إذا كان حزب العدالة والتنمية قد حسم في المرجعية الإسلامية كمؤطر لبرنامجه الانتخابي ومنطلق لمشاريع عمله، فإن حضور الإسلام في برامج الأحزاب الأخرى ظل متأرجحا بين العدم والوجود المشروط، حيث انعدم وجوده في برامج الأحزاب الاشتراكية المغربية وفاء منها لاديولوجيتها المؤطرة لعملها في المجتمع والسياسة والاقتصاد، أما الأحزاب الليبرالية فقد قرنت التزامه بشروط، وإذا كان صعبا استقصاء برامج كل الأحزاب ارتباطا بتشابه برامجها أو لجدة تجربة بعضها في الحياة السياسية، فإن محاولة استقراء برامج مجموعة من الأحزاب يجعلنا نقف على ثلاث دوائر موضحة لحجم الحضور الإسلامي لدى هذه الأحزاب. الإسلام وحده الموجه صدر حزب العدالة والتنمية برنامجه بتأكيد حرصه على مبدأ "الأصالة"، واعتبره دعوة إلى أن تكون جميع مشاريعه في الإصلاح مصطبغة بالمرجعية الإسلامية ومنسجمة مع قيم المغرب الثقافية والحضارية، مع استيعاب واحترام جميع الخصوصيات الثقافية واللغوية والأثنية داخل فضاءالأخوة الإسلامية، وبرر اختياره لهذا المبدأ بقصور :"السياسات السابقة على استلهام البرامج من المرجعية الإسلامية "أو جنوح بعضها الآخر عنها أو مصادمتها، الشيء الذي اعتبره الحزب انحرافا عن سياسة الحركة الوطنية المقاومة للاستعمار والتي حرصت على صون عقيدة المغرب الإسلامية. وفصل برنامج الحزب هذا المبدأ في ستة عناصر منها: تعزيز المرجعية الإسلامية تقوية التدين والأخلاق في المجتمع. العناية بالمساجد والقيمين عليها. تركيز الهوية الإسلامية لنظام التعليم. تخليق الحياة العامة وأخيرا تنمية ثقافة وطنية أصيلة. أما حزب التجمع الوطني للأحرار فقد جعل الهوية الإسلامية من الثوابت والتزم بضرورة "التشبت بالعقيدة الإسلامية السمحاء المبنية على الانفتاح والتسامح"،وعلى الرغم من أنه لم يفصل اهتمامه بهذه الهوية وجعلها موجهة لباقي المجالات إلا أنه أعطى لها حضورا في برنامجه فيما يخص الشباب والأسرة. ففي مجال الأسرة يؤكد الحزب "على تماسك وتوازن الأسرة والعمل على تبوئ المرأة لمكانتها في النسيج الاجتماعي والاقتصادي في البلاد استنادا لمقاصد الشريعة الإسلامية واعتبارا للتحولات التي طالت المجتمع المغربي"، والعمل على "بناء مجتمع قادر على تدبير واستيعاب التحولات الجذرية التي يعرفها العالم في إطار احترام كامل للقيم الروحية والأخلاقية والاجتماعية للأمة المغربية". أما في مجال الشباب فالحزب يدعو إلى : >مساعدة الشباب لترسيخ الهوية الدينية والحضارية والتشبع بالقيم السمحة والابتعاد عن كل فكر إحباطي<. فحزب التجمع الوطني للأحرار ،وإن لم يجعل الإسلام موجها لبرامجه في الاقتصاد والثقافة والإعلام، إلا أن الملاحظ لبرنامجه الانتخابي يرى أنه قد خصص مكانا وحضورا للإسلام وجعله ثابتا من ثوابته وإن قصر دوره على بعض المشاريع دون أخرى. بخصوص حزب الاستقلال فقد قدم برنامجه بالالتزام "بالتمسك بقيم الإسلام الداعية إلى التسامح والوسطية وتحقيق العدل والمساواة والتكافل بين فئات المجتمع واحترام حقوق وكرامة الإنسان" واعتبرالإسلام أول بند لمنظومته الاستقلالية، فهو يحاول ألا يحيد عنها بالإسراع في "إصلاح مدونة الأحوال الشخصية في اتجاه يضمن حقوقهن وكرامتهن