فتح الكريم عز وجل أبواب عديدة للخير أمام الناس، ولم يجعلها قاصرة على بذل المال وحده، فليس للجميع القدرة على العطاء والتصدق بالمال، كما أن احتياجات الناس مختلفة، فقد تكون حياة إنسان متوقفة على التبرع بالدم، ولن تنقذه وقتها أموال الدنيا وكنوزها! ومن الحكمة الإلهية أن الله تعالى نوَّع في أرزاق العباد، ولم يعطهم جميعا نفس المقومات الحياتية، كالمال والعلم والصحة والحكمة،.. إلخ. وفي المقابل جعل عباد الله في حاجة لبعضهم البعض، ونوَّع في احتياجاتهم، ليتلاحم البشر في أخذٍ وعطاءٍ متبادل. يقول تعالى في سورة الحج: { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }.. وهنا يبرز هنا سؤال مهم: هل بعد الإيمان والركوع والسجود وعبادة الله من خير يؤمر به؟.. فأي خير هذا بعد كل هذه العبادات؟ وتدل هذه الآية بوضوح على أن ميادين الخير ومجالاته كثيرة متشعبة، فإن الركوع والسجود وسائر العبادات إنما تنفع صاحبها فقط بأن تضع رجله على طريق الجنة، ولكن الناس لا ينتفعون بصيام الصائم ولا بصلاة المصلي، ولا بذكر الذاكر ولا بقيام القائم؛ ولذلك أمر الله المؤمنين بأن يفعلوا الخير، وأن يقولوا للناس حسنا، وأن يمسكوا أذاهم عن الناس، فهذا هو ما ينفعهم ويفيدهم. وفعل الخير في الإسلام ليس مقصورا على بذل المال؛ لأن المال وحده لا يصنع كل شيء، ولأن المال لا يجده كل أحد. ومن هنا تعددت مجالات الخير، واتسعت لتشمل كل نفع للناس، وكانت هذه المنافع والخدمات صدقة في شريعة الإسلام، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «.. وكل معروف صدقة». ويقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبينا صدقات كثيرة لا علاقة لها بالمال: «على كل نفس في كل يوم طلعت عليه الشمس صدقة منه على نفسه من أبواب الصدقة: التكبير وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله واستغفر الله، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويعزل الشوك عن طريق الناس والعظم والحجر، وتهدي الأعمى وتسمع الأصم والأبكم حتى يفقه، وتدل المستدل على حاجة له قد علمت مكانها، وتسعى بشدة ساقيك إلى اللهفان المستغيث، وترفع بشدة ذراعيك مع الضعيف، كل ذلك من أبواب الصدقة منك على نفسك ...».