المغرب يدعو لمواكبة البلدان التي تمر بمرحلة انتقال سياسي لتسريع عودتها إلى الاتحاد الإفريقي    المغرب، الشريك التجاري الأول لإسبانيا في إفريقيا    تقارير استخباراتية أوروبية: الرئاسة والجيش وأجهزة المخابرات في الجزائر تعاني من حالة شلل كامل    مقتل عشرات الفلسطينيين في غارات جوية إسرائيلية    أخبار الساحة    قناع الغرب.. البروتوكولات المضللة -17- آلاستَير بونيت: الغرب الأبيض!    خالد بن الصغير يترجم «يهود الامبراطورية السفراد»    ارتفاع القروض المتعثرة في المغرب إلى 8.3% من إجمالي القروض البنكية    بركة: الجشع المفرط للوبيات وراء التضخم غير المبرر في المغرب    وهبي يتمسك بمصطلح "الأحداث" عوض "الأطفال" في التشريع الجنائي    خطير.. تقرير يكشف عن تسريب أكثر من 31 ألف بطاقة بنكية في المغرب    حكومة غزة: 436 شهيدا في 48 ساعة    اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي تُنظم جلسات استماع تتعلق بمعالجات الذكاء الاصطناعي    وادي زم: توقيف شخص بتهمة التزوير    مقاييس الأمطار بالمغرب في 24 ساعة    "بلوكاج إداري" يعطل العمل في 3 أكاديميات و24 مديرية إقليمية للتربية والتكوين    نشرة إنذارية: رياح قوية وتطاير الغبار    وزارة التجهيز تؤكد سلامة سد بوعاصم بالحسيمة بعد فحص تقني شامل    تماسك المغرب الجديد    الإسكندر في المغرب    هيئات نقابية وسياسية مغربية تستنكر عودة الكيان الصهيوني لسفك دماء الفلسطينيين وتطالب بوقف التطبيع    مطالب باستدعاء وزير الداخلية للبرلمان من أجل مناقشة هدم المنازل في المدن    "الغادريان": نتنياهو يشعل مجددا الحرب في غزة من أجل البقاء في السلطة    فتح باب الترشيح لرئاسة جماعة أصيلة    أخنوش يشدد على ضرورة عقلنة النفقات وتحسين فعالية تدخلات الدولة    "التقدم والاشتراكية" يستنكر استخدام العمل الخيري لأغراض انتخابوية ويدعو لوقف التطبيع    "رمضانيات الأحرار" بأكادير… أمسية روحية مميزة احتفاء باليوم العالمي للمرأة    استئصال اللوزتين يحمي الأطفال من اضطرابات التنفس أثناء النوم (دراسة)    الأسبوع الوطني للماء 2025: تعبئة وطنية لمواجهة التغيرات المناخية وضمان الاستدامة المائية    هذه مواعيد مباراتي الجيش الملكي ونهضة بركان في ربع نهائي دوري الأبطال وكأس الكونفدرالية    الدراما المغربية بين النمطية والإنتاج القصير: هل حان الوقت للتغيير؟…ناقد فني يجيب "رسالة 24"    سيدة مضطربة عقليا تدخل المسجد بملابس غير لائقة    أوكامورا:الاقتصاد المغربي أظهر مرونة في مواجهة الصدمات السلبية    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الافتتاح على وقع الأخضر    ديمقراطية تركيا.. اعتقال عمدة إسطنبول منافس أردوغان في رئاسيات 2028 وتعطيل مواقع التواصل في البلاد    مراكش الحمرَاء التاريخ فى سكُون    المغرب وروسيا يوقعان اتفاقًا جديدًا للصيد البحري لمدة أربع سنوات    اليوم العالمي للشخير    أولمبيك آسفي يعلن انفراجا في أزماته بعد تدخل لقجع    المنتخب المغربي يواصل تحضيراته لمباراتي النيجر وتنزانيا قبل السفر إلى وجدة    أرباح الأندية المغربية من بيع اللاعبين في 2024 تبلغ 8.27 مليون دولار    منخرطو الوداد ينتفضون في وجه الرئيس آيت منا    مؤلم.. العثور على رضيع حديث الولادة قرب مسجد بمريرت    الذهب يصعد لأعلى مستوى    شركة صينية تفوز بصفقة لتوسيع الطريق السيار بين الرباط والدار البيضاء    جامعة الكرة تصادق على تعديلات جديدة.. عقوبات لتخريب الفار وارتكاب الشغب    إعادة الإدماج بنون النسوة: حفل إفطار جماعي لنزيلات السجن المحلي العرائش 2    تعرف إلى أغلى 8 لاعبين في المنتخب المغربي … وضمنهم حكيمي … ودياز    حِكم حَلاجِية..    