يعتبر منتدى المستقبل الاسم المختصر للمبادرة التي أطلقتها مجموعة دول الثمانية بعد اجتماعها المنعقد في قمة سي آيلاند بولاية جورجيا في شهر يونيو ,2004 وقد أطلقته الدول الثمانية في إطار مبادرة جديدة آنذاك تحت إسم الشراكة في سبيل التقدم ومستقبل مشترك مع منطقة الشرق الأوسط الكبير وشمال إفريقيا، بعد أن أخذت الولاياتالمتحدةالأمريكية بعين الاعتبار ملاحظات دول الاتحاد الأوروبي، وخاصة ما ورد في المبادرة الألمانية الفرنسية حول مشروع الشرق الأوسط الكبير كما طرحته الولاياتالمتحدةالأمريكية. رفض في البداية قبيل عقد دورته الأولى يومي 10 و11 دجنبر 2004 بالرباط، قوبل منتدى المستقبل برفض عربي رسمي وشعبي، كما قوبل بتحفظات دول من الاتحاد الأوروبي، الشيء الذي دفع بالولاياتالمتحدةالأمريكية إلى إعادة إخراجها في قالب جديد، حتى تضمن له تزكية أوروبية وقبولا عربيا، ويأخذ بعين الاعتبار الاعتراضات العربية والأوروبية على الإصلاح المفروض من الخارج، ويضمنه إشارة محتشمة إلى حل قضية الصراع العربي-الصهيوني في المنطقة، ويعمل على ضمان تزكية عربية بصدور تعبير عن الرغبة في الانخراط في مسلسل الاصلاحات من قمة تونس العربية. وعمدت الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى إبعاد إسرائيل من المشاركة في الدورة الأولى من منتدى المستقبل، لإيهام الدول العربية، والحقيقة أن إسرائيل هي الحاضر الأكبر في المنتدى، وفي مختلف التوصيات التي تريد الولاياتالمتحدةالأمريكية الخروج بها من المنتدى. وهكذا قدمت الولاياتالمتحدةالأمريكية مشروع الشرق الأوسط الكبير في حلة جديدة معلب بشراكة بين دول العالم العربي والاسلامي، المستهدف الأكبر بالإصلاحات المتضمنة في المبادرة، والولاياتالمتحدةالأمريكية في شخص إدارتها السابقة، ومن ورائها اليمين المسيحي المتطرف. وسعت الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى إكساب منتدى المستقبل براءة شكلية عبر إقحام أطراف متعددة ومختلفة لإكساب توصياته مشروعية أكبر وقابلية لدى الشعوب، من بينها دول الاتحاد الأوروبي التي استطاعت الولاياتالمتحدةالأمريكية إقناعها بالمشروع عبر التغييرات المحدثة على مستوى شكله، إضافة إلى منظمات وجمعيات المجتمع المدني التي أرادت من ورائها الحضور الشخصي لإسرائيل في حال رفض الدول العربية حضور وفدها الرسمي إلى جانبها، ويعد المجتمع المدني الذي دفعت الولاياتالمتحدةالأمريكية مجموعة هلامية اختيرت بعناية فائقة، وهي بحسب المراقبين والمحللين، قابلة للبيع والشراء، وليست نابعة من الجسم الشعبي للدول العربية والاسلامية، وقد جمعت الولاياتالمتحدةالأمريكية الجمعيات المشاركة في اجتماع سري في نيويورك قبيل انعقاد الدورة الأولى من منتدى المستقبل، وهي مجموعة من الجمعيات تم انتقاؤها بسرية تامة. جذور المشروع ارتبط مفهوم الشرق الأوسط بالرؤية الاستعمارية لمصالحها الإستراتيجية وبتصورها لإعادة صياغة وتركيب المنطقة منذ القرن الماضي حتى اليوم، ومن تم جمع مفهوم الشرق الأوسط بين الجغرافيا والسياسة، ولم تكن دلالته الجغرافية مستقرة، حيث تذبذبت بين الاتساع والضيق حسب المصالح الاستعمارية والرغبة في تفتيت الأمة العربية والإسلامية. واستخدم مفهوم الشرق الأوسط من قبل القوى الاستعمارية الأوربية خلال الحرب العالمية الأولى بصفة أساسية، وذلك في مواجهة تصاعد تجليات ومظاهر انبعاث الوعي القومي العربي الذي شهد مده وانتشاره لمواجهة نفوذ المشروع القومي مع بدء أفول الدولة العثمانية، وما عرف بسياسة التتريك التي أرادت الحركة القومية التركية فرضها على المجتمعات العربية بقيادة حركة تركيا الفتاة منذ بدايات القرن العشرين. وفي نفس الوقت برزت مشروعات مناطق النفوذ البريطانية والفرنسية الاستعمارية واتفاقات ومعاهدات تقسيمها في الوطن العربي بين الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية، مثل معاهدة سايكس-بيكو لعام .1916 ولم يكن مفهوم الشرق الأوسط يشير في الواقع إلى حيز جغرافي معين ولا إلى تاريخ محدد مشترك لشعوب المنطقة، بل استند بالأساس إلى نظرة السياسات الاستعمارية الأوربية إلى أوروبا كمركز أو قطب جاذب للعالم يقع خارج الشرق الأوسط، وبناء على ذلك فقد صكت القوى الاستعمارية الأوربية التعبيرات المختلفة بخصوص مناطق التوسع الاستعماري انطلاقًا من المركزية أو التمحور حول أوربا في عصر الاستعمار التقليدي الذي شكل عالمًا تميز بكونه ذا قطب واحد هو القطب الاستعماري العالمي بدوله