خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط: اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله    المصادقة على تعيينات جديدة في مناصب عليا    الحكومة توقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام    البيت الأبيض يرفض قرار الجنائية الدولية اعتقال نتنياهو وغالانت    وفاة ضابطين في حادث تحطم طائرة تدريب تابعة للقوات الجوية الملكية    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    رصد للمرة الأخيرة بالمغرب.. دراسة تؤكد انقراض طائر الكروان رفيع المنقار    الحكومة تصادق على مشروع قانون يتعلق بحماية التراث    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    توقيف شخصين بطنجة وحجز 116 كيلوغراماً من مخدر الشيرا    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    القنيطرة تحتضن ديربي "الشمال" بحضور مشجعي اتحاد طنجة فقط    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    الحزب الحاكم في البرازيل يعلن دعم المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص        ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الربيع العربي" والغرب.. سبعة دروس من التاريخ- ترجمة
نشر في التجديد يوم 26 - 06 - 2012

وهو يبحث في أرشيف إذاعة"باثي نيوز" البريطانية، استخرج الصحفي ب«الإندبندنت» «شاوماس ميلن» عدة موضوعات مكتوبة وسمعية وبصرية عن الجهود الاستعمارية للسيطرة على الشرق الأوسط. وكتب هذا المقال الذي نشرته ال"إندبندنت" في عددها ليوم الاثنين 19 دجنبر الماضي. يقول «شايماس ميلن»:
هناك إحساس حقيقي؛ بكونها وأكثر من أي مكان من المستعمرات الغربية السابقة؛ فإن منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي عموما لم تحصل على استقلالها كاملا. ولكونه يوجد في منطقة تحتوي على أغلب المخزون العالمي من البترول، فإن العالم العربي ظل على الدوام هدفا للتدخل وللغزو المستمرين، وذلك حتى بعد حصوله رسميًا على الاستقلال.
وبعد تقسيمه إلى دول صورية مصطنعة بعد الحرب العالمية الأولى، تعرض للقصف والاحتلال من طرف الولايات المتحدة الأمريكية و(إسرائيل) وبريطانيا وفرنسا. كما تمت محاصرته بالقواعد الأمريكية وبأنظمة استبدادية مدعومة من الغرب. وكما كتبت المُدوِّنة الفلسطينية لينا الشريف على تويتر في يوم عيد استقال الولايات المتحدة الأمريكية في العام الماضي 2011: « إنَّ الدليل على أن الحرب العالمية الأولى لم تنتهِ حتى الآن، هو أننا في الشرق الأوسط ما زلنا نعيش عواقبها وتبعاتها».
ولقد ركزت الثورات العربية التي اشتعلت شرارتها الأولى في تونس العام الماضي على الفساد والفقر وانعدام الحريات، وليس على الهيمنة الغربية أو الاحتلال (الإسرائيلي). غير أن الحقيقة هي أنهم إنما ثاروا ضد الديكتاتوريات المدعومة من الغرب وهذا يعني أنَّهم يشكلون تهديدًا فعليًا ومباشرا للنظام الدولي في استراتيجيته كما تم رسمه لما بعد الاستعمار من طرف الاستعمار نفسه.
منذ اليوم الذي سقط فيه حسني مبارك في مصر، ظهر اتجاه متعنت معاكس لأهداف الثورات بقيادة القوى الغربية وحلفائها في الخليج لرشوة أو احتواء؛ وإلا فتحطيم الثورات العربية وتدميرها. وهم يتوفرون على ما يكفي من الخبرة المتأصلة ليمكّنهم من استنتاج أنَّ: كل مركز من مراكز الثورات العربية، من مصر إلى اليمن، عاش عقودًا تحت الهيمنة الاستعمارية. وأن كل دولة من دول حلف الناتو الأساسية التي قامت بضرب ليبيا، ومنها على سبيل المثال - الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا- كانت لديها قوات تحتل المنطقة؛ مازالت ذكراها حية في الأذهان.
