الحمد لله الذي أنقذنا بنور العلم من ظلمات الجهالة، وهدانا بالاستبصار به عن الوقوع في عماية الضلالة، ونصب لنا من شريعة محمد صلى الله عليه وسلم أعلى علم وأوضح دلالة، كلمات افتتح بها الإمام الشاطبي كتابه الموافقات الذي اختار عنوانه بناء على رؤيا صالحة من بعض شيوخه... وهاهي الموافقات تتوالى ويختار الله أن يقبض روح العالم الجليل أبا أيوب الأنصاري رحمه الله في الأرض الطيبة المباركة إستانبول التي قبضت فيها روح الصحابي الجليل أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه. أبو أيوب الأنصاري أيها السادة هو الأستاذ الدكتور فريد الأنصاري عضو المجلس العلمي الأعلى الذي بدأ مشواره العلمي مع الشاطبي في بحث مصطلحات أصولية في كتاب الموافقات، ثم عاد إلى ذات الموضوع في أطروحة الدكتوراه في بحث: المصطلح الأصولي عند الشاطبي فأحاط بالموافقات ونال منها أوفر نصيب، ومن الموافقات ما قاله عنه أستاذنا الدكتور الشاهد البوشيخي حفظه الله في تقديمه للأطروحة: الآن وقد بلغ أشده وبلغ أربعين سنة بدأ إرساله في مجال العلم وكذلك كان ... ولئن بدأ إرسال أبي أيوب الأنصاري قبل ذلك بكتاب أبجديات البحث في العلوم الشرعية، إذ ما يزال ذات الكتاب لا يكاد يستغني عنه طالب علم يتلمس مداخل طرق البحث العلمي ... وقبله كتاب التوحيد والوساطة في التربية الدعوية الذي صدر ضمن سلسلة كتاب الأمة ... والذي افتتحه بقوله: لعله لن يخالفني الكثير إن قلت إن مجموعة كبيرة من أمراض العمل الإسلامي ترجع إلى المسألة التربوية فيه من حيث التصور أو الممارسة أو هما معا، وهو يؤسس لمجال كان لأبي أيوب الأنصاري رحمه الله فيه حضور ومشاركة ورأي تبلور وتطور وتغير مع الزمن، أعني مجال العمل الإسلامي والحركة الإسلامية المغربية، فهو أحد رعيتها ورعاتها! ومما ما صدر له بهذا الشأن: الفجور السياسي والحركة الإسلامية وفيه يقول: إن الحزب الأكبر اليوم هو (حزب الفجور السياسي) أعني الفساد الخلقي الشامل، المدعوم سياسيا، من جهات سياسية وثقافية شتى ...، ثم يتساءل هل تدرك الحركة الإسلامية طبيعة الفجور السائد بالبلاد تمام الإدراك، ثم كان كتاب البيان الدعوي وظاهرة التضخم السياسي، والذي جعله استجابة للإسهام في معالجة الإشكال الحاصل في الميدان الدعوي (علاقة السياسي بالدعوي) في مشروع التجديد الإسلامي ...، ثم جاء كتاب الأخطاء الستة للحركة الإسلامية بالمغرب، وكتاب الفطرية... ووافقه من وافقه، وخالفه من خالفه ضمن القاعدة الذهبية للإمام مالك رحمه الله: كل كلام يؤخذ منه ويرد إلا كلام صاحب هذا القبر، أو قوله: ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر، وأشار إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ثم توالى الإرسال شعرا ونثرا من خلال ديوان القصائد ورواية آخر الفرسان وغيرهما... ثم كان المشروع الذي اختار أبو أيوب الأنصاري له عنوانا من القرآن إلى العمران، وكأنه حط الرحال في خدمة القرآن وفي بعث ونشر رسالة القرآن، وكان مما كتب في مجالس القرآن، أما بعد فإلى العلماء العاملين وإلى السادة المربين وإلى أهل الفضل والصلاح، إلى دعاة الخير والفلاح، إلى الشباب الباحثين عن وارد من نور يخرجهم من ظلمات هذا الزمان، إلى جموع التائبين .... إليكم أيها الأحباب أبعث رسالة القرآن، وتوالت الأعمال العلمية ذات الصلة بالموضوع من خلال مجلة رسالة القرآن و الدراسات والأبحاث المستقلة و الخطب والدروس والمحاضرات ضمن ذات المشروع من القرآن إلى العمران. واختار الله أن يقبض روح أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قبل فتح القسطنطينية، ثم قيض الله لهذا الفتح السلطان محمد الفاتح فأنجز الله على يديه الفتح، واختار الله أن يقبض روح أبي أيوب الأنصاري قبل أن ينجز كل ما تمناه من أثر القرآن في توجيه العمران، والله نسأل أن يقيض لهذه الأمة من علمائها ودعاتها من يسهم في إنجاز المشروع: رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (التحريم : 8) في الأخير أدعو إلى تأمل صورة أخرى من صور الموافقات، وهي انشغال أبي أيوب الأنصاري بالصلاة، فكان من أوائل ما صدر له ضمن منشورات التجديد سنة 1999 قناديل الصلاة، وكان من أواخر ما صدر له كتاب الدين هو الصلاة والسجود لله باب الفرج! سنة ,2009 فهل نستجيب جميعا لأمره تعالى: كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (العلق : 19).