ومطالبا إياهم بقمع رغباتهم الشخصية مخاطبا إياهم «اجعلوا شعاركم الوطن أولا والحزب ثانيا وذواتكم في حدود المعقول ثالثا». و أشار بن كيران إلى أن المناصب تغوي وتغري منبها نساء ورجال العدالة والتنمية بالقول، «عليكم أن تتذكروا، أنكم جئتم لتأخذوا بالمعروف وتعطوا بدون حساب»، مشيرا في هذا الإتجاه إلى أن من ضيع المسؤولية بالأخطاء والمصالح الشخصية يضيع العهد سيتحمل مسؤوليته أمام الله والتاريخ والوطن. أما بخصوص القضية الفلسطينية فقد دعا بنكيران، حركتا حماس وفتح إلى ضرورة إنهاء الإنقسام، وتكثيف الجهود مع باقي القوى الفلسطينية من أجل الانتصار ضد العدو الصهيوني، مجددا التزام حزبه بالدفاع عن القضية الفلسطينية. وعن الانتخابات المقبلة، قال بن كيران : لن نقبل بأن تمس بالتزوير، مضيفا، «سندافع عن الديموقراطية وعن نزاهة الانتخابات وسنقبل نتائجها». وجدد بنكيران هجومه على الذين يمارسون السياسة من أجل الحصول على الثروة بالقول، «إن منطق التحكم والمكر والاستئثار بالثروة انتهى». هذا وحيا بنكيران الشعب السوري على تضحياته، بالقول «أحيي الشعب السوري البطل والذي ضحى تضحيات جسام، لكن الله سينصره في النهاية».