وإذا أرادت الثورات العربية أن تتحكم في مستقبلها وتملك مصيرها، فهي في حاجة إلى إلقاء نظرة فاحصة على ماضيها القريب. ولذا نسرد هنا سبعة دروس من تاريخ التدخل الغربي في الشرق الأوسط؛ حصلنا عليها من أرشيف إذاعة «باثي نيوز»، التي كانت هي الصوت الاستعماري الغادر لبريطانيا العظمى إبان الحقبة الاستعمارية:
الدرس الأول
لا يكل الغرب ولا يمل أبدًا في سعيه للسيطرة على الشرق الأوسط، مهما كانت العقبات
لا يكل الغرب أبدًا ولا يمل في سعيه للسيطرة على الشرق الأوسط، مهما كانت العقبات. ولنعتبر من الماضي القريب؛ فعندما كانت الدول العربية تسعى إلى الخروج من المدار الغربي - في الخمسينيات من القرن الماضي، تحت تأثير شعارات الوحدة العربية التي أطلقها جمال عبد الناصر، وفي يوليوز عام 1958، أطاح ضباط جيش عراقيون قوميون متشددون بنظام فاسد وقمعي مدعوم من الغرب ومحميّ من قِبل القواعد العسكرية البريطانية في العراق (هل يبدو ذلك مألوفًا؟).
أصابت الإطاحة بالنظام الملكي المطواع والموثوق به في العراق، إذاعة «باثي نيوز» بالفزع. فأطلقت صيحة تحذير في أول تقرير إخباري لها تعليقًا على الأحداث بأن العراق الغنية بالبترول أصبحت «منطقة الخطر الأولى»، ضدا على «وطنية» الملك فيصل التي «لا أحد يعترض عليها» ،و«الذي تلقى تعليمه في مدرسة هارو» البريطانية ويؤكد التعليق الصوتي الذي عثرنا عليه في الأرشيف أنَّ - الأحداث تحركت بسرعة شديدة، « لسوء حظ السياسة الغربية».
ولكن وفي غضون أيام قليلة- على عكس الشهرين اللذين استغرقهما تدخلهم في ليبيا هذا العام- حركت بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية آلاف القوات إلى الأردن ولبنان لحماية اثنين من الأنظمة العميلة لهم من الثورة الناصرية. أو؛ كما تقول إذاعة «باثي نيوز» في تقريرها التالي، إن تدخل الدولتين العظميين كان بهدف» إيقاف «انتشار الفساد في الشرق الأوسط».
ولم تكن لديهم النية مطلقًا في ترك الثورة العراقية لأجهزتها الخاصة بها. فبعد ذلك بأقل من خمس سنوات؛ في فبراير من العام 1963، دعمت المخابرات البريطانية والأمريكية الانقلاب الدموي الذي جلب في البداية بعثيي صدام حسين للسلطة.
وبالتقدم سريعًا لعام 2003، نجد أن بريطانيا وأمريكا قامتا بغزو واحتلال الدولة بالكامل. وأخيرًا عادت العراق تحت سيطرة غربية كاملة على حساب دم شعب تمت إراقته بوحشية ودمار. إنَّ قوة المقاومة العراقية هي التي أدت إلى رحيل القوات الأمريكية هذا العام ولكن حتى بعد الانسحاب، سوف يظل 16000 من رجال الأمن التابعين لمقاولة أمريكية خاصة ومدربين وآخرين تحت إمرة الولايات المتحدة. فسواء في العراق، أو في باقي المنطقة، هم لا يرحلون إلا إذا أرغموا على ذلك.
الدرس الثاني
عادةً ما تخدع القوى الاستعمارية أنفسها بشأن حقيقة ما يفكر به العرب
عادةً ما تخدع القوى الاستعمارية نفسها بشأن حقيقة ما يفكر به العرب. هل من الممكن أن يكون مذيعو «باثي نيوز» والمحتلون الاستعماريون اليوم قد صدقوا بالفعل أنَّ «آلاف العرب» عندما أمطروا الديكتاتور الفاشي موسولينى بوابل من الأحجار الساخنة كالحمم عندما كان يسوق سيارته ويقوم بجولة في شوارع طرابلس المستعمرة الإيطالية في ليبيا سنة 1937؛ كانوا بالفعل يعنون ذلك؟ قد لا يخطر ذلك على بالك عندما تنظر إلى وجوههم الخائفة.
