أكد سهيل بن سعيد زعبنوت خبير قانوني من سلطنة عمان وأستاذ بجامعة السلطان قابوس، على أن لا خوف على هوية سلطنة عمان والخليج عامة، من التحولات الجارية بخصوص اللغة والقيم وتوافد العمالة الأسيوية بكثرة. واعتبر سهيل أن الهوية مسألة متحركة، فيما يخص بسلطنة عمان أكد سهيل على أن هناك توجهات قوية في مجلس الشورى الجديد يشدد على أن يتم تقوية مكانة اللغة الإنجليزية، لكن ليس على حساب اللغة العربية، بل هناك توجه متصاعد لتعزيز مكانة اللغة العربية في كل المجالات وعلى مختلف الأصعدة. ومن جانب آخر، شدد سهيل على أن هناك اتجاه لتنويع صيغ التمويل في الاقتصاد العماني. كل ذلك بحكم أن البنوك الإسلامية أثبتت نجاعتها في عدد من البلدان، بفعل تقديمها تسهيلات للتمويل الفردي والمؤسساتي الاستثماري، كل ذلك مستندا على مبدأ الإنصاف والعدالة والمشاركة في المغنم والمغرم. بنك نزوى الإسلامي سيطرح في بورصة الأوراق المالية في شهر يوليوز المقبل على أن يبدأ عمله المصرفي نهاية 2012. الربيع العربي وتداعياته على السلطنة والخليج والعلاقة مع إيران وسبل تطوير العلاقات الاقتصادية المغربية كلها محاور تطرق إليها هذا الحوار وإليكم نصه كاملا: ● هل من لمحة أولية عن سلطنة عمان؟ ●● سلطنة عمان بلد عربي إسلامي يقع جنوب الجزيرة العربية، مساحتها 312 ألف كيلومتر مربع. سكانها 3.5 مليون نسمة: 2.5 مليون عماني، ومليون أجنبي، تعتمد السلطنة أساسا على عوائد النفط والصيد السمكي والتصدير، بلدنا يخضع لمنظومة قانونية ذات مرجعية مستمدة من المرجعية السياسية التي تتبناها السلطنة، على المستوى السياسي سلطنة عمان نظام وراثي، لا توجد هناك أحزاب سياسية، لكن التعيينات الوزارية تأخذ بعين الاعتبار التوازنات المناطقية، كما يتم إشراك التكنوقراط في التعيينات الأساسية. هناك نظام سياسي للدولة الذي هو بمثابة دستور يحكم على كل الجوانب التشريعية، في هذا الصدد تعد الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع، وهناك أيضا مجلس شورى بمثابة مجلس النواب. ● هل هو منتخب؟ ●● نعم أعضائه ينتخبون مباشرة من قبل الشعب، أعضائه 60 شخصا، علاوة على ذلك؛ هناك مجلس للدولة الذي يعين أعضائه، ويضم المجلس كفاءات وخبراء ووزراء سابقين، في الآونة الأخيرة تم منح صلاحيات واسعة لمجلس الشورى المنتخب، وهناك آليات لمناقشة وحتى انتقاد مجلس الوزراء. ● ما هي آثار الربيع العربي على سلطنة عمان، وماهي طبيعة التحولات الجارية في هذا الإطار؟ ●● هناك آثار مباشرة للربيع العربي على التطورات السياسية والاجتماعية في السلطنة، كانت مطالب شعبية في التغيير وإصلاح القوانين، كما طالبت فئات اجتماعية برفع الرواتب، ويمكن القول بأن الاستجابة تمت بسرعة، وكانت قراءة واضحة من الحاكم للفعل الشعبي، لكن بقيت بعض الأمور عالقة لم يتم تسويتها، إن على المستوى الإجتماعي، أو في ما يخص الإصلاح السياسي. في اعتقادي الشخصي، التغيير لا يمكن أن يتم بين ليلة وأخرى، المهم أن مجلس الشورى بدأ يشتغل جديا على القضايا الإجتماعية ويراكم الفعل السياسي. ● لكن ماذا عن الإصلاح السياسي؟ ●● الإصلاح السياسي في اعتقادي لم يتم بعد بتلك القوة الجامحة التي نادى بها الشعب العماني، لكن بالمقابل يجب قراءة الصورة بكل تضاريسها، فالمجتمع العماني مجتمع قبلي وعشائري، والتجاذبات التي تتم تحصل غالبا على أساس مناطقي وقبلي، وهناك تخوف من أن تمتد هاته التجاذبات إلى الساحة السياسية في حالة فتح المجال للأحزاب، الأمور تدرس بطريقة متأنية وبشكل متدرج. السؤال المطروح هو: أليس الهدف من تكوين الأحزاب السياسية هو المراقبة والإصلاح في سياق المسائلة؟ لكن ماذا عن إمكانات تحول تلك الأحزاب السياسية بفعل تجاذبات نابعة من المنطق القبلي والمناطقي إلى عامل الهدم؟ ● ألم يحن الوقت لتأسيس أحزاب سياسية تنتخب الحكومة على ضوء برنامج سياسي؟ ●● شخصيا أنا أميل إلى تكوين أحزاب، وهيئات نقابية في الخليج العربي، معطيات الخليج تختلف عن الوضع في شمال إفريقيا أو أوروبا، المجتمع الخليجي مجتمع عشائري وقبلي، مثلا في سلطنة عمان هناك 10 قبائل ذات كثافة سكانية كبيرة، ماذا يمكن عمله في حالة ما كونت كل قبيلة حزب سياسي خاص بها، ماذا سيكون مآل السلطة؟ وماذا عن مفهوم مصلحة الوطن؟ الخوف بفعل ظروف تاريخية و راهنية أن تجعل من فتح المجال لتكوين الأحزاب السياسية ركيزة لتعميق تغلغل النزعات القبلية والمناطقية. بالمناسبة، في السنوات الأخيرة بدأت وزارة التنمية الاجتماعية بالترخيص لعدد من الجمعيات المهنية والنقابات بالنشاط لتقوية دور المجتمع المدني في الإشتغال على الفعل العام، وقد تتحول هاته الجمعيات مستقبلا إلى أحزاب، وأشير بصفة عامة على أنه يمكن أن تختلف وصفات تنزيل الديمقراطية، لكن المهم في تجاربنا العربية أن تحصل ضمانات تنزيل مقتضيات الشورى التي نادى بها الإسلام. الآليات يمكن أن تختلف وفق الخصوصيات، والكل يعلم أن الديمقراطية الغربية لا يمكن التمسك بالأدوات قبل الحسم في الأهداف. ● ذكرتم أن سلطنة عمان تحتكم في مرجعياتها القانونية والتشريعية على أساس النظام الأساسي للدولة، وهو بمثابة دستور السلطنة، ماهي مصادر احتكام هذا النظام الأساسي؟ ●● النظام الأساسي للسلطنة يعتمد بالتأكيد على الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للتشريع، وكل قانون أو أي تشريع لا يتوافق مع الشريعة، بحكم القانون الأساسي فهو يعد باطلا، حاليا مجلس الدولة أوصى بضرورة إنشاء محكمة دستورية عليا تنظر في كل اللوائح والقوانين، ومدى ملائمتها للنظام الأساسي الذي يعد اسمى قانون موجود في السلطنة. ● لاحظت طغيان اللغة الإنجليزية على لغة التخاطب إعلاميا وكذا في مجال التعليم، يسجل أيضا غلبة اليد العاملة الأسيوية على التركيبة البشرية في السلطنة، أليس هناك خشية على هوية السلطنة مستقبلا؟ ●● كما تعرف اللغة الإنجليزية لغة عالمية، ولغة التخاطب الأولى في العالم على المستويات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية، لذلك فالأمر مبرر نسبيا، لكن على عكس ما ذهبت إليه في ملف التعليم، أشير إلى أن هناك توجهات قوية في مجلس الشورى الجديد يشدد على أن يتم تقوية مكانة اللغة الإنجليزية، لكن ليس على حساب اللغة العربية، هناك توجه متصاعد لتعزيز مكانة اللغة العربية في كل المجالات وعلى مختلف الأصعدة. فيما يخص التركيبة البشرية في السلطنة، هناك نحو مليون ونصف من الأجانب أكثر من نصفهم هنود. هل يمكن للوضع أن يؤدي إلى تحولات ديموغرافية تقوض مفهوم الهوية العمانية في صيغتها الحالية، و تؤثر على الهوية في المستقبل البعيد، لعله سؤال مطروح على المستقبل؟ كل هذا مع العلم أن الهوية مسألة متحولة ومتحركة في الزمن، لكن أعترف أن هناك تحديات ثقافية وقيمية تواجهها دول الخليج العربي بفعل التحولات الجارية داخل المجتمعات الخليجية التي تهم أساسا التركيبة البشرية، وطبيعة التجليات المصاحبة لها في مجالات اللغة والإعلام والسلوكيات الثقافية العميقة، وكذا السلوكيات اليومية. ● لكن لماذا لا تستعين سلطنة عمان أو دول الخليج العربي عامة بعمالة عربية من مثل المصرية أو المغربية؟ ●● العمالة العربية موجودة، لاسيما في قطاعات السياحة والمكاتب والمطاعم، بينما العمالة الأسيوية تمتهن أساسا قطاع البناء والأشغال ذات المردود المادي الضعيف، وبالتالي فمن الطبيعي بحكم القرب الجغرافي أو العامل التاريخي وكذا بطبيعة ضعف المعيشة في الهند، أن يؤدي الوضع إلى هيمنة العنصر الأسيوي كعمالة في سلطنة عمان وكذا باقي دول الخليج. ● ماذا عن النظام التمويلي البنكي، هل هناك بنوك إسلامية في السلطنة؟ ●● إلى حدود الشهور الأخيرة لم تكن هناك بنوك إسلامية في السلطنة، باستثناء فروع لبنوك دول الخليج. لكن في هذه الأيام هناك بنك نزوى الإسلامي يطرح أسهمه للاكتتاب سيحتكم إلى أحكام الشريعة الإسلامية، وهناك اتجاه لتنويع صيغ التمويل في الاقتصاد العماني. كل ذلك بحكم أن البنوك الإسلامية أثبتت نجاعتها في عدد من البلدان، بفعل تقديمها تسهيلات للتمويل الفردي والمؤسساتي الاستثماري، كل ذلك مستندا على مبدأ الإنصاف والعدالة والمشاركة في المغنم والمغرم. بنك نزوى الإسلامي سيطرح في بورصة الأوراق المالية في شهر يوليوز المقبل على أن يبدأ عمله المصرفي نهاية 2012، مايمكن قوله أن النموذج الإسلامي بدأ يتبلور في كل مجالات الحياة من الجانب المالي والمصرفي وكذا على مستوى التشريعات والقوانين. وهو مجال يتطلب نوعا من الاجتهاد والابتكار من قبل المسلمين لتأسيس نموذج للتنمية بالمفهوم الإسلامي العام الذي يشمل مختلف المجالات من ثقافة وفن وسياسة وإعلام وإقتصاد. ● هل يمكن أن نتعرف على خريطة الحركة الإسلامية في سلطنة عمان؟ ●● الفعل الإسلامي في سلطنة عمان يمكن تلخيصه في ثلاث خانات، أولها غياب حركة إسلامية سياسية منظمة بفعل غياب التصاريح. ثانيا هناك دعاة إصلاح يشتغلون تحت مظلة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. ثالثا هناك دعاة مستقلين بذاتهم يتصدون لأمر الدعوة. ليست هناك حركة إسلامية بالمفهوم المتعرف عليه عربيا، من الدعاة المجدين أذكر اليافعي، أشير على أنه في السنوات الأخيرة اهتمت وزارة الأوقاف العمانية بشكل متصاعد بالشأن الديني سواء عبر الاعتناء بالمساجد، أو عن طريق الوعظ والإرشاد. ● يشار إلى أن المجتمع العماني خال من النزعات المتطرفة؟ ●● المجتمع العماني خال تماما من النزعات المتطرفة، وسلطنة عمان لم تشهد أية قلاقل في هذا الإتجاه، ثم إن السلطة تمتص جل طلبات الشارع العماني، الوفرة النقدية للسلطة بحكم ارتفاع أسعار النفط توفر للسلطة هامش المناورة، هناك سياسة لاعتماد التوزيع شبه العادل للثروة، وكذا هناك اهتمام متزايد بالمناطق المهمشة، كل هذا ساهم في عدم بروز حركات متطرفة قد تنادي بأمور خارجة عن المألوف في التغيير بالمفهوم الإسلامي. ● سلطنة عمان عضو في مجلس التعاون الخليجي، سؤال: ما الذي يعوق تأسيس تحالف خليجي يحقق الإندماج الحقيقي بين الدول الست؟ ●● المعوقات يمكن إجمالها في رغبة البعض في ممارسة فعل الهيمنة، إذ هناك محاولات من قبل البعض في الاستفراد بالقرار، في محاولة فرض سياساتها النقدية والاقتصادية على الدول الأقل حجما في التجمع الخليجي، وهناك ثلاث دول تسعى جاهدة لاستكمال السياسة النقدية،ننننننن بالمقابل فمن أجل إنجاح التكامل لابد من بديهيات التعاون التكاملي، وهي خلق التوازن بين مختلف الدول، التنازل المتبادل من أجل تحقيق المصلحة المشتركة، كذلك إعادة النظر في مفاهيم السيادة المطلقة. وهذا يتطلب وقتا للوصول إلى اقتناع الجميع بأن التعاون والتكامل وتأسيس كيانات إقليمية حقيقية مسألة حياة أو موت. ● كيف ترون مستقبل العلاقة بين دول الخليج وإيران؟ ●● إيران دولة مسلمة جارة تربطها بالخليج علاقات الجوار والتاريخ، أرى أنه يجب أن تبنى العلاقات الخليجية الإيرانية على أساس المصالح المشتركة، وليس وفق منطق الهيمنة، هناك خلافات حول الجزر الإماراتية الثلاث وكذا حول الملف النووي، لكن أعتقد أنه يجب أن تحل المشاكل في ظل مظلة اشمل، هي مظلة الأممالمتحدة ونطاق القانون الدولي، سياسة العدوان لن تفيد أحد وليست في مصلحة لا العرب ولا إيران. ● ما هو انطباع الشارع الخليجي من الحديث عن توجيه ضربة لإيران بحكم ملفها النووي؟ ●● ليس هناك من يشجع على ضرب إيران، ما سيصيب إيران سيصيب أكيد دول الخليج، وإن كنت أؤكد على أن إيران تتدخل سياسيا وسياديا في الشؤون الداخلية لعدد من الدول العربية، وتدخلها غير راجع لقوتها فحسب، بل يعود أيضا على ضعف الجانب العربي. وكمثال على ذلك ما جرى ويجري في الساحة العراقية، التدخل الإيراني في العراق كان يتم على مرأى ومسمع من العرب، لكن بعد خمس سنوات يأتي الجانب العربي ويتحدث عن التغلغل الإيراني في شؤون العراق. هل يمكن إصلاح ما أفسده الدهر؟ أعتقد أن الكثير من المشاكل مع إيران يجب أن يتم حسمها على طاولة المفاوضات، واللجوء للقوة ليس في مصلحة أحد، يكفينا ما جرى في العراق وأفغانستان، وما يجرى في باكستان واليمن بشكل من الأشكال، وأقولها بصراحة الصراع بين العرب وإيران لن يستفيد منه سوى أعداء الأمة العربية والإسلامية. هناك جهات أجنبية تعمل بكل استراتيجياتها ومخططاتها لإحداث الخراب والهلاك في المنطقة التي تضم العرب وإيران. ● أخيرا، كيف ترى العلاقات المغربية العمانية وما هي سبل تطويرها؟ ●● العلاقات على المستوى السياسي بين المغرب وسلطنة عمان ممتازة، لكن هناك قصور على مستويات الاقتصاد والتبادل الثقافي والعلمي، فيما يتعلق بسبل تطوير العلاقات، أرى أنه على مستوى العلاقات الاقتصادية؛ المطلوب تعزيز الشراكة في إطار أشمل يشمل دول المغرب العربي ومجلس التعاون الخليجي، عالم اليوم هو عالم التكتلات الاقتصادية الكبرى، من جهة أخرى يجب تكثير الزيارات الاقتصادية بين الجانبين، كل ذلك في إطار البحث عن التكامل الاقتصادي وتعزيز الفرص الاستثمارية في كل بلد.