إن القرب الجغرافي كأساس للتعاون هو واقع تاريخي طبيعي ، وجدت فيه الدول المتجاورة مصلحة للعمل المشترك باتجاه توسيع السوق والتبادلات الاقتصادية والثقافية وباتجاه حصر النزاعات . ويصبح هذا الواقع ذا معنى أقوى عندما تجمع هذه الدول خصائص وحدة اللغة ، والتاريخ والتراث ، والدين والمصير المشترك ، كحالة الدول العربية ومنها دول الخليج والجزيرة العربية .
إن موضوع التعاون العربي يفترض إطاراً محدداً آخذاً في الاعتبار وحدة الدول العربية التاريخية ، وكذلك انغماس الدول الاستعمارية في عملية تشتيت هذه الدول . وبدلا من أن يصبح القرب الجغرافي منطلقاً للوحدة بين عدة أقطار عربية ، تتوفر فيها إمكانات الوحدة تحول هذا القرب إلى طرق تفترق عليها الوحدة . ولا شك أن المنطقة العربية تأثرت تأثراً كبيراً بتداعيات الأحداث الكبيرة التي تلاحقت منذ بداية سبعينيات القرن الماضي إلى اليوم ، والتي أخذت تطرح بقوة إطاراً جديداً للعلاقات بين دول المنطقة ، وتؤثر – بالتالي – في دور المنظمات العربية الجهوية التي نشأت في الثمانينيات في الوطن العربي . وقد مثل إنشاء مجلس التعاون الخليجي عام 1981 تطوراً نوعياً في مجال العمل العربي المشترك ؛ فقد كان أول تنظيم جماعي عربي فرعي يتم إنشاؤه إلى جانب الجامعة العربية منذ ظهورها عام 1945 ، ولهذا فقد فتح المجال بعد ذلك لإنشاء تجمعات أخرى مماثلة ، وإن كانت لم تستطع أن تحافظ على استمرارها مثل مجلس التعاون العربي الذي انهار بعد غزو العراق للكويت عام 1990 أو على فاعليتها العملية مثل الاتحاد المغاربي الذي تتعثر مسيرته منذ عدة سنوات بسبب الخلافات بين أعضائه ، وأثبتت السنوات الماضية من عمره أنه إضافة للتعاون العربي وليس تهديداً له أو انتقاصاً منه . لقد جاء إعلان ميلاد مجلس التعاون الخليجي في 25 مايو / أيار 1981 بهدف تعزيز التعاون بين دول المجلس الست ، وقد كان العامل الأمني أحد الأسباب الرئيسية المهمة التي أدت إلى إنشاء المجلس ، وذلك بفعل المتغيرات الإقليمية والدولية ، والتفاعلات الداخلية والخارجية ، والتي ولدت قلقاً عميقاً لدى قادة الدول الست جعلتهم يسارعون لإنشاء المجلس بهدف مواجهة المأزق السياسي والأمني في المنطقة . لقد أصبح المجلس – رغم التفاوت الذي يقر به أعضاؤه بين الطموحات والإنجازات – مكسباً لا يمكن التخلي عنه وإنجازاً لا يمكن إلغاؤه ، على أن أهم عناصر القوة فيه هي أن المجلس يستمد قوته من استناده إلى قاعدة شعبية متجانسة ثقافياً واجتماعياً ودينياً ، وصلات أسرية بين شعوبه ، وقمة يجمعها المنظور السياسي والاقتصادي الواحد, وهي من المقومات الأساسية التي كفلت لمسيرة مجلس التعاون الانطلاقة السلسة والاستمرارية . ويمثل العامل الجغرافي أهمية خاصة في هذا التجمع يتمثل في توافر مقومات الارتباط السكاني، بحكم عامل الامتداد والتواصل، فالبلدان الستة جيران بحكم الموقع، ويمتد إقليمها على أرض منبسطة لايوجد فيها حواجز طبيعية تقريبا، كما أنها تطل على سواحل بحرية تمتد إلى الخليج العربي والبحر الأحمر، مما يسمح لها بسهولة الاتصال البري، والبحري بينهما لاسيما بعد إقامة شبكة مواصلات بحرية وجوية وبرية حديثة تربط بينها، الأمر الذي جعل هذه المنطقة وحدة جغرافية واحدة ذات مصالح ومخاوف مشتركة، وسهل اتجاهها نحو التجمع. ويضيف التجانس السياسي بعدا آخر إلى هذا التجمع ، فالبلدان الستة تتسم بدرجة عالية من التجانس السياسي، فتحكمها أسر تتوارث الحكم، وتتبع أنظمة داخلية متشابهة (أميرية، مشيخات) ، وفلسفة اقتصادية متقاربة، كما تتحد إلى حد بعيد في الخطوط العريضة لسياستها الخارجية، فجميعها يرتبط بالمعسكر الغربي، ويضاف إلى ذلك كله وجود السعودية كقطب أساسي لقيادة التوجه نحو التجمع، بما تتمتع به من وزن خاص داخل هذه المجموعة، وقد مارست في المرحلة التمهيدية لتكوين المجلس بالفعل دور الدولة القائدة،ذات القدرة على القيام بضغوط كافية للاتجاه ببلدان الخليج الخمسة في اتجاه التجمع . وفي المجال