عمرو خالد: جفاف القلوب أسوأ من شح الجيوب.. وهكذا يمتلئ خزان الحب    أَكُلُّ هذا القتل من أجل تجويد شروط التفاوض؟    اضطرابات النوم في رمضان: البحث عن التوازن بين الصيام والراحة    "إفطار رمضاني" في العاصمة الرباط يُنوه بتوازن النموذج الحضاري المغربي    الشيخ أبو إسحاق الحويني يرحل إلى دار البقاء    دراسة جديدة تربط بين الطقس الحار وأمراض القلب في أستراليا    شهر رمضان في أجواء البادية المغربية.. على إيقاع شروق الشمس وغروبها    الأدوية الأكثر طلبا خلال رمضان المضادة للحموضة و قرحة المعدة!    لا أيمان لمن لا أمانة له ...    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خواطر وبصائر- بقلم رشيد سودو
نشر في التجديد يوم 17 - 11 - 2009

هذه الحلقات مهداة إلى روح صاحب الدعوة إلى الاستبصار القرآني إلى أخي الحبيب الذي ما زلت أبكيه إلى اليوم بدموع حارة وأظنني سأبقى أبكيه كلما نظرت في كتاب الله لأن اسمه ارتبط بقوة في وعيي بخدمة كتاب الله وتجديد النظر الإيماني فيه.. إلى روح الشيخ العلامة فريد الأنصاري رحمه الله وجعل ما أكتبه في ميزان حسناتي وحسناته.
قال الله عز وجل :{ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ارْكَعُواْ وَاسْجُدُواْ وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَافْعَلُواْ الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(77) وَجَاهِدُوا فِي للَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ جْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُواْ بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ(78) } سورة الحج
هذه الآيات تخاطب فينا على عادة القرآن البيانية العقل والحس والوجدان، وتتحرك بمعانيها أمام أبصارنا وبصائرنا في مشاهد إيمانية، غاية في التناسق .. ظواهرها تأخذك إلى بواطنها، وبواطنها تردك إلى ظواهرها، ولا يُؤذن لك بالاستقرار حتى تنسج من الذهاب والجيئة بينهما، وحدة عضوية تتفجر حياة وحيوية. فتحس أن لها فعلا إعجازيا، فيك، يدفعك لتقويم ذاتك وإعادة صياغة شخصيتك وتجديد علاقتها بالله وما ينبني عليها من علاقات بالمخلوقات..
((ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ارْكَعُواْ وَاسْجُدُواْ وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَافْعَلُواْ الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ))
كل التفاسير التي اطلعت عليها فسرت الركوع والسجود بالكناية عن الصلاة ، و(اعبدوا ربكم)، بالإخلاص ، مع توسع بعضها في إيراد اللطائف والإشارات الموحدة للسياق. كقول الشيخ متولي الشعراوي رحمه الله : وذكر من الصلاة الركوع والسجود؛ لأنهما أظهر أعمال الصلاة، لكن الركوع والسجود حركات يؤديها المؤمن المخلص، ويؤديها المنافق، وقد كان المنافقون أسبق الناس إلى الصفوف الأولى؛ لذلك أراد الحق سبحانه أنْ يُميِّز هذا من هذا، فقال: { وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ.. } الحج: 77.
فليست العبرة في حركات الركوع والسجود، إنما العبرة في التوجّه بها إلى الله، وإخلاص النية فيها لله، وإلا أصبحت الصلاة مجرد حركات لا تعدو أن تكون تمارين رياضية كما يحلو للبعض أن يقول: الصلاة فيها تمارين رياضية تُحرِّك كل أجزاء الجسم، نعم هي كما تقولون رياضة، لكنها ليست عبادة، العبادة أن تؤديها لأن الله تعالى أمرك بها.