ولا توجد أدنى إشارة في الفيلم الإخباري، الذي عثرنا عليه، والذي تم بته حينها إلى أنَّ ثلث سكان ليبيا قد ماتوا تحت وطأة الحكم الإيطالي الاستعماري الوحشي، ولا عن حركة المقاومة الليبية البطولية التي قادها عمر المختار، والذي شُنق في معسكر اعتقال إيطالي. ولكن بعد ذلك يصف التعليق الصوتي، أو «القناع الاستعماري»، موسولينى بأنَّه مثل الساسة البريطانيين «الديمقراطيين» في ذلك الوقت.
وتقرير «باثي» عن زيارة الملكة للمستعمرة البريطانية عدن (التي هي الآن جزء من اليمن) بعد سنوات قليلة من ذلك كان مشابهًا لنفس التقرير عن حادث موسوليني على نحو مخيف: « مع «آلاف من» الرعايا المخلصين السعداء «يقدمون ترحيبهم المفترض» لملكتهم والذي وصفته بفرح بأنه «مثال غير مسبوق في التطور الاستعماري».
وبالفعل كان غير مسبوق حيث إنَّه بعد ما يقرب من قرن أجبرت حركات التحرير اليمنية الجنوبية القوات البريطانية على إخلاء آخر موقع من الإمبراطورية بعد ما تعرضوا للضرب والتعذيب والقتل في طريقهم عبر منطقة فوهة عدن. ويشرح جندي مشاة سابق في وثائق «بي بي سي» 2004 عن عدن أنَّه لا يمكنه الخوض في التفاصيل بسبب خطورة ادعاءات جرائم الحرب.
ولكن اكتشاف حقيقة إعلام العصور الأخرى والأماكن الأخرى أسهل مما يكون عليه الأمر في عصرك - خاصةً عندما تتم صياغته بأسلوب الخمسينيات من القرن الماضي المثير للضحك على منوال شخصيات السلسلة التلفزيونية السخيفة «هاري إنفيلد/ شولمونديلي وارنر».
كان المحافظون الجدد يتوقعون الحرب في العراق نزهة مسلية ومهمة سريعة لن تستغرق وقتا طويلا، وأن العراقيين سوف يستقبلون الغزاة بالورود، ورأينا بالفعل في التغطية التلفزيونية الأمريكية والبريطانية للغزو في بدايته؛ أنه كان لا يزال هناك عراقيون يلقون بالورود على قوات الغزو في الوقت الذي كانت المعارضة المسلحة تتدفق بقوة. وبث التليفزيون البريطاني تقارير تدعي أنَّ القوات البريطانية «تحمي الشعب المحلي». من طالبان في أفغانستان، على نحو لابد أن يذكرنا بتقارير من الخمسينيات عن عدن والسويس.
وحتى خلال الثورتين المصرية والليبية هذا العام، رأى الإعلام الغربي ما يود أن يراه من الحشود الغفيرة سواء في ميدان التحرير أو بنغازي؛ إلى أن فوجئ؛ عندما انتهى الأمر إلى وصول الإسلاميين إلى السلطة و الفوز بالانتخابات. فأصبح يقول« أيًا كان ما سيحدث لاحقًا، فإنه سيكون من حسن الحظ ألا يحصلوا على السلطة ».
الدرس الثالث
القوى العظمى هي أيادٍ خبيرة في تجميل الأنظمة العميلة لإبقاء تدفق البترول
القوى العظمى هي أيادٍ خبيرة في تجميل الأنظمة العميلة لإبقاء تدفق البترول، وحتى أكون منصفًا، فهم لم يكونوا مهتمين بالمرة؛ ولكن قبل أن تعود لتنال منهم مثل الموجة المناهضة للإمبريالية في الخمسينيات من القرن الماضي، عكفت أمريكا وبريطانيا وفرنسا على تزيين الأنظمة العميلة لجعلها تبدو كديمقراطيات دستورية.