تماشيا مع روح التشريع الإسلامي المبني على المساواة والإنصاف"،إلا أن برنامج الحزب يجعل الزكاة تطوعا في مقترحه بخصوص إحداث صندوق لمحاربة الفقر حيث يتم "تمويله من الزكاة التطوعية والمساعدات الدولية المؤسساتية والمبادرات". ويدعو إلى تصحيح الأخلاقيات بالمرفق العام بإقرار مبدأ سيادة الأخلاق ومحاربة الرشوة دون تحديد آلية ذلك. و الملاحظ على برنامج الحزب الاستقلالي أنه لم يتضمن تدابير لمحاربة بعض السلوكات كشرب الخمور علما بأنه كان السباق لطرح اأسئلة لمنع تداولها والمتاجرة فيها بين المسلمين، وهو القانون الذي تجند حزب العدالة والتنمية لإزالة الغبار عليه ،لكن الاتجاه الاشتراكي في الولاية المنتهية علل عدم أجراءة القانون خوفا على انهيار الاقتصاد الوطني مضحيا بذلك بالرأسمال البشري والاجتماعي في الموضوع. الإسلام ولكن بشروط في مجال الثقافة والدين اعتبر حزب القوات المواطنة "الإسلام" دين الدولة دستوريا وحضاريا" داعيا إلى انتهاج سياسة للشؤون الدينية باعتبار الإسلام رابطا مشتركا بين المكونات الثقافية للشعب المغربي مع الحفاظ على وحدة المذهب" ويشترط الحزب أن يتم هذا "بتطوير المقاربة الشرعية لقضايا العصر، لا بالتحجر الفكري والتطرف وبتأهيل الهيئات العلمية الوطنية لمواكبة الحداثة وليس بإقصائها من المجتمع المدني" فهذا الشرط، حسب تصور الحزب "سيضمن فهما وممارسة معتدلين ومنفتحين للإسلام ويلم شمل كل الفئات الثقافية للمواطنين المغاربة". أما حزب الاتحاد الدستوري فهو يؤكد في برنامجه الانتخابي على الاختيارات الليبرالية الاجتماعية دون التفريط في المرجعية الإسلامية بشرط حصول التوازن بين الأصالة والمعاصرة، فوضعية المرأة القانونية والاجتماعية والاقتصادية " يجب أن تتحسن مع الأخذ بعين الاعتبار القيم الإسلامية والحضارية للمغرب" و أن يكون هناك توازن عادل بين الأصالة والمعاصرة". وفي تناوله لأسباب التصدع الأسري فقد جعل الحزب مرد ذلك إلى الانتشار "النسبي" للخمور والمخدرات وما يشبه ذلك "، واقترح لدعم الأسرة بأن يتعهد، "باتخاذ تدابير متنوعة وفي ظل تعاليم الإسلام بإحداث صندوق التضامن العائلي يمول من صندوق الحسن الثاني للتنمية والميزانية العامة للدولة والصندوق الوطني للزكاة الذي يجب إحداثه لهذه الغاية<. ودعا إلى "تعديل المدونة الأحوال الشخصية في اتجاه حماية التماسك العائلي واحترام حقوق المرأة"، دون أن يحدد مرجعية هذا التعديل خصوصا مع الحملة الشرسة على المدونة واختلاف المقاربات والمرجعيات في تناولها. فبرنامج الحزب لم يوضح آليات إخراج صندوق الزكاة المقترح ولم يورد بأن التطبيق إعمال لأحد أركان الإسلام بل جعل منه آلية إذا توفرت لدعم "صندوق التضامن العائلي" فقط، ومن دون أن يقدم التدابير للحد من الانتشار "النسبي" للخمور والمخدرات رغم ثبوت حرمتها. بالنسبة لبرنامج الحزب الوطني الديمقراطي فقد ربط تثبيت الهوية الوطنية للمغرب "انطلاقا من روح الإسلام والملكية الدستورية التي يجسدها التحام الأمة بعرشها في الدفاع عن قيمنا المقدسة ووحدتنا الترابية جاهدين إلى تحديث الأساليب والمفاهيم لتحقيق الإنجازات على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي" . فالحزب كما يؤكد