يبدو والله أعلم أنه لا يصح أن نقفز على معنى الركوع والسجود وسياقهما، بذكر الصلاة التي تشملهما واعتبارهما كناية عنها والسلام . الأمر أدق من ذلك،لقد ذكرا لما يختص به كل واحد منهما وما يشغله داخل المشهد التعبدي الذي تعرضه الآيتان الكريمتان . وهذا ما سنحاول توضيحه بخواطر مستبصرة بإذن الله.
هناك حركات مختلفة لكنها منتظمة باتجاه الاستغراق العبودي بين يدي الله، استغراقا يمكن العبد من تطويع هيكله الذي هو وعاء روحه، وكل جوارحه ليتوافق وتنسجم مع باطنه، وتحريك باطنه ليتطهر ويتقوى على التحكم في هيكله وجذب الجوارح إلى مجال سلطته ليوجهها بما يخدم الدين والدنيا معا، بلا تعاند ولا تنافر.
فنحن أمام مشهد حركي تعبدي للإنسان المؤمن وقد أقبل على الله بكل كيانه يطلب قربه خاضعا، خانعا.. فبدأ بكسر قامته وإحنائها إلى النصف بالركوع، هذه القامة التي من طبيعتها الانحناء والانطواء طوعا وكرها.. وقد تنحني بوعي لحاجة داعية أو بغير وعي بحكم العادة الغالبة، لكنها في محراب الصلاة تُدعى لتنحني بوعي عبودي لله، فإن تخلف الوعي أو غاب، كانت حركة الركوع وما يسبقها من حركات تكبيرة الإحرام ، ووضع اليمنى على اليسرى مع قراءة القرآن، منبهات قوية إلى ضرورة استحضار الوعي ليعقل صلاته ويخرج منها بعد السلام بحظه. وبعد هذا الوضع الجسدي المتذلل ينتقل إلى وضع آخر يكون فيه أكثر تذللا فيهوي إلى الأرض واضعا جبهته وأنفه عليها، وهي حالة السجود التي قال الله تعالى فيها : {واسجد واقترب} وقال صلى الله عليه وسلم : أقرب ما يكون العبد من ربه عز وجل وهو ساجد، فأكثروا الدعاء رواه مسلم.. ففي الركوع نوع خضوع، لكنه غير كاف، فيتحرك الجسد طالبا الكفاية والنهاية فيه، في حدود حركته الجسدية، فيهبط إلى الأرض ساجدا. وليس بعد السجود وضعا جسديا يعبر أبلغ التعبير عن زيادة الخضوع والتذلل. فوجب البحث عن طريق جديد لكسب المزيد من التذلل والخضوع بين يدي الله، فلم يبق أمام العبد إلا الحفر في الجسد واختراقه باتجاه القلب ليجري عليه باطنا ما جرى على الجسد ظاهرا فيركع ويسجد على طريقته ويمارس عبوديته لله وهذا هو قوله تعالى: (واعبدوا ربكم).. فالعبودية الحقيقية تكون بالقلب الذي يفقه عن الله ما يريده الله منه.. وفي قوله تعالى: ((ربكم)) إشارة لطيفة وهي أن الله ربكم يأمركم وينهاكم ويبتليكم تربية لكم لتكونوا له حتى يسهل عليكم أن تكونوا لأنفسكم ولبعضكم البعض.
وهذه التربية الإلهية لها منهج واضح وهو السعي إلى إخضاع ملك الجسد الذي هو القلب، لكن لا يمكن الوصول إلى عاصمته التي يحتمي بها والتمكن منه إلا بعد الانتصار على جيوشه وأعوانه وتجميد فعلها أو مصادرتها. وفي الوقوف ساكنا بعد تكبيرة الإحرام تجميد لحركة الجسد وفي الركوع والسجود مصادرة لها لصالح العملية التربوية الربانية. وبالانتصار على الأعضاء التي يتحكم فيها القلب نصل إلى القلب فنجده جالسا على عرشه مطأطأ رأسه في خضوع تعبدي لله يتلذذ بأحواله التعبدية ويصدر أوامره لأتباعه في كل الجسد كي يوافقوه ويسيروا معه على الخطة الجديدة.. ومن علامة أن القلب انصلح وأن الأعضاء خضعت له، المبادرة إلى فعل الخيرات وترك المنكرات، وهو ما جاءت الإشارة إليه في آية موضوعنا بقوله تعالى: ((وافعلوا الخير لعلكم تفلحون)).
وللاستبصار في خواتيم سورة الحج بقية..
(يتبع)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.