ولكن هذا الجهد سرعان ما يخفق ويصيبه الفشل، ويبدو مثل هذا في التقرير الفكاهي عن «الاختبار الكبير الأول للديمقراطية» في ليبيا تحت الدمية الأمريكية - البريطانية الملك إدريس؛ واضحًا بما لا يدع مجالاً للشك.
فقد أدى التزوير الصفيق للانتخابات عام 1952 ضد المعارضة الإسلامية إلى أعمال شغب تم إثرها منع جميع الأحزاب. ثم بعد ذلك بسنوات تم الانقلاب على إدريس بواسطة القذافي، وتم تأميم البترول وإغلاق قاعدة هويلس الأمريكية - ومع ذلك فهاهو علم الملك يعلو مرة أخرى في طرابلس بمساعدة حلف الناتو، بينما تنتظر شركات البترول الغربية البدء في حصد مكاسبها.
وتم التلاعب أيضًا بالانتخابات وتعذيب آلاف المعتقلين السياسيين في الخمسينيات بالعراق. ولكن مادامت طبقة الموظفين البريطانيين؛ قد ترسخ وضعهم باعتبارهم «المستشارين الحكوميين» في بغداد، وما دام جنودهم في قاعدتهم العسكرية في الحبانية، وما دامت الأخبار المصورة البريطانية تُعرض في دور السينما البريطانية ببغداد في ذلك الوقت، فإن العراق في عهد الملك فيصل كانت تعد دولة مسالمة و«تواصل سيرها بنجاح نحو الديمقراطية».
وتحت الأعين الراعية للسفراء الأمريكيين والبريطانيين و»السيد جيبسون» من شركة الوقود البريطانية العراقية، فقد رأينا رئيس الوزراء العراقي؛ نوري السعيد، يفتتح حقل بترول «الزبير» بالقرب من البصرة في عام 1952؛ لبناء «المدارس والمستشفيات». من خلال «عمل مشترك بين الشرق والغرب».
والواقع أن ذلك سوف يحدث فقط عندما يتم تأميم البترول بعد ست سنوات من اغتيال نوري السعيد في شوارع بغداد وهو يحاول الهرب مرتديًا زى امرأة. ولكن بعد مرور نصف قرن عاد البريطانيون للسيطرة على البصرة، وكما في عهد نوري السعيد؛ فبينما يحارب العراقيون اليوم ويقاتلون ببسالة لمنع الاستيلاء من جديد على آبار بترول بلدهم المشتتة، يُصر الساسة الأمريكيون والبريطانيون مرة أخرى على أن العراق أصبحت اليوم دولة ديمقراطية.
وأي دولة من دول «الربيع العربي» تتخلى اليوم عن حقها في تقرير مصيرها بنفسها لترتمي في أحتضان الغرب عليها حتما أن تنتظر مصيرا مشابهًا- تمامًا مثل الأنظمة العميلة التي لم تترك الدوران في مدار الغرب قط، كمثل الدول البوليسية الفاسدة التي يدعي نفس الغرب أنها نماذج للقيادة الرشيدة وواحة من «الاعتدال». و«الحكم الديمقراطي الرشيد».