برنامجه يعمل على المستوى الديني والوطني :"للحفاظ على مبادئ الإسلام والتحام الأمة بالعرش". الإسلام غائب لدى الأحزاب الاشتراكية عبرت برامج الأحزاب الاشتراكية عن وفائها الشديد لايديولوجيتها، فبرنامج الاتحاد الاشتراكي يستند إلى "ثقافة وطنية جديدة قوامها المواطنة والصراحة والتشاور والتوافق لانجاز التحول المجتمعي". فالحزب مصر على تأكيد توجهه الاشتراكي "لتحقيق مغرب قوي ينعم بالاستقرار والعدالة الاجتماعية والرقي المضطرد انطلاقا من هويته الاشتراكية". وعند ذكر مكونات المغرب فهو يذكر "المكونات الثقافية العربية والأمازيغية والإفريقية ورصيده الحضاري والتاريخي، دون أن يتطرق إلى المكون الإسلامي كواحد من مكونات الثقافية للمغرب اسوة بباقي الأحزاب الاشتراكية الأخرى. والشيء نفسه يورده برنامج حزب التقدم والاشتراكية فهو يتناول في تعاقده الخامس الذي يهم تحلي الحزب بالقيم النبيلة بالتزام الحزب: "بالوفاء لمبادئ الحزب المبنية على الاشتراكية بوصفها نمطا إنتاجيا واجتماعيا يسعى إلى تشييد مجتمع أكثر عدالة، في نطاق الاحترام التام لمؤسساتنا المقدسة وفي إطار الدفاع المستميت عن قيمنا الوطنية ولمبادئنا الأساسية<. ولم يأت النص على لفظة "الإسلامية" إلا في إشارتين: الأولى في مجال الإعلام والتواصل: حيث نص البرنامج على "إحداث مراكز ثقافية قارة وأخرى متنقلة للتعريف بحضارة المغرب وثقافته العربية والإسلامية والأمازيغية بعيدا عن المواسم الفولكلورية" . أما الثانية فقد جاءت بصدد الحديث عن الجالية المغربية بالمهجر ب "الحفاظ على كرامتهم وصون هويتهم وفتح مراكز ثقافية لتعليم أطفال الجالية اللغة العربية والثقافية الإسلامية فحزب التقدم والاشتراكية تقدم شيئا في النص على المكون الإسلامي للثقافة المغربية بخلاف الاتحاد الاشتراكي. أما برنامج حزب الاشتراكي الديمقراطي فقد أقصى لفظة "إسلام" أو "هوية"من برنامجه، فالحزب لا يرى "تناقضا بين تصورنا الاشتراكي الديمقراطي وحرصنا على مبادئ العدالة والإنصاف". أما في مجال المرأة فالحزب يقترح "تطوير خدمات الصحة الإنجابية وتوسيع الاستفادة منها"،ويصر على إحياء خطة إدماج المرأة في التنمية بالإشارة صراحة إلى: "إصلاح مدونة الأحوال الشخصية بما يضمن للمرأة حقوقها وكرامتها، ورفع التحفظات على اتفاقية القضاء على كل أشكال الميز ضد المرأة وملاءمة التشريع المحلي معها"،فالحزب لا يتورى من وراء الألفاظ أو العبارات المجازية فهو وفي لبرنامجه الاشتراكي، أما باقي الأحزاب فقد دبجت برامجها بالتشبت:"بالدين الإسلامي السمح" من غير الالتفات إليه في توجيه مشاريع برامجها. خلاصة الخلاصة التي تتأكد من خلال المعطيات السابقة أن برامج الأحزاب كشفت بما لا يدع مجالا للشك حجم وحظ الإسلام والهوية الإسلامية من برامج الأحزاب المشاركة في الانتخابات بعيدا عن تصريحات زعمائها في المهرجانات الخطابية وأمام الأضواء ،مما يفرض على كل القوى المصلحة في هذا البلد التجند لصون إسلام المغرب وهويته الحضارية وتأكيد دستورية الإسلام بشكل عملي حتى لا يكون حبرا على ورق في المشاريع المستقبلية والتي لاشك أن آثارها واقعة على الجميع، كما حصل مع خطة إدماج المرأة في التنمية. عبدلاوي لخلافة