المختلفة. في هذا الإطار شاعت فكرة الشرق الأوسط في السياسة البريطانية، وفكرة المشرق في أدبيات السياسة الفرنسية. وكلاهما مفاهيم جيو سياسية وإستراتيجية دلت على طبيعة مخططات القوى الاستعمارية الأوربية إزاء شرقها هي بالمعنى الجغرافي، وعكست إستراتيجيات تقاسم مناطق النفوذ بينها وخصوصًا مع اكتشاف البترول في كل من إيران والعراق وشبه الجزيرة العربية. وهكذا تداخل في المشروع الاستعماري الجغرافيا والتاريخ والأيديولوجيا، وحمل المفهوم في طياته تصورًا لعلاقة الوطن العربي بالعالم الغربي. وعندما نشأ الكيان الصهيوني في فلسطين بدعم استعماري مباشر صارت شرق الأوسطية إلى جانب مركزيتها الأوربية شديدة الارتباط بعلاقة العرب بإسرائيل. ذلك أن إدراك القوتين الاستعماريتين الفرنسية والبريطانية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر لخطورة ما عرف بالمسألة اليهودية أي موضوع رفض تجمعات يهودية عديدة في أوربا الاندماج في الحداثة والتحديث والعلمانية الغربية، جعلهما يفكران جديًّا في إقامة وطن للشعب اليهودي أو لالأمة اليهودية حسب تعبير بالمرستون رئيس الوزراء البريطاني في أربعينيات القرن التاسع عشر ، تحققان به -أي فرنسا وبريطانيا- هدفين متقاطعين هما تجزئة المنطقة العربية من جهة وحل المشكلة اليهودية التي أرّقت أوربا كثيرًا، من جهة أخرى. معنى ذلك أن الشرق الأوسط هو تعبير عن منطقة ذات جغرافيا متغيرة، ويدل على ذلك أن المصطلح صار يعبر عن مدلول جغرافي آخر مغاير بعد هزيمة النظام الناصري والمد القومي العربي عام 1967 على يد إسرائيل والدعم الأمريكي لها، فبعد أن كان يقتصر على مصر وفلسطين والشام، صار بعد عدوان عام 1967 وانشغال الحكومات العربية بمهمة إزالة آثار العدوان في إطار قرار مجلس الأمن رقم 242 يشير فقط إلى الحيز الذي تشغله الدول التي دخلت حرب .1967 ويمكن القول إن الولاياتالمتحدة في عهد إدارة نيكسون وتحت تأثير سياسة وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر استثمرت إلى حد بعيد سعي الرئيس المصري السابق أنور السادات إلى تسوية سلمية سريعة ومنفردة مع إسرائيل بعد أن عبر منذ الأيام الأولى لحرب أكتوبر 1973 عن عزمه على عدم إطالة أمد الحرب أو عدم توسيع مداها، وذلك في مراسلاته السرية مع كيسنجر، وتم ذلك الاستثمار من خلال نجاح كيسنجر في فك الارتباط بين قضيتي النفط والصراع العربي الإسرائيلي في إطار مواجهته لتداعيات استخدام سلاح النفط العربي إبان حرب أكتوبر. ومن جانب آخر وضعت الولاياتالمتحدة تصورًا للشرق الأوسط في هذه الحقبة، يحصره في الأطراف العربية التي تقبل التسوية السياسية للصراع العربي الإسرائيلي بقيادة منفردة لواشنطن ومعها إسرائيل ، مع التأكيد على أهمية إقامة علاقات اقتصادية وتنسيق أمني بين هذه الأطراف العربية وإسرائيل. وقد تم ذلك جزئيًّا مع توقيع أنور السادات معاهدة سلام منفرد مع إسرائيل عام .1979 ما وراء منتدى المستقبل ترى العين الدبلوماسية الأمريكية أن منتدى المستقبل كما علبته وأخرجته إلى الوجود، يشكل واجهة من واجهات الشراكة من أجل التقدم ومستقبل مشترك مع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأنه آلية من آليات الحوار بشأن إصلاح المنطقة العربية بدعم من الدول الصناعية المتقدمة، وضعت لها الولاياتالمتحدةالأمريكية آليات وقامت بتكييفها حتى لا تلقى اعتراضات من قبل الدول العربية لتتحول من إصلاحات سياسية إلى إصلاحات اقتصادية. وتم التنصيص عليه في خطة إصلاح الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي قدمت للتدارس في قمة مجموعة الدول الثماني التي انعقدت بسي آيلاند بجورجيا بالولاياتالمتحدة خلال يومي 9 و10 من شهر يونيو ,2004 كانت الخطة في صيغتها الأولى تسمى الشرق الأوسط الكبير وقد سجلت عليها عدة ملاحظات قدمتها العديد من الفعاليات المدنية والسياسية والرسمية منها الرغبة في فرض الإصلاح وليس الحوار بشأنه وتغييب الصراع العربي الصهيوني... غير أن الخلفيات الحقيقية للمنتدى تؤكد أن الولاياتالمتحدةالأمريكية أتقنت تعليب المشروع من أجل تحقيق مآرب أخرى، وعلى رأسها الإدماج التدريجي للكيان الصهيوني في المنطقة، والقيام بتعتيم على أعمال الإجرام والتخريب والتقتيل التي مورست وتمارس في فلسطين والعراق وأفغانسان وأضيفت إليه دول عربية وإسلامية أخرى خلال الخمس سنوات التي مرت من عمر المشروع، بالإضافة إلى التخفيف من حدة عداء المواطن العربي والمسلم للسياسة الأمريكية.