الدرس الرابع
لا تنسى شعوب الشرق الأوسط تاريخها حتى لو نسيت الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا ذلك
إن الشعوب العربية لا تنسى تاريخها حتى لو نسيت الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا ذلك؛ فالفجوة لا يمكن أن تكون أوسع من ذلك. وعندما حذر محمد هيكل حسنين الصحفي المحنك ووزير الإعلام في عهد جمال عبد الناصر الثورات العربية أنَّه يتم استخدامها لفرض اتفاقية سايكس بيكو» جديدة كانت سايكس بيكو الأولى عندما تم اقتسام العالم العربي بين بريطانيا وفرنسا - و العرب وغيرهم في الشرق الأوسط يعرفون ماذا يقصد بالضبط. فعملية الاقتسام تلك تشكلت بها المنطقة بالكامل وتم رسم علاقاتها مع الغرب منذ ذلك الحين. ولكن بالنسبة لغير المتخصصين في بريطانيا وفرنسا، وغير العارفين بالتاريخ الحديث للمنطقة؛ فإن «سايكس بيكو» من الممكن أن تكون علامة تجارية غامضة لآلة كهربائية لبشر الجبن.
وهذا ينطبق أيضًا على ما حدث منذ أكثر من قرن من التدخل والاستعمار، والتدمير، والعمل المعادي للديمقراطية البريطاني-الأمريكي ضد إيران. وعلى السبب الذي يجعل الإعلام البريطاني يعبَّرعن حيرته إزاء كراهية الشعب الإيراني لبريطانيا عندما تم تدمير السفارة البريطانية في طهران الشهر الماضي على يد متظاهرين. ولكن إذا كنت تعرف السجل التاريخي، فما الذي يمكن أن يكون أقل غرابة؟
إن الدور»الأورويلي» الكريه لبريطانيا يستشف بالكاد في التقرير الإخباري لإذاعة «باثي» عند تناولها للإطاحة الانقلابية بالزعيم الإيراني المنتخب ديمقراطيًا محمد مصدق عام 1953 بعد أن قام بتأميم البترول الإيراني.
فقد تم وصف المتظاهرين المؤيدين لمصدق بالعنيفين والمخربين، في الوقت الذي كانت فيه المخابرات البريطانية والأمريكية العنيفة بالفعل تنظم انقلابًا لطرده في مقابل الترحيب بالشاه باعتباره شخصية محبوبة و يحظى بشعبية في إيران؛ بينما الناس يتظاهرون ضده وتأيدا لمصدق، وتم وصف إعادة الشاه ب«التحول الدراماتيكي المفاجئ للأحداث». في حين كانت الأخبار المصورة تكيل اللعنات على «الديكتاتور الافتراضي» المنتخب مصدق، والذي صرح أثناء محاكمته لاحقا بتهمة الخيانة العظمى عن أمله في أن يصبح مصيره مثالاً « لكسر قيود عبودية الاستعمار». وتم تقديم الديكتاتور الحقيقي الشاه المدعوم من الغرب كحاكم للشعب، وهو الذي مهدت رجعيته وقمعه الوحشي الطريق للثورة الإيرانية والجمهورية الإسلامية بعد ذلك بنحو 26 عامًا.
وهكذا عندما ينتقد الساسة الغربيون التسلطية الإيرانية وينددون بها بقسوة أو يتقمصون دور البطولة في الدفاع عن الحقوق الديمقراطية بينما لا يزالون مستمرين في مساندة الأنظمة الديكتاتورية في العالم العربي، فلن يكون هناك الكثير في الشرق الأوسط ممن يأخذون ذلك على محمل الجد.
الدرس الخامس
يقدم الغرب دائمًا العرب الذين يصرون على إدارة شئونهم الخاصة كمتعصبين
ظل الغرب دائما يقدم العرب الذين يصرون على إدارة شئونهم بأنفسهم كمتعصبين ومتطرفين وإرهابيين.
إن الثورة التي انطلقت شرارتها في ديسمبر2010 في سيدي بوزيد، هي أبعد من أن تكون أول ثورة شعبية تقوم ضد الحكم التعسفي في تونس. ففي الخمسينيات أدانت الحكومات الاستعمارية وداعموها بطبيعة الحال الحركة المناهضة للحكم الاستعماري الفرنسي ووصفتها بالحركة ال»متطرفة» وال»إرهابية». ولم يكن لإذاعة»باثي نيوز» الاستعمارية في الواقع أية علاقة بنضالهم من أجل الاستقلال.
