لايتردد إسم سلطنة عمان كثيرا في وسائل الإعلام الإقليمية والدولية، ولايبدو حاضرا في الأحداث التي تشغل اهتمام الرأي العام سواء في المنطقة العربية أو في غيرها، ثمة بعض العوامل التي تساعد على تفسير هذه الظاهرة الملفتة للانتباه، فعادة ماتصنع السياسة الخارجية لكل قطر في علاقاتها مع مستجدات الأوضاع الدولية الحدث وتجلب إليها الاهتمام، لذلك يبدو حضور المناطق التي تعيش النزاعات الدولية أو الإقليمية أو حتى الداخلية منطقيا، إلا أن الساسة في مسقط يسلكون طريقا ثالثا في هذا الشأن، حيث تكاد تكون السياسة الخارجية العمانية متميزة من حيث علاقاتها مع الجيران ومع دول المنطقة، إذ ترتكز على حياد إيجابي جعل مسقط محل تقدير من الآخرين سواء كانوا قريبين منها أو بعيدين جغرافيا، إلى درجة يصح القول معها إن سلطنة عمان سويسرا الخليج، فقادتها لايركزون إلا على القضايا التي ستضمن لهم تسريع وتيرة التنمية. وفي هذا الشأن نفهم ونستوعب كيف يتحول افتتاح دورة نيابية جديدة لمجلس عمان (البرلمان) إلى حدث يحظى بالاهتمام، قد يكون هذا الحدث في بلد آخر تكتظ فيه الأحداث وتتزاحم التطورات حدثا يجد موقعه في مرتبة متأخرة، لكن في سلطنة عمان يحتل صدارة الاهتمامات والانشغالات خصوصا وأنه يتميز بخطاب يلقيه السلطان قابوس. وحينما نعود إلى هذا الخطاب الذي ألقاه سلطان سلطنة عمان صباح أول أمس في مدينة صلالة جنوب مسقط بحضور أعضاء مجلس الدولة ومجلس الشورى وحشد هائل من السياسيين ورجال الاقتصاد والاجتماع وممثلي السلك الديبلوماسي نجد ما يؤشر ويؤكد مضمون توجه السياسة الخارجية العمانية التي تحدثنا عنها حيث قال جلالته: «ومن المبادئ الراسخة لعمان التعاون مع سائر الدول والشعوب على أساس من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وعدم التدخل في شؤون الغير، وكذلك عدم القبول بتدخل ذلك الغير في شؤوننا» ولعل هذا ما ساعد قادة عمان على التركيز على ما ينفع البلاد في بحث سبل النماء والتطور في إطار معادلة متوازنة يوضح السلطان قابوس في نفس الخطاب أنها «تمكنت عمان خلال المرحلة المنصرمة من إنجاز كثير مما تطلعنا إليه، وكان ذلك ضمن توازن دقيق بين المحافظة على الجيد من موروثنا الذي نعتز به، ومقتضيات الحاضر التي تتطلب التلاؤم مع روح العصر والتجاوب مع حضارته وعلومه وتقنياته والاستفادة من مستجداته ومستحدثاته في شتى ميادين الحياة العامة والخاصة» مضيفا بأن الطريق إلى تحقيق ذلك لم يكن سهلا وميسورا وإنما اكتنفته صعاب جمة وعقبات عديدة، لكن تم التغلب على جميع الصعاب واقتحام كل العقبات. والواضح أنه بافتتاح دورة مجلس عمان يكون هذا البلد الخليجي الصامت بصدد إحداث تراكم إيجابي على المستوى السياسي، وهو تراكم غائب في دول مجاورة تزن شعاراتها كثيرا لكن موازين مؤسساتها السياسية تخف إن لم تكن فارغة فعلا. ويتفق كثير من الملاحظين، كما أكدت لنا ذلك مصادر ديبلوماسية أن الانتخابات التشريعية التي جرت قبل سنتين تحصنت بحياد الادارة وشفافية ونزاهة الاقتراع، وإن المؤسسة النيابية الرئيسية التي أفرزتها هذه الانتخابات وإن لم تكن في مستوى التجارب النيابية المتقدمة في العالم، فإنها مع ذلك تمثل تجربة جديرة بالاهتمام في منطقة تجف فيها أنهار المؤسسات السياسية. ومهم الاشارة إلى أن كل هذا الهدوء السياسي الذي تعيشه سلطنة عمان حيث تغيب عنها التجاذبات العنيفة والمناقشات الصاخبة يمكن أن يكون مرده لهذا التوافق العام الذي يلم هذا الشعب الهادئ والطيب، ويمكن القول في هذا الصدد إن الناس منشغلون بالبناء وتسريع وتيرة التطور والتنمية أكثر من أي انشغال آخر، وواضح أن القادة في هذا القطر العربي الخليجي وفروا شروطا مهمة لاستنبات وسيادة الاستقرار والثقة.