الاقتصادي تتشابه خصائص هذه الدول من حيث أن البترول والغار ومشتقاتهما (مباشرة أو غير مباشرة) يشكلان العنصر الرئيسي لمكونات الدخل الوطني الإجمالي وللصادرات. كما تتشابه هياكل المالية العامة الي حد كبير مع وجود بعض الاختلافات المحدودة بالأنظمة والإجراءات المالية. وتشغل دول مجلس التعاون حيزاً كبيراً من الأرض يسكنه عدد قليل نسبياً من البشر. إلا أن معدل النمو السكاني في جميع دول المجلس يعتبر من أعلى المعدلات في العالم. كما أن مستويات النمو الاقتصادي في الدول الست متقاربة إلى حد كبير. هذا وقد نصت المادة الخامسة على حصر العضوية في الدول الستة المكونة للمجلس، حيث لم تترك المجال مفتوحا أمام أي من الدول الأخرى للانضمام إلى المجلس، وعلى هذا يمكن اعتبار المجلس تنظيما دوليا إقليميا محدود العضوية . كما نصت المادة السادسة من النظام الأساسي على أن مجلس التعاون الخليجي يتكون من الأجهزة الرئيسية التالية: المجلس الأعلى وتتبعه هيئة تسوية المنازعات. المجلس الوزاري. الأمانة العامة. ولكل من هذه الأجهزة إنشاء ما تقتضيه الحاجة من أجهزة فرعية. أما فيما يتعلق بمقر المجلس، واجتماعاته، فقد نصت المادة الثانية من النظام الأساسي للمجلس، على أن يكون مقر المجلس مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية، كما نصت المادة الثالثة من نفس النظام على أن يعقد المجلس اجتماعاته بدولة المقر، وله أن يجتمع في أي من الدول الأعضاء، أما اجتماعات المجلس الأعلى والمجلس الوزاري وهيئة تسوية المنازعات، فإنه لا ينطبق عليها مضمون نص المادة الثالثة، حيث تحتضن الدول الأعضاء وبصورة دورية الاجتماعات الخاصة بتلك الأجهزة. ولعل أهم نتيجة نخلص إليها من خلال هذه التجربة، بإيجابياتها وسلبياتها، وعبر سياسة المؤتمرات التي نهجها مجلس التعاون وحكومات دوله الست، هي أنها ذات طبيعة استراتيجية، أكثر ماهي خطوة نحو خلق سوق خليجية عربية، يمكنها أن تصب في مشروع " السوق العربية المشتركة" . فالمغرب مثلا تربطه علاقات قوية مع الدول الخليجية، فبالرغم من المسافة الجغرافية التي تفصل المملكة المغربية عن الخليج العربي، فإن ذلك لم يحل دون قيام علاقات قوية، صحيح متفاوتة الأهمية مع دول المنطقة، استندت على عناصر تجمع الطرفين، منها ما هو موضوعي مرتبط بالعروبة والإسلام، وبالنظام القيمي الذي ينتمي إليه الطرفان، وعناصر ذاتية ترجع إلى العلاقات الشخصية التي نسجها الملك الراحل الحسن الثاني من خلال خبرته الطويلة مع قادة والمسؤولين في الدول الخليجية، هذه العلاقات تستند إلى مجموعة من المحددات: - هذه السياسة تعد جزءا لا يتجزأ من السياسة العربية والإسلامية للمملكة المغربية . - أن هذه السياسة تتغذى من حرص المغرب على تبني سياسة متوازنة وعادية مع كافة الدول، حتى مع الأطراف العربية قائمة على قواعد القانون الدولي، كاحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية ، وهو ما تجلى بوضوح في حرب الخليج الثانية. - العامل الثالث الذي شجع على تطور العلاقات المغربية الخليجية هو مساندة دول الخليج لمطالب المغرب فيما يتعلق باسترجاع أقاليمه المستعمرة واستكمال وحدته الترابية. - العلاقات الاقتصادية المتميزة بين الطرفين، فمن الواضح أن مساهمة الدول الخليجية والتي تنام منذ الصدمة البترولية الأولى قد تمثلت من جهة في القروض والإعانات الممنوحة للمغرب، وكذلك الاستثمارات في بعض القطاعات السياحية والعقارية حيث تحتل الاستثمارات السعودية والامارتية والكويتية مكانة بارزة . إن تأييد قادة مجلس التعاون الخليجي الثالث عشر المنعقد بالرياض مساء الثلاثاء 10 ماي 2011 يعد قرار حكيما وبناء ستكون له آثار إيجابية على الدور المستقبلي للمغرب في شؤون المنطقة. ويمكن القول أن هناك مجموعة من العوامل التي أدت بالمغرب إلى طلب الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي، فمن جهة يرغب المغرب في تنويع شركائه الاقتصاديين وتوجيه الاهتمام إلى