في عام 1952، تم توجيه تهمة الهجوم على قسم شرطة إلى «مجموعة من القوميين المتعصبين»؛ في شمال إفريقيا. وبينما قامت الشرطة الاستعمارية بعملية «بحث نشيطة عن الإرهابيين»- على الرغم من أن الرجال المساكين المشدوهين الذين كان يتم سحبهم من منازلهم تحت تهديد السلاح كانوا يبدون أقرب إلى «المشبوهين العاديين» للكابتن «رينولت» في فلم «كازابلانكا» بينما المذيع يقدمهم على أنهم «المتعصبون الذين يتدخلون مرة أخرى ويزيدون من صعوبة الموقف».
وهو يعنى بذلك الوطنيين التونسيين بالتأكيد، وليس النظام الاستعماري الفرنسي.
لقد خفت نجم القومية العربية منذ زمن ونشأت الحركات الإسلامية، التي تم بدورها كذلك إقصاؤها بوصفها - تماما مثل القوميين سابقا على أنها حركة «متعصبين»، و»إرهابيين» وذلك من طرف الغرب وبعض القوميين السابقين على السواء. ولأنَّ الانتخابات تأتي بحزب إسلامي تلو الآخر في العالم العربي، فإنَّ أمريكا وحلفاءها يحاولون ترويض هؤلاء الإسلاميين على إبداء حسن نيتهم في اتباع السياسة الاقتصادية الأجنبية، بدلاً من فهم وتفسير الشريعة. والذين يخضعون لذلك ويرضخون سوف يتم اعتبارهم «معتدلين» أما الباقي فسيظلون «متعصبين».
الدرس السادس
التدخل العسكري الأجنبي في الشرق الأوسط يأتي بالموت والدمار والتقسيم والتحكم
التدخل العسكري الأجنبي في الشرق الأوسط يأتي بالموت، والدمار، والتقسيم، والتحكم. ليست هناك حاجة للحفر في السجلات التاريخية وفي أرشيفات الاستعمار لاستنتاج هذه الحقيقة. بما أن تجربة العقد الأخير واضحة بشكل كافٍ. وسواءً كان ذلك غزوًا واحتلالاً بشكل كامل مثل العراق، حيث تم قتل مئات الآلاف، أو قصفًا جويًا لتغيير النظام تحت شعار»حماية المدنيين» مثل ليبيا، حيث تم قتل عشرات الآلاف، فإن الخسائر البشرية والمادية كانت كارثية.
لقد كان هذا هو الحال طوال التاريخ المشئوم للتدخل الغربي في الشرق الأوسط. ويمكن لفيلم «باثي» الصامت الذي يؤرخ لتخريب دمشق على يد القوات الاستعمارية الفرنسية خلال الثورة السورية عام 1925 أن يقدم صورة شبيهة لمجزرة الفلوجة في عام 2004 أو سرت في الخريف الماضي؛ وذلك بغض النظر عن اختلاف الطرابيش والخوذات.
وبعد ثلاثين عامًا بدت بورسعيد في وضع مشابه خلال العدوان البريطاني الفرنسي على مصر عام 1956 الذي ميز حلول الدول الاستعمارية الأوروبية السابقة محل الولايات المتحدة كقوة مسيطرة في المنطقة.
وهذا الفيلم التسجيلي للقوات البريطانية وهي تهاجم السويس، وقوات الغزو وهي تحتل وتدمر مدينة عربية أخرى، بيروت أو البصرة مثلاً قد أصبح من الصور المعتادة التي تميز العالم المعاصر، ورابطًا مباشرًا بالعصر الاستعماري.
هكذا كانت الخطط الإمبريالية التقليدية لاستخدام الدين والانقسامات العرقية لتقوية الاحتلال الأجنبي: سواء من الأمريكيين في العراق، أو الفرنسيين في سوريا أو لبنان، أو البريطانيين أينما ذهبوا تقريبًا. ويمتلئ أرشيف «باثي» بالأفلام التسجيلية التي تروج للقوات البريطانية باعتبارها تعمل على «الحفاظ على السلام» بين الطوائف المتناحرة، من قبرص حتى فلسطين وذلك بهدف واحد: استمرار السيطرة والتحكم.