الشرق بدل التركيز على الجانب الأوربي والأمريكي والأفريقي. ومن ناحية أخرى فالمغرب لم يعد يرى في الاتحاد المغاربي المنظمة التي يمكن التعويل عليها للنهوض بدورها الاقتصادي والسياسي والثقافي. إضافة إلى ذلك، فالمغرب يريد تعويض تراجع دوره العربي على المستوى السياسي بمبادرة اقتصادية أكثر جرأة قد تكون مستقبلا مدخلا للمشاركة في حل الكثير من النزاعات الخليجية. أما مجلس التعاون الخليجي فقد اعتبر طلب المغرب بالانضمام إليه منطقيا لعدة اعتبارات، تعود إلى التشابه الكبير بين الأنظمة السياسية الخليجية والنظام السياسي المغربي -الملكية الوراثية- وكذا ما ينعم به المغرب من استقرار سياسي وطفرة اقتصادية وإصلاحات طموحة ساهمت في تحسين صورة المغرب في الساحة الدولية. كما أن مجلس التعاون الخليجي ينظر إلى المغرب بصفته الدولة ذات النظام الديمقراطي والخصوصية الثقافية والسياسية التي صمدت في وجه العواصف السياسية والثورات التي أطاحت بالأنظمة الديكتاتورية العربية. من جهة أخرى فإن مجلس التعاون الخليجي تتهدده مخاطر أمنية وسياسية منها ما يتعلق بطبيعة الجوار الإقليمي والتوترات الحاصلة في العراق واليمن وسوريا وإيران، إضافة إلى ما يتهدد بعض أعضائه كالبحرين وسلطنة عمان من ارتجاجات سياسية قد تؤثر على عضوية هذه الدول فيه،لذلك فإن ترشيح دول أخرى كالمغرب والأردن قد يأتي لإحداث نوع من التوازن داخل هذا التجمع الإقليمي. إن النظام الأساسي لمجلس التعاون لم يتضمن أي نص بخصوص العضوية بالانضمام والمتغيرات التي قد تطرأ على العضوية في المجلس ، كما أنه قد جاء خالياً من أية إشارة – صريحة أو ضمنية – لأية جزاءات يمكن للمجلس أن يلجأ إلى فرضها بالنسبة لأي عضو من أعضائه يمعن في انتهاكه لأحكام هذا النظام الأساسي ، لكنه أشار إلى أن هذا النظام الأساسي كغيره من الاتفاقيات المنشئة للمنظمات الدولية لا يجوز التحفظ عليه. إن قرار مجلس التعاون بانضمام المملكة المغربية إليه مثل نقطة تحول بارزة في النظرة الخليجية للمملكة المغربية ، كما مثل إدراكاً من دول المجلس أن الواقع الجديد قد أوجد حالة جديدة أساسها إمكانية إقامة علاقة على أساس تكافؤ المصالح بين المملكة الغربية ومجلس التعاون ، وقد عكس هذا القرار بصورة أو بأخرى المكانة المهمة التي تمثلها المملكة المغربية لدول مجلس التعاون الخليجي ، إضافة إلى إعادة ثقة دول المجلس بالمغرب ، وإدراكها لأهميته بالنسبة لها ، ودوره المهم في الشرق الأوسط ، فضلاً عن المتغيرات الدولية والإقليمية التي حتمت - وتحتم - ذلك التقارب بين دول الجزيرة العربية و المغرب ، ومن ثم سعت دول مجلس التعاون إلى تأييد طلب انضمام المغرب إلى مجلسها ، إلا أن عدم تناول مسألة العضوية بصورة مفصلة في النظام الأساسي لمجلس التعاون وقصرها على الدول الست المؤسسة للمجلس قد وضع مانعاً قانونياً أمام انضمام المغرب أو أية دولة أخرى من دول المنطقة إلى المجلس ، وهو ما يطرح سؤالا حول نوعية العضوية المقترحة مما يستوجب تعديل النظام الأساسي له لإزالة ذلك المانع . هوامش:محمد بوبوش: شرعية الأنظمة السياسية في دول مجلس التعاون الخليجي، دفاتر سياسية، العدد 108،مارس 2010 - محسن عوض: محاولات التكامل الإقليمي في الوطن العربي، مجلة المستقبل العربي، العدد 121، مارس 1989 ، ص: 78. - مجدي صبحي: التعاون الخليجي كتجربة للتكامل الإقتصادي الإقليمي، السياسة الدولية، العدد 94 أكتوبر 1988،ص:31. أنظر: د. الحسان بوقنطار: السياسة الخارجية المغربية في المحيط العربي،مركز الدراسات الإستراتيجية، كلية الحقوق، الرباط، عدد 54-5/1992، ص: 23-46. - راجع: عبد الرحيم عنيس: السياسة المغربية الشرق الأوسطية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا، كلية الحقوق، جامعة محمد بن عبد الله، فاس، 1992،ص:224. - د. الحسان بوقنطار: السياسة العربية للمملكة المغربية، المرجع السابق، ص: .145 محمد بوبوش: باحث في العلاقات الدولية،جامعة محمد الخامس،الرباط