والآن تعمل التقسيمات الطائفية والعرقية التي فُُرضت تحت الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق، والتي تم حشدها بواسطة حلفاء الغرب في الخليج للتخلص من تحديات الصحوة العربية أو تحويل مسارها: ومثلما حدث في قمع الثورة البحرينية، وعزل اضطرابات الشيعة في المملكة العربية السعودية وزيادة الصراع الطائفي في سوريا لن يؤدي التدخل الأجنبي إلا إلى رفع نسبة القتل ومنع السوريين من حق السيادة في وطنهم.
الدرس السابع
الرعاية الغربية للاحتلال الصهيوني لفلسطين عقبة دائمة في وجه العلاقات الطبيعية مع العالم العربي
إن الرعاية الغربية للاستعمار الصهيوني في فلسطين عقبة دائمة في وجه العلاقات الطبيعية مع العالم العربي.
و(إسرائيل) لم يكن لها أن توجد لولا الحكم الاستعماري لبريطانيا الذي دام ثلاثين عامًا في فلسطين، ولولا رعايتها على نطاق واسع للاستعمار الأوروبي اليهودي تحت لواء وعد بلفور عام 1917. فقد كان من الواضح أن فلسطين مستقلة ذات أغلبية فلسطينية عربية لم يكن الاستعمار الغربي ليقبل بها أبدًا.
وتتجلى الحقيقة المقنعة في ذلك المقطع المصور ل»باثي نيوز» عندما قامت الثورة العربية ضد الانتداب البريطاني في نهاية الثلاثينيات من القرن العشرين حيث يعرض الجنودَ البريطانيين وهم يحاصرون الفلسطينيين «الإرهابيين» في مدينتي نابلس وطولكرم بالضفة الغربية المحتلة تمامًا كما يفعل خلفاؤهم (الإسرائيليون) اليوم.
إن سبب شعور المستوطنين اليهود بالأمان، كما يعلن المُذيع بنبرات حادة لاهثة في ذلك التعليق الصوتي المميِّز لفترة الثلاثينيات، هو «القوات البريطانية اليقظة دائمًا، والحامية دائمًا، والراعية دائما». هذه العلاقة انهارت بعد تقييد بريطانيا للهجرة اليهودية إلى فلسطين عشية الحرب العالمية الثانية.
وكان رد الفعل الاستعماري لبريطانيا، في فلسطين وفي أماكن أخرى، هو دائمًا الظهور باعتبارها «راعية القانون والنظام» ضد «تهديد الثورة» و»سيدة الموقف» كما يبدو في هذا الفيلم الإخباري المضلل عن القدس عام 1938.
ولكن الصلة الأساسية السابقة بين القوة الاستعمارية الغربية والمشروع الصهيوني أصبحت تحالفًا إستراتيجيًا دائمًا بعد تأسيس (إسرائيل) من خلال إجلاء ونزع الملكية من الفلسطينيين وعدة حروب و44 عامًا من الاحتلال العسكري واستعمار غير قانوني مستمر للضفة الغربية وغزة.
وتعد الطبيعة غير المشروطة لهذا التحالف، والتي تظل محور سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط؛ أحد الأسباب التي تفسر احتمال رفض الحكومات العربية المنتخبة ديمقراطيًا أن تلعب دور الأبله التابع للقوة الأمريكية؛ وهو الدورالذي كانت تلعبه حكومة مبارك وأنظمة الخليج الديكتاتورية. فلا شك أن القضية الفلسطينية متأصلة في الثقافة السياسية العربية والإسلامية. ومثل بريطانيا قبلها، يُمكن أن تناضل الولايات المتحدة الأمريكية لتظل «سيدة الموقف» في الشرق الأوسط.
«شايماس ميلن»
ال"إندبندنت" البريطانية عدد الإثنين 19 دجنبر2011


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.